St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   06-Resalet-Romya
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

الرسالة إلى أهل رومية 11 - تفسير رسالة رومية

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية:
تفسير رسالة رومية: مقدمة رسالة رومية | مقدمة عن فكرة الخلاص في المسيحية | مقدمة عن الإيمان: أهمية الإيمان للخلاص | ملخص لمقدمة رسالة رومية مع إيضاحات أكثر لفكرة الخلاص | الرسالة إلى أهل رومية 1 | الرسالة إلى أهل رومية 2 | الرسالة إلى أهل رومية 3 | الرسالة إلى أهل رومية 4 | الرسالة إلى أهل رومية 5 | الرسالة إلى أهل رومية 6 | الرسالة إلى أهل رومية 7 | الرسالة إلى أهل رومية 8 | الرسالة إلى أهل رومية 9 | الرسالة إلى أهل رومية 10 | الرسالة إلى أهل رومية 11 | الرسالة إلى أهل رومية 12 | الرسالة إلى أهل رومية 13 | الرسالة إلى أهل رومية 14 | الرسالة إلى أهل رومية 15 | الرسالة إلى أهل رومية 16

نص رسالة رومية: الرسالة إلى أهل رومية 1 | الرسالة إلى أهل رومية 2 | الرسالة إلى أهل رومية 3 | الرسالة إلى أهل رومية 4 | الرسالة إلى أهل رومية 5 | الرسالة إلى أهل رومية 6 | الرسالة إلى أهل رومية 7 | الرسالة إلى أهل رومية 8 | الرسالة إلى أهل رومية 9 | الرسالة إلى أهل رومية 10 | الرسالة إلى أهل رومية 11 | الرسالة إلى أهل رومية 12 | الرسالة إلى أهل رومية 13 | الرسالة إلى أهل رومية 14 | الرسالة إلى أهل رومية 15 | الرسالة إلى أهل رومية 16 | الرسالة إلى أهل رومية كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

في هذا الإصحاح يوجه الرسول كلامه للأمم حتى لا ينتفخوا أو يستخفوا باليهود معلنًا أن اليهود سيؤمنوا بالمسيح في أواخر الدهور، فهو وبَّخ اليهود سابقًا ليفتحوا قلوبهم للأمم، وهنا يوبخ الأمم ليفتحوا قلوبهم لليهود الراجعين لله بالإيمان، هو يود أن يرى الجميع، الكنيسة الواحدة كلها في محبة.

 

آية (1): "فَأَقُولُ: أَلَعَلَّ اللهَ رَفَضَ شَعْبَهُ؟ حَاشَا! لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِسْرَائِيلِيٌّ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ."

الله لم يرفض شعبه، ودليل عدم رفض اليهود أن الله قبل بولس وهو يهودي وجعله رسولًا له، وبالتالي فهو سيقبل كل يهودي يؤمن بالمسيح الذي تنبأ عنه كتاب اليهود المقدس، ومن يؤمن بالمسيح فهو الإسرائيلي الحقيقي ومن يرفض المسيح فقد قطع نفسه من الزيتونة، ومن يؤمن من الأمم فقد طُعِّمَ في الزيتونة، لكن الزيتونة هي زيتونة واحدة أي الكنيسة وهي تضم اليهود والأمم.

 

الآيات (2-5): "لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ فِي إِيلِيَّا؟ كَيْفَ يَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: «يَا رَبُّ، قَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي!». لكِنْ مَاذَا يَقُولُ لَهُ الْوَحْيُ؟ «أَبْقَيْتُ لِنَفْسِي سَبْعَةَ آلاَفِ رَجُل لَمْ يُحْنُوا رُكْبَةً لِبَعْل». فَكَذلِكَ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ أَيْضًا قَدْ حَصَلَتْ بَقِيَّةٌ حَسَبَ اخْتِيَارِ النِّعْمَةِ."

الذي سبق فعرفه= شعب الله معروف لديه، اختارهم لسابق معرفته بأنهم كشعب سيقبلونه ويلتزموا بشريعته وأنه يمكن إعدادهم حتى يأتي المسيح منهم (رو 29:8) والله لن يندم على اختياره، فكيف بعد كل ذلك يرفضهم. ويضرب الرسول مثلًا بأيام إيليا، فإيليا تصوَّر أن الأبرار قد انتهوا من على الأرض، ولكن الله يقول له.. لا فهناك بقية مازالت تؤمن، ومع أن إيليا لم يراها لكن عين الرب عليها، على هذه البقية المؤمنة. وكلمة بقية هي تعبير إشعياء أي الذين تبقوا في الزيتونة أي الذين آمنوا بالمسيح. وما حدث أيام إيليا يحدث الآن، فالصورة الآن قاتمة، ويبدو أنه لا يوجد مؤمنين وسط اليهود، ولكن الرسول يقول لا فهناك بقية يراها الله وسط هؤلاء اليهود الرافضين، وهناك بقية يراها الله ستؤمن في الأيام الأخيرة ومن أجل هذه البقية فالله يحتمل خطايا اليهود كل هذه الفترة. والبقية الموجودة أيام الرسل هم التلاميذ والرسل والـ3000 الذين آمنوا بعظة بطرس والـ2000 الذين آمنوا بعد معجزة بطرس ويوحنا مع المقعد وغيرهم. إذًا لا يمكن أن نتصور أن كل اليهود صاروا مرفوضين. ولكن هناك بقية أفرزهم الله حسب اختيار النعمة= أي أفرزهم بحسب اختياره الذي تم بحسب نعمته. ومن الملاحظ أن كلمة اختيار النعمة هنا تشير إلى أن هذه البقية قد نالت التبرير كعطية ومنحة من قبل الله، وهي نعمة لأنه لا يوجد واحد مستحق أن يموت المسيح لأجله بسبب أعماله، ولا أن يحل فيه الروح القدس، وإن كنا نستحق شيئًا بسبب أعمالنا، لا نستحق سوى الموت، فليس بيننا من لم يخطئ، ولكن بعد أن تم اختيارنا بالنعمة علينا أن نعمل ونجاهد فتزداد فينا النعمة التي تغير طبيعتنا.

سبعة آلاف رجل= 7× 1000 "المعنى أن الله يعرف الأبرار واحدًا واحدًا".

7= 3+4 = (النفس التي على صورة الثالوث) + (الجسد المأخوذ من العالم)

لذلك رقم 7 يشير للكمال لأن الإنسان هو أكمل خليقة لله على الأرض

7=6+1= (الإنسان الناقص) + (الله الواحد) فالإنسان بنفسه هو ناقص ولكنه بالله يصبح كاملًا.

1000= هو رقم السمائيات فالملائكة ألوف ألوف وربوات ربوات.

تأمل:- حتى الآن هناك من يتصور أنه لم يعد في العالم أبرار إلا هو، ولكن لو صح هذا لكان الله قد أحرق العالم كسدوم وعمورة. ولكن هناك أبرار دائمًا في كل مكان، والله يعرفهم وعينه عليهم.

إذًا رقم 7000 يشير لجماعة الكاملين روحيًا الذين تقدست نفوسهم وأجسادهم بالروح القدس ليعيشوا بفكر روحي على مستوى سماوي. وكونهم رجالًا يعني حياة ناضجة بعيدًا عن لهو الأطفال وتدليل النساء (1كو13:16).

 

آية (6): "فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً. وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلًا."

هذه الآية هي إسترسال للآية السابقة التي قال فيها الرسول أن هناك بقية من اليهود آمنوا وأن هذا كان بالنعمة أي مجانًا. فالنعمة هي عطية إلهية مجانية، فقبول الله لهم في الإيمان ليس راجعًا إلى أية إمتيازات كانت فيهم ولا لأعمال عملوها. وأي اختيار لإنسان ليدخل المسيحية هو بالنعمة، فمن هو الذي يستحق ما فعله المسيح. حتى لو كان للإنسان أعمال صالحة، فمن المؤكد أن له أعمال شريرة. لذلك كان الدخول للمسيحية بالنعمة. فإن كان الدخول للمسيحية بالنعمة فلماذا يرفض اليهود دخول الأمم؟!

الأمم لم يكن لهم ناموس موسى ليكسروه، ولكنهم خالفوا الناموس الطبيعي. واليهود كان لهم ناموس موسى وخالفوه. إذًا الكل أخطأ، والله سيقبل الجميع بالنعمة.

فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ = فإن كان دخولي للمسيحية هو عطية مجانية لا أستحقها، فلماذا أعود وأنسبها لشيء صالح فيَّ، لو كان اختياري راجعًا لعمل صالح، فسيكون اختياري مكافأة على أعمالي، ولا يكون بعد نعمة أي عطية مجانية = وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً.

وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلًا = دخولي للإيمان هو نعمة أي عطية مجانية وليست مكافأة لي على عمل عملته. أما العمل فهو ما أقوم به أنا نفسي. فإن كان خلاص إنسان يتوقف على عمله - فلا معنى أن نقول بعد ذلك أن الخلاص هو بالنعمة.

ولكن ماذا بعد دخولي للإيمان؟...بعد الدخول للإيمان يأتي دور جهادي أي أعمالي الصالحة التي بها تزداد النعمة، ويومًا بعد يوم تتغير طبيعتي فأتغير إلى صورة المسيح (كو10:3). هنا أعمالي الصالحة تكون إعلانًا عن إرادتي، وحين تتوافق إرادتي مع إرادة الله تنسكب النعمة فيَّ (هذا ما يسمي بظاهرة الرنين) لذلك سأل السيد المسيح مريض بيت حسدا "هل تريد أن تبرأ" فهو يريد أن تتفق إرادة المريض مع إرادة المسيح حتى تنسكب نعمة الشفاء في المريض، فالمسيح يريد أن يشفيه، ولكن مهم جدًا إتفاق الإرادتين.

إذًا هناك كلمتين مهمتين، النعمة وهذه عمل الله فيَّ وفي الكنيسة - والأعمال وهذه خاصة بي. وإذا إتفقوا تحدث معجزات ويخطئ من يقول أنه بعمله يدخل السماء، ويخطئ أيضًا من لا يجاهد مستندًا على أن النعمة تخلصه. ولكن من يعمل يستدعي النعمة لتغيره وتعمل معه.

وببساطة نفهم فكر بولس الرسول، ولا نخلط الأمور، فالنعمة نعمة والأعمال أعمال. ومع أن بولس الذي كلمنا كثيرًا عن النعمة ويعرف قدرها، كان من المؤكد أنه مستندًا على النعمة، إلا أننا نجده يقول "جاهدت الجهاد الحسن.." فجهاده لازم حتى تلازمه النعمة وتعمل معه وفيه. وبهذا المعنى قال بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى4: 13). وكتطبيق على هذا يقول الرسول "ولكن بنعمة الله انا ما انا ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة بل انا تعبت اكثر منهم جميعهم. ولكن لا انا بل نعمة الله التي معي" (1كو15: 10). هنا نرى تعب وعمل بولس الرسول ومساندة النعمة له وكانت النتيجة إمكانيات لا نهائية. ولنرى ماذا فعل بولس الرسول الذي جال أوروبا كارزا وكتب ما يقرب من نصف الإنجيل. وأعمال بولس الرسول لم تتوقف على الجهاد الإيجابي أي الكرازة، بل لنرى ما نسميه الجهاد السلبي "بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعد ما كرزت للاخرين لا أصير انا نفسي مرفوضا" (1كو9: 27) فهو يقمع جسده وهذا عمل من جانبه والنعمة ساندته لأنه أراد خلاص نفسه.

ولاحظ أن الله يطلب فعلة للحصاد ولم يعمل هو كل شيء (مت38:9) فعلينا إذًا أن نعمل لنأكل (2تس10:3). ونعمل لتعمل معنا النعمة. فالنعمة حقيقية فيما يخص بر الله، والعمل حقيقي فيما يخص جهد الإنسان.

إحتاج المسيح إلى أستار ليدفع الجزية، فيأمر بطرس أن يذهب ليصطاد سمكة (وهذا عمل يجيده بطرس الصياد، إذًا هو قادر عليه) فيجد في بطن السمكة الأستار المطلوب (وهذا عمل وتدبير النعمة). فالمسيح يطلب منا العمل الذي نقدر عليه وهو بنعمته يفعل ما لا نستطيع كبشر فعله. وإن كنا عاجزين عن القيام بشيء حينئذٍ يفعل هو كل شيء ... فهل كان يمكن لبشر فعل شيء أمام مشكلة الموت التي وجد لها المسيح حلا بصليبه.

 

آية (7): "فَمَاذَا؟ مَا يَطْلُبُهُ إِسْرَائِيلُ ذلِكَ لَمْ يَنَلْهُ. وَلكِنِ الْمُخْتَارُونَ نَالُوهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا،"

الشعب الإسرائيلي كان يطلب التبرير بواسطة الناموس ولم ينالوا التبرير، ليس لعيب في الناموس ولكن بسبب ضعف الطبيعة البشرية. ولكن الذين نالوا التبرير بواسطة الإيمان هم هؤلاء الذين إختارهم الله من الإسرائيليين، ليس إختيارًا عشوائيًا بل من إتفقت إرادته مع إرادة الله الذي يريد أن الجميع يخلصون (1تي4:2) [ظاهرة الرنين= حين تتفق دوائر راديو نختار نحن محطة نريد سماعها مع دوائر هذه المحطة، يحدث تضخيم في إشارات هذه المحطة فنسمعها]. هؤلاء الذين آمنوا وإعتمدوا غفرت خطاياهم وصارت لهم حياة المسيح فسلكوا في البر وتبرروا بمعونة النعمة. أمّا الباقون فقد صاروا قساة بسبب عدم إيمانهم. هم قاوموا الحق ولم يتجاوبوا مع نعمة الله لذلك تُرِكوا لفساد قلبهم فإنحجبت بصيرتهم الداخلية عن معاينة الله وآذانهم عن الإستماع لصوته، وهذا سبق وأنبأ به الأنبياء (آية8). ولاحظ قول الرسول وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا = فهي تشير لأن القساوة من عندياتنا فلا مجال لأحد أن يقول أن الله لم يختارني، بل هو لم يتجاوب مع عمل النعمة.

 

آية (8): "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَعْطَاهُمُ اللهُ رُوحَ سُبَاتٍ، وَعُيُونًا حَتَّى لاَ يُبْصِرُوا، وَآذَانًا حَتَّى لاَ يَسْمَعُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ»."

مقتبسة من (إش6: 9 ، 10 + 10:29). فإشعياء تنبأ لأنه سبق فعرف ما سيحدث منهم، وأنهم لن يفهموا كلمة الإنجيل نظرًا لغلاظة قلوبهم التي ملأتهم بروح العناد والمقاومة وقوله أن الله أَعْطَاهُمُ عُيُونًا حَتَّى لاَ يُبْصِرُوا = لا تُفهَم أن الله كان السبب في تضليلهم، بل هم بعنادهم وكبريائهم وخطاياهم لم يروا ما رآه غيرهم فآمنوا إذ رأوا. هم كان لهم عيون ولكنها كانت موجهة لذواتهم فلم يروا سوى أنفسهم، ولم توجه عيونهم لله فلم يعرفوا الله ولم يعرفوا المسيح صورة الله. ونظرًا لعنادهم رفع الله عنهم نعمته إذ هم لا يستحقوها (إذ أنهم لا يريدون) فازدادوا عمي وصمم كمن في سُبَاتٍ = هذه تساوي قوله تقسوا (آية 7) [بلغة ظاهرة الرنين، هؤلاء إختاروا محطة أخري هي المجد الذاتي والكبرياء، ولم يختاروا محطة مجد الله، وهذا ما قاله لهم رب المجد "كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَٱلْمَجْدُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلْإِلَهِ ٱلْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ" (يو5: 44)]. معنى ظاهرة الرنين وتطبيقها (راجع مقدمة إصحاح 6).

إِلَى هذَا الْيَوْمِ = هم لم يدركوا حتى اليوم ولم يفهموا، ولن تفتح عيونهم ليفهموا إلاّ في ذلك اليوم الذي هو في علم الله، في آخر الأيام حين يؤمنوا بالمسيح.

 

آية (9): "وَدَاوُدُ يَقُولُ: «لِتَصِرْ مَائِدَتُهُمْ فَخًّا وَقَنَصًا وَعَثْرَةً وَمُجَازَاةً لَهُمْ."

قنصًا = شركًا أو فخًا. لتصر مائدتهم فخًا= المائدة تشير:-

  1. أقوال العهد القديم الدسمة بنبواتها، ومن فهمها بطريقة روحية وجد فيها شخص المسيح فآمن، أمّا من تمسك بالحرف صارت له عثرة بل سبب دينونة له بسبب عدم إيمانه بالمسيح الذي كان ناموسهم (مائدتهم) تشهد له= مجازاة لهم. فهذه المائدة ستكون شاهدة على عنادهم.

  2. قد تشير لأن أفراحهم وولائمهم ستتحول إلى حزن ويتحول فصحهم إلى غم. وهذا ما حدث على يد تيطس سنة 70 م. والآية مأخوذة من (مز22:69). مائدة فصحهم صارت غمًا بينما الفصح المسيحي صار فرحا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه إذ هم بلا هيكل ومشتتين في العالم.

  3. بعد مجيء المسيح إنعدمت قيمة محرقاتهم وذبائحهم فلقد جاء المسيح المرموز إليه بهذه الذبائح وكان إستمرارهم في تقديمها فخًا لهم، فلمن يقدموها والله قد رفضها "مَنْ يَذْبَحُ ثَوْرًا فَهُوَ قَاتِلُ إِنْسَانٍ. مَنْ يَذْبَحُ شَاةً فَهُوَ نَاحِرُ كَلْبٍ. مَنْ يُصْعِدُ تَقْدِمَةً يُصْعِدُ دَمَ خِنْزِيرٍ" (إش66: 3).

 

آية (10): "لِتُظْلِمْ أَعْيُنُهُمْ كَيْ لاَ يُبْصِرُوا، وَلْتَحْنِ ظُهُورَهُمْ فِي كُلِّ حِينٍ»."

من (مز23:69) لتظلم عيونهم= فرفضهم الإيمان بالمسيح حرمهم من الروح القدس الذي يفتح العيون. عنادهم في استمرارهم على الحرف أعماهم (2كو15:3-18) وأظلمت عيون أذهانهم، ولتحن ظهورهم علامة الضعف والعجز الروحي والعبودية للخطية، فالخطية ثقيلة ومرهقة والناموس يعجز عن رفعها بدون النعمة. وظلمة العيون وانحناء الظهر ليست لليهود فقط بل هذا يحدث لكل مسيحي يسير في طريق الخطية بلا توبة. وانحناء الظهر هو لمن يحمل الحمل وحده، وهذا ما حدث لليهود إذ رفضوا المسيح، والمسيح هو الذي يغفر الخطايا وحده، والخطايا حمل ثقيل، وإذ رفضوا المسيح حملوا خطاياهم وحدهم فانحنت ظهورهم. لذلك يقول الرب " تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم " (مت11: 28).

معنى ظاهرة الرنين وتطبيقها (راجع مقدمة إصحاح 6).

 

آية (11): "فَأَقُولُ: أَلَعَلَّهُمْ عَثَرُوا لِكَيْ يَسْقُطُوا؟ حَاشَا! بَلْ بِزَلَّتِهِمْ صَارَ الْخَلاَصُ لِلأُمَمِ لإِغَارَتِهِمْ."

ألعلهم عثروا لكي يسقطوا = العثرة تعني اصطدام ووقوع، هو سقطة يقوم بعدها الإنسان، وهذا إشارة لتعثر اليهود في المسيح وصلبهم له ورفضهم إياه. أما السقوط فهو سقطة ليس بعدها قيام ورفض للأبد كرفض الله للشياطين.

حاشا= الرسول هنا يحاول رفع نفسية اليهود حتى لا ييأسوا، فيقول لهم أنهم لن يسقطوا للأبد بل أن كل ما حدث أن بعض الأغصان قطعت، وذلك لأن الله سبق وعرفهم واختارهم، والله لا يندم على سابق اختياره فهو لا يخطئ.

والآية أيضًا موجهة للأمم حتى لا يتعالوا بكبرياء على اليهود.

بزلتهم صار الخلاص للأمم = زلتهم كانت صلب المسيح، وبهذا الصلب صار الخلاص للعالم كله، ورفضهم للمسيح كان سببًا في دخول الأمم (راجع مثل العرس مت9:22 ،10) فحينما رفض المدعوين (اليهود) أن يأتوا للعرس، أرسل الملك صاحب العرس (الله) عبيده (الرسل) ليجمعوا من مفارق الطرق كل من وجدوه (الأمم). ومثل الكرامين (مت33:21-43) فالكرم (كنيسة الله) أعطيت لكرامين جدد (الأمم) حين رفض الكرامون الأوائل (اليهود) الابن (المسيح) وقتلوه. وهذا ما رأيناه في هياج اليهود ضد بولس في كل مكان، فكان يذهب للأمم (أع46:13+ 6:18).

لإغارتهم = الله في حكمته يستخدم زلة اليهود لخلاص الأمم، وفي محبته يستغل خلاص الأمم لإغارة اليهود لإرجاعهم. إنه صانع خيرات يحول الشر كما الخير لبنيان البشرية. هو في محبته يستخدم كل وسيلة ليجذب كل منا لنثبت في الزيتونة. وإن كان الله يفعل ذلك مع اليهود الذين صلبوه، فهو من المؤكد يفعل ذلك معي حتى لا أهلك.

 

آية (12): "فَإِنْ كَانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنىً لِلْعَالَمِ، وَنُقْصَانُهُمْ غِنىً لِلأُمَمِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ مِلْؤُهُمْ؟"

 زلتهم غنى للعالم= رفضهم للمسيح وصلبهم له كان بركة لكل العالم، بها نال الأمم الخلاص. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونقصانهم= أي عدم إيمانهم، لأن بعدم إيمانهم هبطت روحياتهم حتى صاروا أقل من الأمم. وكان نقصانهم وزلتهم سببًا في هبات وفيرة للأمم. فكم بالحري ملؤهم= كلمة ملؤهم تشير لرجوع الغالبية العظمى من اليهود للإيمان. وتشير لاكتمال عددهم أو اكتمالهم. وحين يكتمل عددهم كمؤمنين سيصير هذا منبعًا لبركات عظيمة للعالم هي القيامة (آية 15). ونقول القيامة لأن ما هو أعظم من إيمان العالم كله بالمسيح إلاّ القيامة. كأن الله بإيمانهم سيقول "كفاية كده على العالم، إذا كان أولادي رجعوا ليَّ، إذًا كفاية قعاد في الأرض، وهيا كلكم إلى مجد السماء".

 

آية (13): "فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ: بِمَا أَنِّي أَنَا رَسُولٌ لِلأُمَمِ أُمَجِّدُ خِدْمَتِي،"

هنا يرد بولس على من يتصور أنه يدافع عن اليهود تاركًا الأمم خدمته الأساسية. ولكننا نلمح في كلام بولس تحذيرًا للأمم، فالله قد يتخلى عنهم إذا تقسَّت قلوبهم كاليهود. أمجد خدمتي= سأعمل وأجتهد لنشر الإنجيل وسط الأمم. وإن خدمتى هذه لهى خدمة مجيدة فهي تأتى بالأمم كمؤمنين يمجدون اسم الله. وهذا نفس ما قاله السيد المسيح للآب "أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ. ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ" (يو17: 4).

 

آية (14): "لَعَلِّي أُغِيرُ أَنْسِبَائِي وَأُخَلِّصُ أُنَاسًا مِنْهُمْ."

لعلي أغير= أي أجعلهم في غيرة. هو ينشط وسط الأمم ويمجد خدمته وسطهم. لعله بكثرة المؤمنين من الأمم يغار اليهود أنسباءه أي أقرباءه بالجسد فيؤمنون.

 

آية (15): "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَفْضُهُمْ هُوَ مُصَالَحَةَ الْعَالَمِ، فَمَاذَا يَكُونُ اقْتِبَالُهُمْ إِلاَّ حَيَاةً مِنَ الأَمْوَاتِ؟"

هنا نرى أن رجوع اليهود هو علامة الحياة للجميع أي القيامة الروحية للجميع من الأموات. هذه نبوة بقيامة جديدة من الأموات للمسيحيين ومن هنا نفهم أن من علامات نهاية الأيام، وقبل القيامة العامة سيؤمن البقية من اليهود.

وهذا هو نفس ما قاله الرب يسوع "كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا . هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَنِي مِنَ ٱلْآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ" (مت23: 37-39). فعلامة المجيء الثاني للرب يسوع هو إيمان اليهود بالمسيح.

 

آية (16): "وَإِنْ كَانَتِ الْبَاكُورَةُ مُقَدَّسَةً فَكَذلِكَ الْعَجِينُ! وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا فَكَذلِكَ الأَغْصَانُ!"

وإن كانت الباكورة مقدسة فكذلك العجين= كان الناموس يطلب من اليهود تقديم باكورات ثمارهم (أول حزمة تخرج من الحقل) لله، فيتبارك كل المحصول. مقدسة= مخصصة لله. فكذلك العجين= العجين مأخوذ من المحصول. ولكن فكرة أن الشعب هو عجين تشير لأن الشعب كله جسد واحد. وبولس رأى أن أباء اليهود مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب والأنبياء هم الباكورة المقدسة، فهم كرسوا حياتهم لله، وبذلك فإن العجين أو أمة اليهود كلها موضوعة لكي تصبح مقدسة أيضًا. وإذا كان الأصل أي الآباء والأنبياء مقدسًا، فإن الأغصان التي تنبت من هذا الأصل أي الإسرائيليين موضوعون ليكونوا قديسين (هنا شَبَّه اليهود بشجرة) . وليس المقصود طبعًا كل اليهود بل البقية التي تؤمن، فليس كل الإسرائيليون هم إسرائيليون (رو 7:9). ولقد كانت العجينة مقدسة حتى خرج منها المسيح فصار من يؤمن بالمسيح هو المقدس. هذا الكلام موجه للأمم حتى لا يرفضوا اليهود ويحتقروهم، حتى يزرع المحبة بين الجميع.

 

St-Takla.org Image: Cutting a tree branch with a hand shear, pruning.  صورة في موقع الأنبا تكلا: قطع غصن من شجرة عن طريق مقص اليد، تشذيب.

St-Takla.org Image: Cutting a tree branch with a hand shear, pruning.

صورة في موقع الأنبا تكلا: قطع غصن من شجرة عن طريق مقص اليد، تشذيب.

آية (17): "فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا، فَصِرْتَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا،"

 في الطبيعة لو طعمنا غصنًا مرًا ووضعناه في زيتونة جيدة فسيخرج الفرع المر زيتونًا مرًا. ولهذا فالطبيعي أن يطعم إنسانًا غصنًا جيدًا في الزيتونة وإنه لشيء غير طبيعي أن نطعم غصنًا مرًا من زيتونة برية مرّة في زيتونة جيدة، والزيتونة البرية هي الأمم والزيتونة الجيدة هي اليهود. ولكن عمل النعمة أعطى طبيعة جديدة للأمم المؤمنون فصاروا غصنًا جيدًا، تم تطعيمه في الزيتونة الأصلية، فالأممي الذي آمن صار في المسيح خليقة جديدة، فالله حين يقدس (الفرع المر) يغير النجس (الفرع المر) إلى قديس طاهر = (فرع جيد)، من هذا المثل نفهم أن الزيتونة هي الكنيسة سواء في العهد القديم أو العهد الجديد، فكنيسة العهد الجديد هي امتداد لكنيسة اليهود، وأن المسيحية هي مرحلة الاستعلان الأخير لتدبير الله وبره. قطع بعض الأغصان= يقول هذا بطريقة لطيفة فعمليًا الغالبية من اليهود قطعت. ومن هذا نفهم كلمة البقية أنها تشير لمن تبقى على الزيتونة. وأنت زيتونة برية= هذه ثمارها عديمة النفع وذلك لأن الأمم كانوا في وثنية. الأغصان التي قطعت هم اليهود الذين لم يؤمنوا، ودخل مكانهم الأمم الذين آمنوا.

 

آية (18): "فَلاَ تَفْتَخِرْ عَلَى الأَغْصَانِ. وَإِنِ افْتَخَرْتَ، فَأَنْتَ لَسْتَ تَحْمِلُ الأَصْلَ، بَلِ الأَصْلُ إِيَّاكَ يَحْمِلُ!"

إن كان عدو الخير قد غلب الكثيرين من اليهود برفضهم الإيمان، فإنه لا يلقي بسلاحه أمام الذين يؤمنون إذ يحاول تحطيمهم بالكبرياء. وهنا يحذرهم الرسول من الكبرياء، ومن أن يحتقروا اليهود الآباء، فإن كان الأمم يتمتعون الآن بالبركات الإلهية، فإن أصل الزيتونة أي الآباء هم أصحاب الفضل في ذلك.

 

آية (19): "فَسَتَقُولُ: «قُطِعَتِ الأَغْصَانُ لأُطَعَّمَ أَنَا!»."

لعلك تبرر افتخارك وتقول إن الأغصان (اليهود) قطعت لأطعم أنا في الشجرة.

 

آية (20): "حَسَنًا! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ!"

أنت لم تطعم في الشجرة بسبب أعمالك بل بنعمة الله الذي آمنت به.

فلا تستكبر= فالكبرياء يمنع أن يكون لك ثمر. فإن كان الله قد قطع الأغصان الطبيعية الأولى لأنه لم يجد فيها ثمر (كان ذلك بسبب كبريائهم وبرهم الذاتي) فهو قطعًا سيقطع الأممي الذي لن يكون له ثمر بسبب كبريائه. بل خف= تواضع.

 

آية (21): "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الأَغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ فَلَعَلَّهُ لاَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ أَيْضًا!"

عليك أن تخف حتى لا تقطع فأنت لست غصنًا طبيعيًا. "إذًا من يظن أنه قائم فلينظر لئلا يسقط (1كو11:10). وعلينا أن نستمر في جهادنا ولا نستهتر حتى لا نقطع.

 

آية (22): "فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ، إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ."

إن سقط الإنسان وإستهتر فسيجد الصرامة، وإن ثبت وجد اللطف.

 

آية (23): "وَهُمْ إِنْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَدَمِ الإِيمَانِ سَيُطَعَّمُونَ. لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُطَعِّمَهُمْ أَيْضًا."

إن لم يثبتوا في عدم الإيمان= إن عاد الذين قطعوا إلى الإيمان. سيطعمون ثانية. فالله قادر= فمن طعم الأغصان البرية قادر أن يعيد الأغصان الطبيعية. لكن لاحظ هنا حرية الإرادة، فالإنسان حر أن يثبت في الإيمان أو يتركه.

 

آية (24): "لأَنَّهُ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتُونَةِ الْبَرِّيَّةِ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ، وَطُعِّمْتَ بِخِلاَفِ الطَّبِيعَةِ فِي زَيْتُونَةٍ جَيِّدَةٍ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُطَعَّمُ هؤُلاَءِ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ، فِي زَيْتُونَتِهِمِ الْخَاصَّةِ؟"

هذا إشارة لسهولة تطعيمهم ورجوعهم للزيتونة الأصلية إن آمنوا، وقوله زيتونتهم الخاصة يشير لأن اليهود لن يسقطوا (يرفضوا للأبد) لأن زيتونتهم باقية. بحسب الطبيعة.. بخلاف الطبيعة= الأمم كانوا زيتونة برية بسبب عبادتهم للأوثان ونجاستهم، والزيتونة البرية طعمها مر. والطبيعي أن نطعم غصنًا جيدًا في الزيتونة لا غصنًا مرًا لنحسن الصنف ولكن تطعيم غصن مر في زيتونة جيدة فهذا بخلاف الطبيعة. ولكن فإن النعمة غيرت الفرع المر إلى فرع جيد.

 

آية (25): "فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ،"

هذا السر= السر هو عمل من أعمال الله الفائقة التي كانت مخفية عنده ثم أعلنه. والسر هو أن القساوة حدثت لجزء من اليهود فقط إذ قبل الجزء الآخر المسيح، وحدثت هذه القساوة لفترة من الزمان، يعود بعدها الله ويقبل الجزء الباقي = جزئيًا. والله ينتظر ملؤ الأمم = أي أن يكمل من اختارهم وهو يعرف عددهم، الذين هم تمامًا بحسب ملء بيته (لو23:14) "حتى يمتلئ بيتي" + (رؤ10:6، 11). هؤلاء هم المختارين من الأمم الذين سبق، فعرفهم فسبق وعينهم (رو29:8). وببلوغ الأمم ملؤهم يعود إسرائيل فيقبل الإيمان، وهذا لا يعني الكل بل البقية. نرى هنا بولس الرسول يدافع عن بر الله لمن يتصور أن الله بعد أن اختار اليهود عاد ورفضهم.

 

آية (26): "وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ."

يقتبس الرسول هنا من (إش 59: 20، 21؛ 27: 9). وهكذا سيخلص جميع إسرائيل= ليس الجميع بل البقية (آية 5)، وقوله الجميع يقصد به كل الذين سيؤمنون ويبقون على الزيتونة. هؤلاء سيؤمنوا في نهاية الأيام بعد أن يتم ملء الأمم. سيخرج من صهيون المُنْقِذ = فالمسيح خرج من صهيون في مجيئه الأول وآمنت به البقية. وفي آخر الأيام سيخرج من صهيون النبيين إيليا وأخنوخ ليحركوا الإيمان في قلوب البقية ليؤمنوا بالمسيح. فالسيد المسيح قبل مجيئه الثاني سيرسل مَنْ ينقذ البقية فيرد الفجور (ملا4: 5). سيكون إيليا وأخنوخ الشاهدين المنظورين للمسيح ، ويكون الملاك ميخائيل الشاهد غير المنظور "وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ ٱلرَّئِيسُ ٱلْعَظِيمُ ٱلْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيقٍ لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ. وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي ٱلسِّفْرِ" (دا12: 1)..

 

آية (27): "وَهذَا هُوَ الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِي لَهُمْ مَتَى نَزَعْتُ خَطَايَاهُمْ»."

وَهذَا هُوَ الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِي لَهُمْ = العهد المقصود به هو المذكور في الآية السابقة (26).

الإشارة لنزع الخطايا تتفق مع (إر31:31-34) وفيها نبوة بالعهد الجديد الذي رفعت فيه الخطايا بالفداء. وفي (إر35:31-37) نبوة برجوع البقية أي قبول اليهود للإيمان في نهاية الأيام.

 

آية (28): "مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ هُمْ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُمْ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الاخْتِيَارِ فَهُمْ أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ،"

 فيما يختص بالبشارة = الإنجيل.. فإن اليهود بعدم إيمانهم وبصلبهم للمسيح قد صاروا أعداء لله، من أجل أن تدخلوا أنتم للإيمان إلى ملكوت المسيا. أما فيما يختص باختيارهم الذي سبق وأعده الله منذ وقت طويل فهم محبوبون من الله من أجل آبائهم بالجسد، لذلك فرفضهم جزئيًا.

من جهة الإنجيل هذه هي البشارة التي نبشر بها، قبولكم أنتم يا أمم الآن، ثم قبولهم أخيرًا.

 

آية (29): "لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ."

الذي يدعوه الله يعطيه هبات، والذي يهبه الله يدعوه، والله اختار إسرائيل ووهبها الكثير، ودعاها ابني البكر ليكونوا نورًا للشعوب. والذين يحبهم الله يحبهم إلى المنتهى، فالله أحبهم وهم محبوبون، لأن الله لا يتعرض للانخداع والضلال عندما يختار وعندما يدعو، ولذلك فهو لا يندم من أجل العطايا التي وعد أن يهبها ولا يتراجع في الدعوة التي وجهها.

 

الآيات (30، 31): "فَإِنَّهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مَرَّةً لاَ تُطِيعُونَ اللهَ، وَلكِنِ الآنَ رُحِمْتُمْ بِعِصْيَانِ هؤُلاَءِ، هكَذَا هؤُلاَءِ أَيْضًا الآنَ، لَمْ يُطِيعُوا لِكَيْ يُرْحَمُوا هُمْ أَيْضًا بِرَحْمَتِكُمْ."

لا يجب أن تتعجبوا من أن وعود الله وهباته لا بُد أن تتم لأنكم أنتم أيضًا أيها الأمميون كنتم قد دعيتم من الله قبل أن يدعى إبراهيم ولكنكم في ذلك الوقت رفضتم الدعوة وعبدتم الأوثان، وأما الآن فإنكم قد رحمتم بواسطة عدم إيمان اليهود فقبلتم أنتم في حظيرة الإيمان، وهكذا الحال بالنسبة لليهود، فإنهم الآن لا يظهرون طاعتهم وإيمانهم ولكنهم سيقبلون الإيمان يومًا ما. لكي يرحموا برحمتكم= أي بنفس الصورة التي رحمتم أنتم بها، فكما حدث معكم سيحدث أيضًا معهم.

 

آية (32): "لأَنَّ اللهَ أَغْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ مَعًا فِي الْعِصْيَانِ، لِكَيْ يَرْحَمَ الْجَمِيعَ."

أَغْلَقَ = إستذنب أو دان. ومعنى الآية أنه... ولقد صار عدم إيمان هؤلاء الأمم في بادئ الأمر، كذلك صار عدم إيمان اليهود الآن. اليهود صلبوا المسيح، والأمم بوثنيتهم، ونحن الذين مازلنا نخطئ حتى الآن الكل عصى الله وأهانه، والله يظهر رحمته للجميع.

 

آية (33): "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!"

في الآيات السابقة رأينا بولس الرسول يشرح كيف أن الله قبل اليهود ورفض الأمم، ثم قبل الأمم ورفض اليهود، ثم يقبل اليهود أخيرًا، وأخذ بولس الرسول يفكر في حكمة الله فرأى أنه لن يمكنه فهم خطة الله ولماذا فعل ذلك. وبنفس المنطق ليس من حقي أن أتساءل، ما هي حكمتك يا رب في هذا الأمر أو ذاك، هل فلان سيخلص أم لا، لا تفكر فحكمة الله أعلى من كل أفكارنا. ولا تفكر لماذا سمح الله بهذه التجربة، فقط قل أن من المؤكد أنها للخير حتى مع عدم فهمنا ولنضع قول السيد المسيح لبطرس (يو7:13) "لست تفهم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد". هكذا نسمع في (إش8:55) أن أفكار الله تعلو عن أفكارنا. عمومًا يصعب على الإنسان أن يفهم كل أحكام الله وأن يدرك كيف يُسَيِّر الأمور ويوجهها ليحقق الخلاص للبشر فبولس أكثر من عرف عن أسرار الله يجلس هنا كمن لا يفهم ولا يستطيع إلاّ أن يمجد الله على عمق أحكامه.

إستقصاء= فهم وتبين كل الجوانب. فكل شيء عارٍ أمام الله، أما لي فأنا أعرف بعض المعرفة، الله فاحص القلوب والكلى أما أنا فلا أعرف سوى الظاهر أمامي.

مثال :- إذا رأيت إنسانًا طيبًا أقول أن الله عليه أن يزيده مالًا وصحة، وهذا لأنني أحكم بمقياس مادي، وأجد الله يجربه ويبتليه، لأن الله يعلم أنه لو زاده مالًا لضاعت منه فرصة خلاص نفسه، فحسابات الله غير حساباتي، فحسابات الله سماوية. الله يريد أن يكمل عبيده وقد يكون هذا بالآلام وهذا ما حدث للمسيح نفسه (عب10:2) فكم بالأولى لنا نحن البشر.

 

الآيات (34، 35): "«لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟»."

من سبق فأعطاه فيكافأ = مَنْ الذي أعطى الرب أو أقرضه شيئًا حتى يكون من حقه أن يأخذ مكافأة في مقابل عطائه لله. وبهذا فإسرائيل ليس من حقه أن يسأل الله لماذا تركتني إذ رفع الله رحمته عنهم فالله ليس مدينًا لهم وليس من حقي أنا أن أسال الله لماذا سمحت بهذا أو ذاك، وليس من حقي أن أطالب الله بشرح كل ما يسمح به من مواقف فالله ليس مدينًا لأحد.

 

آية (36): "لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ."

إن الله يحكم كل الأشياء لأنه هو الذي خلقها جميعًا بحكمته. ولأجل مجده تهتف وتتجه كل المخلوقات، فله يعطي كل المجد إلى دهر الدهور آمين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/06-Resalet-Romya/Tafseer-Resalat-Romia__01-Chapter-11.html

تقصير الرابط:
tak.la/tzqk342