St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

101- هل دعوة المسيح كادت تفنى وتدخل عالم النسيان بعد موته لولا تدخل شاول؟ وهل كان شاول صاحب دراية في السياسة والابتكار، في حين كان عيسى صاحب أوهام وأحلام؟ وهل أدخل شاول للمسيحية بعض تعاليم اليهود، واستعار من فلاسفة اليونان، وقبل بعض الطقوس الوثنية، وقدم تسهيلات للرومان ليجذب الجميع للمسيحية؟ وهل كتب بولس أكثر من نصف العهد الجديد؟

 

St-Takla.org Image: An icon for Saint Paul the Apostle, by Samy Hennes - St. Michael Coptic Orthodox Church, Moustafa Kamel, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, December 1, 2013. صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديس الشهيد بولس الرسول، رسم الفنان سامي حنس - من صور كنيسة الملاك ميخائيل، مصطفى كامل، الإسكندرية، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 ديسمبر 2013 م.

St-Takla.org Image: An icon for Saint Paul the Apostle, by Samy Hennes - St. Michael Coptic Orthodox Church, Moustafa Kamel, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, December 1, 2013.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديس الشهيد بولس الرسول، رسم الفنان سامي حنس - من صور كنيسة الملاك ميخائيل، مصطفى كامل، الإسكندرية، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 ديسمبر 2013 م.

س101 : هل دعوة المسيح كادت تفنى وتدخل عالم النسيان بعد موته لولا تدخل شاول؟ وهل كان شاول صاحب دراية في السياسة والابتكار، في حين كان عيسى صاحب أوهام وأحلام؟ وهل أدخل شاول للمسيحية بعض تعاليم اليهود، واستعار من فلاسفة اليونان، وقبل بعض الطقوس الوثنية، وقدم تسهيلات للرومان ليجذب الجميع للمسيحية؟ وهل كتب بولس أكثر من نصف العهد الجديد؟

يقول "الدكتور أحمد شلبي: "هذا هو عيسى وتلك هيَ دعوته التي أوشكت أن تُفنى بعد موته... ومرَّ الزمن وجاء شاول Soul وهو يهودي روماني من الفريسيين... وقد لعب شاول هذا دورًا أنقذ به المسيحية بعد أن أوشكت أن تدخل عالم النسيان... فشاول – الذي سُمّي فيما بعد بولس – هو في الحقيقة مؤسّس المسيحية، وكان شاول يمتاز بأنه صاحب دراية في السياسة والابتكار، في حين كان عيسى صاحب أوهام وأحلام، وقد أدخل بولس على ديانته بعض تعاليم اليهود ليجذب له أتباعًا من اليهود... وعمد بولس كذلك -ليُرضي المثقفين- فاستعار من فلاسفة اليونان وبخاصة الفيلسوف Philo فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق "الكلمة " The Logos، أو ابن الإلهThe Sun of Gad، أو عن طريق الروح القدس The Holoy Ghost

 وبدأ بولس ديانته في أنطاكية Antiock حيث نشأ لأول مرة التعبير الشهير Christian أي الانتساب لدين المسيح. وبدأت تنتشر هذه الديانة في المدن حيث تكثر الحاجة والفقر، ثم انتشرت في بقاع أخرى بعد ذلك، ورسائل بولس إلى هذه الجماعات التي استجابت لدعوته تمدنا بالجزء الأعظم من المادة التي تكون منها العهد الجديد... وبولس هو المؤسّس الحقيقي للديانة المسيحية... ولم ينفر بولس من الطقوس الوثنية، بل على العكس اقتبس كثيرًا من هذه الطقوس ليضمن نشر ديانته بين الوثنيين دون أن ينفروا منها... ومن الصوُّر التي حقق بها هذا الغرض أن جعل عطلة الأسبوع يوم الأحد (يوم الشمس).. واقتبس بولس من الوثنيات كذلك أعياد رأس السنة، وعيد القيامة، وعيد الغطاس، وأطلق عليها مسميات جديدة، فعيد الربيع عند Ostara أصبح عيدًا لخروج عيسى من القبر Easter... واحتلت صورة العذراء والمسيح مكانًا مقدَّسًا احتلته قديمًا صورتا حورس وأوزيريس Herus and Osiris ووضعتا في كل الكنائس"(747).

 ويقول "أحمد ديدات": بولس هو أكبر المتحمسين للمناداة بألوهية المسيح، وقد أثبت أنه أكبر المروجين لألوهية المسيح تأثيرًا، ومع أن بولس لم يكن من الحواريين إلاَّ أنه كتب أكثر من نصف الإنجيل وحده، وترجع خطورة تأثير بولس إلى أنه روَّج للمسيحية في عقر ديار الدولة الرومانية، وقدم تسهيلات كثيرة للرومان لكي يتحولوا إلى المسيحية، قدم لهم المسيح عليه السلام لا كرسول بل كإنسان إله، وإله إنسان، وهيَ صورة كانت مألوفة لدى الرومان الذين كانوا يتصوَّرون الآلهة على صورة البشر، ويمارسون حياتهم فوق جبال الأولمب كما يمارس البشر حياتهم، ولكن آلهة الرومان أقوى جسمًا وأنشط قوى ويجري في عروقهم دم غير دم البشر مما يكفل لآلهة الرومان - فيما كان الرومان يعتقدون - الخلود والبقاء على قيد الحياة دون وفاة مهما طال الزمان، قدم لهم بولس المسيح كإله إنسان وأباح لهم شرب الخمر وعدم ضرورة الختان. ونجح في استمالة أباطرة الرومان بالرغم من قتله صلبًا بأمر الإمبراطوري نيرون... لكن تعاليمه لم تلبث أن لاقت رواجًا جعل المؤرخين يعتبرون بولس وليس المسيح عيسى ابن مريم هو المؤسّس الحقيقي للمسيحية" (748)

 كما يقول "أحمد ديدات": "هذا القديس المسيحي بولس أحدث فوضى في تعاليم عيسى عليه السلام إلى حد أنه استحق أن ينال المركز الثاني بين "أعظم الرجال تأثيرًا في التاريخ" في ذلك المؤلَّف الشهير الذي ألَّفه "ميشيل هـ. هارت" والمعروف أحيانًا ِبِاسم "الخالدون مائة" حتى على المسيح لأنه – فيما يرى ميشيل هارت – كان بولس هو المؤسّس الحقيقي للمسيحية كما يعرفها الناس اليوم. إن شرف الدعوة إلى المسيحية إنما يتقاسمه بولس وعيسى، ويتفوق بولس لأنه كتب أناجيل أكثر مما كتب أي من الحواريين بينما لم يكتب عيسى كلمة واحدة" (749) (راجع أيضًا الإمام محمد أبو زهرة - محاضرات في النصرانية ص 87، 88).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : ما أكثر المغالطات التي حوتها أقوال النُقَّاد السابقين، فدعنا يا صديقي نركز الضوء على بعض منها:

أولًا: هل دعوة يسوع أوشكت أن تُفنى وتدخل عالم النسيان بعد موته لولا تدخل شاول؟
 ثانيًا: هل كان شاول صاحب دراية في السياسة والابتكار، في حين كان عيسى صاحب أوهام وأحلام؟
    1ــ السيد المسيح فريد في ولادته
    2ــ السيد المسيح كلمة الله
    3ـ المسيح القدوس
    4ـ المسيح يخلق
    5ـ المسيح يعلم الغيب
    6ـ المسيح هو الديان
 ثالثًا: هل أدخل شاول للمسيحية بعض تعاليم اليهود، واستعار من فلاسفة اليونان، وقبل بعض الطقوس الوثنية، وقدم تسهيلات للرومان ليجذب الجميع للمسيحية؟
 رابعًا: هل كتب بولس الرسول الجزء الأعظم من العهد الجديد؟

 

 أولًا: هل دعوة يسوع أوشكت أن تُفنى وتدخل عالم النسيان بعد موته لولا تدخل شاول؟:

 بعد موت المسيح تشتَّت التلاميذ وتحقَّق قول السيد المسيح: " مَكْتُوبٌ أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ" (مت 26 : 31)، فهربوا واختبأوا في العلية وغلَّقوا الأبواب، ولكن هذا التشتت لم يستمر أكثر من يومي الجمعة والسبت، وفي فجر الأحد بدأت أورشليم تصرح ببشارة قيامة يسوع المسيح من بين الأموات، وظهر السيد المسيح لتلاميذه وللمريمات ولبطرس ويعقوب وجمع أشتات الرعية، فبعث فيهم روح الحياة والرجاء، وظل يظهر لهم في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة لمدة أربعين يومًا، ثم أوصاهم أن لا يبرحوا أورشليم حتى ينالوا قوة متى حلَّ الروح القدس عليهم، وجمعهم عند جبل الزيتون وصعد أمامهم، وبعد عشرة أيام وإذ كانوا مجتمعين يصلون بروح واحدة حلَّ عليهم الروح القدس، فملآهم من كل معرفة وحكمة وموهبة صالحة، ومن هذه اللحظة انطلقت شرارة الكرازة وكانت حصيلة اليوم الأول إيمان ثلاثة آلاف رجل، وبعد أسابيع قليلة ارتفع عدد الرجال فقط إلى نحو خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال، وهكذا انطلقت الكرازة في أورشليم عقر دار القيادات اليهودية المتعصبة التي حكمت على السيد المسيح بالصلب، ووقف الرسل وقفة الشجعان، فهوذا بطرس يواجه الجموع قائلًا: " يَسُوعَ الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ... وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ" (أع 3 : 13 - 15).. وقال لرؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ والرؤســاء: " يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ" (أع 4 : 10)، وهذه القيادات الدينية بجبروتها وقفت موقف العاجز أمام قوة الله وعجائبه ومعجزاته، فتارة يسجنون الرسل، وتارة يجلدونهم، وتارة يوصونهم بأن لا يكرزوا بِاسم المسيح، أما بطرس ويوحنا فقد كانا لهما رأيًا آخر: " وَقَالاَ إِنْ كَانَ حَقًّا أَمَامَ اللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ فَاحْكُمُوا" (أع 4 : 19).

 وسريعًا ما انتشرت الكرازة ليس في ربوع فلسطين فقط، بل وصلت للمدن الكبرى مثل دمشق وأنطاكية وإسكندرية وروما، فأين كان موقع شاول حينئذ؟.. " وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالًا وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ" (أع 8 : 3).. " أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلًا عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ" (أع 9 : 1)، وحمل رسائل من رئيس الكهنة متوجهًا إلى دمشق حتى يقبض على المسيحيين الذين في دمشق سواء رجالًا أو نساءً ويسوقهم موثقين إلى أورشليم... فكيف يدعي الناقد أن المسيحية كادت تنتهي وتُفنى لولا تدخل شاول، بينما الكنيسة نمت وامتدت إلى دمشق وغيرها في الوقت الذي كان شاول يضطهد فيه الكنيسة بإفراط..؟! مَن اجتذب مَن؟.. هل الكنيسة القوية بمسيحها القائم هيَ التي اجتذبت شاول، أم أن شاول هـو الـذي اجتذبها وانتشلها من الضياع..؟! أليس شاول هو الذي عاش حالة الضياع والرب افتقده على أبواب دمشق..؟! ثم أن قول الدكتور شلبي: "هذا هو عيسى وتلك هيَ دعوته التي أوشكت أن تُفنى بعد موته".. قول يثير الدهشة عندما يصدر من الدكتور شلبي حيث يقر بموت يسوع، بينما العقيدة التي يؤمن بها تصرح بأنه لم يمت، بل رُفِع حيًّا، فهل يناقض الدكتور شلبي عقيدته دون أن يقصد ذلك؟!!

 

 ثانيًا: هل كان شاول صاحب دراية في السياسة والابتكار، في حين كان عيسى صاحب أوهام وأحلام؟:

 هذا ما قاله الدكتور أحمد شلبي، وزاد عليه أحمد ديدات بقوله أن شرف الدعوة المسيحية إنما يتقاسمه بولس وعيسى، ويتفوق بولس... أي إنسان يقول مثل هذا القول ويتبرّر..؟! مَن يقول هذا هو مُدان بحكم الإنجيل، بل وبحكم القرآن أيضًا... بولس الرسول يقول عن نفسه أنه عبد ليسـوع المسيح: " بُولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رو 1 : 1) (راجع أيضًا في 1 : 1، تي 1 : 1)، وفي مواضع أخرى يتشرف بأنه رسول يسوع: " بُولُسُ الْمَدْعُوُّ رَسُولًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1كو 1 : 1)، وقـال السيد المسيح له المجد: " اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ" (يو 13 : 16).. وكيف يتجرأ الناقد ويقول أن يسوع المسيح كــان صاحب أوهام وأحلام..؟! هل كانت تعاليم السيد المسيح أوهام وهل كانت معجزاته العجيبة أحلام..؟! ما بال هذا الناقد يتخبط، فتارة يخالف عقيدته قائلًا بموت المسيح، وتارة يخالف عقيدته أيضًا ويصف السيد المسيح بأنه صاحب أوهام وأحلام..؟! هل جهل هذا الناقد والذين يعتنقون أفكاره تكريم الإسلام للسيد المسيح؟!:

1ــ السيد المسيح فريد في ولادته:

فمريم العذراء " قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا" (سورة مريم 19 : 20، 21).. " فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" (مريم 19 : 17).. " وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً.." (المؤمنون 23 : 50). وقال الإمام البيضاوي: " إن هذه المعجزة في ولادة المسيح تضعه في مرتبة مختلفة عن باقي البشر والرسل إذ إن ولادته كانت بدون أية غريزة أو رغبة بشرية" (البيضاوي ج 1 : 17)(750).

2ــ السيد المسيح كلمة الله:

" إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِـنَ الْمُقَرَّبِينَ" (آل عمران 3 : 45)، ولاحظ أن الهاء في "مِّنْهُ" عائدة على الله، فالمسيح هو كلمة الله، وأن الهــاء في " اسْمُهُ" عائدة على الكلمة، بالرغم من أن "الكلمة" لفظ مؤنث، فلم يقل "اسمها"، لأن المقصود بالكلمة هنا ليست كلمة لفظية مثل قول الله " لِيَكُنْ نُورٌ فَكَانَ نُورٌ"، إنما المقصود بالكلمة كيان معين، فالمسيح كلمة الله، هو أقنوم الكلمة، اللوغوس، وجاء في سورة النساء: " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ" (النساء 4 : 171)، وقوله " أَلْقَاهَا" توضح أن كيان المسيح أزلي، فعندما أقول أنني سألقي الرسالة من يدي، فمعنى هذا أن وجود الرسالة في يدي أسبق من إلقائها، ولو لم تكن الرسالة في يدي ما استطعت أن أُلقي بها... الله لم يكن قائمًا بدون كلمته، وقال "الطبري": "إن كان المسيح هو كلمة الله فأنه من البديهي أن يكون هو المتمم لإرادة الله وقصده، حيث أن الله نفسه يدعوه (كلمة الله) فمن الواضح أن يكون المسيح هو الطريق إلى الله"(751). وقال "الإمام أحمد بن حائط" إمام الفرقة الحائطية: "المسيح تذرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة كما قال البيضاوي" (الملل والأهواء والنحل جـ1 ص 770)(752) وقال "أبو الفضل القوشي": "ويمكن أن يكون المراد أن اللاهوت ظهر في الناسوت، وهذا لا يستلزم الكفر، أنه لا إله إلاَّ الله" (هامش على تفسير البيضاوي جـ 2)(753). وقال "الشيخ محيي الدين العربي": " الكلمة هيَ الله متجليًا... وهيَ عين الذات الإلهيَّة لا غيرها" (754) كما قال أيضًا: " الكلمة هيَ اللاهوت"(755).

المسيح القدوس:

ذكر القرآن خطايا الأنبياء مثل "آدم" (طه 20 : 121، والأعراف 7 : 23)، و "نوح" (نوح 71 : 28)، و "إبراهيـم" (الشعراء 26 : 82)، و "يوسف" (يوسف 12 : 24)، و "موسى" (الشعراء 26 : 19، 20)، و "داود" (ص 38 : 24، 25)، و "سليمـان" (ص 38 : 31 - 35)، و "يونان" (الصافات 37 : 142). كما قال القرآن عن محمد: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ" (محمد 47 : 19).. " أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى" (الضحى 93 : 6، 7).. "ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ" (الشرح 94 : 1 - 3).. " لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا" (الفتح 48 : 2)، بينما لم يذكر القرآن أي خطية ليسوع المسيح، بل قال: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ... وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا" (مريم 19 : 31، 32)، ولأن السيد المسيح بلا خطية لذلك لم يكن للشيطان أي سلطان عليه، فجاء في حديث البخاري: " أن النبي قال ما من مولود يولد إلاَّ والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلاَّ مريم وابنها"(756). وقال فخر الدين الرازي أنه سُمي المسيح لأنه مُسح من الأوزار والآثام... إلخ...

المسيح يخلق:

فقال: " أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ" (آل عمران 3 : 49) و (المائدة 5 : 110)، ومن المعروف أن الخلق صفة إلهيَّة لا يعطيها الله لأحد قط بدليل قول القرآن: "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ" (لقمان 31 : 11).

المسيح يعلم الغيب:

فقال: "وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران 3 : 49)، ومن المعروف أن الوحيد الذي يعلم الغيب هو الله: " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ" (الأنعام 6 : 59).

المسيح هو الديان:

جاء في صحيح البخاري: " لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا".. إلخ. (راجع كتابنا: "أسئلة حول: 5 - ألوهية المسيح" ص 167 - 193).

 

 ثالثًا: هل أدخل شاول للمسيحية بعض تعاليم اليهود، واستعار من فلاسفة اليونان، وقبل بعض الطقوس الوثنية، وقدم تسهيلات للرومان ليجذب الجميع للمسيحية؟:

1ـــ الاتهام بأن شاول اشترى خاطر اليهود وداهنهم على حساب العقيدة المسيحية، حتى أنه أدخل بعض تعاليم اليهود للمسيحية أمر يحتاج للتمحيص:

 أ - إن كان الناقد يقصد بتعاليم اليهود تعاليم شريعة العهد القديم، فلا حرج في هذا، لأن السيد المسيح نفسه قال: " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (مت 5 : 17)، وما فعله السيد المسيح أنه صحح المفاهيم الخاطئة لدى اليهود بالنسبة لشريعتهم، ولا يمكن أن نفصل العهد الجديد عن العهد القديم، فالأثنان يمثلان شجرة واحدة، جذورها في العهد القديم، وأغصانها الممتدة للسماء هيَ العهد الجديد، كما أن الأثنان يمثلان مبنى واحد، أساساته في العهد القديم والمبنى الشاهق العهد الجديد هذا ما أدركه بولس الرسول، فساوى بين أقوال الله في العهد القديم وأقوال السيد المسيح في العهد الجديــد، فمثلًا في قوله: " لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ لاَ تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا وَالْفَاعِلُ مُسْتَحِق أُجْرَتَهُ" (1تي 5 : 18)، تجده اقتبس عبارة " لاَ تَكُمَّ الثَّوْرَ فِي دِرَاسِهِ" (تث 25 : 4)، وأقتبس عبارته الثانية " الْفَاعِلُ مُسْتَحِق أُجْرَتَهُ" (لو 10 : 7) مساويًا بينهما، وهذا ما لم يدركه اليهود، فكما قاوموا السيد المسيح، هكذا قاوموا فيما بعد بولس عبد يسوع المسيح ورسوله الكارز بِاسمه، بل أنهم أبغضوه ومقتوه لقبوله الأمم والكرازة لهم.

ب - لو أن بولس أرضى اليهود وأخذ من تعاليمهم، فلماذا اضطهدوه وقاوموه، (راجع مثلًا أع 13 : 50، 14 : 2، 5، 6، 19، 17 : 5 – 8، 13، 18 : 5، 6، 21 : 11، 27 ــــ 32).

جـ - كيف يأخذ بولس بتعاليم اليهود، وفي نفس الوقت يتصدى لهم بقوة ويرفض فكرة التهود؟!!

2ــ الاتهام بأن بولس استعار من فلاسفة اليونان، فعلًا أنه استخدم بعض المفردات والمصطلحات والعبارات، ولكن بعد أن عمَّدها، إذ أعطاها مفهومًا إنجيليًا مسيحيًا ناضجًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذا ما سبق مناقشته من قبل، فيُرجى الرجوع إلى إجابة س97.

3ـــ الاتهام بأن بولس الرسول داهن الوثنيين وقبل بعض طقوسهم، فهو إتهام غير صحيح لأن بولس نشأ في بيئة يهودية منغلقة، فهو فريسي ابن فريسي، ومثل سائر الفريسيين لا يقبل الأمم الوثنيين ويبغض عباداتهم ويمقت طقوسهم، وحذر من تلك العبادات المرذولة (1كو 10 : 7، 14، 2كو 6 : 14 ــــ 17). كما أن الفرق الشاسع بين العبادات الوثنية بآلهتها الأسطورية وبين المسيحية وعقائدها السماوية، فلا نجد أي أثر مثلًا لتعدد الآلهة في المسيحية، ويا ترى لو نادى بولس بديانة مزيَّفة، فكيف وجد قبولًا وارتياحًا من كافة الآباء الرسل، حتى أنك تجد بطرس الرسول يمتدحه؟!!، بل كيف تعضده السماء بالمعجزات الخارقة... إلخ، وقد سبق مناقشة هــذا الموضوع فيُرجى الرجوع إلى إجابة س 96.

والقول بأن بولس الرسول أخذ من الوثنيين تقديس "يوم الأحد"، فمن المعروف أن المسيحية قدَّست هذا اليوم عوضًا عن يوم السبت، لأن السيد المسيح قام فيـه من بين الأموات، وهذا ما أكدته جميع الأناجيل الأربعة: "وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ" (مت 28 : 1).. " وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ... وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ" (مر 16 : 1، 2).. " ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَوَّلَ الْفَجْرِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ" (لو 24 : 1).. " وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ" (يو 20 : 1). ولم يكن من السهل على الإنسان اليهودي أن يتخلى عن عقيدته في حفظ السبت واستبدال الأحد بدلًا منه إلاَّ إذا كان متأكدًا تمامًا من ألوهية السيد المسيح وعمله الفدائي وصلبه وقيامته في فجر الأحد. أما عيد رأس السنة فمرجع الاحتفال به هو ولادة الطفل يسوع، وذكر كلٍ من القديس متى والقديس لوقا قصة الميلاد، ولكن أي منهما لم يحدّد اليوم الذي وُلِد فيه الطفل يسوع، وعيد الغطاس المسيحي بعيد جدًا عن الفكر الوثني، فشتان بين المعمودية في المسيحية، والمعمودية لدى الوثنيين، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع، فيُرجى الرجوع إلى إجابة س98. والقول بأن صورة الفداء والطفل يسوع صدى لصورة حورس وأوزوريس قول غير مقبول لأن أوزوريس في نظر المصريين القدماء هو إله العالم السفلي الذي يدين الأموات، بينما لم يقل أحد أن العذراء مريم إلهة، بل هيَ إنسانة من قَبل أن تلد الرب يسوع، وبعد أن ولدته، ولماذا لم يقل الناقد أن الطفل يسوع وأمه العذراء كان صدى لحورس وأمه إيزيس ..؟! ألم يكن هذا أوقع وأفضل (مع أنه مرفوض تمامًا)؟!

4ـــ الاتهام بأن بولس قدم للرومان تسهيلات كثيرة، وقدم "أحمد ديدات" عدة أمثلة لهذه التسهيلات:

أ - قدم لهم المسيح كإنسان إله أو إله إنسان وهيَ صورة مألوفة لدى الرومان: وهذا قول غير حقيقي فلا توجد أي إشارة في رسائل بولس الرسول أن يسوع المسيح كان إنسانًا تحوَّل إلى إله، إنما هو الله الذي اتخذ طبيعة الإنسان، فنحن نؤمن بإله تأنس، أي الله الذي اتخذ صورة الإنسان وشابهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها، ولا نؤمن بإنسان تأله كقول نسطور، نؤمن بأن اللاهوت اتحد بالناسوت اتحادًا كاملًا لم يفارق أحدهما الآخر لحظة واحدة ولا طرفة عين، وكلٍ من اللاهوت والناسوت احتفظ بصفاته وخصائصه، فالسيد المسيح بلاهوته منزَّه عن الجوع والعطش والتعب والألم والموت، أما الناسوت فهو يخضع لكل هذه، وكل ما تصوَّره الرومان بأن الآلهة يعيشون فوق جبال الألب مثل البشر يأكلون ويشربون ويلهون ويتصارعون... إلخ، كل هذا بعيد تمامًا عن عقيدة المسيحية في الوحدانية والتجسد الإلهي.

ب - أباح بولس للرومان شرب الخمر: وهذا أمر غير حقيقي، فإن الخمر كمادة لا عيب فيها ولكن العيب كل العيب في إساءة استخدامها، فهيَ تدخل في بعض الأدوية التي نتناولها، ولا تحرّمها المسيحية، إنما حرَّمت سوء استخدامها، وعندما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: " لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ بَلِ اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلًا مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ" (1تي 5 : 23) فأنه كان يقدم له وصية من أجل صحته الجسدية في بلاد أوروبا التي تنخفض فيها درجة الحرارة لحد الجليد، ولو عاش بولس الرسول في عصرنا الحديث هذا ما كان أوصى تلميذه بشرب القليل من الخمر... لاحظ قوله " قَلِيلًا" أي لا يفرط في شرب الخمر، وأن هناك حاجة ضرورية وهيَ تعب معدته وأسقامه الكثيرة، وفي موضع آخر يسدي بولس الرسول النصيحة لأولاده قائلًا: " وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ" (أف 5 : 18).

جـ - عدم ضرورة الختان... ارتبط الختان في العهد القديم بحفظ الناموس، وأراد بعض اليهود الذين آمنوا بالمسيحية أن يحتفظوا بالختان الجسدي، واعتبروه شـرط لخلاص الإنسان، وطالبوا الآتين للمسيحية من الأمم أن يتمموا الختان أولًا، وكأن خلاص السيد المسيح على الصليب أمر غير كافٍ للخلاص، أما بولس الرسول فكان يقظًا وأكد على كفاية دم المسيح لنوال الخلاص، وأن الخلاص لا يرتبط على الإطلاق بالختان وحفظ مطالب الناموس مثل حفظ السبت وغيره، وأيده في ذلك جميع الآباء الرسل الذين حضروا مجمع أورشليم (راجع أع ص 15).

 

 رابعًا: هل كتب بولس الرسول الجزء الأعظم من العهد الجديد؟:

 قال الدكتور أحمد شلبي أن رسائل بولس الرسول تمدنا بالجزء الأعظم من مادة العهد الجديد، وقال أحمد ديدات أن بولس الرسول تفوَّق على عيسى، لأنه كتب أكثر مما كتب أي حواري، بينما عيسى لم يكتب كلمة واحدة... والحقيقة أن السيد المسيح لم يكتب إنجيلًا، ولم يوصي أحد من تلاميذه أو رسله بكتابة أي إنجيل، ولكن الروح القدس هو الذي حرَّك كتَّاب العهد الجديد لكتابة الأسفار السبعة والعشرين، وبالرغم من أن بولس الرسول كتب أربعة عشر رسالة من السبعة والعشرين سفرًا، وهو ما يفوق عدد نصف الأسفار، لكن إجمالي الأصحاحات التي كتبها بولس الرسول مائة أصحاح من إجمالي مائتين وستين أصحاحًا، وبهذا يتضح أن بولس الرسول لم يكتب معظم مادة العهد الجديد كقول الناقد.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (747) مقارنة الأديان 2ـــ المسيحية ص 93 - 95.

(748) ترجمة علي الجوهري - عتاد الجهاد ص58.

(749) ترجمة علي الجوهري ــــ المسيح في الإسلام ومحاورة مع قسيس حول ألوهية المسيح ص 58.

 (750) أورده القمص بولس باسيلي - المسيح... مَن هو؟ ص 199.

 (751) أورده القمص بولس باسيلي - المسيح... مَن هو؟ ص 200.

(752) أورده ثروت سعيد - حقيقة التجسد ص 183.

(753) المرجع السابق ص 183.

(754) نصوص الحكم جـ 2 ص 35.

(755) المرجع السابق ص 134.

(756) صحيح البخاري جـ 3 ص 110.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/101.html

تقصير الرابط:
tak.la/tcbzc9j