St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   00-1-Bible-Introductions
 

مقدمة عامة في دراسة الأناجيل الأربعة - القمص أنطونيوس فكري

ميلاد السيد المسيح: 1- ولادة المسيح الأزلية من الله

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* مقدمة عامة في دراسة الأناجيل الأربعة:
1- ملخص تاريخ الشعب اليهودي
2- ملخص لتاريخ أباطرة الدولة الرومانية
3- ملوك وحكام اليهودية أيام المسيح
4- ملوك وولاة اليهودية في فترة ما قبل وما بعد المسيح
5- الهيكل اليهودي، والكهنوت اليهودي
6- طوائف اليهود
7- أسماء أمة اليهود
8- النقود والمعاملات العبرانية
9- مقدمة عامة للأناجيل الأربعة
10- ميلاد السيد المسيح
11- ولادة المسيح الأزلية من الله
12- النعمة
13- ولادة المسيح بالجسد

14- لماذا أربعة أناجيل ولم يتم الاكتفاء بإنجيل واحد؟!
15- كيف كان تلاميذ السيد المسيح يفهمون أعماله
16- شرائع وناموس السبت كما وردت في المشناة وتلمود أورشليم
17- من هو المسيح
* تواجد آيات الأناجيل الأربعة في كتب التفسير لأبونا انطونيوس فكري روفائيل

(يو1:1-18)

المسيح الأزلي صار جسدًا

آية (1): "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ."

هذه الآية تحمل طابع الإملاء الإلهي وليست من وضع بشر (ذهبي الفم) أغسطينوس وهذه الآية من 3 مقاطع يتكرر فيها اسم الكلمة وفعل كان الدال على الكينونة وليس على الزمن. والثلاث مقاطع في هذه الآية تحدثنا عن الابن الكلمة في أزليته وبمقارنتها بالآية (14) والكلمة صار جسدًا وحل بيننا نجد مقابل لكل مقطع من المقاطع الثلاث ولكنها تشير لتجسده.

 

* في البدء كان الكلمة

     

- والكلمة كان عند الله

     

# وكان الكلمة الله

= كينونة أزلية دائمة

والبدء يشير للأزل

كان = تشير للكينونة

     

= الكلمة حالٌ في الله لكن في تمايز. كل له عمله وشخصيته لكنهم واحد

     

= جوهر واحد مع الله أي في طبيعة الله.

* صار

     

- حل بيننا

     

# صار جسدًا

= أي دخل الزمن في ملء الزمان

     

= حل وسط الناس

     

= صار في طبيعة الإنسان دون أن يترك طبيعته الإلهية.

 

هذه الآية تشير لأن المسيح هو الله وهو موجود منذ الأزل ولا ينفرد بوجوده من دون الله، بل هو كائن في الله، كما يوجد العقل في الإنسان، وكما توجد الكلمة في عقل الإنسان. إذن هو ليس مخلوقًا. ولذلك حين ظهرت الكلمة إلى الوجود (أو ظهر الكلمة إلى الوجود بالتجسد) كان المسيح يستعلن الله لنا.

فِي البَدْءِ = الديباجة التي بدأ بها يوحنا إنجيله تذكرنا بديباجة سفر التكوين فبينهما أوجه تشابه وأوجه تباين.

ومن أوجه التشابه أن الديباجتين تبدآن بكلمة واحدة "في البدء" وفي العدد الثالث من كل منهما تتجلى لنا علة الخلق أي مبرر الوجود:-

(تك3:1): "قال الله" قال ليست مجرد كلمة تقال ولكنها تشير للقوة الخالقة اللوغوس. وقال الله أي قال بكلمته الذي خلق كل شيء (راجع المقدمة).

(يو3:1): كل شيء به كان (أي بالكلمة) الكلمة اللوغوس الخالق كل شيء.

أي أن مبرر الوجود في سفر التكوين وفي إنجيل يوحنا هو اللوغوس.

وفي (تك2:1-3) نسمع عن الحياة والنور وهكذا في (يو4:1) .

وأما عن أوجه التباين فإن موسى ويوحنا التقيا معًا عند كلمة في البدء ثم إنحدر موسى متمشيًا مع التاريخ حتى حدثنا عن المخلوقات. وإرتقى يوحنا صاعدًا حتى أرانا من هو علة الخلق. مثلهما مثل شخصين التقيا عند نقطة في نهر، ثم انفصلا. فمضى أولهما متتبعًا مجرى النهر حتى بلغ مصبه وارتقى ثانيهما إلى أعالي النهر حتى اكتشف منبعه.

St-Takla.org Image: "And the Word became flesh and dwelt among us, and we beheld His glory, the glory as of the only begotten of the Father, full of grace and truth" (John 1:14) - Arabic Bible Verse صورة في موقع الأنبا تكلا: نص آية: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (يو 1: 14)

St-Takla.org Image: "And the Word became flesh and dwelt among us, and we beheld His glory, the glory as of the only begotten of the Father, full of grace and truth" (John 1:14) - Arabic Bible Verse

صورة في موقع الأنبا تكلا: نص آية: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (يو 1: 14)

لذلك فهم البعض أن كل منهما، موسى ويوحنا، قصد شيئًا مختلفًا بكلمة "في البدء" فالبدء في مفهوم موسى هو بدء الخليقة ولكن البدء عند يوحنا هو البدء المطلق الذي عنده يتوقف فكر الإنسان، هو البدء السابق للزمن قبل كون العالم (يو5:17+24) في البدء هنا هو الأزل أي الذي لا بداية له ، وباليونانية أرشي αρχή أي ما قبل الزمن. ففي بدء أي بداية أي شيء وأي زمن كان المسيح كائن. البدء في إنجيل يوحنا هو ما قبل الخلق وما قبل الزمن، وليس قبل الخلق إلا الله. أما البدء في سفر التكوين فهو بدء الزمن. وبداية إنجيل يوحنا تتشابه مع بداية سفر التكوين، لأن سفر التكوين يتحدث عن الخليقة الأولى، وإنجيل يوحنا يتكلم عن الخليقة الجديدة. لذلك يذكر هنا أنه به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان، فبه وفيه ستكون الخليقة الجديدة. والمسيح هو بدء الخليقة الجديدة. فالعهد القديم يبدأ بالخليقة الجسدية، والعهد الجديد يبدأ بالتجسد والخليقة الجديدة. العهد القديم يقدم صورة العالم المادي، والعهد الجديد يقدم ما سوف يصير إليه العالم الروحي من سماء جديدة وأرض جديدة حيث تعمل النعمة في الطبيعة البشرية. لذلك لم يقل يوحنا في البدء كان الله، لأنه يقصد الحديث عن الكلمة الذي بتجسده صار الخلاص والخليقة الجديدة. من هذا البدء ارتفع يوحنا بجناحي النسر، فرأى المسيح موضوع بشارته ورآه في أزليته في حضن أبيه، أما متى ولوقا اللذان رجعا بتاريخ المسيح لآدم وإبراهيم ليثبتوا أن ابن الله صار إبنًا للإنسان وتجسد ليرفع الإنسان فيصير ابنًا لله. لذلك ينهي لوقا سلسلة نسب المسيح بقوله ابن آدم ابن الله. وفي سفر التكوين حين قال موسى في البدء فهو لا يعني زمنًا معينًا، إذ لم يكن الزمن قد أوجد بعد، فلم تكن الكواكب والشمس قد تكونت بنظمها الدقيقة. لكنه يعني أن العالم المادي له بداية وليس كما إدعى بعض الفلاسفة أنه أزلي، يشارك الله أزليته. ولكن تعبير في البدء هنا يعني حركة أولى لا كمًا زمنيًا وذلك كالقول "بدء الحكمة مخافة الله" (أم10:9).

ويأخذ كثير من الآباء بجانب هذا التفسير الحرفي أو التاريخي، التفسير الرمزي والروحي فيرون أن "في البدء" = في المسيح يسوع أو "في كلمة الله الأزلي" وتصير الآية (تك1:1) "في المسيح يسوع كلمة الله خلق الله السموات والأرض". وأغسطينوس يقول أن الابن نفسه هو البدء. فعندما سأله اليهود من أنت أجابهم أنا من البدء أو أنا هو من البدء (يو24:8-25) فالمسيح هو بكر كل خليقة أو هو خالق كل شيء وبهذا يتفق يوحنا وموسى في أن المسيح هو الذي "في البدء" وأنه خالق كل شيء. وهذا التفسير الروحي الرمزي يرى البدء أنها لا تحمل معنى زمني بل معنى العلة. وبنفس المفهوم بدأ يوحنا رسالته بقوله الذي كان من البدء= (الكلمة- الأزلي) الذي سمعناه.... = (تجسد).

ونلاحظ أن اسم الأسفار المقدسة بالعبرية هو أول كلمة في السفر. لذلك يسمى اليهود سفر التكوين "في البدء" وحينما تُرجم إلى اليونانية أسموه التكوين GENESIS. وهنا نلاحظ أن الاسمين لهما إشارة للمسيح. الاسم العبري لسفر التكوين أي في البدء يشير للمسيح الابن الكلمة الأزلي. والاسم اليوناني للسفر وهو التكوين GENESIS يشير للمسيح الذي تجسد وصار ابنًا للإنسان. ولذلك فإنجيل متى الذي بدأ بقوله كتاب ميلاد وبالإنجليزية THE BOOK OF THE GENERATION OF JESUS CHRIST وكلمة GENERATION هي من نفس أصل كلمة GENESIS.

وإثبات لاهوت المسيح اهتم به يوحنا وإثبات تجسد المسيح اهتم به متى.

كَانَ = حينما سأل موسى الله عن اسمه، قال الله إن اسمه "أهية الذي أهية" أي أكون الذي أكون، أي أنا الكائن بذاتي أو أنا الكينونة وبهذا نرى أن كان تشير لكيان المسيح الإلهي القائم منذ الأزل. ولغويًا كان المفروض أن يقال في البدء كانت الكلمة، ولكن الترجمة هنا جاءت "في البدء كان اللوجوس (عقل الله) واللوغوس مذكر. هو الكلمة مشخصًا، فالكلمة هنا لا تعني اللفظ بل هو شخص. والمسيح سُمِّي الكلمة لأن به وفيه تكلم الله غير المنظور (عب1:1-2) فاللوغوس هو العقل الإلهي ظاهرًا في الوجود، فقبل الكلمة أي اللفظ يوجد العقل أو الفكر الذي يلد الكلمة.

ونلاحظ في (يو 56:8-58) أن المسيح يقول عن نفسه "أنا كائن" فهو ليس فقط موجود قبل إبراهيم بل هو كائن. فالمقارنة هنا بين المسيح وبين إبراهيم هي مقارنة بين الخالق والمخلوق، بين الأزلي والزمني لذلك لم يقل المسيح أنا كنت قبل إبراهيم بل كائن قبل إبراهيم.

الكَلِمَةُ = كما رأينا فإن الكلمة = اللوغوس (هكذا هي الآية في الأصل اليوناني في البدء كان اللوغوس) لها أصول يهودية ويونانية فهي كلمة معروفة تشير للعقل الإلهي. ولكن أيضًا نلاحظ في (مز6:33) قول المرتل "بكلمة الرب صنعت السموات.." فتعبير الكلمة الخالقة ليس جديدًا على اليهود ولا على اليونانيين. فاللوجوس يشير للفكر. والكلمة هي تعبير عن الفكر. وكان العبرانيون يعبرون عن الفكر بأنه الكلام في القلب والباطن. والعرب يقولون "من بنات أفكاره" وفي (رؤ12:19-13) نسمع فيها أن اسم المسيح هو كلمة الله وأن ثوبه مغموس بدم وهذه علامة أبدية لانهزام وقهر العدو إبليس (رؤ11:12). ولكن نلاحظ أن الاسم كلمة الله يشير لحالة خروج من الله وإرسال للإعلان عن مشيئة الله وتتميمها، فالاسم كلمة الله هو اسم المسيح بعد أن اضطلع بالعمل والرسالة. أما اسم الكلمة فقط كما جاء في هذه الآية فهو يعبر عما قبل الخروج والإرسال والإعلان عن الله. هو اسمه الذاتي وليس صفة عمل. ولذلك فحينما أُرْسِلَ الكلمة ليعلن الله ومشيئته قال الكتاب الابن الوحيد.. هو خَبَّر (يو18:1).

وكثير من الآيات في إنجيل يوحنا أتت بلفظة لوغوس وترجمتها الترجمة العربية "كلامي" مثل (يو 24:5+ 3:15) + (يو 31:8-32+51) + (يو 24:14+ 14:17). ويصير المعنى ليس كلامًا عاديًا. فإذا كان اللوغوس هو المسيح كلمة الله، فمن يقبل اللوغوس (كلامي) يقبل المسيح فتكون له حياة أبدية. ومن يثبت في اللوجوس (كلامي) يثبت في المسيح (يو15 : 7). لذلك قال المسيح عن نفسه أنا هو الحق (يو6:14) وقال كلامك حق (يو 17:17) ونلاحظ في آية (يو 43:8) أن هناك فرقًا واضحًا بين الكلام العادي واللوغوس (الكلمة).

"لماذا لا تفهمون كلامي. لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي".

"لماذا لا تفهمون (كلامي العادي). لأنكم لا تقدرون أن (تسمعوا اللوغوس) أي تقبلوني ككلمة الله.

والمعنى أنتم لا تفهمون كلامي لأنكم لا تقبلونني. والمترجم للعربية استخدم هنا كلمة (قولي) لأن لوغوس بالعبرية هي قول.

ونلاحظ أن الكتاب المقدس هو كلمة الله والمسيح هو كلمة الله وهذا كما فسره الآباء أن من يتأمل في الكتاب المقدس يكتشف شخص المسيح كلمة الله، يرى صورة واضحة للمسيح، فالمسيح هو الحق المخفي في كلامه وفي الكتاب المقدس كلمة الله، هو ينطق بين السطور كومضات نور أو دفقات حياة تنطلق بلا توقف، فالمسيح لا يعطي كلام يصلح للحياة، بل هو يعطي الحياة، فكلامه روح وحياة. " كلمة الله حيَّة وفعالة..." (عب 4: 12).

وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ= كلمة "عند" باليونانية (πρὸς بروس) وتترجم أيضًا "مع". وتشير لعلاقة متصلة كما في "لا يقدر الابن أن يعمل شيئا من ذاته إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يو19:5) فهناك فهناك اتصال دائم فعال وشركة كاملة مع الله الآب، وبنفس المعنى "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" (يو 1: 18). وأيضًا نرى في (1يو2:1) نرى الحياة عند الآب بمعنى الاتصال وكذلك في (يو24:17) فالمسيح كائن في الآب متصل به له ملء حياة الله وله المجد معه. ولكن قوله عند الله تفيد أيضًا تمايز الأقانيم فالآب ليس هو الابن والابن ليس هو الآب. وقوله عند الله تفيد أيضًا أزلية المسيح فالآب لم يكن أبدًا بدون الكلمة (العقل) ولم يكن أيضًا بدون قوة. فالكلمة هو قوة الله التي كانت مستعدة دائمًا أن تخلق. إذًا كلمة عند تفهم عن أن الابن شريك للآب أزليًا بدون انفصال.

وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ= قوله وكان الكلمة عند الله تفيد التمايز بين الأقانيم وقوله وكان الكلمة الله تشير للوحدانية الإلهية. وفكرة ألوهية المسيا المخلص لم تكن غائبة عن أذهان من يقرأ العهد القديم بفكر وقلب مفتوح (أر6:23 + هو7:1). ونلاحظ في الآية السابقة وكان الكلمة عند الله أن الكلمة والله جاءتا في اليونانية معرفتين بـ"ألـ" توضيحًا أن لكل منهما وجوده الشخصي. والعكس في هذه الآية فالله جاءت بدون أداة التعريف "الـ" وهذا يشير إلى:

1- أن طبيعة جوهر الكلمة هي طبيعة إلهية.

2- لو ذُكِرَ هنا الله مُعَّرف بالـ يصبح لا تمايز بين الأقانيم، أي يكون الله هو الكلمة وبالتالي لا فرق بين الآب والابن. وهذه بدعة سابيليوس الذي قال أنها مجرد أسماء وقال أن الله كان فترة آب ولما نزل للأرض صار ابن ولما صعد صار معنا باسم روح قدس. والمعنى أن الكلمة اللوغوس ليس بمفرده هو الذات الكلية لله، ولكن الله والكلمة (طبعًا والروح القدس) هو الله.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مقارنة بين كلمة الله وكلمة الإنسان

الكلمة في الإنسان تُصوِّر شخصية الإنسان تصويرًا جزئيًا، وقد تخطئ فتبقى كلمة الإنسان شيئًا ويبقى الإنسان شيئًا أخر.

أما كلمة الله فهو صورة كاملة لله كمالًا مطلقًا، هناك تطابق بين الله وكلمته ، وهناك تساوي ووحدة، ولا توجد ثنائية قط.

ولذلك فهناك تطابق بين إرادة الله وفعل كلمته، فالكلمة يقول ويعمل بحسب مشيئة الله بالتمام والكمال (يو49:12-50). ونفس الكلام يقال عن الأعمال التي عملها المسيح (يو19:5+10:14). الآب هو أقنوم الإرادة والابن والروح القدس أقنومي التنفيذ.

إذًا كلمة الله، اللوغوس، يحمل طبيعة الله ويُعبِّر عن ذاته تعبيرًا كليًا مطلقًا وولادة الكلمة من الله هي ولادة مستمرة أزلية أبدية، ومع هذا يظل قائمًا في الله يمثل الحضرة الإلهية بكل طبيعتها وقوتها وجلالها. وهذا نفسه ما حدث بعد أن تجسد إذ هو دائمًا يحمل اسم الله وسلطانه كذات الله "من رآني فقد رأى الآب".

"أنا في الآب والآب فيَّ" راجع (يو20:5-23+ 44:12-45+ 30:10+ 9:14).

في هذه الآية رأينا:

1) متى كان المسيح...... منذ الأزل/ لا بداية له/ هو بداية كل خليقة.

2) أين كان...........هو عند الله.

3) من هو............ هو الله/ هو عقل الله (اللوجوس).

 

أية (2): "هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ."

هذا= أي الكلمة. وهنا نلاحظ أن التكرار مقصود لتأكيد أن الكلمة أزلي وأنه من جوهر الله وطبيعته وأنه قبل أن يكون خليقة فهو عند الله، فهو قوة الله وحكمة الله اللتان خلق بهما العالم. والله لم يكن قط بدون قوته ولا بدون حكمته. ولكن التكرار له هدف ثانٍ خاصة إذا نظرنا للآية التالية "كل شيء به كان" والتي نرى فيها الكلمة خالقًا. وبذلك تصير آية (2) لها مفهوم آخر، وهو أن الكلمة الذي كان منذ الأزل عند الله (آية1) بدأ في عملية الخلق وبدأ أن يكون هناك زمن وهناك خليقة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أزليًا الآب يحب الابن الذي عنده والآن هذا الحب امتد للعالم فبدأت الخليقة زمنيًا علامة الحب الإلهي للخليقة. وبنفس المفهوم كانت أول آية في الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السموات والأرض" هي تعبير عن محبة الله وخيريته التي ظهرت في خلقة الإنسان.

 

أية (3): "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ."

الكلمة هو خالق كل شيء ما يرى وما لا يرى، في السماء وعلى الأرض (أف9:3) والخليقة أخذت كيانها منه ووجودها منه، ولا توجد خليقة تتخذ لها وجودًا بدونه، فالكلمة أزلي ولكن الخليقة أخذت مبدأها الزمني منه، وهي مرتبطة به تأخذ كيانها منه. وكلمة "كان" في هذه الآية تختلف عن "كان" في آية (1). ففي آية (1) تعني الكينونة ولكنها هنا تعني صار الشيء become.

بِهِ كَانَ = الأصل اليوناني يفيد "به صار الشيء وظهر" بحسب تدبير العناية الإلهية. وبه في الإنجليزية Through him وهذه أدق من صار أو كان في العربية فالكلمة بعد أن خلق، ظل حافظًا ومقيمًا وماسكًا ومدبِّرًا للخلق لذلك يقول الرب "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو5:15). كنا في عقل الله أولًا ثم صرنا خليقة. لذلك هو ضابط الكل "به نحيا ونتحرك ونوجد" أما من ينفصل عنه فيقال له "لك اسم أنك حي وأنت ميت" (رؤ1:3) ويوحنا يشير لهذا فهو يريد أن يتكلم عن الخليقة الجديدة. ومعنى الكلام أن المسيح خالق الخليقة الأولى هو تجسد ليقوم بالخليقة الجديدة.

وبغيره لم يكن شيئًا مما كان= بدونه لا يصير للخليقة وجود وكيان. فهو يخلق أولًا ثم يحفظ، فهو ضابط الكل. وإذا كان الكلمة هو الذي يخلق ويحفظ ويضبط العالم فهو ليس أقل من الله، بل هو الله نفسه. راجع (عب2:1، 3 + أع28:17 + رو19:1-20 + كو16:1-17+ مت29:10-31 + لو6:21 + أم23:8-31).

 

أية (4): "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ."

فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ = الكلمة فيه الحياة كإحدى خصائص الجوهر الإلهي الأزلي (يو26:5). وهي حياة أزلية أبدية، وهي قادرة أن تحيي أي لها القدرة أن تخلق حياة (يو21:5) فالمسيح الكلمة هو أساس الحياة لكل كائن حي ولكل ما في الوجود. هو فيه الحياة كينبوع فهو ليس فقط حي بل هو الحياة، وهو حياة أبدية لا تنتهي ولا تموت (وإن كان هو الحياة فلا يمكن أن يوجد وقت لم يكن موجودًا فيه، أي لا يمكن أن يكون مخلوقًا) وهذا هو سر ارتباط الخليقة به فهو مصدر حياتها. ولكننا لا نفهم حتى الآن سوى الحياة بالمفهوم الزمني فالإنسان لا يرى سوى ما يلمسه ويراه بعينيه المادية. أما الحياة الأبدية سنفهمها فيما بعد، وهي التي بلا حزن ولا كآبة. والحياة التي يقصدها بقوله فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ ، هي الحياة الأبدية بصورة أساسية، هذه التي قال عنها الرسول"الحياة أظهرت" (1يو2:1) . ولكنه هو أيضًا يحفظ الحياة الآن. لقد فقد الإنسان الحياة بسبب خطيته فجاء المسيح وهو الحياة ليعيدها له. ولذلك قال بولس الرسول "مع المسيح صلبت لأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20:2 + في21:1).

وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ = الإنسان العادي الحي له أعين ليرى بها العالم. أما هنا فهو يتكلم عن الإنسان الذي أعاد له المسيح حياته الروحية فصار له بصيرة روحية. الله الكلمة أعطى حياة لكل الخليقة ولكن تميز الإنسان عن باقي الخليقة بأنه صار له نورًا به يعرف الله ويدركه ويتكلم معه. ويوحنا هنا يرى أن أهم ما في الحياة للإنسان أن يدرك الله ويتصل به ويعرفه، هذه رسالة الكلمة (يو3:17) فمن له حياة المسيح فبنوره ندرك الله نفسه ومجده، بل سأدرك هدف ومعنى حياتي فنحن لا يمكننا أن ندرك الله سوى عن طريق المسيح:-

نحن يمكننا أن نرى الله في الطبيعة التي خلقها ولكن نكون كمن يرى الشمس في صورة. ويمكننا أن نرى الله من خلال العهد القديم والناموس ونكون كمن يرى الشمس من خلف غيمة. ولكننا في المسيح نراه في كامل محبته.. أليس هو "بهاء مجد الله ورسم جوهره". فالمسيح الذي هو الحياة الحقيقية وهو مصدرها وهي حياة قدسية كاملة أبدية الوجود، هو صار نورًا للإنسان يعرف به الله ويرى به الله. إتحادنا بالمسيح وثباتنا فيه هو الوحيد الذي به ندرك الله ونراه وندرك الأمجاد المعدة لنا، وذلك بالروح القدس الذي يملأنا عند ثباتنا في المسيح. والله خلق آدم في جنة ليحيا للأبد، ويرى الله ويفرح به للأبد، لكنه حرم نفسه بنفسه من هذه الحياة فحُرِم من أن يرى الله وصار في ظلمة. والظلمة في إنجيل يوحنا تشير للخطية، فيهوذا حين خرج قيل "وكان ليلًا" (يو30:13) ، وقيل عن نيقوديموس أنه "جاء ليلًا" إظهارًا لعدم المعرفة عند نيقوديموس قبل إيمانه.

ولكن على الرغم من أن الناس قد سقطوا في ظلمة الخطية إذ خالفوا وصايا الله، فإن السيد المسيح وهو خالقهم وهو الحياة الذي أعطاهم الحياة، وهو أيضًا النور جاء بتجسده ليبدد ما يكتنفهم من ظلمات، ويعطي الحكمة لمن يريد.

الله في ملء الزمان أرسل ابنه ليرد الحياة إلى آدم وبنيه ليكون لهم نور يرون به نتيجة خطيتهم فيشمئزوا منها ويرون الله فيحبونه ويحبون وصاياه فيختارونه. كل هذا لأن المسيح صار لهم حياة ومن هو حي يكون له نعمة النظر. والمقصود هنا هو النظر الروحي وليس الجسدي، هذا الذي يقود الإنسان للإنقياد لشهواته أي للظلمة وبالتالي للموت الروحي. والله الآب أرسله كخبز الحياة ليأكل منه الإنسان فترتد إليه روحه ويعيش للأبد وتنفتح عيناه ويعاين نور الحياة وتكون له حكمة يختار بها أن ينفذ وصايا الله ولا يتعثر في ظلمة الشهوات والخطية. وهذه هي العلاقة بين الحياة والنور "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك" (يو3:17). فمعرفة الله هي الحياة الأبدية وهي الثبات في الله. ولأن المسيح هو النور الذي عَرَّفنا الآب قال "أنا هو الطريق والحق والحياة" وقال "أنا نور العالم". ورؤية النور الإلهي لا تكون بالعين الجسدية بل خلال الروح حينما تنشط من الداخل فتدخل لها القوة الإلهية المنيرة. كما ظهر نور لبولس الرسول في الطريق لدمشق فعرف الله وصارت له حياة (يو12:8). وغياب النور عن الإنسان يكون باختياره حين يرفض الحياة في النور أي في الحق والمحبة والقداسة، وغياب النور معناه غياب الله.

إذًا الله نور:

1) يكشف خطاياي.

2) فأقدم عنها توبة.

3) أقترب إلى الله وأعرفه.

4) أشتهي السمويات.

5) أثبت في المسيح.

6) أتحول إلى نور.

7) تكون لي الحياة الأبدية.

تعليق على الآية:- الإنسان الحي تكون له عينان يبصر بهما المخلوقات. أما الإنسان الذي صارت له حياة المسيح بالمعمودية (رو6: 3-9) فهذا تصبح له بصيرة يرى بها الله. لذلك يقول المزمور "بنورك يا رب نعاين النور" (مز36: 9) فالمسيح نور أضاء بصيرتنا فرأينا الله النور، وأدركنا الروح القدس الساكن فينا. والروح القدس نور يخبرنا عن المسيح، ويخبرنا عن أفراح السماء (1كو2: 9-11).

الحياة الأبدية هي حياة كلها فرح في المجد. والأشرار سيكون لهم وجود وللأبد ولكن بلا فرح ولا مجد ولا نور، وهذا معنى الظلمة الخارجية (مت25: 30).

 

أية (5): "وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ."

وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ = كان آدم في الجنة يرى الله، فكان آدم في نور. وسقط آدم فانفصل عن الله وصار في ظلمة. ولا شركة للنور مع الظلمة. وسادت الظلمة العالم فانتشرت الوثنية والخطية، فلقد تبع الإنسان الشيطان سلطان الظلمة (ما عدا قلة). والمسيح أتى للعالم وهو النور لينير للعالم، فيعرف العالم الله ويعبده تاركًا الخطية (إش1:9-6+ 5:49) فالمسيا الآتي هو النور للجالسين في الظلمة. فبنورك يا رب (المسيح) نعاين النور ولكن كل من يرفض المسيح يظل في الظلمة ونهايته تكون الظلمة الخارجية "اطرحوه في الظلمة الخارجية" أي خارجًا عن جسد المسيح (النور الحقيقي). وكما يضيء النور المخلوق للعينين الجسديتين فنرى الأشياء، هكذا فالنور الحقيقي وهو الله (النور هو طبيعة الله) يضيء للإنسان ويرشده كعطية سخية من طبيعته الإلهية. وتجسد المسيح كان مجيئًا للنور إلى العالم (يو19:3) فهو شمس البر. فمن قَبِلَهُ صار إنسان النور الذي له حياة أبدية، ومن لا يقبله يبقى في الظلمة. ولكن بصفة عامة فالله يعطي لكل إنسان نورًا يستطيع به أن يميز الله ويعرفه (رو14:2-15+ 19:1-20) والضمير هو نوع من النور أعطاه الله لكل إنسان من بدء الخليقة، ليميز به الخير من الشر، لذلك فالنور يضيء في الظلمة بصورة عامة منذ بدء الخليقة، لذلك قال الكتاب أنهم بلا عذر (رو 20:1؛ 1:2).

وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ = ما هي الظلمة؟= هي غياب النور. فإذا كان الله هو النور، فالإنسان الذي يخلو من النور (نور الله) هو الظلمة. والشيطان حين انفصل عن نور الله صار سلطان الظلمة (لو53:22). وإذا كان النور أي الله هو المحبة والرحمة والسلام والحق والأمانة، تكون الظلمة هي الكراهية والقتل والقسوة والقلق والغش والكذب والخيانة.. إلخ. لذلك صار إبليس قتالًا للناس منذ البدء وصار كذابًا وأبو الكذاب (يو44:8-45) فهو ظلمة وهكذا كل من يتبعه. ومن كان له المسيح الحياة يكون له المسيح نور ينير له الطريق للحق ويكون هذا له مصدرا لكل الإيجايبات. ولكن الإنسان فشل في أن يتمسك بالنور إبتداء من آدم الذي اختار الظلمة (رو21:1-23+ 1كو21:1).

ونلاحظ أن من يُصِّرْ على أن يعيش في الخطية، فهو يعيش في الظلام ولن يدرك المسيح أي لن يعرفه ولن يعرف حقيقته، وكلما ازدادت ظلمة الإنسان يبدأ يهاجم المسيح النور الحقيقي إذ هو لا يعرفه ولكنه لن يستطيع أن يدركه أي يظفر به. فالظلمة درجات تبدأ بإهمال حقيقة النور ثم اختيار الخطية، فالحياة في ظلمة ثم رفض المسيح ثم الهجوم عليه.

وكلمة لا تدركه بالتالي تشير لأن من اختار الظلمة لن يعرف المسيح. وإذا بدأ في هجومه على المسيح لن يظفر به. فالنور الإلهي غير قابل للإنطفاء أو الإندحار. بل نرى في (مت44:21) أن من اختار الظلمة هو من سقط على هذا الحجر، إذ هو لا يرى. وهذا بسقوطه وعثرته يترضض، وأما من يقاوم المسيح يسقط هو عليه ويسحقه. ودائمًا يشرق الله بنوره ليضئ للإنسان (إش2:9). ودائمًا فالظلمة تطارد الإنسان (بالذات الذي فيه نور المسيح) (تك15:3) ولكن الغلبة ستكون للنور (رؤ2:6) وحرب الظلمة هي حرب خداع وتزييف (تك1:3+2كو3:11) فَمَنْ هو في ظلمة لن يرى نهاية طرق إبليس وهي الموت. ولكن الظلمة لم تدرك المسيح بمعنى ما قاله المسيح "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء" (يو30:14+46:8). فالشيطان أثار اليهود والرومان فصارت ظلمة لاحقت المسيح حتى الصليب، ولكنها لم تدركه، بل هو الذي أمسك سلطان الظلمة وقيده (كو14:2-15+ رؤ1:20-2). لاحظ أن النور يضيء في حجرة مظلمة وينهي ظلامها ولكن لا يمكن أن الظلمة تنتصر على النور فتظلم حجرة بها مصدر إضاءة. وهذه نصيحة لكل من هو يائس من خطيته وهذه ظلمة: فما على هذا الإنسان إلا أن يلتصق بالمسيح فيضيء ظلمة قلبه فيترك خطيته. ونور المسيح أيضًا يعطي رجاء للخاطئ فلا ييأس، هو سيرى وجه المسيح المبتسم الذي يقبل الخاطئ فيندفع إليه. وعلى كل واحد ان لا يعطي للشيطان حجما اكبر من حجمه، فهو ظلمة والظلمة لن تدرك أو تقوى على من هو في النور أي ثابت في المسيح، ولا نصدق هذا الكذاب الذي يَدَّعي أن قوته لا تقاوم.

 

الآيات (يو 1: 6-8): "كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ."

هنا نرى الكلمة يبدأ يدخل للتاريخ الإنساني، هنا الإنجيلي بدأ يربط بين الكلمة وبين خليقته ، فالكلمة هو النور، ينير لها فلا تضل بسبب حريتها. ويوحنا المعمدان كان سابقًا للمسيح، وهذا ما سجلته كل الأناجيل ويسجله يوحنا هنا أيضًا، فيوحنا الإنجيلي كان تلميذًا للمعمدان ثم صار تلميذًا للمسيح. ولأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو لم يذكر قصة ميلاده بالجسد. ويوحنا الإنجيلي أورد قصة المعمدان هنا بعد أن تحدث عن ألوهية وأزلية المسيح ليعقد مقارنة بين ألوهية المسيح وإنسانية يوحنا المعمدان. والنور لا يحتاج لأحد يشهد عنه، لذلك المسيح غير محتاج لشهادة يوحنا المعمدان. لكن النور يحتاج لمن يراه. وكان المعمدان هو المبصر الذي يشهد للعميان. فالأعمى يحتاج لمبصر يرى ويخبره.

اسمه يوحنا = معنى اسمه الله يتحنن، فالمعمدان حتى باسمه كان يكرز بعمل المسيح المُخَلِّص. هذا = أي يوحنا المعمدان.

وعمل يوحنا المعمدان كان هو الدعوة للتوبة، وكل من يقدم توبة تنفتح عينيه فيعرف المسيح الآتي. (وهذا حدث مع التلاميذ مثلًا). أما من رفض تقديم توبة فلقد ظل في ظلام خطيته ولم يعرف المسيح.

جاء للشهادة = فلأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو يهتم بأن يضع الشهود الذين يشهدون بهذه الحقيقة، ولذلك فكلمة الشهادة ترد في إنجيل يوحنا 14مرة، والفعل يشهد ورد 33 مرة. بينما كلمة الشهادة وردت في إنجيل مرقس 3مرات ولوقا مرة واحدة ولم ترد في متى نهائيًا. وهناك 8 شهادات للمسيح:

1- شهادة الآب: (يو 31:5+34+37)+(يو 18:8) "الآب الذي أرسلني يشهد لي".

2- شهادة المسيح نفسه: (يو 8: 14، 18) + (يو 11:3، 32) + (يو 37:18) "وإن كنت أشهد لنفس فشهادتي حق".

3- شهادة الروح القدس: (يو 14:16؛ 15:26) "فهو يشهد لي".

4- شهادة الأعمال التي يعملها المسيح: (يو 36:5+ 25:10+ 11:14+ 24:15) (معجزاته وحياته وطهارته واتضاعه).

5- شهادة الأسفار المقدسة: (يو 39:5، 46) "موسى شهد لي" وكل رموز العهد القديم والنبوات.

6- شهادة التلاميذ ويوحنا الإنجيلي وتوما: (يو 27:15+ 35:19+ 24:21+ 28:20)

7- شهادة يوحنا المعمدان: (راجع يو34:1) وراجع أقوال وشهادة المعمدان عن المسيح في (يو19:1-39) + (يو27:3-36) وهذه الآية التي نحن بصددها. ويسجلها الإنجيلي الذي كان تلميذًا للمعمدان وصار تلميذًا للمسيح، فقد سمع كل ما قاله المعمدان عن المسيح.

8- شهادة نثنائيل ثم السامرية ثم المولود أعمى:

لم يكن هو النور= يبدو أن هناك كثيرين ظنوا أن المعمدان هو المسيح فتبعوه على هذا الأساس ولم يعرفوا المسيح. ويوحنا الإنجيلي هنا يشير إلى أن المعمدان مجرد شاهد ليظهر المسيح للناس. راجع (لو15:3+ أع24:18-25+ أع1:19-7).

ليشهد للنور= الإنجيلي هنا يتحدث عن المسيح كنور فهو لم يأتي بعد للحديث عنه كإنسان بعد أن تجسد وصار إلهًا متأنسًا. لذلك فما زال يشير له بطبيعته الإلهية.

لكي يؤمن الكل= أي اليهود الذين شهد لهم المعمدان (يو34:1) بل للعالم أجمع.

 

أية (9): "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ."

النور سيأتي للعالم بالتجسد. وهنا نسمع عن أن المسيح هو النُّورُ الْحَقِيقِيُّ = النور الحقيقي هو النور الذي ينير من نفسه وهو نور ثابت غير متغير. وهذا معنى كلمة حقيقي في اليونانية. وبنفس المعنى فالمسيح هو خبز حقيقي أي من يأكله يشبع ولا يموت. لكن الخبز المادي من يأكله يموت. لذلك النور الحقيقي هو وحده الذي يكشف الحق الكلي. وكل نور غيره هو غير دائم وغير كامل وغير مستمر فالمعمدان نور ولكنه:

1) يستمد نوره من المسيح النور الحقيقي.

2) مستمر لوقت محدد ثم ينطفئ بالموت.

3) المسيح وحده هو القادر أن يكشف لنا كل أسرار الآب ويعلنه لنا. (راجع يو18:1).

4) المسيح وحده قادر أن يفحص داخل كل منا فهو فاحص القلوب والكلى. يكشف لكل منا خطيته أي مرضه الذي سيتسبب في هلاكه ليتركه ويتوب عنه.

ينير كل إنسان= هو الذي يعلن الله لكل إنسان، وكل من أتى لهذا النور يُستعلن الله فيه، ويرى هو نفسه على حقيقتها أمام الله. وهذا النور يرينا جمال السماء فنشتهيها ونضحي من أجلها بملذات العالم. وكلما تركنا طريق الخطية ونسعى في طريق السماء نصبح نورًا للعالم بعد أن تتغير طبيعتنا ونحصل على الطبيعة الجديدة. وكل من لا يأتي لهذا النور يفقد رؤيته لله ويفقد رؤية نفسه رؤية حقيقية ويصير في ظلام. (1بط9:2).

كل إنسان= الله يريد أن الجميع يخلصون ولكن ليس الجميع يريدون ويقبلون.

العالم= قد تعني الكلمة [1] الوجود [2] الأرض [3] سكان الأرض [4] الغرباء عن الله. والمقصود هنا أن المسيح سيأتي إلى الأرض بالتجسد، لكل الساكنين فيها حتى من هم غرباء عن الله ليجمعهم فيه إلى واحد.

 

أية (يو 1: 10): "كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ."

كان في العالم= فهو كان يعطي لكل إنسان نورًا يعرف به الله، ليقترب إلى الله بإدراكه (رو 1: 19 ). وكل فكر صالح وكل حق ظهر في العالم الوثني كان مصدره الابن فهو مصدر كل حق (يع16:1-17) (وتعني أنه كان في العالم يحفظه ويدبره). وكون العالم به= فهو الذي خلق كل الخليقة وهو الذي يعطيها حياتها وهي متصلة به دائمًا. لم يعرفه العالم= لم يستجب له العالم إيمانيًا وأخلاقيًا، فهو يدعوهم ليكونوا في النور وهم يرفضوا، بل وقفوا مع الظلمة ضد الله وساروا وراء أوثانهم وشهواتهم وملذاتهم (رو 1: 21 -25). الله موجود دائمًا في العالم ولكن بسبب أن العالم أختار طريق الخطية احتجب الله عن العالم، إذ أن الخطية أعمت قلوب الناس. هم كونوا علاقات مع الشيطان وليس مع الله. فالظلمة في الإنسان صنعها الإنسان برفضه النور وسيره في الخطيئة والشر أما من يستجيب لنداء الله الذي يجذبه للنور يعرف الله ويترك الظلمة ويعود لله وهذا هو الخلاص. ومن يرفض يكون له الدينونة أي الحرمان من الله. إذًا سبب عدم معرفة العالم لله ليس أن الله كان مختفيًا بل لم يكن هناك من يستقبل النور، فالخطية أعمت عيون البشر. يوحنا بدأ بأن المسيح هو الكلمة الأزلي. وهنا أسماه نور فهو نور الخليقة. وطالما قال أن النور كَوَّن العالم، إذًا هو يقصد الكلمة. وبعد هذا يقول يوحنا أن النور كان في العالم لكن كنور. وبعد هذا يقول يوحنا أن النور تجسد.

 

أية (11): "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ."

العالم عرف الله منذ بدئه وعرف اسمه (تك26:4، 24:5). ولكن نرى من الكتاب المقدس كيف سادت الظلمة وفسدت الأرض وعاقب الله بالطوفان. ولكننا نرى أيضًا وسط هذه الظلمة نوح البار الذي شهد للنور.

وكان إسرائيل هو شعب الله الخاص والمختار من وسط الشعوب ليسكن الله وسطهم ومختار لكي يولد المسيح منهم. وكان هو ابنه البكر (خر22:4+ تث8:32-12+ زك10:2-12+خر5:19، 6+ تث6:7-7+ تث1:14-2+ 18:26-19). ولكن هذا الشعب رفض الله وأعطاه القفا لا الوجه (أر24:7+ تث1:32....) ولأنهم انغمسوا في زناهم ووثنيتهم انحجب عنهم نور الله. وأخيرًا أتى لهم المسيح (عب1:1-2) ولكنهم أيضًا رفضوه (يو37:12-41+ إش1:6-10). وهنا نرى أنه بسبب خطاياهم إنطمست بصيرتهم وأنحجبت رؤية الحق. وهذا ما حدث مع المسيح فهم بسبب حسدهم ومحبتهم للمال وطلبهم لمسيح يكون قائدًا عسكريًا رفضوا المسيح وصلبوه. بل كان الرفض جماعيًا ملوكًا وكهنة وشعب.

جاء= بنفسه ولم يرسل ملاكًا ولا أنبياء (1يو1:1). ولمسناه وشاهدناه. ظهر النور بطريقة محسوسة مرئية.

سؤال: إذا كان خاصة الله قد رفضوه فهل فشل الله في خطته، أنه اختار شعبًا ثم رفضه هذا الشعب؟ قطعًا لا:

1- اليهود بزلتهم صار خلاص الأمم، إذًا ماذا عن قبولهم؟ من المؤكد أنه خلاص جبار وغني لكل العالم أي القيامة من الأموات (رو11). برفضهم تم الخلاص إذ صلبوا المسيح. ولكن هذه القساوة حصلت جزئيًا لإسرائيل ليدخل ملء الأمم. فالله أغلق عليهم أي سمح بهذا ليدخل الأمم. ومنهم من آمن بالمسيح وكرز وبشر به، وهناك بقية ستدخل في نهاية الأيام إلى الإيمان. إذًا رفضهم للمسيح كان جزء من خطة الله للخلاص. خلاص الكل.

2- خطة الله نجحت بدليل إيمان كل العالم، وأن الله أعطى سلطان لكل من يؤمن أن يصير ابنًا لله.

3- هم حفظوا النبوات فكانوا أمناء مكتبة المسيحية. وظهر أن خطة الله للخلاص هي خطة أزلية ليست وليدة الأحداث. بل خرج منهم أنبياء وقديسين، وكان شعب إسرائيل أفضل من الشعوب الوثنية بمراحل.

4- المسيح ولد وسط شعب عرفه وسمع عنه في النبوات فقبله تلاميذه الذين نشروا المسيحية في العالم.

5- كانت العذراء مريم من هذا الشعب.

 

أية (12): "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ."

هناك قلة قبلته من بين اليهود فطردوهم من المجمع واضطهدوهم وعاملوهم كوثنيين، وبهذا فتحوا الطريق للوثنيين ليصير الأمم أبناء الله (أف6:3). لقد كان إسرائيل هو الابن البكر (خر22:4) فصار كل المؤمنين أبناء بل أبكار، باتحادهم بالابن البكر (عب12: 23 + يع18:1). ويصرخ الروح داخلنا يا آبا الآب (غل6:4).

كُلُّ = أي ليس لشعب معين.

سُلْطَانًا = قد تعني امتياز أو حق إقامة علاقة بنوية مع الله. وإذا كان الله أبًا لي فماذا يخيفني في هذا العالم. لكن بالمعمودية نصير أولاد الله باتحادنا بالمسيح في موته وقيامته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ومَنْ يثبت في المسيح يصير ويستمر ابنًا لله. ومن يرتد للخطية لا يصير ابنًا لله. فالثبات في المسيح يعني الثبات في القداسة. والله أعطانا قوة وسلطان على الخطية حتى لا تسود علينا (رو14:6). فإن كان هذا هو الوعد لقايين (تك7:4) فكم وكم السلطان الذي بالنعمة الذي لأولاد الله الذين أعطاهم المسيح سلطانًا أن يدوسوا الحيات والعقارب (لو19:10). وهذا ما عمله لنا المسيح بفدائه (رو8: 3) وبهذا نفهم أن العالم ينقسم إلى [1] أولاد الله وهؤلاء لهم سلطان [2] أناس عاديين تسود عليهم الخطية.

فلماذا لا أتمتع بهذا السلطان وأصير ابنًا لله حينما أسلك كما يحق كابن لله.

أَوْلاَدَ اللهِ = إذًا كلنا إخوة، كلنا جسد واحد للمسيح (أف30:5).

بِاسْمِهِ = الاسم هو المُعَبِّر عن الشخص وقدراته، أي الحضرة الذاتية الإلهية. ولكن قوله هنا باسمه يشير لقوة دم المسيح وعمل الفداء الذي كان السبب في حلول الروح القدس على الكنيسة فأعطى للمؤمنين القوة والسلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب.

 

أية (13): "اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ."

ليس من دم (أي زرع بشري) = الولادة من الله لا يدخل فيها أي عنصر من العناصر الطبيعية، ولم يعد الانتساب للدم الإسرائيلي أو الديانة الإسرائيلية سببًا ليكون الإنسان ابنًا لله. ونلاحظ أن اليهود يفتخرون بأن دمائهم نقية وهم جنس مختار مولودين من إبراهيم وإسحق ويعقوب (مت9:3+ يو33:8) فهم لهم كبرياء ويفتخرون بحسب الجسد بجنسهم. أما المسيحي فلا يفتخر بهذا بل نحن مولودين من دم يسوع المسيح، لا نحيا حياة طبيعية لحساب العالم الطبيعي، حياتنا هي حياة المسيح يعطيها لنا لا تورث من السلف ومحررة من الغرائز والشهوة. إذًا كلمة دم المقصود بها دم إبراهيم الذي يفتخر اليهود بأنهم أولاد الله بسبب انتسابهم له بالجسد.

وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ (أي الشهوة الجسدية) وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل (إرادة إنسان وزواجه لينجب ويكون له نسل)= الولادة من الله لا مجال فيها للغرائز الطبيعية ولا لمشيئة إنسان، وبالتالي فالمولود من الله لا يخضع جبريًا لسطوة الغرائز ولا لأي مشيئة بشرية. وبالتالي يتخلص المولود من الله من كل ما يتعلق بالخليقة الحيوانية عامة والخليقة البشرية خاصة، فهو ميلاد خليقة أخرى للإنسان من فوق، فيها يصير الله أبًا جديدًا للإنسان.

وقوله مشيئة جسد ومشيئة رجل فهي ربما تشير لمشيئة المرأة (الجسد) ومشيئة الرجل (رجل) أو تشير للغريزة الجنسية (جسد) وللإرادة والقرار الإنساني في أن يكون للإنسان نسل (رجل).

ولدوا من الله = الولادة من الله تكون [1] بالإيمان [2] بالمعمودية [3] الجهاد في طاعة الوصية (يو31:20+ يو3:3-5+ أع16:22+ أف26:5+ مت11:3+ لو16:3+ 1يو1:3-2) والله من محبته اتخذنا أولادًا له، وليس لشيء صالح فينا. وفي مقابل محبته علينا أن نحبه ونحب إخوتنا ومن يحب يصير ابنًا لله (1يو7:4).

 

أية (14): "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا."

بدأ يوحنا الإنجيلي رؤيته للكلمة في أزليته ثم في خلقته للعالم، وأنه كان ينير للخليقة، ثم إرسال المعمدان ليشهد له، ثم رفض خاصته له والآن نراه يأتي متجسدًا.

وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا = وَالْكَلِمَةُ = حرف الواو تعني أن الكلام عائد على ما قبله وتعني أن الكلمة الذي هو الله صار جسدًا وهنا نسمع لآخر مرة عن الكلمة إذ سنراه بعد ذلك في شخص المسيح الذي ظهر كإنسان. وكون أن المسيح أخذ له جسدًا فهو لم يتوقف عن أن يكون الكلمة، ولكنه اتخذ له جسدًا حتى نراه وندركه "الله ظهر في الجسد" (1تي16:3). فالإنسان قد فشل في أن يتعرف على الكلمة ويدركه، وهذا ما جعله يأخذ حالة أكثر اقترابًا لإدراكنا. وكان هذا تحقيقًا لقول الله ووعده "يُقِيمُ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلَبْتَ مِنَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ ٱلِٱجْتِمَاعِ قَائِلًا: لَا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ ٱلرَّبِّ إِلَهِي وَلَا أَرَى هَذِهِ ٱلنَّارَ ٱلْعَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلَّا أَمُوتَ. قَالَ لِيَ ٱلرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ" (تث18: 15-18). [وراجع التفسير].

وهو صار جسدًا ليكون رأس الخليقة الجديدة التي ننتمي إليها بالمعمودية ويسميها بولس الرسول "في المسيح" . أما قوله كل شيء به كان فيشير للخليقة القديمة (أي جسد آدم وبنيه). وصار بكر كل خليقة (كو15:1) لأنه أيضًا كان أول من قام من الأموات. وجسدًا هنا تشير لأنه صار إنسانًا كاملًا (جسدًا ونفسًا وروحًا). أي أخذ الطبيعة البشرية بكل خصائصها أي صار بشرًا وهذا ما نعنيه في قانون الإيمان بقولنا تجسد وتأنس، فهو شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها.

والكلمة الأقنوم الثاني من الثلاثة أقانيم هو وحده الذي تجسد. فلو تصورنا أن الشمس وهي = قرص الشمس + نور + حرارة. نجد أن نور الشمس وحده هو الذي يتحول بالتمثيل الكلوروفيلي Photosynthesis إلى نبات. فهل نقول أن الشمس كلها + نورها + حرارتها داخل النبات. النور فقط هو الذي يتحول إلى نبات.

وقوله صَارَ تعني أنه لن يتراجع عن اتحاده بالجسد الذي اتخذه للأبد. وهو لكي يأخذ شكل الإنسان أخفى مجده وأخلى ذاته (في6:2-7). وهذا الإخلاء لم ينقص اللاهوت شيئًا "ففيه حل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو9:2). هذا الإخلاء يعني أنه حجب مجد ونور لاهوته آخذًا صورة عبد. لكن المسيح استعلن لاهوته في بعض الأحيان كما في التجلي. وهو حجب لاهوته لنراه فنحن في جسدنا الحالي لن نحتمل مجده بسبب خطايانا. وتجسده هذا فتح لنا طريق الأقداس (عب19:10-20) وصار جسده طريقًا ومعبرًا لنا للأمجاد السماوية، وهذا معنى "أنا ذاهب لأعد لكم مكانًا". بل هو أعطانا جسده ودمه مأكلًا ومشربًا حق لنحيا بهما (يو55:6-57) ولقد ظهرت هرطقات كثيرة بخصوص التجسد مثل هرطقة أبوليناريوس الذي إدَّعى أن الجسد الذي أخذه المسيح لم يكن جسدًا كاملًا. ولكننا نؤمن أن جسد المسيح كان جسدًا كاملًا. وقال أوطاخي أن المسيح كان له طبيعة واحدة إنسحبت منها الطبيعة البشرية وكأن لا وجود لها. وقال الغنوسيون أن المسيح أخذ جسدًا حسب الظاهر فقط ولمدة قصيرة، ولكننا نؤمن أن جسده كان حقيقي ودائم، وقال غيرهم أن جسد المسيح كان خيالي وهذا خطأ.

نحن نؤمن أن لاهوته اتحد بناسوته (الذي كان جسدًا حقيقيًا كاملًا) وكان هذا الإتحاد للطبيعتين إتحادًا كليًا وكاملًا وصارا واحدًا، طبيعة واحدة من طبيعتين كإتحاد الحديد بالنار (تشبيه البابا كيرلس عمود الدين) والنحاس بالنار (رؤ15:1). والفحم المشتعل في المجمرة (الشورية) إشارة للمسيح في بطن العذراء. صار الكلمة إلهًا متأنسًا (ولا يقال إلهًا وإنسانًا معًا) فحينما أقام لعازر من الموت أقامه بقوة لاهوته وبصوت فمه أيضًا، فأعماله الإلهية قد اشترك فيها جسده. والمسيح المتأنس قال عن نفسه أنا هو (يهوه) (يو24:8) وحينما مات المسيح انفصلت روحه الإنسانية عن جسده وظل اللاهوت متحدًا بكليهما لذلك لم يفسد الجسد بل خرج منه دم وماء (الدم علامة حيوية الجسد لإتحاد اللاهوت به والماء علامة لانفصال الروح الإنسانية عن الجسد = خروج دم من جسد إنسان يشير لأن به حياة فالميت لا يخرج منه دم بل سائل بلا لون)، ولذلك أيضًا قام بقوة لاهوته المتحد مع جسده . لقد اتحدت الطبيعتين وصارا طبيعة واحدة بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير لذلك يقول بولس الرسول "كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع28:20) . وحينما مات المسيح بالجسد دفن الجسد المتحد باللاهوت في القبر أما الروح المتحدة باللاهوت فقد ذهبت للجحيم لتفتحه بسلطان إلهي وتأخذ أنفس الأبرار وتفتح لهم الفردوس أيضا بسلطان إلهي فالروح متحدة باللاهوت. وبالقيامة إتحدت الروح مع الجسد في جسد ممجد. وبعد الصعود حجبت سحابة المسيح عن تلاميذه فهم لن يحتملوا صورة مجد جسده التي نعبر عنها بقولنا جلس عن يمين أبيه.

1 2 3

وإذا لم يكن اللاهوت متحدًا بالناسوت كان من المستحيل أن يتم الفداء، فالفداء هو موت المسيح غير المحدود (لإتحاد لاهوته بناسوته) ليغفر خطايا غير محدودة. أما لو كان اللاهوت منفصلًا عن الناسوت لصار الناسوت محدودًا ولما حدث الخلاص غير المحدود. وحينما قال أنا القيامة والحياة قالها على أساس لاهوته الكائن في جسده المتحد به. ولما قام، قام بقوة لاهوته وبالجسد. ولما بكى على قبر لعازر كان هذا دليلًا أن الله بلاهوته يشترك مع الإنسان في ضيقته "في كل ضيقهم تضايق" (إش9:63). وبعد الاتحاد كان له مشيئة واحدة لا مشيئتان فلا ازدواج في شخصيته. وكان اتحاد اللاهوت بالناسوت بركة للمؤمنين لأنهم سيصيروا واحدًا في الله (هذا لا يعني قطعًا تأليه الإنسان أي لن يصير الإنسان إلهًا، بل سيأخذ الإنسان بركات كثيرة نتيجة هذا الاتحاد، فنحن كشركاء الطبيعة الإلهية (2بط4:1) لن نشترك في لاهوت الله بل في قداسته ومحبته بل وفي مجده والجلوس في عرشه (يو21:17). والمسيح أخذ شكل جسدنا ومَجَّدَهُ ليعطينا أن نكون على صورته في الأبدية (1يو2:3).

وَحَلَّ بَيْنَنَا = حلًّ في أصلها اليوناني خَيَّم أي اتخذ له خيمة. وهي تشير للسكنى أو الحلول المؤقت، كما يضرب الإنسان خيمته على الأرض ثم يخلعها ليرحل. وقوله بيننا فهو يريد السكنى وسط شعبه. وكون جسدنا الحالي يُعَبَّرْ عنه بالخيمة هو تراث فكري يهودي ، وفك الخيمة أو خلع الخيمة يشير للموت إذ نرحل عن هذا العالم (راجع 2بط14:1+ 2كو1:5) وقول بطرس هنا عالِمًا أن خلع مسكني.. أي خيمتي يشير لموته بالجسد.

والخيمة (خيمة الاجتماع) كان يطلق عليها المسكن. وكانوا يحلونها (يفكونها) عند الترحال، أما بعد أن إستقروا في أرض الميعاد بنوا هيكلا ثابتا.

ويكون قوله حل بيننا أي أن المسيح اتخذ له جسدًا بشريًا ليحل بيننا كما كانت الخيمة سابقًا وسط الشعب وليموت بهذا الجسد لفدائنا ثم يكون له جسد ممجد وحياة أبدية، وليكون لنا جسدا ممجدا مثله وحياة أبدية.

 

كانت الخيمة رمزًا للمسيح الذي يحل بمجده وسط شعبه (خر34:40-35+ زك10:2) ورأينا مجده= كيف رأى يوحنا مجد المسيح:

1- التلاميذ آمنوا بالمسيح، وإيمانهم أعطاهم أن يروا في المسيح ما لم يراه غيرهم من ذووا القلوب المتحجرة، فالمسيح استعلن نفسه لهم بسبب إيمانهم. وهذا هو مفهوم قول المسيح "طوبى لمن آمن ولم يرى".. أي لم يرى رؤية عينية.

2- يضاف لهذا رؤيتهم للمسيح في حالة تجلي وهذه الحادثة رآها بطرس ويعقوب ويوحنا وذكرها بطرس لأهميتها (2بط16:1-18).

3- لقد رأى التلاميذ معجزاته التي تنطق بلاهوته مثل تحويل الماء إلى خمر وتفتيح عيني المولود أعمى وإقامة لعازر. بل رأوه يصنع أعمالًا ويتكلم بسلطان بل أن اليهود أنفسهم شهدوا بهذا السلطان (مت29:7).

4- سمع يوحنا المسيح يطلب أن يتمجد، وربما ميزَّ الصوت الذي أتاه من السماء بأن الآب مجده وسيمجده (يو5:17+24)+(يو28:12) ثم رأى يوحنا صعوده.

5- يوحنا رأى المسيح في مجده (سفر الرؤيا) وسقط عند رجليه كميت (رؤ17:1).

مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ = كلمة وحيد تعني الفريد أو الوحيد في نوعه (KIND). والمجد الذي ظهر به الابن يليق به كابن وحيد للآب. وكلمة وحيد هي ترجمة للكلمة اليونانية مونوجينيس (يو16:3-18+ 1يو9:4). ولكي نفهم عظم عمل الفداء، علينا أن نعلم أنه الابن المحبوب (أف6:1) موضع مسرة أبيه (2بط17:1). هذا هو الابن الوحيد الذي بذله الآب عنا حتى لا نهلك. وقوله وحيد من الآب نرى فيها ارتباط وجودي جوهري بين الآب والابن، وأن الآب أرسله لأجل رسالة يؤديها.

مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا = هذا ما لمسه يوحنا بنفسه حين عاش مع المسيح. ورأى كلماته وتصرفاته ومحبته حتى مع أعدائه. والمسيح حين تجسد أراد أن يمنحنا صفاته هذه لتكون لنا. وتعني النعمة أن المسيح أبرع جمالًا من بني البشر بسبب أنه بلا خطية، وأن طبيعته هي المحبة وكل عطاياه مجانية.

نِعْمَةً = المسيح هو مصدر كل نعمة، نسأله فيعطينا إياها مجانًا، ليس عن استحقاق فينا. وهكذا فعل بولس الرسول (رو7:1) وباقي رسائله، والقديس يوحنا (2يو3). وهذه هي صيغة البركة الرسولية: محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وشركة وعطية وموهبة الروح القدس تكون معكم: "نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ" (2كو4:13). بل العرش الإلهي صار يعرف بعرش النعمة (عب16:4). والنعمة تشمل الفداء المجاني والخلاص بنتائجه والذي به صرنا بنينًا وأحباء وأحرارًا من سلطان الخطية ووارثين مع المسيح، وحل فينا الروح القدس. نحن في المسيح حصلنا على كل النعم. ونلاحظ أن يوحنا وضع النعمة في مقابل الناموس (آية17) .

وَحَقًّا = المسيح هو الحق نفسه. والحق هو في مقابل الباطل الذي هو العالم بملذاته التي لا تشبع ولا تعطي حياة. وهو أي الحق من يعرفه ويتذوقه يتحرر من معرفة وحب العالم الباطل. وهو الحقيقة في مقابل الشبه أو الظل وليس الصدق وعدم الكذب. والعهد القديم كان ظل وأشباه السماويات، كان ألغاز ورموز ولكن في العهد الجديد جاء الحق (عب5:8+ عب2:1+ يو63:6)+ (يو6:14+9) لذلك وضع الحق في مقابل الناموس (آية 17). فالحق هو استعلان الله في ذاته استعلانًا حقيقيًا كآب وابن. ومن يعرف الابن يعرف الحق ويتحرر (يو31:8-36) ويصير ابنًا حرًا لله. والحق هو الشيء الثابت وتعني أن الله أمين وصادق ودائم وغير متغير وسرمدي أي أزلي وأبدي، اما العالم فهو باطل أي عكس كل هذا، من يمسكه أو يظن أنه امتلكه فهو قد أمسك الهواء "قبض الريح" هو كالسراب. الحق هو شخص المسيح والنعمة هي القوة التي تحفظنا كأولاد لله من الخطية. والحق هو اختيار حر للمسيحي. وهو ترك العالم الباطل. لذلك من يعرف الحق يتحرر من الباطل.

الآب والابن والروح القدس إله واحد مثلث الأقانيم بلا انفصال.الآب في الابن، والابن في الآب، والروح القدس هو روح المسيح. فالثلاثة أقانيم هم إله واحد.

* "أنا والآب واحد" (يو30:10).

* "الآب فيَّ وأنا فيه" (يو38:10).

إذًا كيف نتصوَّر أن الأقنوم الثاني فقط هو الذي صار جسدًا؟.

هذا يحدث أمامنا كل يوم. فالنبات ينمو بالتمثيل الكلوروفيلي، وفيه يتم إتحاد الضوء بالنبات، بالضوء فقط ينمو النبات، مع أن الشمس ونورها وحرارتها هم ثلاثة في واحد. وهكذا فالكلمة الذي تجسد كان في نفس الوقت واحدًا مع الآب والروح القدس لاهوتيًا، لكن الذي أخذ جسدًا هو الكلمة. وهذا ما ظهر يوم المعمودية، فالكلمة المتجسد في الماء والروح القدس على شكل حمامة وصوت الآب آتٍ من السماء.

مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد تشبيه كامل من خلال الطبيعة يُعبِّر عن الله غير المُدرك، لذلك نقول عن التجسد أنه سر.

← يُرجى مراجعة موضوع لماذا تجسد المسيح في نهاية شرح أناجيل التجربة في هذا الكتاب بالتفاسير.

 

+ مملوءًا نعمة = إذا فهمنا أن النعمة هي القوة التي يعطينا إياها الروح القدس كما سيأتي فيما بعد، كما يقول القديس بولس الرسول "وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ" (رو8: 13) ويقول أيضًا "الروح يعين ضعفاتنا" (رو8: 26)، سنفهم معنى قول القديس يوحنا أن المسيح مملوءًا نعمة. فالروح القدس يملأ الإنسانية التي فيه (يملأ جسده) لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا (كو2: 9). والمسيح لأنه انتصر في التجربة على الجبل "رجع بقوة الروح" (لو4: 14). هذه القوة التي ملأته جسديًا هي التي يقال عنها أن المسيح مملوء من كل نعمة.

مملوءًا حقًا = إذ رفض كل الباطل الذي عرضه عليه إبليس في التجربة عل الجبل.

 

أية (15): "يُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَنَادَى قِائِلًا: «هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي».".

يوحنا الإنجيلي يورد هذه الآية الاعتراضية لأن فيها يشهد المعمدان أن المسيح كان قبله كائن فهو الله الأزلي مصدر كل نعمة. وكأن يوحنا الإنجيلي يقول أن المسيح كائن قبل التجسد وقد شهد المعمدان له بهذا. نادى= في أصلها اللغوي نادى بصراخ لأهمية ما يقول. (كان قبلي= هو خالقي وهو قبلي في المكانة والزمن).

 

أية (16): "وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ."

هذه الآية مبنية على (آية 14) والتي قال فيها يوحنا الإنجيلي أن المسيح كان مملوءًا نعمة. وفي هذه الآية (16) يكمل الإنجيلي ما بدأه في (14) بعد الآية الاعتراضية (15) من ملئه= تشير للكثرة والفيض، والمسيح هو الوحيد المملوء، له كل ملء اللاهوت (أف22:1-23+ 19:3+ 13:4+ كو19:1+ 9:2-10). والمسيح له كمال الملء.

نحن جميعًا أخذنا= من ملئه تمتلئ الكنيسة كلها، تمتلئ قيامة وفداء وتبرير وصعود وحياة أبدية ومجد وشركاء الطبيعة الإلهية وعطايا ومواهب وتبني وحب إلهي فائق. ولكن من الذي يمتلئ؟ هم من شابهوا يوحنا في إيمانه وقداسته وينضمون إليه ليقول عنهم يوحنا نحن جميعًا، فمن يؤمن يرى ومن يرى يأخذ، والعكس فالعالم لا يقبل فلا يرى ولا يأخذ (يو17:14).

نعمة فوق نعمة= كل نعمة ننالها تنادي نعمة أخرى لنأخذها. كل نعمة تسلمنا لنعمة. إذًا النعمة في ازدياد. وكل بركة تُمْتَلَكْ تصير أساسًا لبركة أعظم. فمثلًا من ينال نعمة الإيمان ينال وراءها إيمانًا ينمو ويزداد وفي النهاية ينال نعمة الحياة الأبدية. وبهذا المفهوم فالتلاميذ الذين أطاعوا الناموس أخذوا فوق بركة العهد القديم نعمة اختيارهم ليكونوا كارزين بالعهد الجديد. ونحن بجهادنا نمتلئ نعمة فوق نعمة. فالله خلق الإنسان وهذه نعمة ثم أعطاه الناموس، والناموس نعمة (فصار هذا نعمة فوق نعمة، وهكذا نعمة فوق نعمة في كل عطايا الله). ومن أطاع الناموس عرف المسيح فآمن وحل عليه الروح القدس، فصار هذا نعمة فوق نعمة وهكذا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/00-1-Bible-Introductions/Mokademat-El-Engil__01-Chapter-11.html

تقصير الرابط:
tak.la/8zk2jv2