St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

38- العيد التأسيسي للكنيسة

 

4- العيد التأسيسي للكنيسة:

لا شك أن الله الذي يتمم كل أموره بحكمة، اختار مناسبة هذا العيد اليهودي ليجعل منه عيدًا لمولد الكنيسة، فأرسل روحه القدوس بقوة على رسله وتلاميذه، وأسس كنيسته على الأرض... كانت فرصة هذا العيد اليهودي أكثر ملاءمة لتأسيس الكنيسة المسيحية من عدة وجوه، بالنظر للمدلولات اليهودية للعيد...

لقد كانوا يحتفلون به كعيد لحصاد المزروعات، فأضحى عيدًا لحصاد الزرع الجيد الذي هو بنو الملكوت (مت 13: 38)... وكانوا يحتفلون به كعيد لأوائل الثمار الزراعية، فغدا في المسيحية عيدًا لأوائل الثمار الخلاصية، حين انضم إلى الكنيسة في ذلك اليوم ثلاثة آلاف نفس(53)... هذا بالإضافة إلى ثمار الروح القدس التي تكلم عنها الرسول (غل 5: 22)... ثم أنهم كانوا يحتفلون به كتذكار لإعطائهم الشريعة المكتوبة على لوحين من حجر، فأصبح عيدًا للروح القدس، روح الحياة، الذي كُتبت به وصايا الله(54)  - لا في ألواح حجرية، كما حدث في القديم، بل في ألواح قلب لحمية (2 كو 3: 3).

St-Takla.org Image: A diptych of two icons: Ascension and Pentecost (France), 1732-1730 A. M., Coptic art, used with permission - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer). صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة ثنائية الدرفات: مجمعة من أيقونات: الصعود ويوم الخمسين (بفرنسا)، 1732-1730 ش.، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية.

St-Takla.org Image: A diptych of two icons: Ascension and Pentecost (France), 1732-1730 A. M., Coptic art, used with permission - by Gerges Samir (Orthodox Iconographer).

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة ثنائية الدرفات: مجمعة من أيقونات: الصعود ويوم الخمسين (بفرنسا)، 1732-1730 ش.، فن قبطي، موضوعة بإذن - رسم الفنان جرجس سمير: كاتب الأيقونة الأرثوذكسية.

وثمة نظرية أخرى... فالعدد خمسين يشير إلى العفو والصفح... ففي العهد القديم، كانت تقدس السنة الخمسون، ويُعفى المدينون من ديونهم، ويُحرر العبيد "وتقدسون السنة الخمسين، وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها. تكون لكم يوبيلًا، وترجعون كل إلى ملكه، وتعودون كل إلى عشيرته" (لا 25: 10) كانت هذه السنة تبدأ بيوم الكفارة، حين يضربون بالبوق إيذانًا ببدء سنة اليوبيل... فالعدد 50 إذن كان يُنْظَر إليه كرمز للعفو عن الديون...

يقول فيلو الفيلسوف اليهودي عن عيد الخمسين (اليوم الخمسين بعد نهاية سبعة أسابيع، العدد المقدس للعفو والصفح)... وإكليمنضس الإسكندري يرى في العدد خمسين الصفح عن الخطايا، ويضرب كمثل أبعاد فلك نوح، فقد كان عرضه خمسين ذراعًا. ويقول إكليمنضس أنه استقى هذا الرأي من تقليد قديم(55)... والعلامة أوريجينوس -في مقالاته عن سفر التكوين- يفسر أبعاد الفلك بطريقة رمزية فيقول: (عرض الفلك خمسون، وهو العدد الذي يدل على الغفران والصفح، وحسب الناموس، كان هناك زمان للمسامحة في الديون كل خمسين سنة)(56). ويقول في تفسيره لإنجيل متى(57) (العدد خمسون يتضمن الغفران بناءً على سر اليوبيل الذي كان يقع كل خمسين سنة. أو العيد الذي يقع في يوم الخمسين(58).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ثم أن عيد الخمسين اليهودي، كان أكثر ملاءمة لتأسيس الكنيسة، من جهة الجماهير التي كانت تحضره. فقائمة الشعوب التي أوردها القديس لوقا في (أع 2: 8-11)، كانت على وجه التقريب تشمل أنحاء الإمبراطورية الرومانية التي كانت بدورها تضم معظم العالم القديم المعروف وقتذاك... والغرباء الذين ذكرهم لوقا كشهود للحادث الكبير، كانوا تقريبًا يمثلون كل الأقاليم التي غرست فيها المسيحية فيما بعد بواسطة كرازة الرسل... ومما لا شك فيه أن أولئك الذين آمنوا في يوم الخمسين، حملوا إيمانهم الجديد إلى إخوتهم، قبل أن يصل إليهم الرسل في كرازتهم. وهذا يوضح لنا وجود مسيحيين في دمشق قبل إيمان بولس (أع 9: 2)، ووجود عدد كبير من المؤمنين في روما، قبل أن يكتب لها بولس رسالته بوقت كبير (رو 1: 8).

كان إعطاء الشريعة في سيناء مصحوبًا برعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل، وصوت بوق شديد جدًا، ارتعد منه كل الشعب الذي كان في المحلة(59)... لذا لا نعجب إن جاءت كنيسة العهد الجديد إلى الوجود أيضًا بعلامات عجيبة ملأت المشاهدين دهشة وحيرة (أع 2: 6،7).

لقد صاحَب حلول الروح القدس على الرسل والتلاميذ مظاهر ثلاثة: صوت كما من هبوب ريح عاصفة، ظهور ألسنة منقسمة كأنها من نار استقرت على كل واحد منهم(60)، والتكلم بألسنة أخرى... والريح في كتاب العهد القديم نراها رمزًا للقوة الروحية الخلاقة(61)، ورمزًا للعمل غير المنظور (يو 3: 8)، والحرية السامية التي للروح القدس "حيث روح الرب هناك حرية" (2 كو 3: 17)... والنار كانت معروفة لدى بني إسرائيل. فقد حل الله على جبل سيناء بالنار (خر 19: 18)، وهي تكتنف مجد الله (حز 1: 4). وهي تشير إلى عمل التطهير الذي للروح القدس (إش 6: 6، 7)... والتكلم بألسنة(62) هو تصويب لما حدث قديمًا عند برج بابل حينما بلبل الرب لسان هؤلاء الأشرار (تك 11: 1-9). يقول أحد الآباء: إن الكنيسة في تواضعها، تعيد وحدة اللغة التي كسرتها قبلًا الكبرياء(63)، ومهما يكن من أمر، فإن حلول الروح القدس على التلاميذ في ذلك اليوم وصيرورتهم هيكل لله ومسكن لروحه، لهو أكبر معجزة في حياة البشر الداخلية، لأنهم به نالوا طبيعة جديدة عوضًا عن الطبيعة القديمة التي أفسدتها الخطية والإثم.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(53) يقول القديس يوحنا الذهبي فمه: ما هو عيد الخمسين؟" هو الوقت الذي يعمل فيه المنجل للحصاد. لقد كمل الزمان لأن يوضع منجل الكلمة. لأنه كما أن المنجل حاد، كذلك انحدر الروح القدس. "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول، أنها قد ابيضت للحصاد". وأيضًا "الحصاد كثير والفعلة قليلون". وكأوائل ثمار هذا الحصاد، أخذ هو طبيعتنا وحملها إلى العلا. قدم ذاته أولًا بالمنجل. انظر:

John Chrysostom Homilies on the acts, Hom. 4.

(54) في صلوات السجدة التي ترفعها كنيستنا في الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر) يوم عيد الخمسين (العنصرة)، يقول في مقدمة السجدة الأولى: "في عيد الخمسين بعد الفصح أعطى الله الشريعة لموسى"... والنبوة التي تُقرأ في هذه السجدة الأولى تتناول موضوع تسليم الشريعة لبني إسرائيل. وفي نبوة السجدة الثانية تذكير بحفظ هذه الوصايا... وفي نبوة السجدة الثالثة يتكلم عن الثلاثة أعياد الكبرى في إسرائيل وهي الفصح والخمسين والمظال. (انظر كتاب اللقان والسجدة).

(55) Stromata, 6.11.

(56) Hom. Gen., 11.5.

(57) Hom. Matt., 11.3.

(58) Jean Danielou, the Bible and the Liturgy, pp. 324-326

(59) (خر 19: 16 - عب 12: 18، 19).

(60) في تقاليد اليهود القديمة، أنه ظهرت ألسنة من نار في أول عيد خمسين احتفلوا به بعد خروجهم من مصر - انظر:

Smith, Dictionary of the Bible, vol. 3, p. 1556.

(61) انظر: (تك 1: 2 - 1مل 19: 11 - مز 104: 3،4 - حز 37: 1-14).

(62) عالجنا موضوع التكلم بألسنة بالتفصيل في الفصل الخاص بالمواهب الروحية.

(63) في تقاليد اليهود القديمة أن كل كلمة خرجت من فم الله فوق جبل سيناء، كانت تنقسم إلى السبعين لغة التي لبني البشر في ذلك الوقت، وأن صدى صوت الله كان يسمعه كل إنسان بلغته - انظر:

Smith, Dictionary of the Bible, vol. 3, p. 1556 (footnote).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/feast.html

تقصير الرابط:
tak.la/tjc2z42