St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   jesus-eucharist
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المسيح في سر الإفخارستيا - القمص تادرس يعقوب ملطي

30- صلوات أفخارستية في ليتورجيا المؤمنين

 

أ – التسبحة السماوية: "ارفعوا قلوبكم"

حضرة سماوية

يمكننا أن نقول أن خدمة ليتورچيا المؤمنين تبدأ بتسبيح الشعب: "رحمة السلام، ذبيحة التسبيح". هذه التسبحة هي استجابة لطلب الشماس أن نقف بخشية وخوف نقدم ذبيحة الحمد الدائم لله كثمرة لشفاهنا الشاكرة إياه. هذه هي ذبيحة السلام، فقد تقبلنا بالصليب سلامنا مع الله، سلامًا داخليًا يملأ القلب فرحًا حقًا، ويطلق ألسنتنا الداخلية نحو السماء تشترك في التسابيح الملائكية.

لقد أُغلقت أبواب الكنيسة على جماعة المؤمنين دون سواهم حتى يرتفع الكل إلى السماء يشتركون في الليتورچيا السماوية.

لكن بين استحقاق ترتفع الكنيسة للسماء وتنعم بهذا السرّ العظيم؟

يروي لنا الطقس سرّ دخولنا السماء؛ فإن الكاهن ومعه الشماس يرفعان "الابروسفارين" ويحركانه بهدوء فوق رأسيهما، فنسمع أصوات "الجلاجل" المثبتة فيه. وكأن ليتورچيا السماء تبدأ بقيامة ربنا، التي هي سرّ دخولنا السماء وعلة تأهلنا لها.

فالحجر، أي الابروسفارين، قد دُحرج، وصوت الزلزلة أي الجلاجل قد سُمع، والمصالحة تمت، وصار لنا موضع بين السمائيين نشاركهم تسبيحاتهم وحمدهم أمام الله...

إنها لحظات رهيبة فيها نخدم الله بخشوع وتقوى، وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي:

*      يليق بنا في هذه اللحظة الرهيبة القدسية أن نرفع قلوبنا إلى العلا، ولا نعود نتطلع إلى الأرض والأرضيات، إذ يدعونا الكاهن إلى ترك كل اهتمامات الحياة وارتباكات الزمن في هذه اللحظة بغير ريب، حتى تتجه قلوبنا إلى السماء نحو الله صديق البشرية.

 القديس كيرلس الأورشليمي

ينقل الكاهن اللفافة التي بيده اليسرى إلى اليمين، علامة انتقالنا إلى جانب الرب الأيمن

ثم يمسك باللفافة التي على الحمل، ويرشم بها الشعب والخدام ونفسه على شكل صليب ثلاث مرات، معلنًا أن الكنيسة كلها -شعبًا وكهنةً- تستمد البركة من "حمل الله".

يبدأ الكاهن يبارك الشعب قائلًا:

"الرب مع جميعكم"

القداس الباسيلي

أو "محبة الله الآب،

ونعمة الابن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح،

وشركة وموهبة وعطية الروح القدس،

تكون مع جميعكم".

القداس الاغريغوري

إذ ارتفعت الكنيسة إلى السماء، صارت في حضرة الرب: الرب مع جميعكم. تتكشف حقيقة محبة الله الآب الذي أرسل ابنه وحيد الجنس من أجل خلاصنا، ونعمة الابن المجانية هذا "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته"، وشركة الروح القدس إذ به وُلدنا لله أبناء متحدين مع ربنا ومع بعضنا البعض في المسيح يسوع، وهكذا صار لنا جميعًا شركة الروح القدس الذي ينعم علينا بمواهب متنوعة.

استخدمت هذه البركة الرسولية "الرب مع جميعكم" منذ القرن الأول، وقد جاء في التلمود[293] أنها كانت مستخدمة قبلًا عندما يرغب إنسان أن يذكر زملاءه بالناموس.

وكما يعلن الكاهن للشعب أنهم في حضرة الرب، يجيبونه هم قائلين: "ومع روحك أيضًا"، إذ هو في مسيس الحاجة إلى الشعور بالوجود مع الله.

يصرخ الكاهن "ارفعوا قلوبكم"، ؛أي لتكن أذهانكم متسمة بالسمة السمائية لا الأرضية.

ويجيب الشعب أن قلوبهم قد ارتفعت إلى السماء حيث يوجد كنزهم "يسوع المسيح"، قائلين: "هي عند الرب".

لقد تبعناه في صعوده ما دام قد قبلنا على مائدته في ملكوته.

لقد دخلنا الحياة الإسخاتولوچية (الأخروية) واجتزنا ما وراء الزمن والمكان. هذا كله يتحقق لنا إذ يتم بالنسبة للخبز والخمر!

أما وقد ارتفع قلبنا للسماء فلم يبق لنا إلاَّ أن نقدم الشكر للرب، فيقول الكاهن: "فلنشكر الرب - إفخارستومين" ويجيب الشعب "مستحق وعادل".

يقول القديس أغسطينوس[294]:

*      من يطلب منكم أولًا "ارفعوا قلوبكم" فإن هذا يليق بأعضاء السيد المسيح. إذ تصيرون أعضاء المسيح، أيه هو رأسكم؟... إنه في السماء! لذلك عندما يُقال لكم "ارفعوا قلوبكم"، تجيبون "هي (رُفعت) عند الرب". رفع القلب عند الله هو هبة إلهية، فلكي لا تنسون هذا لقوتكم أو استحقاقكم أو أعمالكم، لهذا فإنه بعدما تجيبون "هي (رُفعت) عند الرب" يقول الأسقف أو الكاهن الخديم "فلنشكر الرب" إذ ارتفعت قلوبنا عنده.

فلنشكره، لأنه لو لم يهبنا نعمته لبقيت قلوبنا متشبثة بالأرض!

هذا أنتم تشهدون بهذا إذ تقولون "مستحق وعادل" أي نشكر ذلك الذي رفع قلوبنا إلى حيث يوجد رأسنا!

القديس أغسطينوس

إذن الإفخارستيا هي "أنافرا" أي ارتفاع القرابين والقلب وحياتنا كلها، خلال الرأس يسوع المسيح، الذي بدونه نبقى مطروحين أرضًا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

طغمة سمائية

إذ صرنا جنبًا إلى جنب مع الطغمات السمائية، نشارك السبع طغمات السمائية وطغمتيّ السيرافهم والكاروبيم تسابيحهم، وكأننا صرنا الطغمة العاشرة بين السمائيين، فأخذنا الموضع الذي كان للشيطان قبلما يهوي إلى الجحيم.

تأمل ماذا يصلي الكاهن!

"مستحق وعادل،

مستحق وعادل،

لأنه حقًا بالحقيقة مستحق وعادل،

أيها الكائن السيد الرب الإله الحق،

الكائن قبل الدهور، والمالك إلى الأبد،

الساكن في الأعالي والناظر إلى المتواضعات.

الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها.

أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.

هذا الذي خلقت الكل به: ما يُرى وما لا يُرى.

الجالس على كرسي مجده،

المسجود له من جميع القوات المقدسة".

القداس الباسيلي

"مستحق ومستوجب، مستحق ومستوجب،

مستحق بالحقيقة وعادل،

أن نسبحك ونباركك ونخدمك ونسجد لك ونمجدك أيها الواحد وحده الحقيقي..."

القداس الاغريغوري

"مستحق وعادل، مستحق وعادل،

بالحقيقة مستحق وعادل ومقدس ولائق ونافع لنفوسنا وأجسادنا وأرواحنا، أيها الرب...

أن نسبحك ونرتل لك ونخدمك ونسجد لك ونشكرك ونمجدك،

ونعترف لك ليلًا ونهارًا،

بشفاه غير هادئة وقلب لا يسكت وتمجيدات لا تنقطع...

هذا الذي من قبله نشكر ونقرب لك معه مع الروح القدس المساوي غير المفترق، هذه الذبيحة الناطقة،

هذه التي تقربها لك جميع الأمم،

من مشارق الأرض إلى مغاربها، ومن الشمال إلى الجنوب،

لأن أسمك عظيم يا رب في جميع الأمم،

وفي كل مكان يقدم بخور لاسمك القدوس وصعيدة طاهرة..."

القداس الكيرلسي (المرقسي)

St-Takla.org Image: Eucharist and Jesus Christ, 2012, used with permission - by Mina Anton صورة في موقع الأنبا تكلا: الإفخارستيا والمسيح، 2012، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

St-Takla.org Image: Eucharist and Jesus Christ, 2012, used with permission - by Mina Anton

صورة في موقع الأنبا تكلا: الإفخارستيا والمسيح، 2012، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

عندئذ ينذر الشماس الشعب قائلًا: "أيها الجلوس قفوا" وبعد صلاة أخرى يقول الشماس: "وإلى الشرق انظروا".

لقد صرنا سمائيين وحسبنا بين صفوف العلويين، نقف معهم متطلعين إلى الشرق تجاه عرش شمس البرّ.

لهذا يصلي الكاهن قائلًا:

"أنت الذي يقف حولك الشاروبيم الممتلئون أعينًا والسيرافيم ذوو الستة أجنحة، يسبحون على الدوام بغير سكوت، قائلين".

القداس الباسيلي

"أنت الذي يسبحه الملائكة، ويسجد لك رؤساء الملائكة،

أنت الذي يباركك الرؤساء، ويصرخ لك الأرباب،

أنت الذي ينطق السلاطين بمجدك، أنت الذي يرسل لك الكراسي الكرامة،

ألوف ألوف وقوف قدامك، وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة،

أنت الذي يباركك غير المرئيين، أنت الذي يسجد لك الظاهرون، ويصنعون كلهم كلمتك يا سيدنا.

الذي أعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم،

اقبل منا نحن أيضًا صلواتنا مع غير المرئيين،

احسبنا مع القوات السمائية.

ولنقل نحن أيضًا مع أولئك إذ طرحنا عنا كل أفكار الخواطر الشريرة،

ونصرخ بما يرسله أولئك، بأصوات لا تسكت،

وأفواه لا تفتر،

ونبارك عظمتك.

أنت هو القيام حولك الشاروبيم والسيرافيم،

ستة أجنحة للواحد، وستة أجنحة للآخر،

فبجناحين يغطون وجوههم،

وباثنين يغطون أرجلهم ويطيرون باثنين[295]،

ويصرخون واحد قبالة واحد منهم.

يرسلون تسبحة الغلبة، والخلاص الذي لنا بصوت ممتلئ مجدًا

يسبحون وينشدون، ويصرخون ويصوتون قائلين[296]".

القداس الاغريغوري

"أنت الذي يقف أمامك ألوف ألوف وربوات ربوات الملائكة ورؤساء الملائكة المقدسين يخدمونك.

أنت الذي يقوم أمامك المخلوقان الحيان الكريمان جدًا، ذا الستة أجنحة، الكثيرا العيون، السيرافيم والشاربيم.

فبجناحين يغطون وجوههم، من أجل لاهوتك الذي لا يستطاع النظر إليه ولا التفكير فيه، وباثنين يغطون أرجلهم،

ويطيرون بالاثنين الآخرين.

لأن في كل زمان يقدسك كل أحد،

لكن مع كل من يقدسك اقبل تقديسنا منا نحن أيضًا يا رب أن نسبحك معهم قائلين[297]".

القداس الكيرلسي (المرقسي)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تسبحة خلاصنا "الثلاثة تقديسات"

أما وقد ارتفعت القلوب إلى السماء، ووجد المؤمنون لهم موضعًا بين السمائيين، صار لهم حق التسبيح السيرافيمي فيترنمون قائلين:

"الشاروبيم يسجدون لك،

والسيرافيم يسبحونك، صارخين، قائلين:

قدوس، قدوس، قدوس، رب الصباؤوت (الجنود)،

السماء والأرض ممتلئتان من مجدك الأقدس.

*      إننا معشر البشر لا يمكننا أن نجد ما نمدح به ابن الله أفضل من أن ندعوه "قدوسًا" كما تخبرنا الكتب المقدسة إذ الملائكة يسبحونه ويمجدونه هكذا.

وكما أننا جميعًا نرفع عقولنا إلى السماء، ونشارك الملائكة تسبيحهم، ونشترك في الخبز الواحد لذلك نكون جميع جسدًا واحدًا وبنيانًا واحدًا مقدسًا لله[298].

القديس أمبروسيوس

*      كأن الإنسان قد أُخذ إلى السماء عينها، يقف بجوار عرش المجد، يطير مع السيرافيم، ويترنم بالتسبحة المقدسة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

*      إننا نترنم بهذه التسبحة علامة مصالحتنا مع الملائكة وإتحادنا معهم.

اتفاقهم (الملائكة والبشر) معًا في التسبيح دلالة أنهم صاروا بالمسيح يسوع كنيسة واحدة.

القديس غريغوريوس

يقول الأب دكس[299] "ولقد رأينا أن "الثلاثة تقديسات" التي يسبقها العبادة الملائكية وردت في كتابات أوريجينوس بالإسكندرية، وربما يرجع تاريخ استعمالها بالإسكندرية إلى تاريخ سابق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لقد ظهر وصف "العبادة السمائية" و"الثلاث تقديسات" في سوريا لأول مرة في كتابات كيرلس الأورشليمي عام 347 م. بشكل واضح أنها مقتبسة عن مصر".

وقد جاءت هذه التسبحة في الليتورچيا المصرية التي وجدت بدير بلوزة، وفي خولاجي الأسقف سرابيون، وفي ليتورچية القديس يعقوب.

ووردت أيضًا في القداس القبطي الغريغوري مضافًا إليها تسبحة أبناء العبرانيين: "أوصنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرب، هوشعنا في الأعالي".

هذه هي تسبحة الخلاص والغلبة التي أُستقبل بها المخلص عند دخوله أورشليم ليُصلب فدية عن العالم.

ونحن نتقدم بهذه التسبحة الملائكية قبيل "العبادة الملائكية" وقبل صلاة التقديس إشارة إلى ظهور الملاك يبشر البشرية بالمخلص قبل تجسده.

إنها علامة فرحة الكنيسة بالمسيا المخلص الذي ذُبح لأجلنا!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

استخدام المراوح

في هذه اللحظة يحرك الشماسان الخادمان مراوح مصنوعة من الريش دلالة وجود الملائكة حول المذبح، إذ يمثل الشمامسة الملائكة كقول القديس يوحنا الذهبي الفم.

*      يليق بنا أن نتطلع إلى الشمامسة الحاملين للخبز الإفخارستي (أثناء تقدمة الحمل) والذين يحضرونه من أجل الذبيحة أنهم ممثلون الخدام غير المنظورين (الملائكة).

الأب ثيؤدور

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الكاهن يصلي تسبحة الخلاص "العبادة الملائكية"

يشترك الكاهن مع الشعب والشمامسة ذات التسبيح السيرافيمي "الثلاثة تقديسات". لكنه قبلما يبدأ بهذه الصلاة يغيّر الكاهن وضع اللفائف الثلاث، فيضع على يده اليسرى تلك التي كانت على يده اليمنى والتي كانت قبلًا على الحمل. ويأخذ بيمينه تلك التي كانت على الكأس ليرشم بها نفسه والخدام والشعب ثلاث مرات قائلًا في كل مرة "آجيوس" أي "قدوس".

خلال الصلاة السابقة كان الحمل مكشوفًا بينما كان الكأس مُغطى، لأنه بعدما تحققت المصالحة بقيامة الرب وظهوره للكنيسة في شخص مريم المجدلية لم تستطع أن تتعرف عليه في البداية، أما الآن فقد كشف الكأس والحمل معًا إذ عاد الرب فأعلن ذاته لكنيسته المحبوبة.

يرشم الكاهن ذاته والخدام والشعب ثلاث دفعات قائلًا "قدوس"، وكأن الثالوث القدوس تتمجد قداسته خلال تقديسه للكنيسة خدامها وشعبها. فهو قدوس في ذاته، قادر على تقديس عروسه المحبوبة لديه.

بعد ذلك يعلن الكاهن تاريخ خلاصنا، أي تخطيط الله الخلاصي فيتحدث عن تجسد ابن الله وأعماله معنا، صلبه، قيامته، ومجيئه الثاني.

هذه هي تسبحتنا الأبدية التي نمجد بها الثالوث القدوس، والتي نجد فيها ينبوع الحب والسلام والفرح والبرّ والحياة الإلهية.

ففي القداس الباسيلي يصلي الكاهن:

1.     تذكار سقوطنا

قدوس، قدوس، قدوس، بالحقيقة أيها الرب إلهنا، الذي جبلنا وخلقنا ووضعنا في فردوس النعيم، وعندما خالفنا وصيتك بغواية الحية، سقطنا من الحياة الأبدية ونُفينا من فردوس النعيم.

2.     تذكار إرسال الأنبياء

لم تتركنا عنك أيضًا إلى الانقضاء، بل تعهدتنا دائمًا بأنبيائك القديسين.

3.     تذكار الجسد

وفي آخر الأيام، ظهرت لنا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت، بابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. هذا الذي من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم، تجسد، وتأنس، وعلمنا وسائط الخلاص، وأنعم علينا بالميلاد الذي من فوق، من الماء والروح، وجعلنا له شعبًا مجتمعًا، وصيرنا أطهارًا بروحك القدوس.

4.     تذكار الصلب

هذا الذي أحب خاصته الذين في العالم، وأسلم ذاته فداءً عنا إلى الموت الذي تملك علينا، هذا الذي كنا مُمسكين به، مبيعين من قِبَل خطايانا، نزل إلى الجحيم من قِبَل الصليب.

5.     تذكار القيامة

وقام من الأموات في اليوم الثالث.

6.     تذكار الصعود ومجيئه الثاني

وصعد إلى السموات، وجلس عن يمينك أيها الآب، ورسم يومًا للمجازاة، هذا الذي يظهر فيه ليدين المسكونة بالعدل، ويعطي كل واحد كنحو أعماله.

القداس الباسيلي

في القداس الاغريغوري يتحدث الكاهن بصيغه المفرد، بلسان كل عضو من أعضاء الكنيسة، لأن ما قد فعله الرب إنما هو من أجل كل واحد فينا شخصيًا.

يتحدث بتفاصيل أكثر موجهًا الحديث للسيد المسيح المخلص، لكنه لا يخرج كثيرًا عن ذات الشكل الذي اتبعه القداس الباسيلي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ب – التقديس

إذ تقف الكنيسة أمام المذبح السمائي في أرهب لحظات العمل الإفخارستي حيث يُنطق حب الله في كماله، فإن الكنيسة تنطق أيضًا بذات كلمات السيد المسيح نفسه التي نطق بها عند تأسيسه السرّ، أي تنطق بقصة التأسيس أو الرشومات بكونها "أمانسيس" أي ذكرى حية فعالة للمسيا، سائلة الرب أن يرسل روحه القدوس على القرابين لكي يحوِّلها إلى جسد المسيح الذبيح ودمه، ليتمما عملهما فينا.

الحقيقة أن الليتورچيا بكمالها ما هي إلاَّ تتميم لتقديس هذه القرابين.

صلوات التقديس هذه يمكن -إن جاز لنا- أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام (قصة التأسيس، الأنامنسيس، وحلول الروح القدس). لكن هذه الأقسام التي نلمسها في القداسات الأولى كما في القداسات القبطية، أثارت عدة تساؤلات في أذهان الباحثين، نذكر منها:

1.      هل يتم التقديس أثناء الرشومات أي كلمات السيد المسيح الخاصة بالتحول أم أثناء حلول الروح القدس أو بكليهما؟

2.      هل يقوم ابن الله بدور إيجابي في سرّ الإفخارستيا، أم تتحول القرابين المقدسة بواسطة الروح القدس دون أي تدخل منه؟

3.      هو يحل الروح القدس على القرابين وحدها أم علينا نحن أيضًا لكي يهبنا الاستحقاق للتناول؟

أرجو أن أجيب على هذه الأسئلة أثناء دراستنا لمفهوم التقديس وصلواتها.

 

1.     قصة التأسيس "الرشومات"

بين التقديس والرشومات

التقديس هو تحول الخبز والخمر إلى جسد السيد المسيح الذبيح ودمه بقوة الروح القدس، الذي هو روح الآب وروح الابن، والذي وُهب للكنيسة روحًا لها.

التقديس هو سرّ العودة بالكنيسة إلى أحضان الآب السماوي، خلال ابن الله الوحيد وبه بقوة الروح. لهذا يقوم الثالوث القدوس بدور إيجابي في هذا السرّ. الآب يتقبل ذبيحة ابنه الحبيب لحساب الكنيسة وخلالها، فيعرف الكنيسة أبناء له متحدين في ابنه الوحيد الجنس. والروح القدس هو روح الشركة الذي يحوِّل القرابين ويربطنا في الثالوث القدوس. والابن فهو كاهن الله العلي الذي يوحد كنيسته بعمله الكهنوتي. هو الذي يخدم الليتورچيا الإلهية، ويقدس القرابين ويوحِّد عروسه بنفسه.

*      المسيح هو بعينه الذي يعلن خلال الكاهن "هذا هو جسدي"[300].

القديس أمبروسيوس

*   حينما ترتفع الصلوات العظيمة والتضرعات المقدسة، ينزل الكلمة على الخبز والكأس ويصيران جسده (ودمه)[301].

القديس أثناسيوس الرسولي

 

طقس الرشومات

يبخر الكاهن يديه ثلاث دفعات قبل البدء في صلاة الرشومات أو "قصة التأسيس". هذا يشير إلى تقديس الكنيسة بواسطة الثالوث القدوس حتى تتمكن من أن تحمل جسد الرب ودمه الأقدسين.

البخور رمز الصلاة، بها يتقدس الكاهن لكي يحمل "الحمل" على يديه ويصير في السماء مرددًا ذات كلمات التقديس التي نطق بها السيد المسيح، إذ يصلي قائلًا: "ووضع لنا هذا السرّ العظيم الذي للتقوى، لأنه فيما هو راسم أن يسلم نفسه للموت عن حياة العالم".

يجيب الشعب: نؤمن ونصدق.

يأخذ الكاهن الخبز على يديه ويرفع اللفافة التي في الصينية التي هي تحت الحمل، ويضعها على المذبح وهو يقول: "أخذ خبزًا على يديه الطاهرتين، اللتين بلا عيب ولا دنس، الطوباويتين، المحييتين".

الشعب: نؤمن أن هذا هو بالحقيقة. آمين.

يضع الكاهن يده اليمنى على الخبز الذي لا يزال على يده اليسرى، ويرفع عينيه إلى فوق ويصلي قائلًا: "ونظر إلى فوق نحو السماء، إليك يا الله الآب وسيد كل أحد".

ويرشمه بعلامة الصليب ثلاث مرات وهو يقول:

"وشكر"  الشعب: آمين

"وباركه" الشعب: آمين

"وقدسه" الشعب: آمين

رشم الخنز (والكأس فيما بعد) بعلامة الصليب ثلاث دفعات هو بمثابة ختمه بخاتم الملك، لأن الصليب هو علامة ابن الإنسان، إذ صالحنا بدم صليبه.

أما الرشم ثلاث دفعات فعلامة على قيام الثالوث القدوس بعمل إيجابي في خلاصنا خلال ذبيحة صليب ابن الله.

والرشم يعلن أيضًا أن ذبيحة الصليب كانت ولا تزال تعلن قوة الثالوث القدوس ومجده، لهذا يترنم الشعب قائلًا: "نؤمن ونعترف ونمجد". فما يحسبه العالم ضعفًا نراه مجدًا!

بعد ذلك يقسم الكاهن برفق الخبز إلى ثلث وثلثين، مستخدمًا إبهمه دون أن يلمس "الأصباديقون[302]"، واضعًا الثلث على اليمين، قائلًا: "وقسم وأعطى لتلاميذه القديسين ورسله الأطهار، قائلًا: خذوا، كلوا منه كلكم، هذا هو جسدي...".

وهنا يكسر برفق الجزء الأعلى من الخبز بطرف أصابعه، ويضع الحمل كله على الصينية ثم يمسح أصابعه على الصينية لئلا يكون قد تعلق به جزء من الحمل، وفي نفس الوقت يقول: "الذي يقسم عنكم، وعن كثيرين، يعطى لمغفرة الخطايا. هذا اصنعوه لذكري (أنامنسيس)".

الشعب: هذا هو بالحقيقة آمين.

كأنهم يقولون لنا بالحقيقة نؤمن بكلماته سائلين إياه الغفران.

تنطق الكنيسة بكلمات التقديس التي تفوه بها السيد المسيح إذ هو واحد مع رأسها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. تتلو كلماته الخاصة بالتحول معلنة ديمومة عمل بذله من أجل الكنيسة، كمصدر لخلاصها عبر الأجيال وأساس حياتها الإلهية.

لا يزال السيد المسيح بنفسه مستمر في النطق بكلمات التقديس التي له، الفعالة خلال كنيسته، وكما يقول القديس أمبروسيوس "كيف يتحقق التقديس؟ بكلمات الرب يسوع المسيح!".

لا ينطق الكاهن بكلمات السيد فقط بل ويكسر أيضًا الخبز أثناء النطق بها، متمثلًا بالرب الذي صنع هذا معلنًا أن الآلام التي يعانيها إنما قبلها بإرادته.

جاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس: "عندما قبل أن يسلم نفسه للموت بإرادته لكي يبطل الموت ويحطم قيود إبليس ويطأ الهاوية تحت قدميه ويضيء للأبرار ويقيم عهدًا ويعلن قيامته، أخذ خبزًا وشكر، قائلًا: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور عنكم".

يقول القديس يعقوب السروجي أنه ما كن يمكن للرسل أن يكسروا الخبز لم لم يكسره يسوع بنفسه أمامهم. فقد تسلمت الكنيسة هذا الطقس، أي كسر الخبز، من الرب.

يكسر الكاهن الخبز على شكل صليب دون أن يفصل الأجزاء عن بعضها البعض لأن الرب تحمل الآلام وهو بعينه واهب الحياة، هذا الذي لا يقدر أن يقهره، وواحدة من عظامه لا تنكسر.

 

بخصوص الكأس

لست أود أن أكرر الرشومات الخاصة بالكأس، فهي تحمل ذات المفاهيم والمعاني الخاصة برشومات الخبز، إنما أكتفي بذكر طقوسها بشيء من الاختصار.

يكشف الكاهن الكأس ويضع يده على حافته وهو يقول:

"وهكذا الكأس بعد العشاء مزجها من خمرٍ وماء،

"وشكر"  الشعب: آمين

"وباركها" الشعب: آمين

"وقدسها" الشعب: آمين

راشمًا إياها بالصليب ثلاث دفعات.

الشعب: وأيضًا نؤمن، ونعترف، ونمجد.

ويرفع الكاهن الكأس بلطف وهو يقول:

"وذاق وأعطى لتلاميذه القديسين ورسله الأطهار قائلًا: "

ويحركه بهدوء على شكل صليب:

"خذوا اشربوا منه كلكم" (مشيرًا إلى الكأس)

لأن هذا هو دمي،

الذي للعهد الجديد،

الذي يُسفك عنكم وعن كثيرين،

يعطى لمغفرة الخطايا،

اصنعوا هذا لذكري (أنامنسيس)".

الشعب: هذا هو بالحقيقة أيضًا، آمين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2.     الذكرى "أنامنسيس"

سبق أن تحدثنا عن سرّ الإفخارستيا كذكرى (أنامنسيس) للمخلص[303].

في صلوات الرشومات يعلن الكاهن أن الإفخارستيا هي عمل خاص بذكرى المسيح المصلوب الفعال في حياتنا، إذ يكمل قائلًا:

"لأن في كل مرة تأكلون من هذا الخبز،

وتشربون من هذه الكأس،

تبشرون بموتي،

وتعترفون بقيامتي،

وتذكرونني إلى أن أجيء".

يجيب الشعب بهذه التسبحة:

"آمين، آمين، آمين،

بموتك يا رب نبشر،

وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف،

نسبحك، نباركك، نشكرك يا رب ونتضرع إليك يا إلهنا".

يكمل الكاهن:

"ففيما نحن نصنع ذكرى آلامه المقدسة،

وقيامته من الأموات،

وصعوده إلى السموات،

وجلوسه عن يمينك أيها الآب،

وظهوره الثاني من السموات، المخوف، المملوء مجدًا،

نقدم لك قرابينك من الذي لك على كل حال،

ومن أجل كل حال، وفي كل حال".

إن ما نقدمه من قرابين، إنما هي ذبيحة المسيح الحية، واهبة الحياة، الخلاقة في حياة الكنيسة، خلالها تمارس الكنيسة نفسها بكونها جسد المسيا آلامه وصلبه وقيامته وصعوده... كأنها خاصة بها.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3.     حلول الروح القدس

 

بين الرشومات وحلول الروح القدس

يقول الأب يوحنا الدمشقي[304] -من رجال القرن الثامن- أن التقديس لا يتحقق بالرشومات أو قصة التأسيس بل بحلول الروح القدس وحده. هذا الفكر وإن كان قد تبناه بعض اللاهوتيين، لكن رفضه الآخرون قائلين إنه لا يمكن القول بأن التقديس يتحقق بصلوات الحلول وحدها، فإن صلوات الليتورچيا -خاصة صلوات التقديس- لن تُجزأ إلى وحدات منفصلة.

لا يمكن فصل عمل المسيح الإيجابي في سرّ الإفخارستيا عن عمل روحه القدوس وبالتالي عزل الرشومات عن صلاة "حلول الروح القدس".

فسرّ الإفخارستيا هو عمل الفادي نفسه بقوة روحه، أي الروح القدس. بدون عمل المسيح الخلاصي ما كان ينزل الروح القدس على القرابين ويحوّلها إلى جسد المسيح المصلوب القائم من الأموات.

فمثلًا نجد طلبة التقديس  في خولاجي سرابيون الأسقف تشير إلى نزول "الكلمة" عوض حلول الروح القدس. وذات الفكرة نجدها في بعض كتابات القرن الرابع بمصر وسوريا وكبدوكية وفي وقت متأخر في بلاد الغال "فرنسا"[305].

يرى البعض أن التقديس الإفخارستي يشبه حلول الروح القدس على القديسة العذراء مريم لأجل تجسد الكلمة. فكما أن التجسد هو من عمل الروح القدس لكن الابن قام بدور إيجابي في التجسد[306]، هكذا في سرّ الإفخارستيا يقوم الابن بدور إيجابي، مقدمًا الكنيسة التي هي فيه لأبيه.

لهذا نجد القديس يوحنا الذهبي الفم -كمثال- ينسب التقديس تارة للروح القدس وأخرى للكلمة، فيقول[307]:

*      عندما يقف الكاهن أمام المائدة ويرفع يديه إلى السماء، مستدعيًا الروح القدس يأتي ويلمس القرابين، يحل سكون عظيم ووقار على الموضع...

*      الذي يحوِّل القرابين الموضوعة إلى جسد المسيح ودمه ليس إنسانًا بل المسيح نفسه الذي صُلب عنا...

القديس يوحنا الذهبي الفم

وفي القداس الاغريغوري يسأل الكاهن الابن أن يرسل روحه القدوس علينا وعلى القرابين... وفي نفس الوقت يعلن الكاهن دور الابن الإيجابي في التحول، إذ يقول:

أنت يا سيدنا بصوتك وحدك حول هذين الموضوعين.

أنت الحال معنا هيئ لنا هذه الخدمة المملوءة سرًا.

أنت اغرس فينا ذكر خدمتك المقدسة.

أنت أرسل علينا نعمة روحك القدوس،

لكي تطهر وتنقل هذه القرابين الموضوعة إلى جسد ودم خلاصنا".

يرى الأب دكس أن هناك تشويش في الكنائس الشرقية، فبينما يقولون أن التقديس يتم بحلول الروح القدس يقولون في نفس الوقت أن الإفخارستيا هي من عمل المسيح نفسه، كاهن العلى على المذبح السمائي، هو الذي يقدم القرابين، وهو الذي يقدس التقدمة.

يقول أيضًا[308]: "أما نحن الغربيون فلدينا تشويشات بما فيه الكفاية وخسائر نحزن من أجلها، بخصوص تعاليم الإفخارستيا والتكريسات دون أن نطلب أن نقتفي آثارهم (الشرقيين)".

نستطيع أن نعلل سرّ نسبة الإرتباك والتشويش للكنيسة الشرقية في النقط التالية:

‌أ.        عزل دكس بين أعمال الثالوث القدوس عزلًا كاملًا حتى أنه عندما ينسب عملًا لأحد الأقانيم الثلاثة يرى أنه يقف الأقنومان الآخران سلبيان في هذا العمل. لكن القديس أغسطينوس أوضح عكس هذا في عظاته على فصول منتخبة من إنجيل القديس متى.

فمثلًا في التجسد قام الروح القدس بهذا العمل، لكن الأقنومان الآخران كانا إيجابيان في هذا العمل. فيقول الكتاب المقدس عن الآب "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم"، وعن الابن أيضًا "لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد..."

‌ب.    السبب الثاني هو تحليله لليتورچيا بطريقة أرضية. فالليتورچيا خدمة سمائية، تسمو فوق حدود الزمان والمكان، لهذا لا يليق بنا تجزئتها. هي عمل واحد لأجل خلاصنا، فيه تحل الكنيسة على الجلجثة وفي نفس الوقت تحل في السماء...

أخيرًا نذكر ما قاله دانيالو[309]: "والتقديس من ناحية هو عمل مشترك للثالوث القدوس، يخص الروح الذي به يحمل الله أعماله عظيم في التاريخ. ومن جانب آخر يُنسب هذا العمل للكلمة الخالق الذي هو أيضًا أداة قوة الله".

 

طقس حلول الروح القدس

يصرخ الشماس قائلًا: "اسجدوا لله بخوف ورعدة"، يجيب الشعب وهو ساجد:

"نسبحك، نباركك، نخدمك، نسجد لك".

يقول الكاهن أوشية حلول الروح القدس سرًا وهو ساجد وباسط يديه:

ونسألك أيها الرب إلهنا، نحن عبيدك الخطاة غير المستحقين.

نسجد لك بمسرة صلاحك.

ليحل روحك القدوس،

علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة،

ويطهرها وينقلها ويظهرها قدسًا لقديسيك.

الشماس: ننصت. آمين

الكاهن (يرشم الصينية ثلاث رشومات): وهذا الخبز يجعله جسدًا مقدسًا له.

الشعب: آمين.

الكاهن: ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح،

يعطى لمغفرة الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه.

ويتكرر نفس الطقس بالنسبة للكأس، قائلًا الكاهن:

"وهذه الكأس أيضًا دمًا كريمًا للعهد الجديد الذي له..."

 

ج – الكنيسة في المسيح يسوع

تحولت القرابين المقدسة إلى جسد الرب ودمه الأقدسين، فلم تلتف الكنيسة حول المذبح حيث يوجد الذبيح بل هي عينها صارت جسده أيضًا، فلا يعد يرى أحد نفسه إلاَّ كعضو في هذا الجسد الواحد.

الإفخارستيا هي سرّ المسيح، سرّ إتحاد كل أحد مع أخيه في المسيح يسوع.

هي سرّ الحب الذي لا يعرف حواجز أو عوائق فاصلة، بل كل الكنيسة مرتبطة معًا في المسيح يسوع.

لهذا يصلي الأعضاء الحاضرون من أجل الجميع حتى الغائبين والراحلين، كما يطلبون صلوات الذين سبق رقادهم في الرب...

تصلي الكنيسة:

1.      الأواشي الصغار "صلوات عن جميع الناس"،

2.      المجمع "طلب صلوات الراقدين"،

3.      الترحيم "الصلاة من أجل الراقدين".

1.     الأواشي الصغار

ترفع الكنيسة كلها قلبها لعريسها -محب البشر- تطلب منه عن حياة العالم كله فتصلي عن:

‌أ.        سلام الكنيسة.

‌ب.    آباء الكنيسة.

‌ج.     قسوس الكنيسة.

‌د.       الموضع الذي نعيش فيه.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[310] "يصلي الكاهن من أجل المدينة أو القرية، بل ومن أجل العالم كله حتى يغفر الله لكل سائليه".

والعجيب أن الله لا يطلب منا الصلاة عن وطننا فحسب الذي نحن مدينون له بالحب، بل ونصلي من أجل كل موضع نوجد فيه إذ يقول لإرميا النبي[311] وهو في أرض السبي "اطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها وصلوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام".

‌ه.     المياه أو الزروع أو الأهوية.

‌و.      القرابين.

وفي القداس الغريغوري يصلي الكاهن أيضًا أواشي أخرى عن:

الرئيس، والخدم، والمسبيين

كما يصلي من أجل الرعاة والرعية،

من أجل الكهنة والرهبان والراهبات والعذارى والمتزوجين،

من أجل الأغنياء والفقراء،

من أجل الشيوخ والشبان.

إما في القداس الكيرلسي (المرقسي) فتصلي الأواشي قبل صلاة التقديس (الرشومات) وحلول الروح القدس، كما تصلى أواشي أخرى عن المرضى والمسافرين والراقدين والاجتماعات...

ويلاحظ في الطقس القبطي أن الكاهن يصلي بصورة عامة عن كل الشعب ولا يذكر أسماء إلاَّ الإمبراطور (الرئيس) والأسقف المحلي مع بابا الإسكندرية في الترحيم عن الموتى[312]، لكن الشماس ينذر الشعب أن يشتركوا مع الكاهن في الصلاة كل أوشية ذاكرين أسماء الذين يعرفونهم قدام الله.

 

2.     المجمع

سرّ الإفخارستيا هو "سرّ الكنيسة كلها"؛ هو حضور الكنيسة الجامعة المخلَّصة كلها عند الآب في المسيح يسوع، بكونها جسد ابن الله، بقوة الروح القدس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. سرّ الإفخارستيا هو عمل إلهي لا من أجل الحاضرين لحظة التقديس وحدهم، بل من أجل الكنيسة جمعاء، من أجل كل عضو. هو سرّ إلهي للكنيسة الواحدة، التي تضم المجاهدين والمنتصرين. فالأعضاء المنتصرة رحلوا عن العالم لا عن الكنيسة، ورحيلهم إلى الفردوس لم يوقف تيار حبهم لأخوتهم المجاهدين، لأن موت الجسد يعجز عن أن يفصلهم عن الكنيسة أو يقطع رباط حبهم المشترك[313].

الجماعة التي ينتسبون إليها المسيحيون لا يحدها العالم الخارجي الذي نعيش فيه، إنما تمتد عبر الزمن وفوق حدود المكان لتشمل في طياتها الراقدين من الأحياء.

وفي الله وفي كنيسته لا يمكن فصل الأحياء عن الأموات، لأن الجميع واحد في حب الآب.

فالمسيحيون -أحياء كانوا أو منتقلين- هم أعضاء في كنيسة الله، منتسبون إلى عائلة واحدة كأعضاء في كنيسة الله، ينتمي كل واحد لأخيه، مدعوين كل واحد لحمل أثقال الآخر.

الكنيسة في الحقيقة -المنظورة وغير المنظورة- تحتضن الأرض والسماء معًا، الأحياء والمنتقلين والقديسين، البشر والملائكة، تضم الجميع في جسد واحد[314].

للعلامة أوريجينوس تعليم قوي خاص بمجمع القديسين[315]

*      محبة القريب هي أعظم الفضائل[316]... لهذا يليق بنا أن نتطلع إلى القديسين الذين رقدوا قبلنا أنهم يحبون الذين ما زالوا يجاهدون في هذه الحياة، أكثر مما كانوا عليه وهم حاملون الضعف البشري حين كانوا يجاهدون مع القطيع الأضعف.

*      يقول بولس[317] عن قوة الرب أنها حاضرة في كنيسته. "إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح"، ليس فقط كان مجتمعًا مع الأفسسيين بل مع الكورنثوسيين.

إن كان بولس وهو بعد ملتحف بالجسد يحسب نفسه مجتمعًا بالروح مع أهل كورنثوس، فإنه يليق بنا ألاَّ نقطع رجاءنا في أن الطوباويين الذين رحلوا هم حاضرون بالروح في اجتماعات الكنيسة، بل ربما أكثر مما كنوا عليه وهم في الجسد.

يليق بنا ألاَّ نستخف بصلواتهم...[318]

العلامة أوريجينوس

3.      طقس المجمع

إننا لا نطلب من أجل القديسين بل نطلب صلواتهم عنا، ففي القداس المرقسي (الكيرلسي) يختم الكاهن صلاة المجمع بقوله:

"وليس أننا نحن أيها السيد نستحق أن نشفع في طوباوية أولئك،

بل هم قيام أمام منبر ابنك الوحيد،

ليكونوا هم عوضًا يشفعون عن مسكنتنا وضعفنا،

كن غافرًا لأجل طلباتهم المقدسة ولأجل اسمك المبارك الذي دعي علينا".

ليتورچيا القديس يعقوب[319]

 

4.     الترحيم

يقول القديس مقاريوس "ليس هناك طريق آخر به نخلص إلاَّ خلال قريبنا"، إذ لا نستطيع ممارسة خلاصنا خارج الأعضاء الأخرى. فنحن لا نقدر أن نكف عن الصلاة من أجل الغير، مادمنا نحبهم وهم واحد معنا.

"نحن نصلي من أجل الآخرين وهم أحياء، فلماذا ننقطع عن الصلاة من أجلهم بعد موتهم؟ هل لأنهم صاروا غير موجودين ننقطع عن الصلاة عنهم؟!

لنفرض جدلًا أننا لا نعرف قيمة هذه الصلوات من أجل الأموات، فإننا لا نكف عن الصلاة من أجل محبة الله المترفقة[320].

*   عندما تصلي من أجل نياح نفس منتقلة ألزم نفسك أن تصلي من كل قلبك، واضعًا قدام عينيك أن هذا عمل رئيسي أنت ملزم به، وليس عملًا خاصًا بالكهنة والكنسيين وحدهم...

صلاة الإيمان والحب من أجل الراحلين لها قيمتها في عيني الرب...

*   صلِ من أجل راحة نفوس أجدادك وآبائك وإخوتك الراحلين، صلِ عنهم صباحًا وعند الغروب، حتى يعيش فيك تذكار الموت، ولا ينطفئ فيك الرجاء في الحياة العتيدة التي بعد الموت، بل تتواضع روحك كل يومٍ بتذكر أن حياتك مؤقتة.

الأب يوحنا من كرونستادت[321]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[293] Tractate “Barakoath”, Tos 7 : 23, See Dix 38.

[294] Sermon 227 (Frs. Of the church series 38 : 195).

[295] See The Euchologium of Bishop Serapion.

[296] See the Liturgy of St. James.

[297] See The Euchologium of Bishop Serapion.

[298]  القمص يوحنا سلامة: اللاكي النفيسة، ص 430.

[299] P 237.

[300] Ambrosse: De Myster 9.

[301] Fragm. 7. P. G. 26 : 1325.

[302] I.e., the central part.

[303] See: The Mystry of Redemption.

[304] De Fide Orthodox 13.

[305] Dix 275/6.

[306] St. Athanasius says that the logos “formed for Himself the body from the Virgin” De Incar. 18.

[307] Hom. In Ceont. app.3.

[308] De prod. Judooe 1 : 6.

[309] Danielou: The Bible and The Liturgy.

[310] Priesthood 6.

[311] Jerm 29 : See Ps 122 : 7 – 9.

[312] See Dix p 510.

[313] See Fr. Tadros Y. Malaty: The Church, House of God, p 42 – 45 (1970).

القس تادرس يعقوب ملطي: الحب الأخوي ص 478 – 484.

القس تادرس يعقوب ملطي: القيم الروحية لعيد النيروز ص 75 – 94 (طبعة 69).

[314] See Philippou: The Orthodox Ethos, Vol. ?, p 141.

[315] Origen: De Principuiis 3, 2, 4,

Com. on Mat 27 : 30.

Exh to Marty, 30 : 38.

Com. on Jn 13 : 57.

On prayer 6 : 2 – 4, 31 : 5.

Home on Num 26 : 6.

[316] Mat 5 : 43, Luk 6 : 35.

[317] 1Cor 5, 4.

[318] See Alexandria Christianity, 259 – 260 Origen, On Prayer (S. P. C. K. London 1954).

[319] For the Greek Orthodox Church.

[320] The Orthodox Ethos, Vol. ?, p 142.

[321] Blessed Fr. John of Kronstadt, On Prayer, p 44.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/jesus-eucharist/believers-prayers.html

تقصير الرابط:
tak.la/z7mfk78