St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1196- هل أعطى الله داود نساء سيده شاول "وأعطيتك بيت سيدك ونساء سيدك" (2صم 12: 8)؟ وهل اضطجع داود مع نساء شاول؟ وهل يُسلِم الله نساء داود البريئات للزنى بسبب خطية لم يرتكبوها (2صم 12: 11، 12)؟(1)

 

يقول " جوناثان كيرتش": "ومن الطبيعي ألا يتمكن داود من إبداء دهشة كبيرة أمام فعل أبشالوم الجنسي الجريء جدًا (عندما أغتصب سراري داود أبيه العشرة على مرأى من كل إسرائيل كإعلان لاغتصاب العرش) ذلك أن داود نفسه، بعد كل ما جرى نام مع زوجات سلفه شاول كرمز للملكية {فقال ناثان لداود أنت هو الرجل. هكذا قال الرب إله إسرائيل. أنا مسحتك ملكًا على إسرائيل وأنقذتك من يد شاول. وأعطيتك بيت سيدك ونساء سيدك في حضنك..} (2صم 12: 7، 8) وبذلك ضرب (داود) مثلًا لأبنائه المغتلمين (الشهوانيين) والمتمردين وعندما تُوّج سليمان كملك لإسرائيل بعد موت داود، سأل أحد أبنائه أدونيا بأدب جم السماح له بالنوم مع محظية أبيه المفضَّلة الممتعة... وأعتبر سليمان ذلك بمثابة إشارة للمطالبة بالعرش، فأرسل فاتكًا لكي يغتال أخاه الوقح (1مل 2: 24، 25).. إن جريمة هؤلاء الرجال الجريئيين والطامحين -داود وأبشالوم وأدونيا وغيرهم الذين سُجلت مغامراتهم في الكتاب المقدَّس- إنما كانت خيانة أكثر منها اتصال جنسي بالأقرباء الأدنيّن"(2).

ويقول " علاء أبو بكر": "الرب يعاقب داود على زناه، فيعطي نساءه للزنا؟ الرب يأمر بالزنى انتقامًا من الزاني؟ أيفعل ما ينهى عنه؟ أي إله هذا؟ وهل سيحاسب هؤلاء النساء في الآخرة على زناهم وهو المتسبب فيه؟ فكان يجب ألا يُنسب إتيان الفعل إلى الله!"(3).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: كانت من عادات الحرب في ذلك الزمان أن الملك الظافر يغتصب زوجات الملك المُنهزم علامة على أن كل ما يخص الملك المُنهزم قد آل إليه، وفيما يبكت الله داود على خطيته العظيمة مع بثشبع وأوريا، ذكر كثرة إحساناته له: "وأعطيتك بيت سيدك ونساء سيدك في حضنك وأعطيتك بيت إسرائيل ويهوذا وإن كان ذلك قليلًا كنت أزيد لك كذا وكذا" (2صم 12: 8) فقد كان من حق داود الزواج بنساء شاول حسب الأعراف السائدة، ولكنه لم يفعل، وعندما قال الله له ذلك فكان تعبيرًا عن أن داود ملك كل ما يخص شاول، والدليل على ذلك أن داود عندما بحث عن نسل لشاول فوجد مفيبوشث بن يوناثان قال له داود " لأعملنَّ معك معروفًا من أجل يوناثان أبيك وأرد لك كل حقول شاول أبيك" (2صم 9: 7).

وقد أخبر الله داود بما سيحل به من عقوبة، فقال له: "آخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهنَّ لقريبك فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس" (2صم 12: 11) وتم ما أخبر به الله داود " فنصبوا لأبشالوم الخيمة على السطح ودخل أبشالوم إلى سراري أبيه أمام جميع إسرائيل" (2صم 16: 22).

 

ونأتِ هنا إلى السؤال المطروح: كيف يُسلّم الله نساء داود البريئات للزنى بسبب خطية لم يرتكبوها؟

 

1- ثمار الخطية من ذات نوع الخطية، وسراري داود يمثلن شرف وعرض داود الملك، والتعدي عليهن هو في حقيقته تعدي على داود شخصيًا، فداود أخطأ في السر ورد الله العقوبة في العلن.

ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يبدو أن هذا التأديب كان قاسيًا للغاية لكنه كان ضروريًا لخلاص نفسه وخلاص الآخرين:

أ - أوضح أن هذا التأديب هو الثمر الطبيعي للخطية، فما يجتنيه داود إنما القليل من ثمار فعله. لقد قتل سرًا فأفاض القتل قتالًا، وزنى خفية وأفاض ذلك فسادًا. أما كون التأديب يتحقق داخل بيت داود، فمن جهة مات ابنه الذي من بثشبع، وأغتصب أمنون بن داود ثامار أخته (2صم 13: 1 - 22) فقتله أخوه أبشالوم (2صم 13: 23 - 38) وقام أبشالوم على أبيه داود ليغتصب منه المُلك، واضطجع مع سراريه أمام جميع إسرائيل (2صم 16: 22) وطلب قتل والده (2صم 17: 2) فقُتل هو (2صم 18: 14، 15) وقُتل أدونيا بأمر أخيه سليمان (1مل 2: 25).. هذه جميعها تمت داخل بيت داود لكي يؤكد الله أن ما تم إنما هو غير طبيعي داخلي للفساد الذي قبله داود بإرادته.

ب - خلال تأديبات داود التي حلت ببيته أوضح الكتاب المقدَّس خطورة دور الأسرة وقدسيتها، فما أرتكبه داود أثمر في حياة أولاده، وإن كانوا لا يعاقبون على خطئه، إنما يذوقون هنا مرارة ما ورثوه عن أبيهم. الآباء الفاسدون يقدمون لأبنائهم فسادًا، والمباركون يقدمون لهم البركة.

ج - كانت العقوبة قاسية بالنسبة لداود لأنه قائد، كان يليق به أن يكون مثالًا حيًّا لشعبه، لذا صارت عقوبته مضاعفة. فالعقوبة ليست ثمنًا معادلًا للخطية، لكنها تأديب لإصلاح المخطئ ومن هم حوله...

د - لتأكيد أنه ليس عند الله محاباة، فأنه وإن كان قد أقامه نبيًّا وملكًا وقاضيًا، وله تاريخ مجيد في حياة مقدَّسة لكنه متى أخطأ يستوجب التأديب"(4).

2- كانت هذه الخطية نتيجة مشورة أخيتوفل الرديئة لأبشالوم، بقصد أن يعلم الشعب أن العلاقة بين أبشالوم وأبيه داود قد انقطعت أواصرها تمامًا، وبذلك يضمن أبشالوم ولاء الشعب له، فيحمونه ويحموا أنفسهم: "فقال أخيتوفل لأبشالوم أدخل إلى سراري أبيك... فيسمع كل إسرائيل أنه قد صرت مكروهًا من أبيك فتتشدَّد أيدي جميع الذين معك" (2صم 16: 21) وقد أشار أخيتوفل بهذه المشورة بالرغم من أنها تخالف الشريعة وتغضب الله، ومات أخيتوفل منتحرًا عندما رُفضت مشورته الثانية.

3- عندما قال الله لداود "آخذ نساءك... وأعطيهنَّ لقريبك" ليس معنى هذا أن الله هو السبب والدافع لخطية الزنا هنا، إنما معنى هذا أن الرب سمح بهذا، فقد تخلت نعمة الله الحارسة لداود وزوجاته وأولاده وسراريه فلحق بهم الشر، وهرب داود باكيًا حافي القدمين قبل أن يحل عليه غضب ابنه الجامح، وتعرضت سراريه للاغتصاب من قِبل ابنه الخارج من أحشائه... وقول الرب " آخذ نسائك... وأعطيهنَّ لقريبك " علامة على تأكيد ما سيحدث، ويسبَّب آلامًا نفسية حادة لداود " لا تضلوا. الله لا يُشمخ عليه. فأن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا" (غل 6: 7) وما حدث هنا يشبه ما حدث مع شاول: "وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح رديء من قِبل الرب" (1صم 16: 14) وكما رأينا من قبل أن مفارقة روح الرب لشاول يعني بالتبعية إفساح المجال للروح الرديء أن يبغته، وقوله " من قِبل الرب " أي بسماح من الرب مثل قوله " آخذ نسائك... وأعطيهنَّ لقريبك " ومثلهما قول الله عن فرعون: "ولكنني أشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب" (خر 4: 21) وتتكرَّر العبارة " ولكن شدَّد الرب قلب فرعون" (خر 9: 12، 10: 20، 27)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والحقيقة أن فرعون هو الذي قسى قلبه مرات ومرات لأن نعمة الله تخلت عنه(5). فالله لم يأمر أبشالوم بالزنا، ولم يكن هو الدافع إليه، إنما ترك هؤلاء يخطئون ولم ينقذهم تأديبًا لداود، ما فعله الله أنه رفع حمايته وحجب عنايته عن داود ونساءه فحدث ما حدث. وأيضًا يجب أن لا نغفل أن داود لم يحسن تربية أولاده، فشابه سلوكهم سلوك السفهاء.

4- أُخذت هذه السراري بجريرة داود، مثلما يُؤخذ الشعب بجريرة الملك، وكان هذا عقابًا قاسيًا على نفس داود، وهذا لا يمنع أن هؤلاء السراري كانت لهن خطيتهنَّ الشخصية التي أدت لتخلي نعمة الله عنهنَّ، وهنَّ بكل تأكيد ليست بريئات، فلم يذكر الكتاب أن واحدة منهنَّ قد اعترضت على هذا الفعل الفاضح، ولم تقاوم أحداهنَّ حتى الدم، ولم تسلك أحداهنَّ سلوك سوسنه العفيفة التي أسلمت نفسها للموت عن أن تخطئ مع الشيخان.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) البهريز جـ 1 من س383.

(2) ترجمة نذير جزماتي - حكايا محرَّمة في التوراة ص 59.

(3) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س199 ص 134.

(4) تفسير سفر صموئيل الثاني ص 81، 82.

(5) راجع مدارس النقد جـ 6 س 595.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1196.html

تقصير الرابط:
tak.la/9vfxm66