St-Takla.org  >   books  >   fr-botros-elbaramosy  >   great-lent-readings
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عُمْق قِراءات جُمَع وآحاد الصوم الكبير - إعداد: الراهب القمص بطرس البراموسي

13- جمعة ختام الصوم: الجمعة السابعة من الصوم الكبير: دينونة المخلص

 

ارتباط فصول القراءات:

دينونة المخلص

تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو "دينونة المخلص" أي دينونته العادلة لجميع الشعوب يوم الدين على جهادهم في هذه الحياة، فالنبوة الأولى تتكلم عن حسن ختام جهاد المؤمنين كما انتهت نهاية سعيدة حياة يعقوب إسرائيل أولًا وابنه يوسف ثانيًا؛ والثانية عن ثوابه لهم كما يبين الحكيم في سفر الأمثال ثواب الأبرار وعقاب الأشرار؛ والثالثة عن دوام اسمهم وذريتهم كما قال الرب على لسان إشعياء إن المؤمنين به من جميع الأمم يدوم اسمهم وذريتهم، والرابعة عن بركته لآخرتهم كما بارك آخرة أيوب بعد انتهاء تجربته.

ويتكلم إنجيل باكر عن اختيار المخلص للمستعدين عند مجيئه الثاني كما ذكر ذلك له المجد في حديثه لتلاميذه، وإنجيل القداس عن دينونته لرافضي الخلاص المقدم لهم كما تنبأ عن خراب أورشليم التي رفضت هذا الخلاص.

وتحثهم رسالة البولس على ضرورة إتمام الخدمة الروحية كما أوصى بولس تلميذه تيموثاوس بذلك، والكاثوليكون على وجوب صبرهم على ضيقاتها حتى تؤتى ثمارها كما أوصى بذلك يعقوب الرسول، ويتحدث الإبركسيس عن ضرورة إفتقاد الأمم أيضا بهذه الخدمة كما أشار إلى ذلك بطرس الرسول في خطابه عن مسألة الختان.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من النبوات تك 49: 33– 50: 1

يعقوب يبارك أولاده

بنهاية حياة يعقوب على الأرض ينتهي عصر الآباء البطاركة العظام (إبراهيم وإسحق ويعقوب)، لينطلق إسرائيل لا كأفراد بل كشعب وخميرة كان يجب أن تخمر العجين كله بالإيمان وتعد العالم لمجيء المسيا المخلص. لذا ختم هذا العصر بتقديم البركة لكل سبط تحمل في طياتها نبوة عن مجيء المخلص.

 

(1) يعقوب يدعو أولاده

" ودعا يعقوب بنيه وقال: اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام " (ع 1).

بعد حياة مليئة بالجهاد خلالها اغتصب يعقوب البركة والباكورية، واستحق رغم ضعفاته المتكررة أن ينال الوعد بمجيء المسيا المخلص من نسله، هذا الذي به تتبارك كل الأمم، قضى في مصر 17 عامًا في صمت وسكون.. والآن إذ هو عابر من هذه الأرض تطلع إلى أولاده كأسباط منهم يخرج شعب الله الذي يتمتع بأرض الموعد، ويأتي المسيا المخلص فانفتح لسانه ينطق بما يراه خلال روح النبوة أو خلال الظلال، كأنه بموسى الذي ارتفع على جبل نبو يتطلع من بعيد إلى أرض الموعد، فيفرح قلبه من أجل الشعب الذي ينعم بتحقيق الوعد الذي حرم هو منه.

يمكننا في إيجاز القول بأن يعقوب رأى بروح النبوة في أولاده صورة حية للكنيسة المجاهدة في المسيح يسوع.

 

(2) رأوبين:

يبارك يعقوب بكره حسب الجسد وفي نفس الوقت يعاتبه: "رأوبين أنت بكرى قوتي وأول قدرتي، فضل الرفعة وفضل العز، فائرا كالماء لا تنفصل، لأنك صعدت على مضطجع أبيك، حينئذ دنسته. على فراشي صعد" (ع 3، 4).

في الأيام الأخيرة يهاجم الناس مضطجع الآب، أي الكنيسة العروس، بقصد إفسادها، الأمر الذي يحدث هذه الأيام من خلال البدع والهرطقات.

 

(3) شمعون ولاوي:

"شمعون ولاوي أخوان، آلات ظلم سيوفهما، في مجلسهما لا تدخل نفسي، بمجمعهما لا تتحد كرامتي، لأنهما في غضبهما قتلا إنسانا وفي رضاهما عرقبا ثورًا، ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاس " (ع 5 – 7).

من شمعون جاء الكتبة، ومن لاوي الكهنة، وبإرادتهما تمم الكتبة والكهنة الشر بقتلهم المسيح بفكر واحد.. حقا إنهما أخوان، لكن في اتحادهما لم يكرما الله بل قتلا المخلص الذي جاء كإنسان وعرقباه وهو المتقدم كذبيحة (كثور) ليفديهما.

 

(4) يهوذا:

حقا إن يهوذا لم ينل نصيب إثنين كيوسف، لكن يهوذا نال نصيب الأسد في البركة إذ رأى يعقوب السيد المسيح الملك والكاهن يأتي من نسله، إذ يقول:

" يهوذا إياك يحمد إخوتك، يدك على قفا أعدائك، يسجد لك بنو أبيك " (ع 6).

من هو يهوذا هذا الذي يحمده إخوته ويسبحونه إلا السيد المسيح نفسه الخارج من سبط يهوذا، الذي وضع بالصليب يده على قفا إبليس عدوه فحطمه، محررا البشرية من سلطانه حتى يسجدوا له بالروح والحق..

يكمل يعقوب حديثه مع يهوذا: " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب " (ع 10). إنه امتياز يقدمه يعقوب لابنه الذي يحمل نسله قضيب الملك ومن نسله (بين رجليه) يكون الحكم الذي يشرع حتى يأتي المسيا واهب السلام (شيلون) فيضم الشعوب إلى مملكته الروحية.

" رابطا بالكرمة جحشه، وبالجفنة إبن أتانه. غسل بالخمر لباسه، وبدم العنب ثوبه " (ع 11)

إن هذا اللباس من اليهود والأمم غسله السيد المسيح بدمه الطاهر [الأتان والجحش يشيران إلى الأمة اليهودية والأمم]..

" مسود العينين من الخمر ومبيض الأسنان من اللبن " (ع 12).

St-Takla.org Image: Mosaic of the 12 Tribes of Israel. From Givat Mordechai synagogue wall in Jerusalem. Top row, right to left: Reuben, Judah, Dan, Asher - Middle: Simeon, Issachar, Naphtali, Joseph - Bottom: Levi, Zebulun, Gad, Benjamin - by Ori229 صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة فسيفساء تصور أسباط إسرائيل الاثني عشر (الـ12 سبطا)، من حائط مجمع جيفات مردخاي في أورشليم. بأعلى (من اليمين لليسار): سبط رأوبين - سبط يهوذا - سبط دان - سبط أشير | بالوسط: سبط شمعون - سبط يساكر - سبط نفتالي - سبط يوسف | بأسفل: سبط لاوي - سبط زبولون - سبط جاد - سبط بنيامين -- لأوري229

St-Takla.org Image: Mosaic of the 12 Tribes of Israel. From Givat Mordechai synagogue wall in Jerusalem. Top row, right to left: Reuben, Judah, Dan, Asher - Middle: Simeon, Issachar, Naphtali, Joseph - Bottom: Levi, Zebulun, Gad, Benjamin - by Ori229 - Click on each one for more about that tribe in Arabic.

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة فسيفساء تصور أسباط إسرائيل الاثني عشر (الـ12 سبطا)، من حائط مجمع جيفات مردخاي في أورشليم. بأعلى (من اليمين لليسار): سبط رأوبين - سبط يهوذا - سبط دان - سبط أشير | بالوسط: سبط شمعون - سبط يساكر - سبط نفتالي - سبط يوسف | بأسفل: سبط لاوي - سبط زبولون - سبط جاد - سبط بنيامين -- لأوري229 - اضغط على صورة السبط لتقرأ المزيد عنه هنا في موقع الأنبا تكلا.

عيناه لامعتان كما بكلمة الحق إذ ترقبان ما يؤمن به، وأسنانه بيضاء كاللبن معبرًا عن قوة كلماته المنيرة، لذا دعاها بيضاء وقارنها باللبن الذي يقوت الجسد والنفس.

 

(5) زبولون:

" زبولون عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن وجانبه عند صيدون " (ع 13).

سكن زبولون غرب نهر الأردن وغرب بحر الجليل، بذكره زبولون محددًا سكناه بحدود البحر إنما يوضح التحام إسرائيل بالأمم ليصير الشعبان قطيعًا واحدًا تحت يد الراعي الأعظم الواحد، الصالح بطبعه، المسيح. لذلك ففي مباركته يقول موسى:

 

(6) يساكر:

" يساكر حمار جسيم رابض بين الحظائر، فرأى المحل أنه حسن والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدا " (ع 14، 15).

شبه يساكر بحمار جسيم أو ضخم وقوى، فقد اشتغل هذا السبط بالفلاحة وكان دأبهم الصبر، وكانت الأرض خصبة فاكتفى السبط بالزراعة ولم يمل إلى الانشغال بالسياسة إلا نادرًا وقد تعرض لدفع الجزية أو الضرائب.

 

(7) دان:

" دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل، يكون دان حية على الطريق، افعوانًا على السبيل، يلسع عقبى الفرس فيسقط راكبه إلى الوراء، لخلاصك انتظرت الرب! " (ع 16 – 18).

لما كانت النبوة تحمل مرارة لذلك بدأها بعتاب معلنا أن دان " كأحد أسباط إسرائيل " إذ حسب سبطا مع أنه أول ابن ليعقوب من جارية (تك 30: 1 – 6)، وقد عرفت ذريته بالدهاء والمكر، شبهه موسى بشبل أسد يثب من باشان (تث 33: 22).

ذكر القديس إيرنياؤس أن ضد المسيح يخرج من سبط دان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقبل كثير من الآباء هذا الفكر. وقد دلل القديس هيبوليتس على ذلك من قول إرميا النبي: "من دان سمعت حمحمة خيله، عند صوت صهيل جياده ارتجفت كل الأرض فأتوا وأكلوا الأرض وملأها المدينة والساكنين فيها، لأني هأنذا مرسل عليكم حيات أفاعي لا ترقى فتلدغكم يقول الرب" (إر 8: 16). متطلعا أن ما وصفه إرميا هنا ينطبق على عصر الارتداد حين يخرج ضد المسيح من سبط دان بجيشه يحارب الكنيسة في كل الأرض ويلدغ المؤمنين بسموم تجاديفه.

 

(8) جاد:

" جاد يزحمه جيش، ولكنه يزحم مؤخرة " (ع 19)

كان نصيب سبط جاد شرق الأردن كطلبه وقد اشترط موسى النبي على بنى جاد وبنى رأوبين أن يعبروا مع إخوتهم ويحاربوا وعند التقسيم يأخذون شرقي الأردن (عدد 32). اختيارهم لشرقي الأردن جعلهم معرضين للقتال، فكانت أرضهم ساحة قتال بين آرام، وإسرائيل (2 مل 10: 33). كما تعرضوا لغزو العمونيين والأموريين لكن بنى جاد كانوا يلحقون بهم ويقاتلونهم ويستردون غنائمهم. وكان جبابرة سبط جاد مرافقين لداود في صقلغ، قيل عنهم: " جبابرة البأس رجال جيش للحرب صافوا أتراس ورماح وجوههم كوجوه الأسود وهم كالظبي على الجبال في السرعة.. صغيرهم لمئة والكبير لألف " (1 أي 112: 8 – 14).

 

(9) أشير:

" أشير خبزه سمين وهو يعطى لذات ملوك " (ع 20).

تنبأ يعقوب عن أشير بكثرة الخيرات، كما تنبأ موسى عنه أنه يغمس في الزيت قدمه (تث 33: 24).. وقد تحققت النبوتان إذ تمتع سبط أشير بأرض خصبة غنية بأشجار الزيتون التي يستخرج منها الزيت.

 

(10) نفتالي:

" نفتالي أيلة (أنثى الإيل) مسيبة تعطى أقوالًا حسنة " (ع 21).

يشبه في محبته للحرية بأنثى الأيل المنطلقة في برية مفتوحة، لكن هذه الحرية ليست فرصة للانحلال والشر وإنما التزم السبط بعلاقات طيبة مع بقية الأسباط مقدما "أقوالًا حسنة".

باركهم موسى النبي قبل موته: " يا نفتالي أشبع رضى وامتلئ بركة من الرب واملك الغرب والجنوب " (تث 33: 23)..

 

(11) يوسف:

نال يوسف "رجل الأحلام" الابن البكر لراحيل مدحًا أكثر من كل إخوته، فقد كان أمينًا في علاقته مع الله ومحبًا للجميع كابن أو كأخ أو كعبد أو كأجير أو كسجين أو كقائد في القصر.. لذا دعاه أبوه "غصن شجرة مثمرة" وقد كرر العبارة مرتين إشارة إلى أن الثمرة هي ثمرة الحب، لأن رقم 2 كما يقول القديس أغسطينوس يشير إلى الحب، إذ يجعل الاثنين واحدًا.. كان يوسف غصنًا يثمر حبًا سماويًا مرتفعًا إلى فوق لا يعوقه حائط الظروف المحيطة أو الأحداث، إذ يقول: "يوسف غصن شجرة مثمرة، غصن شجرة مثمرة على ماء، أغصان قد ارتفعت فوق حائط، فمررته ورمته واضطهدته أرباب السهام، ولكن ثبتت بمتانة قوسه وتشددت سواعد يديه " (ع 22 – 34).

 

 (12) بنيامين:

" بنيامين ذئب يفترس، في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يقسم نهبا " (ع 27)

تشير النبوة هنا إلى شجاعة سبط بنيامين وقوته في الحروب، كان شاول الملك من سبط بنيامين، كان ذئبا أراد أن يفترس داود الملك..!

 

(13) الوصية الوداعية:

سبق فأوصى يعقوب ابنه يوسف أن يدفنه مع أبيه وأمه وجده وجدته في كنعان في مغارة المكفيلة التي اشتراها إبراهيم من بنى حث، وها هو يكرر الوصية لأولاده الاثني عشر.. لقد عاش غريبا كآبائه ينتظر تحقيق وعود الله في نسله.. وأخيرا مات على رجاء، إذ أسلم الروح وانضم إلى قومه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إشعياء – الإصحاح السادس والستون

أورشليم الجديدة

اختتم هذا السفر الإنجيلي بالكشف عن أورشليم الجديدة التي أقيمت بالسيد المسيح بعدما هدم الحرف القاتل الذي ارتبط بالشكليات المفسدة لحياتنا الداخلية وعلاقتنا مع الله.

 

(1) فساد العبادة الشكلية:

كثيرًا ما اتكل اليهود على وجود الهيكل في أورشليم كمصدر أمان لهم، مهما كانت حياتهم أو علاقتهم بالرب، لهذا يوبخهم الرب قائلًا: "السموات كرسي والأرض موطئ قدمي، أين البيت الذي تبنون لي؟ وأين مكان راحتي؟" (إش 66: 1).

إن كان الله في محبته للإنسان سمح أن يبنى له بيتا، إنما من قبيل تنازل الله ليعلن حلوله في وسطنا. الله لا تهمه الحجارة والمباني الضخمة إنما يسكن في "المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامه" (راجع إش 66: 2).

الكنيسة هي الدخول في الصخرة كما فعل موسى النبي لكي يرى مجد الله، هذه الصخرة هي المسيح. نثبت فيه بروح الاتضاع مع الانسحاق فننعم بالسكنى الإلهية، لهذا قيل:

"وإلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (إش 66: 2).

هكذا بالاتضاع وانسحاق القلب وخشية كلماته يتطلع إلينا الرب، ويسكن فينا، ويحولنا إلى سمواته المقدسة. أما من ينشغل بالشكليات في العبادة بروح الرياء والكبرياء، فإن الله لا يجد فيه راحة وتصير عبادته مكرهة أمامه. يشتم الله الذبائح رائحة قتل ونجاسة وعبادة أوثان، إذ يقول: " من يذبح ثورا فهو قاتل إنسان. من يذبح شاة فهو ناحر كلب، من يصعد تقدمة يصعد دم خنزير. من أحرق لبانا فهو مبارك وثنا " (إش 66: 3).

وكما يقول الحكيم: "ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته" (أم 15: 8).

أما ثمرة الانشغال في الشكليات بلا روح فهو الدخول في متاعب بلا تعزية، وعوض أن يطمئنهم الرب قائلًا لكل واحد منهم:

"لا تخف لأني معك، دعوتك باسمك أنت لي" (إش 43: 1)، يقول لهم:

"هم اختاروا طرقهم وبمكرهاتهم سرت أنفسهم، فأنا أيضا أختار مصائبهم، ومخاوفهم أجلبها عليهم، من أجل أنى دعوت فلم يكن مجيب، تكلمت فلم يسمعوا بل عملوا القبيح في عيني واختاروا ما لم أسر به" (إش 66: 3، 4).

 

 (2) التمييز بين الشكليين والجادين في العبادة

" اسمعوا كلام الرب أيها المرتعدون من كلامه. قال إخوتكم الذين أبغضوكم وطردوكم من أجل اسمي: ليتمجد الرب، فيظهر لفرحكم، وأما هم فيخزون " (إش 66: 5).

هذا ما حدث عندما أبغض اليهود تلاميذ الرب ورسله وطردوهم تحت ستار الغيرة على مجد الله والناموس الموسوي، لكن فرح التلاميذ وخزي المضطهدون. أشار السيد المسيح إلى ذلك بقوله: " سيخرجونكم من المجامع بل تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله " (يو 16: 2).

أما ثمر الضيق الذي حل على رجال كنيسة العهد الجديد من إخوتهم فهو خراب الهيكل على يدي تيطس، إذ قيل هنا: " صوت ضجيج من المدينة، صوت من الهيكل، صوت الرب مجازيا أعداءه " (إش 66: 6).

 

 (3) أورشليم الجديدة:

يختم النبي حديثه بالكشف عن أورشليم الجديدة:

أ – تفيض فرحا وبهجة على محبيها النائحين عليها بسبب ما تعانيه من ضيقات (إش 66: 10).من الخارج آلام ومتاعب، ومن الداخل فيض فرح حتى على الغير.

ب – تفيض شبعا للجميع، تهب الأطفال تعزيات كما من لبن ثدييها، بينما تهب الكبار من عصير ولذة درة مجدها.

جـ - فيض سلام كنهر، ومجد عظيم كسيل جارف: " لأنه هكذا قال الرب: هأنذا أدير عليها سلاما كنهر ومجد الأمم كسيل جارف فترضعون، وعلى الأيدي تحملون، وعلى الركبتين تدللون" (إش 66: 12).

د – مصدر تعزية إلهية: " كإنسان تعزية أمه هكذا أعزيكم أنا وفي أورشليم تعزون" (إش 66: 13).

 الله أب يهب الكنسية أمومة ليس فقط نحو المؤمنين أبنائها وإنما نحو كل بشر، تحمل قلبًا متسعًا كعريسها لتفيض حبًا على الجميع.

" فترون وتفرح قلوبكم وتزهو عظامكم كالعشب وتعرف يد الرب عند عبيده ويحنق على أعدائه " (إش 66: 14).

هذه هي تعزيتنا في الرب خلال كنيسته: يهبنا فرح القلب السماوي واتساعه بالحب وينمى إيماننا (العظام بكونها مركز الجسم).

هـ - مصدر للطهارة: " الذين يقدسون ويطهرون أنفسهم في الجنات وراء واحد في الوسط آكلين لحم الخنزير والرجس والجرذ يفنون معا يقول الرب " (إش 66: 17)..

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البولس من (2 تيموثاوس 3: 1 – 4: 5)

مقاومة روح الضلال

لا تقف رسالة الراعي عند الجهاد في حياته الخاصة ليحيا مقدسًا للرب، وإنما يليق به مقاومة البدع والهرطقات وكل ضلال سواء من جهة التعليم أو عدم السلوك بحكمة سماوية.

 

الهرطقات والشر

إذ تحدث عن المباحثات الغبية والمفسدة بدأ يتحدث عن الضلال خاصة من جهة السلوك، فغالبًا ما ترتبط الهرطقات والبدع بالحياة الشريرة، إذ هي في جوهرنا تقوم على حب الأنا والمجد الباطل وحب الانشقاق، فيتلاحم الفكر المنحرف عن الحق بالسلوك الشرير.

"ولكن اعلم هذا: أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة. لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم" [1، 2].

يقصد بالأزمنة الأخيرة بعد مجيء الابن الكلمة المتجسد، فإن كان في ملء الزمان تقدم الله بإعلان الحب بتحقيق خلاصنا خلال صليب ابنه، فإن الشيطان بدوره يثير العاملين لحسابه لمقاومة الحق. إنها أزمنة النعمة بالنسبة للمؤمنين، وأزمنة صعبة بالنسبة للمخدوعين بحيل إبليس وأضاليله.

على أي الأحوال في كل عصر يعلن الله محبته، وفي نفس الوقت يثير إبليس أتباعه للتضليل، وقد قدم الرسول بولس مثالًا بعصر موسى النبي، إذ يقول: "وكما قاوم يَنِّيس وَيَمْبِرِيس موسى، كذلك هؤلاء أيضًا يقاومون الحق، أناس فاسدة أذهانهم، ومن جهة الإيمان مرفوضون" [8]. إذن فالعيب ليس في الزمان، وإنما في قلب الإنسان الشرير. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا تُلِم الأيام والأزمنة بل الناس عبر الأزمنة، فقد اعتدنا الحديث عن أزمنة صالحة وأزمنة شريرة، وذلك خلال الأحداث التي تحدث لنا بواسطة الناس.]

أما جذر الشر وأساسه فهو الأنا أي محبة الإنسان لذاته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيتقوقع حولها ويقيمها إلهًا له، يود أن الكل يخدمها عوضًا عن أن يخدم الآخرين، فيضر نفسه وهو لا يدري. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [من يهتم بأمور الآخرين إنما يهتم بشئونه الخاصة.. ومن يستهين بأمور إخوته يهمل ما يخصه هو. فإن كنا أعضاء الواحد للآخر، فإن نفع أخينا لا يعود عليه وحده، إنما يعود على الجسد كله، والضرر الذي يصيب أخانا لا يقف عنده وحده، إنما يصيب بقية الجسد بالآلام. هكذا في الكنيسة إن كنت تستخف بقريبك إنما تضر نفسك.] وأيضًا يعلق على كلمات الرسول: "لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم" [2]، قائلًا: [إنه يضع الجذر أو الأساس الذي تنبع عنه الشرور.. فمن يحب نفسه (الأنا)، ويقال عنه إنه غير محب لنفسه، أما من يحب أخاه فهو محب لنفسه بالمعنى الحقيقي.]

هكذا يضع الرسول بولس محبة الذات أو الأنا أو الكبرياء كأساس للشر والهرطقة،خلال محبة الذات أو الكبرياء يضيق قلب الإنسان جدًا، فلا يطلب إلاَّ ما لذاته من محبة مال أو شهوات، فينسحب القلب من خطية إلى أخرى، تسلمه هذه إلى تلك ليصير ألعوبة الخطايا والنجاسات، يفقد إرادته الحُرّة وقدسيته ليعيش في مذلة وضعف.

"لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين، بلا حنو، بلا رضى، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبين للصلاح، خائنين، مقتحمين، متصلفين، محبين للذات دون محبة الله، لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها، فاعرض عن هؤلاء" [2-5].

لاحظ القديس يوحنا ذهبي الفم في تعليقه على العبارات السابقة أن كل خطية تنتج الخطية التالية لها، إذ يقول: [تصدر محبة المال عن محبة الإنسان لذاته.. وعن محبة المال تنبع محبة العظمة، وعن حب العظمة الكبرياء، وعن الكبرياء التجديف، وعن التجديف التحدي وعدم الطاعة.. فمن يتكبر على الناس يتكبر على الله بسهولة. هكذا تتولد الخطايا وترتفع من أسفل إلى أعلى، فمن يكون تقيًا في تعامله مع الناس يكون هكذا بالأكثر مع الله. ومن يكون وديعًا مع العبيد زملائه يكون بالأكثر وديعًا مع سيده. إذ يحتقر العبد زميله ينتهي به الأمر إلى احتقار الله نفسه. إذن ليتنا لا نحتقر بعضنا البعض، لأن هذه خبرة شريرة تُعلِّمنا إحتقار الله.] هكذا لاحظ القديس أن الخطايا بدأت موجهة ضد الناس وانتهت موجهة ضد الله نفسه.

 

في اختصار نذكر أهم الشرور التي أوردها الرسول هنا:

أ. حب الذات: رأينا أنها أساس كل الشرور وجذورها، حيث تغلق النفس أو القلب عن محبة الله والناس.

ب. محبة المال أو الطمع: الإنسان المحب لذاته يطلب كل شيء لحسابها فيكون طماعًا يحب المال والكرامة على حساب إخوته، بل وعلى حساب نفسه

ج. حب العظمة والكبرياء: كما أن محبة الذات تُوَلِّد عطشًا لا ينتهي نحو المال والغنى لا يمكن للعالم أن يرويه، هكذا ذات العلة قد تُوَلِّد عطشًا لا للمال بل إلى حب الكرامة الباطلة والمجد الزمني، الأمور التي تفقد الإنسان سلامه الداخلي.

د. التجديف: عطش الإنسان إلى الأرضيات سواء على مستوى المال والغنى أو على مستوى حب الكرامة الزمنيّة يحرف البصيرة الداخلية عن الله نفسه، فتحتقر النفس إلهها ولا تقدر أن تتلامس مع أعماله الخلاصيّة وعطاياه المجانيّة فتجدف عليه.

ه. عدم طاعة الوالدين: الإنسان الذي يستخف بالله يستخف بوالديه، ففي تجديفه يود أن يتحرر من الأبوة الإلهيّة، بكونها سلطة تحرمه الحريّة، وفي عصيانه للوالدين يحمل ذات الفكر تجاه الوالديّة الطبيعيّة الدمويّة.

و. عدم الشكر أو الجحود: رأيناه وضعًا طبيعيًا في حياة الإنسان محب المال، علامة شعوره بالفراغ الداخلي، الذي لا يستطيع العالم أن يملأه مهما قدم له. على العكس فإن السمائيّين إذ هم في حالة شبع روحي تتسم حياتهم بالشكر الدائم خلال تسابيحهم غير المنقطعة.

ز. الدنس: إن كان الفراغ الداخلي يخلق طبيعة جاحدة لا تقدر أن تشكر، فإن هذا الفراغ بعينه يلهب الإنسان نحو الأمور الدنسة لكي يلتهي فيها، حاسبًا أنه يجد شبعه وسروره الجسدي في التصرفات الدنسة.

ط. عدم الحنو: يُقصد به عدم وجود ود طبيعي، فالإنسان السالك في الدنس يطلب ما يشبع لذَّاته الخاصة، وإن أظهر حنوًا، فليس عن حنو داخلي لراحة الآخرين، وإنما لإشباع ملذاته الخاصة. والمثل الواضح في ذلك أمنون الذي مرض جدًا بسبب محبته الدنسة لأخته ثامار، ولما أخذ منها ما اشتهاه طردها. وأيضًا امرأة فوطيفار أحبت يوسف العفيف جسديًا، ولما تحدث معها بلطف رافضًا الشر سلمته للسجن وعرضت حياته للخطر.

ظ. عدم الرضا: يُقصد به نقض العهد الذي ارتبط به.

ع. الثلب: يُقصد به اتهام الآخرين زورًا. فلا يقف الأمر عند نقض العهد الذي ارتبط به بإرادته وإنما يتهم غيره زورًا.

غ. عدم النزاهة أو عدم العفة: بمعنى عدم قدرة الإنسان على ضبط نفسه من جهة لسانه وشهواته وكل شيء آخر. يريد أن يعيش في الملذات بلا ضابط.

ف. شراسة: طبيعة الخطية تفقد الإنسان إنسانيته ليحيا شرسًا، يقاوم الآخرين بلا سبب حقيقي.

ق. غير محبين للصلاح: أي يحتقرون الأمور الصالحة ويستهينون بها كأمورٍ تافهة.

ك. الخيانة: يقصد بها خيانة الإنسان للعهد الإلهي، ومن جانب آخر خيانته للعهد الطبيعي كأن يسلم الأب ابنه، أو الابن أباه (مت 10: 21) أو خيانة الصداقة.

ل. الاقتحام: يتدخلون بالشر فيما لا يعنيهم.

م. التصلف: أو الكبرياء بدون تروٍ.

ن. محبة اللذات: دون محبة الله، لأن محبة الإنسان لإشباع شهواته تقف حائلًا عن محبته لله.

أخيرًا يختم الرسول حديثه عن الأشرار بقوله: "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها" [5]، وهذا هو أخطر أنواع الشر أن يحمل الإنسان المظهر البَرَّاق المُخادع أما الداخل فمملوء فسادًا. وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن هذا الرياء يمثل لصًا خطيرًا يسلب المتدينين كل ما لديهم. فالخطايا السابقة واضحة يسهل على مرتكبيها أن يتوبوا عنها ويعترفوا بها، أما خطية الرياء، فغالبًا ما يصعب على مرتكبيها إدراكها. إذ لا يخدع الآخرين فحسب وإنما يخدع أيضًا نفسه، فيرى في نفسه أنه أفضل من الآخرين، ولا يقبل التعليم أو النصح.

"لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة، يجمعون لهم معلمين مُستَحِكَّة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات" [4: 3-4].

كأنه يقول يلزم الكرازة بروح القوة في كل حين، في وقت مناسب وغير مناسب، في حزمٍ لكن مع طول أناة ولطف.. لماذا؟ لأنه يأتي وقت فيه تتصلف القلوب وتصير العنق متشامخة وعنيدة، فلا يحتمل الناس الاستماع للتعليم الصحيح. وكأن الرسول ينصحه أن يسرع بالعمل الروحي، لأن كل تأخير في الكرازة إنما يعني دخول الناس إلى حالة أكثر تصلفًا. كأن الزمن ليس في صالحنا إن أهملنا الخدمة! فالقلب المستعد الآن لقبول الكلمة قد يرفضها غدًا ما لم نخدمه اليوم! اليوم قد يقبل الناس المعلمين الحقيقيّين، لكن إن أهمل المعلمون في رعايتهم يسقط الناس في شهوات كثيرة، وعندئذ يطلبون لأنفسهم معلمين حسب أهوائهم. يطلبون ويجدون جماهير من المعلمين المنحرفين عن الحق، مملوءين فسادًا، تستريح لهم قلوبهم.

لم يقصد الرسول بهذا تحطيم تلميذه بروح اليأس، وإنما تشجيعه على السرعة في العمل الروحي وتقديم كلمة الحق حتى لا تهلك هذه النفوس، لهذا يكمل قائلًا: "وأما أنت فَاصْحُ في كل شيء، احتمل المشقات، اعمل عمل المبشر، تمم خدمتك" [5].

سأله أن يكون صاحيًا متيقظًا حتى لا تدخل الذئاب بين الحملان فتفترسهم. حقًا في السهر على الرعاية يتحمل الراعي الكثير من المشقات، لكن تهون هذه كلها من أجل خلاص الخراف العاقلة. هذا هو عمل المبشر أن يحمل الصليب مع مخلصه المصلوب لأجل الدخول بكل نفس إلى رعية السيد المسيح ربنا. بهذا يتمم خدمته ويكمل رسالته.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إنجيل القداس من لوقا 13: 31 – 35

إعلانه عن موته

إذ تحدَّث السيد المسيح عن "الباب الضيق" مظهرًا أن الأمم يأتون من المشارق والمغارب ومن الشمال والجنوب يتكئون في ملكوت الله [29] خلال هذا الباب، بينما يُطرح أبناء الملكوت خارجًا لأنهم يرفضون هذا الباب، بهذا يصير الآخرون أولين والأولون آخرين [30]. بدأ الإنجيلي لوقا يكشف لنا كيف عاش مسيحنا في هذا "الضيق"، بل جاء ليدخل من الباب الضيق، محتملًا الموت من أجلنا لكي يحملنا معه إلى قيامته.

" في ذلك اليوم تقدَّم بعض الفرِّيسيِّين قائلين له: اخرج واذهب من ههنا، لأن هيرودس يريد أن يقتلك. فقال لهم: امضوا وقولوا لهذا الثعلب، ها أنا أخرج شياطين وأشفي اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أكمل.

بل ينبغي أن أسير اليوم وغدًا وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجًا عن أورشليم" [31-33].

يرى كثير من الآباء أن الفرِّيسيِّين هنا يمثلون ذئابًا جاءت في زي حملان، تتظاهر بالحب نحو السيد المسيح بينما كان الدافع لتصرفاتهم هو حسدهم، لأنه يجتذب الجماهير من حولهم، فيفقدهم كرامتهم ومكاسبهم. فأرادوا طرده من المقاطعة الخاضعة لحكم أنتيباس هيرودس بنصحهم إيَّاه أن يخرج لئلاَّ يقتله هيرودس.

إذن لماذا اقتربوا منه، قائلين: أخرج واذهب من ههنا، لأن هيرودس يريد أن يقتلك" [31]. ما هي غايتهم في ذلك؟ يخبرنا الإنجيلي هذا بقوله: "في تلك الساعة تقدَّموا إليه.." ماذا يعنى بتلك الساعة التي فيها تقدَّم الفريِّسيُّون وقالوا هذا ليسوع؟ حين كان منشغلًا بتعليم جموع اليهود حيث سأله واحد إن كان كثيرون يخلصون. فقد عبر السيِّد علي السؤال ليجيب بما يليق به أن يخبرهم، وهو الطريق الذي يجب أن يسير فيه البشر ليصيروا ورثة ملكوت السماوات. إذ قال: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق.." واخبرهم أنهم إذ يرفضون ذلك فسيرون إبراهيم وإسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله وهم مطرحون خارجًا [28]، كما أضاف: "هوذا آخرون يكونون أولين، وأولون يكونون آخرين" [30] متحدَّثا عن دعوة الوثنيين للإيمان. هذه العلامات حركت الغضب في ذهن الفرِّيسيِّين. لقد رأوا الجموع تتوب وتتقبل الإيمان به بشغف ولم يعودوا يحتاجون إلا إلى أمور قليلة ليدركوا مجده وسّر تجسده العظيم المستحق للعبادة. بهذا إذ أوشك الفريِّسيُّون أن يفقدوا وظيفتهم كقادة للشعب، بل فقدوا فعلا سلطانهم عليهم، وخسروا ما كانوا يربحونه إذ كانوا شغوفين بمحبَّة الثروة والطمع والترف، تظاهروا بحبه، واقتربوا إليه، قائلين: "اخرج واذهب من ههنا، لأن هيرودس يريد أن يقتلك.." لقد ظنوا أنهم يستطيعون أن يخدعوا ذاك القائل: "من هذا الذي يخفي ذهنه عني؟ ويغلق على كلماته في قلبه ويظن أنه يخفيها عني؟" (أي 38: 2 الترجمة السبعينية).]

 

ظن الفرِّيسيُّون أنهم قادرون علي خداع السيِّد، لكنه أجابهم كفاحصٍ للقلوب والكلى، وعالم بكل الأسرار والمستقبل، بهدوء في حكمة عجيبة، إجابة شاملة وقويَّة لبنيان سامعيها، إذ أظهر في إجابته الآتي:

أولًا: أظهر شجاعته بإرسالهم لهيرودس ملقبًا إيَّاه بالثعلب.. فمن ناحيَّة أراد أن يعلن لهم أنه لن ينسحب عن خدمة الجماهير مهما بلغت المخاطر، إنما لينسحبوا هم أن أرادوا وينشغلوا بما هو ليس لخلاص إخوتهم؛ ومن ناحيَّة أخرى يدعو هيرودس ثعلبًا، إذ يعرف وحشية قلبه وحبه لسفك الدماء البريئة بمكر وخداع.

ثانيًا: أظهر أيضًا رسالته أنه ليس منافسًا لهيرودس في مملكته الأرضية، لكنه ملك سماوي يعمل لبنيان النفوس، فيطرد الشياطين ويشفي، مقدَّما نفسه برضاه للموت [32-33].. لقد جاء لكي يحطم عمل الشيطان ويشفي البشريَّة من جراحاتها المميتة، فيقيم كنيسته كمملكة روحيَّة. وكما يقول القديس أغسطينوس: [لتفهم هذه الأمور التي نطق بها بمعنى سّرى، مشيرًا إلى جسده الذي هو الكنيسة. فإن الشياطين تُطرد عندما يترك الأمم الخزعبلات ويؤمنوا به، ويتحقَّق الشفاء كاملًا بواسطة وصاياه، بعدما يجحد الشيطان والعالم في القيامة وتصير الكنيسة كاملة في ملء الحياة الملائكيَّة بخلود الجسد أيضًا.]

ثالثًا: أظهر معرفته للمستقبل بقوله: "اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أكمل" [32]، وهو تعبير عبري رمزي يعني أن أيامه علي الأرض باتت قليلة ومعدودة (هو 6: 2). وبقوله "اُكمل" كشف عن آلامه كسرّ مجد، إذ بها يكمل عمله الخلاصي من أجل شعبه.

رابعًا: كشف عن رسالته أنه قد جاء لكي يُبذل من خاصته (أورشليم)، إذ قال: "بل ينبغي أن أسير اليوم وغدًا وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجًا عن أورشليم" [33]. وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [لقد ظن الفرِّيسيُّون أن سلطان هيرودس يرعبه فتذله المخاوف، لكنه هو رب القوات الذي يوّلد فينا الشجاعة الروحيَّة بكلماته: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (مت 10: 28). إنه لم يعطِ اهتمامًا للعنف البشري، بل يقول: "بل ينبغي أن أسير اليوم وغدًا وما يليه" [33]. بقوله "ينبغي" لا يعني الإلزام قسرًا، وإنما التزام به بكمال حريته، فبدون خطر يذهب أينما شاء ويتنقل في اليهوديَّة دون أن يقاومه أحد أو يخطط ضده حتى يتقبل الألم بإرادته خلال الصليب الثمين.. بإرادته قبل الألم لكي يموت جسده يبطل الموت ويقوم. وإذ قام من الأموات يقيم معه الطبيعة البشريَّة كلها، ويجددها واهبًا لها الحياة التي بلا فساد.]

خامسًا: أظهر رعايته الفائقة لشعبه، لكنها ليست إلزامية إذ يقدس حريتنا. لنا أن نقبلها ونتجاوب معها، ولنا أن نرفضها، إذ يقول:

"يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا.هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا، والحق أقول لكم أنكم لا تروني حتى يأتي وقت تقولون فيه: مبارك الآتي باسم الرب" [34-35].

+ إنه ليس فقط لا يتجاوزنا، وإنما لا يريد أن يتركنا ما لم نرد نحن ذلك..

لقد أظهر أننا نحن الذين نبدأ بهجره، فصرنا علَّة هلاكنا، أما الله فلا يريد أن يتركنا ولا حتى أن يعاقبنا، وإن عاقبنا إنما يفعل ذلك كمن هو مُلزم، إذ يقول: لا أشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع ويحيا (حز 18: 32 الترجمة السبعينية).

إلهنا القدوس يجعلنا أهلًا أن نستعد بقلوبنا للدخول معه أورشليم السمائية صارخين:

مبارك الآتي باسم الرب

ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلي الأبد أمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/great-lent-readings/friday-7.html

تقصير الرابط:
tak.la/q7pp7th