St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1618- هل تكلم الله مع أيوب عن حيوان أسطوري آخر دعاه "لوياثان": "دَائِرَةُ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ... عِطَاسُهُ يَبْعَثُ نُورًا... مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَصَابِيحُ. شَرَارُ نَارٍ تَتَطَايَرُ مِنْهُ. مِنْ مِنْخَرَيْهِ يَخْرُجُ دُخَانٌ... نَفَسُهُ يُشْعِلُ جَمْرًا، وَلَهِيبٌ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ... قَلْبُهُ صُلْبٌ كَالْحَجَرِ... يَحْسِبُ الْحَدِيدَ كَالتِّبْنِ، وَالنُّحَاسَ كَالْعُودِ النَّخِرِ... يُمَدِّدُ نَوْرَجًا عَلَى الطِّينِ. يَجْعَلُ الْعُمْقَ يَغْلِي كَالْقِدْرِ" (أي 41: 14-32)؟ أليست كل هذه أوصاف حيوان خيالي لا وجود له في أرض الواقع؟

 

         ولماذا حذفت الترجمة اليسوعية الأعداد (أي 41: 2-9) من النص؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- لا ننسى أن سفر أيوب سفر شعري أي كُتب بلغة الشعر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وعلى نفس المنوال تحدَّث الرب مع أيوب في حديثه الثاني عن حيوانين، أحدهما بهيموث أي فرس البحر (أي 40: 15-24) والآخر هو لوياثان أي التمساح (أي 41: 1-34) والتمساح برمائي يعيش على شواطئ نهر النيل في المناطق الحارة، وقال عنه المُرنِّم: "هُنَاكَ تَجْرِي السُّفُنُ. لِوِيَاثَانُ هذَا خَلَقْتَهُ لِيَلْعَبَ فِيهِ" (مز 104: 26)، ويقول " القس وليم مارش": "لوياثان: كلمة عبرية معناها الملتوي والملتف والكلمة مترجمة تنين، وعدم ترجمة الكلمة هنا لأن المترجمين لم يعرفوا معناها ولكن أكثر المفسرين متفقون على أن المشار إليه هو التمساح"(1).

     وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "لوياثان: الأرجح أن الكلمة العبرية " لوياثان " مشتقة من الفعل لوي (وهو نفسه في العبرية لفظًا ومعنى) فيكون معناها " ملفوف " أو " ملتو"... ويستخدم " لوياثان " في المزمور (74: 14) في إشارة إلى فرعون ملك مصر، وخروج الشعب من مصر، وفي نبوة حزقيال (29: 3-5) يقول صراحة: "هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ، التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ الرَّابِضُ فِي وَسْطِ أَنْهَارِهِ " مما يدعو إلى ترجيح الرأي القائل بأن المقصود " بلوياثان " إنما هو التمساح، ويؤيد ذلك أيضًا ما جاء في وصفه في سفر أيوب (41: 1-34)"(2).

     والتمساح لا يخشى أحدًا، وهو يهاجم فريسته فيقبض عليها بأسنان مُحكمة مرعبة ويظل يلتف في الماء حتى تفقد الفريسة اتزانها وتستسلم له، وفي بداية الأصحاح سأل الله أيوب: "أَتَصْطَادُ لَوِيَاثَانَ بِشِصٍّ، أَوْ تَضْغَطُ لِسَانَهُ بِحَبْل؟" (أي 41: 1) وفي " الترجمة اليسوعية": "لقد خَابَ أملُ صيَّاده. أفلا يُصرعُ الإنسانُ لمجرد رؤيتهِ؟ " فمن المستحيل أن تصطاد لوياثان بسنارة أو تداعبه كعصفورة، بل تخشاه وتفرَّ منه، فكيف تجرؤ على الوقوف أمام الله وكأنك تريد أن تحاكمه، بل وتستذنبه؟ وإن كان الأمر هكذا بأحد مخلوقات الله فما بالك بالخالق؟

     ويقول " ممدوح شفيق": "لا بد للقارئ أن يتساءل: لماذا يطيل الرب الحديث عن بهيموث ولوياثان:

(1)    هل ليدخل في روع أيوب أن قدرة الله التي صنعت هذه المردة أكبر من أي تحدٍّ.

(2)    هل ليعطي أيوب الوقت ليهدأ ويتأمل في عجائب خليقة الله؟

(3)    هل ليُعلّم أيوب درسًا في طول الأناة، الله يطنب، وأيوب لا يتجاسر إلى فتح فاه؟

لا أملك الجزم بشيء، ولعل الإجابة تكون مزيجًا من كل هذا معًا!"(3).

 

2- وصف الله التمساح بأسلوب شعري، فمثلًا قال عنه:

أ- " دَائِرَةُ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ" (أي 41: 14) فأسنانه العلوية والسفلية تمثل دائرة مغلقة مُحكمة لا تستطيع الفريسة منها فكاكًا، وأسنانه وضروسه بعضها حاد والآخر مسنَّن كأسنان المنشار، وعندما تشتبك معًا لا يمكن الخلاص منها.

ب- " فَخْرُهُ مَجَانُّ مَانِعَةٌ مُحَكَّمَةٌ مَضْغُوطَةٌ بِخَاتِمٍ" (أي 41: 15).

وفي " الترجمة اليسوعية": "ظَهرهُ صُفوفُ تروس مختومةٍ بختمٍ مُلَّزز".

وفي " ترجمة كتاب الحياة": "ظَهرهُ مصنوع من حراشيفَ كترُوسٍ مصفُوفةٍ متلاصقةٍ بإحكام وكأنها مضغُوطة بخاتمٍ".

فيصوّر التمساح وكأنه يفتخر بقوة حراشيفه القوية التي تمثل دروع صلبة تغطي جسمه من خلال 17 صفًا، فلا يمكن للرمح أن يخترق جسمه، ومع صلابة هذه الخراشيف فإنها لا تعوق التمساح عن سرعة الحركة.

جـ-         " عِطَاسُهُ يَبْعَثُ نُورًا، وَعَيْنَاهُ كَهُدُبِ الصُّبْحِ. مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَصَابِيحُ. شَرَارُ نَارٍ تَتَطَايَرُ مِنْهُ" (أي 41: 18، 19) وكل هذه صور بلاغية، فالتمساح حيوان برمائي يكتم أنفاسه مدة طويلة تحت الماء، وفجأة يبدأ في التنفس طاردًا الماء بقوة فيظهر وكأنه يعطس، وفي عِطاسه في نور الشمس تنكسر على فمه أشعة الشمس فكأنه يبعث نورًا، ثم يعود إلى هدوئه عندئذ تظهر عيناه باهتتان أو كليلتان، فشبههما الله بهدب الصُّبح، وفي الكتابات المصرية القديمة كانت عيني التمساح كناية عن الصُّبح، وعندما يلحظ فريسة ويفتح فمه وينقض عليها بسرعة البرق فكأن هناك شرار نار يتطاير منه.

د- " مِنْ مِنْخَرَيْهِ يَخْرُجُ دُخَانٌ كَأَنَّهُ مِنْ قِدْرٍ مَنْفُوخٍ أَوْ مِنْ مِرْجَل. نَفَسُهُ يُشْعِلُ جَمْرًا، وَلَهِيبٌ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ" (أي 41: 20، 21).

وفي " الترجمة اليسوعية": "ومِن منخَرَيه يَنبَعِثُ دُخان كأنه مِن قِدرِ تَغليِ على النار. نَفَسهُ يُضرِمُ الجمرَ، ومِن فمهِ يَخرُجُ لهيب".

وهذا وصف شعري يوضح مدى الضرر الذي يلحقه التمساح بالفريسة، فهو مثل جمر يشتعل ولهيبه يرتفع، وعندما يتنفس التمساح في الشتاء يتصاعد بخار الماء في فمه مثل لهيب الجمر.

هـ- " قَلْبُهُ صُلْبٌ كَالْحَجَرِ وَقَاسٍ كَالرَّحَى" (أي 41: 24) فهو لا يبالي بصرخات واستغاثة الفريسة، بينما دمائها تسيل من بين أسنانه.

و- " يَحْسِبُ الْحَدِيدَ كَالتِّبْنِ، وَالنُّحَاسَ كَالْعُودِ النَّخِرِ. لاَ يَسْتَفِزُّهُ نُبْلُ الْقَوْسِ. حِجَارَةُ الْمِقْلاَعِ تَرْجعُ عَنْهُ كَالْقَشِّ. يَحْسِبُ الْمِقْمَعَةَ كَقَشٍّ وَيَضْحَكُ عَلَى اهْتِزَازِ الرُّمْحِ" (أي 41: 27-29) فهو يفتخر بخراشيفه القوية المتينة المتلاصقة التي تحميه من كل الأخطار، فلا يقوى عليه حيوان ولا إنسان، إنما الكل يتلافى أخطاره ويفرَّ من أمامه، ومن يجرؤ أن يقترب منه ففي لمح البصر يصير فريسة بين أسنانه يأكل لحمه ويطحن عظمه، لا يؤثر عليه أي سلاح بدائي من حديد أو نحاس ولا حجارة المقلاع، فكل هذه بالنسبة له كالقش والخشب المسوس، والمقمعة أي الهراوة الخشب التي يُضرَب بها الإنسان على رأسه كنوع من الإذلال والمهانة والقمع هي كلا شيء بالنسبة له.

ز- " تَحْتَهُ قُطَعُ خَزَفٍ حَادَّةٌ. يُمَدِّدُ نَوْرَجًا عَلَى الطِّينِ" (أي 41: 30).

وفي " الترجمة اليسوعية": "من تَحتهِ شَقَف مُحدَّد. كالمشُطِ يَزحَفُ على الطين".

وفي " ترجمة كتاب الحياة": "بطنه كَقطَعِ الخَزَفِ الحادَّة. إذا تَمدَّدَ على الطينِ يتركُ أثارًا مُماثلةً لآثار النوَّرجِ".

فخراشيفه مثل قطع الخزف الحادة، وليس لديه مشكلة أن ينام على صخور محدّبة أو حجارة محطمة، وإذا نام على الطين فعندما يترك مكانه ويزحف إلى مكان آخر فإن خراشيفه تترك أثارًا كآثار أسلحة النورج.

حـ- " يَجْعَلُ الْعُمْقَ يَغْلِي كَالْقِدْرِ، وَيَجْعَلُ الْبَحْرَ كَقِدْرِ عِطَارَةٍ" (أي 41: 31).

وفي " ترجمة كلمة الحياة": "يَجعَلُ اللُّجةَ تَغْلي كالقدر، والبَحرَ يجيشُ كقدرِ الطيبِ".

فالتمساح يتميز بالسرعة الرهيبة في الحركة، فعندما يتحرك وهو في عمق الماء يرتفع الماء فوقه وكأنه يغلي في قدر، وقوله "الْبَحْرَ" هنا يقصد به نهر النيل فالكثيرون في صعيد وأرياف مصر يدعون النيل وروافده البحر، وقوله " كَقِدْرِ عِطَارَةٍ " أو "كَقِدْرِ الطيبُ" فيه إشارة إلى رائحة المسك التي تستخرج من التمساح.

 

3- نعم الأعداد الثمانية (أي 41: 2-9) لم ترد في الترجمة اليسوعية ولا الترجمة العربية المشتركة، ولم تشر أي منهما للسبب الذي دعى المترجمون لترك هذه الآيات، بالرغم من أنها تتمشَّى تمامًا مع السياق العام للحديث، ولكن لعل بعض مخطوطات السفر لم تأتِ فيها هذه الآيات الثمانية، ونحن نعلم أن سفر أيوب هو أقدم أسفار الكتاب المقدَّس خاصة، ودائمًا نقول أن المعوّل الأساسي هو الأصل العبري، فهذه الأعداد موجودة في الأصل العبري، وفي ترجمات عديدة مثل الترجمة القبطية، وترجمة فانديك، وترجمة كتاب الحياة، وترجمة الملك جيمس... إلخ.، وتعتبر ترجمة الدكتور كرنيليوس فانديك التي بين أيدينا (وهي تُرجِمت من النص العبري الماسوري، وهو أدق نص عبري) أكثر دقة من الترجمة اليسوعية التي اهتمت بفصاحة اللغة على حساب روح النص، وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "ففي يناير 1847م قررت لجنة المُرسَلين الأمريكية ببيروت القيام بترجمة الكتاب المُقدَّس كله من اللغتين العبرية واليونانية... فشرع الدكتور عالي سميث في العمل بمعاونة المعلم  بطرس البستاني والشيخ ناصيف اليازجي اللبناني. وكان المعلم بطرس البستاني ضليعًا في اللغتين العربية والعبرية، كما كان الشيخ ناصيف اليازجي نحويًّا قديرًا. وفي 11 يناير 1857م رقد الدكتور القس سميث في الرب، وكان قد أتم ترجمة أسفار موسى الخمسة والعهد الجديد وأجزاء متفرقة من أسفار الأنبياء، فواصل العمل بعده الدكتور كرنيليوس فانديك، وكان طبيبًا وعالِمًا في اللغات (كان يتقن عشر لغات، خمسًا قديمة وخمسًا حديثة) وكان وقتئذ في التاسعة والعشرين من العمر، فراجع كل ما ترجمه الدكتور سميث والمعلم بطرس البستاني مراجعة دقيقة، يعاونه في ضبط الترجمة الشيخ يوسف الأسير الأزهري. وقد فرغ من ترجمة العهد الجديد في 28 مارس 1860م، ومن ترجمة العهد القديم في 22 أغسطس 1864م وتم طبعها جميعًا في 29 مارس 1865م. وقد تمَّت ترجمة العهد الجديد عن النص المشهور الذي حققه أرازموس ورفاقه، ويعتبر أدق النصوص أمَّا العهد القديم فقد تُرجم عن النص العبري الماسوري الذي يعتبر أدق نص عبري.

قام الآباء اليسوعيون في سنة 1876م بإصدار ترجمة عربية جديدة بمعاونة الشيخ إبراهيم اليازجي بن الشيخ ناصيف اليازجي وقس اسمه جعجع تحت رعاية البطريرك الأورشليمي، فجاءت ترجمتهم فصيحة اللغة وإن كان لا تبلغ في الدقة والمحافظة على روح الكاتب ما بلغته الترجمة الأمريكية (فانديك)، وقد صدرت في سنة 1986م نسخة منقحة منها... عن دار الشرق ببيروت"(4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ5 ص 265.

(2) دائرة المعارف الكتابية جـ7 ص 62.

(3) الله والإنسان في سفر أيوب ص 112.

(4) دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 356، 357.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1618.html

تقصير الرابط:
tak.la/9sdr7z5