St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty  >   007-Short-Stories
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب قصص قصيرة (مع مجموعة من القصص الطويلة) - القمص تادرس يعقوب ملطي

537- قصة: غالبة الرجال

 

لم يصدق صموئيل عينيه فقد بدأ يعاين مدينته المحبوبة لديه والتي تركها منذ حوالي عام كامل، فقد بدأت الساعات تعبر عليه وكأنها ساعات طويلة، أو قل هي جبال شامخة ليس من يقدر أن يحركها له. فقد عاد إلى وطنه يحمل علي جماله هدايا لا حصر لها لعروسه الشابة الجميلة التي طالما كان يحلم بها ويشتاق إليها والتي اضطر أن يتركها طوال هذا العام تحت رعاية أهله حتى يعود من تجارته.

كان الموكب يتحرك نحو مدينته حتى بدأت المنازل تظهر صغيرة جدًا أمام عينيه، فكان قلبه يطير فرحًا، يحرك عينيه يمينًا وشمالًا لعله يلمح منزله ليفاجئ عروسه بحضوره إليها وقد أحضر لها ما لا تتوقعه من هدايا.

لم تمضِ ساعات قليلة حتى بلغ صموئيل بيته، وكانت المفاجأة المرة له، إن علامات الكآبة والحزن قد خيمت علي مدخله والشجيرات التي زرعها بيديه قد جفت تمامًا وسقطت وكأنها تعلن حدادها علي هذا البيت الخرب. التراب متراكم علي كل ما تقع عليه أنظاره. تُري ما الخبر؟ ألعل زوجتي قد هجرت البيت زمانًا طويلًا، وأهملت البيت تمامًا؟ ألعلها عادت إلي عائلتها؟! أو أصابها مكروه؟!

طرق صموئيل الباب بسرعة وبشدة، لكن ليس من يسمع ولا من يجيب. أخيرًا فتح الباب ليجد نفسه لا في بيته القديم المبهج، وإنما كمن هو داخل مقبرة كئيبة بلا حياة!

لم يرد أن يتسرع في الحكم، لكنه ترك جماله مع رجاله وانطلق بسرعة البرق يجري نحو بيت أخيه، الذي رآه من بعيد فركض إليه وارتمي علي عنقه يقَّبله والدموع تزرف من عينيه:

- أين زوجتي؟

- تمهل يا أخي قليلًا.

- أين هي؟

- لا تضطرب، فإن كل شيء علي ما يرام!

- هل عادت إلي عائلتها؟

- سأخبرك... استرح قليلًا.

- أخبرني، هل هي مريضة؟

- لا يا أخي، استرح لأغسل قدميك وأقدم لك ولرجالك الطعام، وإني سوف أخبرك بكل شيء.

- حي هو اسم الرب إلهي الذي أعبده، لن أذق طعامًا ولا أشرب ماء حتى أعرف أين زوجتي.

أخذ الأخ الصغير يربت علي كتف أخيه صموئيل، والدموع تجري من عينيه، وهو يقول:

"اجلس يا أخي لأروي لك ما حدث.

لقد سافرت يا أخي من هنا وجاءتني زوجتك بعد أيام تقول لي إن رسالة شفوية جاءتها تخبرها أنك قد مُت، وقد تظاهرت بالحزن والمرارة، لكنها سرعان ما بدأت تداعبني وتلاطفني، وكادت تسلمني جسدها.

لكنني أحسست أنها ابنة لعوب، قلبها شرير وضميرها فاسد".

صمت الأخ قليلًا، ليكمل حديثه في هدوء:

St-Takla.org         Image: A girl crying, tears if remorse and repentance صورة: فتاة تبكي.. دموع الندم و التوبة

St-Takla.org Image: A girl crying, tears if remorse and repentance

صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة تبكي.. دموع الندم و التوبة

"قلت لها: ومن يدريكِ أنها رسالة صادقة، وزجرتها، وقلت لها: سأتأكد إن كان أخي حيًا أم لا.

كنت أبكي ليلًا ونهارًا، وأنا أسأل نفسي كيف أتأكد من الخبر، خاصة وأنها لم تذكر اسم الموضع الذي ذهبت إليه، لكنه لم تمضِ إلا أيام قليلة حتى كشف لي إلهي شر هذه المرأة، إذ جاءتني أخبار أكيدة أن بعضًا من الرجال يزورونها حتى ساعة متأخرة من الليل.

وإذ لم أرد أن أتسرع في الحكم سألتها عنهم فأنكرت، لكن كثيرين رأوا وشهدوا وأصروا أنها زانية!

- زانية!

- نعم، إنها خائنة لا تستحق الحياة معك!

- لا تقل هذا فإني أعرفها تمام المعرفة... أين هي الآن؟

- قلت لك أنها خائنة، وقد حكم عليها القضاة بالرجم!

- الرجم!

- لا تبكِ... كن رجلًا. إنها زانية وخائنه!

لقد أساءت إلى سمعتنا جميعًا، ونكلت بشرفنا! فاستحقت أن تُرجم بالحجارة، بل وان تُسحب من قدميها بالحبال إلى خارج المدينة لكي لا تُدفن في قبرٍ، بل تأكلها الكلاب وتشبع الطيور من لحمها الدنس.

لقد ذاقت قليلًا من ثمرة نجاستها، وأراحنا الله من فسادها.

لم يستطع صموئيل أن يسمع أكثر من هذا، فقد انهار تمامًا، لكن أخاه صار يقول له:

"قم يا أخي، لا تبكِ زانية.

كن رجلًا وتشجع فإن الفتيات كثيرات، ويمكنك أن تتزوج فتاة أجمل وأغنى، وما هو أهم أطهر منها!

قم، فالمدينة كلها تعلم قصتها، والجميع يترقب مجيئك ليفرحوا معك، فلا تحوّل فرحهم إلى غمًّ بسبب زانية، ولا تسمح للناس أن يستصغروك".

ألحّ الأخ أن يغسل قدميّ أخيه صموئيل ويصب ماءً لكي يغسل رأسه، ثم صحبه إلى بيته ومعه بعض الخدم لكي يهيئوا له البيت، لكن صموئيل فقد كل سلامٍ داخلي.حاول أن يتصنع الابتسامة لكنها كانت تهرب منه، وإن ظهرت فواضح أنها مفتعله.

رجع صموئيل إلى بيته ليستقبل أهل بلدته فكان يحتضنهم ويقبلهم بلا مشاعر!

ظن الأخ أن الأيام كفيله أن تعيد لصموئيل حياته الأولي وسلامه وبشاشته، لكن نفسه كانت تزداد مرارة، وقلبه يضيق أكثر فأكثر. يئن في داخله، ويبكى الليالي.

مرت عليه الأيام وكأنها سنوات طويلة، تارة يستصعب استيعاب ما قيل في عروسه المحبوبة لديه، وأخرى يتسرب الشك إِليه فلا يطيق أن يرى امرأة أو يثق في زوجة. لكن أمرًا جديدًا استطاع أن يقتحم قلبه ويستأثر مشاعره ويمتص كل تفكيره فقد سقط أخوه الوحيد على الأرض يتلوى من شدة الألم يصرخ كالأطفال بلا هوادة.

حمله صموئيل إلى طبيبه الخاص الذي اهتم به جدًا، وظل يعالجه لشهورٍ دون جدوى، وأخيرًا نصحه أن يعرضه على طبيب آخر، ومن مدينه إلى مدينه يتحمل المشاق من أجله بلا نفع.

صارت قصة صموئيل وأخيه موضع حديث كل المدينة، أحدهما رُجمت زوجته علانية وسًحبت للكلاب، بينما يعاني الآخر من آلام مرة دون معرفة للسبب. كان الناس يزورونهما يطلبون أن يخدمونهما أو يواسوهما في هذا الجحيم الذي لا يُطاق.

التجأ صموئيل إلى الله، فصار يسرع كل صباحٍ إلى المجمع ليصلي في الصباح الباكر جدًا قبل شروق الشمس، يشترك مع المرتلين بالمزامير ويسمع القراءات الناموسية بدموعٍ لا تجف، طالبًا من الله أن يرفع غضبه عنهما.

بدأ صموئيل ينهار بسبب أخيه المتألم، وفي إحدى المرات إذ التقي بالحاخام بعد صلاة باكر، قال له:

- ربوني، أخبرني ماذا أفعل كي يرفع الله غضبه عنا.

- لماذا تقول هذا صموئيل؟

- أنت تعلم مرارتي من جهة ما حلّ بزوجتي التي كنت أحسبها ملاكًا من السماء، وها هي المدينة كلها تعلم ما فعلته بعد سفري, كيف دنست جسدها فصارت مأكلًا للكلاب.

- وما ذنبك أنت يا صموئيل؟

- لقد فقدت الثقة في كل فتاة.

- لا تقل هذا، فالمدينة بها شابات مباركات يحببن الله ويخدمنه بنقاوة قلب.

- لا أريد الزواج، فقد انهارت نفسي تمامًا. لست أظن إني أستطيع أن أسعد فتاة بعد أو هي تسعدني، خاصة بعدما عصر الألم أخي الوحيد وتحولت حياته إلي مرارة شديد.

- لا تقل هكذا، فأنت إنسان مؤمن.

- ماذا افعل يا ربوني؟

- إني أشير عليك أن تذهب إلي القرية المجاورة لنا، فقد حدثني بالأمس أحد خدامها عن امرأة عجيبة ومؤمنة، حضرت إلى قريته منذ أيام. إنسانة فقيرة ومسكينة، لكنها محبة لله ومتعبدة، تحفظ المزامير عن ظهر قلب، تقضى أغلب وقتها في قراءة الكتاب المقدس والعبادة بروحٍ متواضعة وخشوع، قصتها غريبة.

- خيرًا.

- جاءت منذ أيام إلى إحدى البيوت وجلست على عتبة الدار بملابس مزدرية، وكانت تبكي بمرارة. إذ رأتها صاحبة الدار فتحت لها وصارت تعزيها. والعجيب أن صاحبه الدار أحبتها جدًا وتعلقت بها بسبب وداعتها ورقتها مع حبها الشديد للعبادة وارتباطها بالله، وشوقها الدائم للعبادة في المجمع. لم تمضِ أيام قليلة حتى أصيبت صاحبة الدار بحمى شديدة، وفي تواضع انحنت المسكينة عند سريرها وصارت تصلي بدموعٍ وسمع الرب صلاتها. ومنذ تلك اللحظة التف حولها أهل القرية يطلبون صلواتها، أما هي فبقيت في تواضعها وانسحاقها، تسأل القادمين إليها الصلاة.

- ماذا تقصد يا ربوني.

- أقول، ليتك تحمل أخاك إليها لعل الله يسمع لها من أجلكما.

- لا أريد أن ألتقي بأية امرأة قط بعد، أيا كانت.

- إنها خادمة بسيطة، وكما سمعت إنها متواضعة، لا تنسب لنفسها إنها صانعة معجزات، ولا تطلب أن يلتف الناس حولها. لكنها في انسحاق قلب تحب الكل وتود أن تخدم الجميع. دموعها لا تجف من أجل المتألمين والمتضايقين، وكل عملها أنها تطلب من القادمين الصلاة، خاصة وأنها تواظب على المجمع كل يوم وتقف مع النساء في الصف الأخير بملابس مزدرية وباحتشام، لا ترفع صوتها وسطهن ولا تدعى أنها شيء.

- من أجل الطاعة وبصلواتك سأذهب يا ربوني. فقط صلِ من أجلنا لعل الله يسندنا بصلواتك عنا.

← ترجمة القصة بالإنجليزية هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت: The Conqueror of Men.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2

 انطلق صموئيل يحمل أخاه الوحيد إلى القرية. وهناك سأل عن هذه السيدة التقية فأخبروه عنها. وإذ دخل إلى المسكن وجد بعضًا من الناس قد اجتمعوا معًا في بهو الدار، أما هي فلا تخرج إليهم، إنما تتحدث معهم في صوتٍ هادئٍ بالكاد يسمع من وراء الباب الداخلي.

 تقدم أحد الرجال إلى جانب الباب الداخلي وسأل السيدة أن تصلي من أجله، أما هي فبصوتٍ هادئٍ مملوء حزنًا قالت: "أنا إنسانة مسكينة وضعيفة محتاجة إلى صلوات عنى ليغفر الله لي خطاياي و ينزع عنى ضعفي... صلِ يا أخي فإن الله يقبل صلوات التائبين".

وهنا إذ سمع الرجل كلمة "التائبين" بكى وهو يقول:

"إني تائب يا سيدتي.

وأنا أعلن أمام الله وكل القرية إني كنت شريرًا، ولي ثقة في رحمة الله أن تنتشلني وترفع عني آثامي، كما ترفع عني آلام جسدي.

 لقد كنت محتالًا، لا يفارقني الفكر من جهة دمٍ برئ سلمته ظلمًا.

أقول إنني قابلت الإحسان بالشر، فقد سلبت سيدة حرة حريتها وبعتها عبدة!

أقول الصدق، لقد نصبت على كثيرين وسلبت أموالهم، وفي إحدى المرات سلبت من إنسان أربعين درهمًا، وإذ انكشف أمري تعرضت للصلب... فمرت بي سيدة وقور ورأت الجموع تحيط بي شامتة وكنت في قبضة أيديهم لا أستطيع أن أفلت.

في نضوج وجرأة قالت السيدة لمن يمسك بي: لماذا تفعل هكذا بأخيك؟ فأجاب الرجل: إنه محتال، سلبني أربعين درهمًا.

قالت المرأة: أتهلك أخاك من أجل دراهم قليلة؟ وللحال أخرجت الدراهم وقدمتهم له وهي تقول: الحرية لا تقدر بثمنٍ!

أحببت السيدة جدًا وسرت معها في الطريق، وقد عرضت عليها الزواج فرفضت بإصرار. وفي الطريق التقيت بأحد الأغنياء واحتلت عليه إذ ادعيت أنها جاريتي فبعتها بمائتي دينار وهربت. ولا أدري ما هو مصير هذه المرأة. بلا شك حملها الرجل بغير إرادتها إلى بيته جارية له واستعبدها.

هي قدمت مالها لتحررني وأنا بعتها للعبودية بلا ذنب!"

قطع أحد الحاضرين حديثه، وأمسك بالرجل، وهو يقول له: "أتعرفني؟"

أجاب الرجل: "لا".

رد الآخر: "تطلع إلي حسنًا... أنا هو الرجل الذي سلبتني المائتين درهمًا".

لم يتمالك المحتال نفسه، إذ صار يبكي وهو يقَّبل قدمي الآخر وهو يقول له:

"سامحني يا أخي، فإني أعدك سأرد لك مالك.

لكن أخبرني ماذا فعلت بهذه المسكينة التي بعتها لك بلا ذنب، هذه التي قدمت لها مرارة عوض عملها الطيب معي".

دُهش الكل أمام هذا المنظر، وسأله الكل أن يحرر هذه المسكينة، عندئذ بدأ الرجل يقول لهم:

"صدقوني يا أخوتي إن كان هذا الرجل قد أحتال عليَّ، لكنه قدم لي بركة لم أكن أستحقها. فإنه إذ أخذ المائتين درهمًا وهرب، أمسكت بالمرأة وأمسكت بيدها، ففوجئت بالمنظر وإذ بها تشد يدها من يدي بقوة، وهي تقول في قوة ووقار: "ماذا تطلب يا رجل؟"

قلت قلها: "لماذا تغضبين عليَّ، فإن سيدك باعكِ لي؟"

عندئذ ظهرت عليها علامات الدهشة وصارت تقول: "ما هذا الذي تقوله يا رجل؟ أنا لست عبدة ولا ملك إنسان".

قلت لها: "باعك لي الرجل الذي كان واقفًا بجوارك الآن".

عندئذ روت لي السيدة قصتها كيف أنقذت حياة هذا المحتال من الموت، وقدمت ما لديها من مال، فأحسست بصدقها، وأدركت أن الرجل احتال علينا، فقلت لها: لا تتضايقي، ثم قدمت لها عشرة دراهم وصرفتها بسلام، وأنا أشعر أن الله بارك بيتي من أجلها، إذ عوضني الكثير منذ تلك اللحظات".

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3

إذ دهش الكل أمام هذه الأحداث العجيبة، من أجل قسوة قلب المحتال الذي لا يرحم امرأة أنقذت حياته، ومن كرم الآخر الذي لم يندب حظه على فقدانه المائتين درهمًا بل وقدم للسيدة عشرة دراهم مما لديه وترك المرأة حرة. وصار همس متزايد بين الحاضرين، قطعه أحدهم بقوله:

"حقًا إنه لأمر عجيب فلهذه السيدة التي تتحدثون عنها مكانة خاصة في قلبي واحترام خاص عندي.

فقد التقيت بها منذ عدة شهور في الطريق، وكانت تئن بمرارة بسبب الجراحات التي أصيبت بها، فبالكاد كان تحبي على الأرض والدم ينزف منها.

على ما يبدو أن لصوصًا هجموا عليها وأشبعوها ضربًا، فحملتها مع رجالي على جمل وأخذتها إلى بيتي وكانت زوجتي تهتم بها جدًا، وكانت تحبها وتخدمها حتى شُفيت.

لكن الغيرة بدأت تدب في قلب زوجتي إذ شعرت أنني أيضًا قد تعلقت بها، مع أنها كانت طاهرة ونقية طاهرة ونقية للغاية، فقد فاتحتها في أمر الزواج فرفضت تمامًا بكل طهارةٍ وعفةٍ وأمام غيرة زوجتي اضطررت أن أستأجر لها حجرة بجوارها، وكنت أساعدها، ولعل العبد الذي أتيت به الآن يشهد كيف كنت أعتني بها كأخت لي.

لكن للأسف، ففي أحد الأيام قامت زوجتي لترضع طفلها الوحيد فوجدته بجوارها مذبوحًا، وكم كانت الدهشة حين تتبعنا آثار الدم فإذا به يصل إلى مسكنها. وهنا قرعت بابها، فأجابتني: ماذا تطلب؟ لماذا تأتيني وأنا أرفض الزواج تمامًا. اتركني في طهارتي حتى لا أترك الموضع كله بسبب لجاجتك. هنا تيقنت أنها لا تعرف شيئًا عن ذبح الطفل، وأنها بريئة تمامًا. فلما سألتها أن تفتح الباب وجدت السكين بجوارها، فأصرت زوجتي على قتلها، لكن بالكاد أقنعتها أنها لو كانت قاتلة لما تركت السكين في مسكنها.

على أي الأحوال انهالت زوجتي عليها ضربًا حتى كادت تفارق الحياة، ثم تركناها. عدت إليها بعد ذلك وأعطيتها أربعين درهمًا وسألتها أن تغادر الموقع، ولم أكن أتوقع في هذه السيدة أن تدفع هذا المبلغ لمحتال لتنقذ حياته! إنها بالحقيقة عجيبة في حبها وفي طهارتها. فقد تعاملت معها وعرفت عنها الكثير.

عندئذ بدأ يتساءل الحاضرون: ما هو سرّ السكين الذي كان في مسكنها، لو أنها قاتلة لما أنقذت حياة هذا المحتال بكل ما لديها؟!

لم يحتمل العبد أن يسمع كلمات سيده وهمسات الحاضرين إذ صرخ في وسط آلامه وهو يقول:

"ما أعانيه الآن من مرارة المر هو بسبب هذه السكين؟

إني أنا هو القاتل.

قتلت الطفل وألقيت بالسكين في مسكنها. وبسببي تعرضت هذه البريئة لضرب سيدتي حتى كادت تموت، وبسببي خرجت تائهة تدفع كل ما لديها لأجل هذا المحتال فتُباع كعبدة.

لم يحتمل السيد هذا المنظر إذ امسك بعبده وخرج به إلى الخارج ليعاقبه على ما فعله بابنه.

كانت هذه الأحداث تجري أمام صموئيل وأخيه اللذين تابعا الأحاديث بكل تدقيق، فنسي صموئيل أنات أخيه وصارت دموعه تنهار من أجل هذه المرأة المسكينة، أما أخوه فكان يرتجف ويزداد انهيارًا.

فجأة فتحت المسكينة الباب وانطلقت نحو صموئيل وأخيه وهي تقول لهما: "أتعرفان من هذه المرأة؟!" ثم نظرت إلى صموئيل وهي تقول له: "إنها زوجتك التي اتهمها أخوك ظلمًا".

ارتبك كل الحاضرين، خاصة وقد رأوا صموئيل يمسك بالمرأة وهو يقول: "أأنت حُسنة عروسي؟!" أجابته: "أنا حُسنة التي أراد أخوك أن يعتدي عليَّ مدعيًا أنك قد متّ. ها هو أمامك يعترف لك، كيف دبّر رجمي بالحجارة ظلمًا. والآن يردني الرب إليك غالبة لا الرجال الأشرار بل الشر ذاته بقوة إلهي وصلواتك يا صموئيل".

لم يصدق صموئيل نفسه، إنه أمام زوجته الجميلة غالبة الرجال في الحق!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

* من أصلِ يهودي، مخطوط دير الشهيد مار جرحس بمصر القديمة 30 بؤونة 1629 ش، 11 يونيو 1913. - نبيه نصر: القديس سبيردون.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty/007-Short-Stories/Short-Stories-0537-Men.html

تقصير الرابط:
tak.la/mq4ydgx