St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أسئلة حول الصليب - أ. حلمي القمص يعقوب

62- ما هو حُكم العقل والمنطق في هذه الروايات المختلفة المتضاربة الخاصة بإلقاء الشبه على المسيح وقت الآلام والصلب؟

 

س48: ما هو حُكم العقل والمنطق في هذه الروايات المختلفة المتضاربة؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: لقد أثارت هذه الروايات المتضاربة ليس تساؤلات الكُتّاب والمفكرين المسيحيين فقط بل والمسلمين أيضًا، وفيما يلي نعرض باختصار لهذه التساؤلات، مسجلين عشرين اعتراضًا على هذه الروايات المتضاربة.

 

1- رأى الإمام فخر الدين الرازي، وهو من أجمل وأعمق الآراء في موضوع إلقاء شبه السيد المسيح على شخص آخَر فيقول: "من مباحث هذه الآية موضوع مشكل، وهو أن نص القرآن دل على أنه تعالى حين رفعه ألقى بشبهه على غيره، على ما قال: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم"، والأخبار أيضًا واردة بذلك. إلاَّ إن الروايات اختلفت، فتارة يُروى أن اللَّه تعالى ألقى شبهه على بعض الأعداء الذين دلوا اليهود على مكانه حتى قتلوه وصلبوه. وتارة يُروى أنه رغب بعض خواص أصحابه في أن يلقى شبهه حتى يُقتَل مكانه، وبالجملة فكيفما كان، ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات:

 الإشكال الأول: إن جاز أن يُقال أن اللَّه تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخَر، فهذا يفتح باب السفسطة، فإني إن رأيت ولدي ثم رأيته ثانيًا فحينئذٍ أجوز أن يكون هذا الذي رأيته ثانيًا ليس بولدي بل هو إنسان أُلقي شبهه عليه. وحينئذٍ يرتفع الأمان على المحسوسات، وأيضًا فالصحابة الذي رأوا محمدًا (صلعم) يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوا أنه محمد لاحتمال أنه أُلقي شبهه على غيره. وذلك يفضي إلى سقوط الشرائع وأيضًا فمدار الأمر في الأخبار المتواترة وعلى أن يكون المخبّر الأول إنما أخبر عن المحسوس، فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولى، وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخِره إبطال النبوات بالكلية.

 الإشكال الثاني: وهو أن اللَّه تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام بأن يكون معه في أكثـر الأحوال. هكذا قال المفسّرون في تفسير قوله: "إذ أيدتك بروح القدس" (المائدة 110) ثم أن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل كان يكفي العالم من البشر، فكيف لا يكفِ في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضًا أنه (المسيح) عليه السلام لمّا كان قادرًا على إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، فكيف لا يقدر على إماتة أولئك اليهود، الذين قصدوا بالسوء، وعلى اسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصيرون عاجزين عن التعرُّض له؟

 الأشكال الثالث: إنه تعالى كان قادرًا على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء، فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره إلاَّ إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟

St-Takla.org Image: Ancient Islamic calligraphy art, with animal drawing - The Louvre Museum (Musée du Louvre), Paris, France - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 11-12, 2014 صورة في موقع الأنبا تكلا: نقش إسلامي بارز بالخط العربي مع أشكال حيوانات - صور متحف اللوفر (اللوڤر)، باريس، فرنسا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 11-12 أكتوبر 2014

St-Takla.org Image: Ancient Islamic calligraphy art, with animal drawing - The Louvre Museum (Musée du Louvre), Paris, France - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 11-12, 2014

صورة في موقع الأنبا تكلا: نقش إسلامي بارز بالخط العربي مع أشكال حيوانات - صور متحف اللوفر (اللوڤر)، باريس، فرنسا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 11-12 أكتوبر 2014

 الإشكال الرابع: إنه ألقى شبهه على غيره. ثم أنه رُفِع بعد ذلك إلى السماء، فالقوم اعتقدوا أنه عيسى مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس وهذا لا يليق بحكمة اللَّه.

 الإشكال الخامس: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح عليه السلام، وغلوهم في أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مقتولًا مصلوبًا، فلو أنكرنا ذلك كان طعنًا في التواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوّة محمد (صلعم) ونبوّة عيسى، بل في وجودهما ووجود سائر الأنبياء وكل ذلك باطل.

 الإشكال السادس: إنه ثبت بالتواتر أن المصلوب بقيَ حيًّا زمانًا طويلًا، فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره لأظهر الجزع، ولقال: "إني لست بعيسى، بل إنما أنا غيره، ولبالغ في تعريف هذا المعنى، ولو ذكر ذلك لأشتُهِر عند الخلق هذا المعنى، فلمّا لم يوجد شيء من هذا علمنا أن الأمر ليس على ما ذكرتم. فهذا جملة ما في الوضع من تساؤلات" (التفسير الكبير 7: 70 ـ 71)(340).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2ـ يقول القمص سرجيوس: "فإن الإمام الفخر وهو من كبار مفسري القرآن قد أظهر حيرة ووجد إشكالًا في قوله: "شبّه لهم"، فتساءل قائلًا: "شبّه مُسنَد إلى ماذا؟ إن جعلته مسندًا إلى المسيح فهو مشبّه به وليس بمشبّه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر" (الفخر الرازي جـ 3 ص 340)، فالعبارة ملتبسة وغير واضحة، وما كان ملتبسًا وغير واضح لا يمكن أن تقوم عليه العقائد التي يتوقف عليها خلاص النفس أو إهلاكها. وليس من المعقول ولا من الحكمة في شيء أن يترك المسيحيون عقيدتهم الثابتة المؤيدة بأقطع الأدلة ويقبلون غيرها المبني على عبارة ملتبسة وردت في القرآن وتحيَّر منها أئمة المسلمين وكبار المفسرين"(341).

ويقول على الجوهري: "ولتكون فكرة الإسناد واضحة يا صاحبي دعني أُنشّط ذاكرتك لتفهـم بوضوح المقصود بالأسناد الذي يشير إليه الإمام الرازي. لو قلت (ضرب عمرو زيدًا) فالضرب مُسنَد وعمرو مُسنَد إليه، ولمّا كان فعل (شبه) في الآية في صيغة المبني للمجهول، وحسب نظرية إلقاء الشبه التي سبق أن أشرنا إليها وإلى فسادها لا بد من وجود الحيرة وعدم القدرة على الفهم... والسؤال بصيغة أخرى يمكن أن يُصاغ هكذا: (إذا كان أعداء المسيح حول الصليب، قد شبّه لهم، فماذا شبّه لهم بالضبط؟ هل شبّه لهم أنهم قتلوا شبيه المسيح على الصليب؟) وبذلك يكون الأمر قد اختلط عليهم مرتين لا مرة واحدة، اختلط عليهم الأمر في المرة الأولى إذ خُيّل إليهم وظنوا واحتاروا ولم يستطيعوا أن يقطعوا برأي فيما كانوا قد قتلوا شبيه المسيح أم قتلوا المسيح، والقول بنظرية إلقاء شبه المسيح على غيره لا يثبت لتمحيص بيننا كمسلمين، ولا يثبت لجدل بيننا وبين خصوم الإسلام"(342).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3ـ اعتقد على الجوهري بنظرية الإغماء كما رأينا من قبل، ولذلك قام بترجمة كتاب أحمد ديدات "مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء" والذي يؤكد أن الذي عُلِّق على الصليب هو السيد المسيح، ولكنه تعرّض للإغماء فقط ولم يمت، وبذلك يرفض علي الجوهري نظرية إلقاء الشبه قائلًا: "إن إلقاء شبه المسيح على شخص غير المسيح إنما هو نظرية قال بها المفسّرون، إنها رأي المفسّرين... ونظرية إلقاء الشبه غير مستساغة وغير معقولة لأسباب هامة كثيرة:

 أولًا: لا دليل عليها، ولتكون نظرية مستساغة ومقبولة ومعقولة يلزم أن يتوافر لها أدلّة على صحتها، ونظرية إلقاء شبه المسيح على شخص غيره لا ينهض دليل على صحتها، وتنهض أدلّة على عدم صحتها... لقد اضطر المفسرون المسلمون إلى القول بنظرية إلقاء الشبه إجابة وحيدة لسؤال فرض نفسه هو: إذا كان المسيح ما قتلوه وما صلبوه، فماذا حدث له؟ وكيف نجا من القتل والصلب؟.. (أخطر مناظرات العصر: هل مات المسيح على الصليب؟ مناظرة بين أحمد ديدات وكلويد كلارك ترجمة علي الجوهري. البشير للنشر والتوزيع ص 82 ـ 84).

 ثانيًا: لأن إنكار وضع المسيح على الصليب يتعارض مع شهادة شهود العيان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وشهادة شهود العيان في هذه الجزئية بالذات لا تشوبها شائبة تناقض أو خلاف بين الشهود. كل شهودهم مجمعون عليها... في مسألة القبض على المسيح ووضعه على الصليب يستحيل بحق إهدار شهادة شهود العيان، وكذلك وقائع محاكمة المسيح أمام السنهدريم وأمام الحاكم الروماني بيلاطس. قبضوا عليه وحاكموه، ووضعوه على الصليب. وشهد بذلك عشرات بل مئات من شهود العيان، ولا تناقض في شهادة شهود العيان بهذا الصدد يمكن التعويل عليه في رفض محتوى شهادتهم...

 والقبض على المسيح ووضعه على الصليب من المسائل التي لا يجوز إهدار شهادة الشهود بشأنها. والحق يُقال بأي حال من الأحوال. إنهم مجمعون عليها، ولا تناقض داخلي بشأنها، والحق يُقال أيضًا ولا ينبغي كمسلمين أن نجادل بالباطل أبدًا. إن اللَّه سبحانه وتعالى يأمرنا بذلك... لأن التمسُّك... بإنكار وضع المسيح على الصليب يُعرّض مصداقية القرآن الكريم ذاتها للخطر... إن مَثَل مَن يعارضون أن يكون أعداء المسيح قد وضعوه فعلًا على الصليب كمثل شخص حضر حفل زفاف صديق، وأثناء الحفل وقعت حادثة قتل أُتهم فيها هذا الشخص، وعندما يتم سؤال هذا الشخص: هل حضرت حفل زفاف صديقك أم لا؟ يقول لا، أنا لم أحضر حفل زفاف صديقي. وإذا شهد شاهدان على أنه كان يجلس بينهما في ذلك الحفل نجد أن إنكار ذلك الشخص حضوره الحفل يسيء إلى موقفه في التحقيق ولا يفيده" (المرجع السابق ص 85 ـ 87).

 ثالثًا: إن نظرية إلقاء الشبه وردت في إنجيل برنابا وهذا هو الدليل الثالث على فسادها وعدم صحتها، إن الاحتجاج بورود هذه النظرية في إنجيل برنابا يكشف قبل أي شيء على أن هذه النظرية ليست من بنات أفكار أي مُفسّر مسلم، بل هي فكرة مسيحية... ولا يصح لنا كمسلمين أن نُقيم عقائدنا على أساس من نصوص إنجيل برنابا الذي لا يعترف النصارى به".

 رابعًا: عدم قدرة أي مفسّر من القائلين بهذه النظرية على تحديد الشخص الذي أُلقي عليه شبه المسيح. يقول بعضهم ـ وراجع ما شئت من تفسير موجز أو مطول ـ إن اللَّه ألقى شبه سيدنا عيسى على يهوذا، ويقول بعضهم: إن اللَّه ألقى شبه سيدنا عيسى على واحد من أتباعه تطوع لتحمُّل هذا المصير بدلًا من المسيح بعد أن وعده المسيح أن تكون له الجنة دون تحديد لهذا الشخص بشيء سوى أنه واحد من أتباعه. ويقول بعضهم: إنه واحد من حراس المسيح.

 ويلزم تحديد شخص واحد بعينه ألقى اللَّه عليه شبه سيدنا عيسى، وعدم تحديد شخص واحد بعينه يفسد هذا الإدعاء تمامًا من الناحية الشكلية البحتة، ولو مات رجل قتيلًا إثر طعنة سكين، ويريد أحد أن يدافع عن أحد المتهمين بأن شخصًا آخَر غير المتهم هو الذي طعنه بالسكين، لوجب عليه أن يحدد من هو هذا الشخص تحديدًا قاطعًا، ولو تعددت الاحتمالات لأفضى ذلك إلى عدم تحديد القاتل وكان ذلك من مصلحة المتهمين جميعًا مهما كان عددهم كبيرًا.

 ولا ريب أن تضارب آراء المفسرين على هذا النحو بصدد رأيهم ونظريتهم القائلة بإلقاء شبه المسيح على شخص آخَر غير المسيح يضعف من نظريتهم هذه إلى حد الانهيار (المرجع السابق ص 92، 93).

 خامسًا: إن أي مفسّر لا يستطيع أن يقول أو يدعي أنه شاهد شبه المسيح يلقيه اللَّه سبحانه وتعالى على شخص آخَر، ولو زعم أحدهم هذا الزعم لكان زعمه باطلًا بطبيعة الحال. ويزداد هذا الزعم ضعفًا وانهيارًا لو لم يملك من يزعمه أي دليل على صحته (المرجع السابق ص 99).

 سادسًا: ضمائر الغائب الكثيرة الموجود في الآية:

 ما شأن ضمائر الغائب الكثيرة الموجودة بالآية الكريمة؟ وكيف تدل على خطأ المفسرين في القول بنظرية إلقاء شبه المسيح على شخص آخَر غير المسيح؟

 إن ضمائر الغائب المفـرد لا بد من إرجاعها إلى شخص تعود عليه ضمائـر الغائب. والمعقولية شرط لصحة إرجاع ضمير الغائب إلى من يُفترض رجوع ضمير الغائب إليه، وقد اختلف المفسرون الإسلاميون بشأنه اختلافًا كبيرًا، ولم يصب أحدهم الرأي الصواب في إرجاع هذه الضمائر إلى من تعود عليه بشكل قاطع حتى الآن، أنهم جميعًا يرجحون إرجاع ضمير الغائب إلى المسيح في قول اللَّه سبحانه وتعالى: "وما قتلوه وما صلبوه" صحيح تمامًا ولكن الاستمرار في إرجاع ضمير الغائب إلى المسيح في بقية الآية الكريمة خطأ وغير مقبول، ويربك المعنى الصحيح للآية الكريمة...

 هل اختلفوا في أن الشخص الذي حاكموه وقبضوا عليه هو المسيح وهو شخص آخَر؟ هذا احتمال ضعيف جدًا وبالغ الضعف وعديم المعقولية. ويلزم أن يكون الرأي السليم سليمًا في نظر كل الناس وليس في نظر المسلمين وحدهم... إن أعداء المسيح لو كانوا قد اختلفوا بشأن شخص المسيح وهل هو الشخص الذي حاكموه وقبضوا عليه ووضعوه على الصليب لكان الأقرب إلى المعقولية أن يتحروا ويدقّقوا ويحقّقوا هذه المسألة كل التحري والتدقيق والتحقيق. وليس من المعقول طبعًا أن يكون هدف أعداء المسيح هو قتل المسيح صلبًا ثم يقبلون بسهولة وبساطة وسذاجة أن يقتلوا ويصلبوا شخصًا آخر غيره. لو اختلفوا في شخص المسيح لكان الأقرب إلى الصواب والمعقولية أن يوقفوا إجراءات تنفيذ الحكم ليتحقَّقوا من شخص الإنسان الذي يقومون بتنفيذ الحكم عليه. وهذا التحقُّق سهل ميسور لهم. وليس هناك أسهل من أن يحاوروا ويناقشوا الشخص الموجود بين أيديهم ليكتشفوا حقيقته، خصوصًا أن اليهود لم يعمدوا إلى قتل المسيح غيلة، بل أنهم استصدروا حكمًا بقتله صلبًا من الحاكم الروماني بيلاطس...

 إن مصلحتهم تفرض عليهم ذلك، أنهم يريدون قتل وصلب شخص معين وليس قتل وصلب أي شخص آخَر غيره (المرجع السابق ص 94 ـ 96).

 "يقول اللَّه سبحانه وتعالى: (ما لهم به من علم).. قال المفسرون: إن ضمير الغائب هنا يعود على المسيح، ما لهم به من علم، هل هذا معقول؟ كيف يكون شهود العيان الموجودين حول الصليب الذي صُلِب عليه المسيح ما لهم بالمسيح من علم؟ هل يكون المفسرون المسلمون الذين لم تطأ قدم أحدهم في الغالب الأعم مكان الصليب، أعلم بالمسيح، وبما لو كان هو الشخص الموجود على الصليب من كانوا شهود عيان لهذا الحدث التاريخي العظيم؟ لقد مضت قرون وقرون بين الزمان الذي وُلِد فيه أولئـك المفسرون وبيـن وقت هـذا الحـدث العظيـم.." (المرجع السابق ص 99 ـ 101)(343).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 4ـ إنني تخيلت هذه المناقشة بين الفتى يوستين وصديقه هيثم الغير مسيحي، حيث أخذ هيثم يوجّه نظر يوستين إلى خطأ الاعتقاد بصلب السيد المسيح...

هيثم: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم".

يوستين: ما معنى شُبّه لهم؟

هيثم: عندما أقبل اليهود ومعهم يهوذا للقبض على سيدنا عيسى أسقط اللَّه سبحانه وتعالى، وهو على كل شيء قدير شبه سيدنا عيسى على يهوذا الخائن، فقبضوا عليه وصلبوه. أما سيدنا عيسى عليه السلام فقد رفعه اللَّه سبحانه وتعالى إلى السماء.

يوستين: من أين أتيت بِاسم يهوذا؟ هل من القرآن؟

هيثم: القرآن لم يذكر اسم الشخص الذي سقط عليه شبه عيسى، ولكن كبار المفسّرين قالوا يهوذا.

يوستين: نعم بعض المفسّرين قالوا يهوذا، ولكن آخرون قالوا واحد من أتباع المسيح قد تطوَّع ليموت بدلًا منه، وقال البعض سرجس، والبعض تيطايوس، والبعض رجل ينافقه، والبعض قال لعله يكون شيطانًا... إلخ. فمن منهم نصدّق؟ ومن منهم نكذّب؟..

هيثم: ليس المهم من هو الشخص الذي وقع عليه الشبه، ولكن المهم أن هذه حقيقة قد حدثت وذكرها القرآن.

يوستين: ليكن هذا اعتقادك مع أنه يخالفك فيه بعض المسلمين مثل: علي الجوهري وغيره... ثم ما رأيك: هل مات السيد المسيح ورُفِعت روحه إلى السماء، أم رُفِع روحًا وجسدًا ولم يمت؟

هيثم: قد يكون هذا وقد يكون ذاك واللَّه أعلم.

يوستين: إن كنت لا أنت ولا كبار المفسّرين يقدرون أن يحددوا لا الشخص الذي وقع عليه الشبه، ولا الحالة التي رُفِع بها السيد المسيح إن كان روحًا فقط أو روحًا وجسدًا، ولا المكان الذي وقعت فيه الحادثة هل هو بيته أو بيت أحد أصدقائه أو البستان، ولا الوقت الذي حدثت فيه الحادثة إن كان عصرًا أم ليلًا... إلخ فهل تريد مني أن أُسلّم بصحة قضيتك هذه؟‍‍‍‍

 ثم دعني أسألك سؤالًا: هل التلاميذ عرفوا أن الذي صُلِب هو يهوذا الخائن وليس السيد المسيح؟

هيثم: ربما يكونوا قد عرفوا هذه الحقيقة، ولكنهم لم يريدوا أن يعلنوا فشل رسالتهم، فنادوا بأن المسيح قد صُلِب، وقد يكون الأمر قد ألتبس على التلاميذ فظنوا أن الذي صُلِب هو المسيح.

يوستين: أولًا: لو كان التلاميذ يعلمون أن الذي صُلِب هو يهوذا وبشروا بيسوع المصلوب لكانوا مخادعين، ويمكن للمخادع أن يخدع الآخرين، ولكن من المستحيل أن يدفع حياته ثمنًا لخدعة أو أكذوبة من اختراعه... انظر كم تحمّل التلاميذ جميعهم مشقات رهيبة في السفر من قارة إلى أخرى عبر طرق غير ممهدة، واحتمال آلام الضرب، والسجن، والحرق، والصلب وتقطيع الأعضاء... إلخ، ورغم هذا ظلوا ثابتين ولم يرتد أحدهم عن كرازته بيسوع المصلوب وموته وقيامته...

 ويقول الأستاذ محمد عطا: "رُجِم استفانوس بالحجارة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وكان من كبار المسيحيين الممتلئين إيمانًا وحماسة، وقُتِل يعقوب أخو يوحنا. كما صُلِب بطرس وبولس في عام واحد سنة 64م في عهد نيرون الطاغية. إن استشهاد الأعم الأغلب من هؤلاء الحواريين كان أكبر دفعة لانتشار المسيحية، فقد ضربوا أروع الأمثلة في التضحية وإنكار الذات كما أنهم في حياتهم عاشوا وفق مبادئهم غير حافلين بالنفي أو السجن أو الجَلد. واستطاعوا بصبرهم وجلدهم أن يضموا للدعوة جنودًا أوفياء تخلَّقوا بأخلاقهم وساروا على منوالهم وتشرّبوا بآرائهم وصُبغوا بصبغتهم، فإذا قوة القياصرة تنهار أمام إيمانهم وتتداعى أمام صلابتهم. هؤلاء الجنود الذين يطلق عليهم لقب (الآباء)"(344).

ثانيًا: لو كان الأمر قد التبس على التلاميذ، فظنوا أن الذي صُلِب هو السيد المسيح بينما المصلوب كان يهوذا... فمن هو المسئول عن هذا؟ مَن هو الذي أوقعهم في هذا الالتباس؟ بلا شك أنه اللَّه ـ وحاشا للَّه هذا ـ لأنه رفع السيد المسيح سرًّا، وأوقع شبهه على شخص آخر سرًّا أيضًا... وما هي النتيجة؟

 النتيجة أن ملايين من البشر آمنوا بيسوع المصلوب بينما كان المصلوب يهوذا. إذًا إيمانهم هذا باطل، ومن هو إيمانه باطل فمصيره بلا شك الجحيم وبئس المصير... فهل اللَّه إله سادي يفرح ويسر بعذاب البشرية أم أنه هو الآب الحنون الـذي يشاء أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، وهو الذي قال: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28)؟ ‍

 

 ثم هل نجد إجابات لمثل هذه التساؤلات:

س1: إن كان السيد المسيح أقام الموتى ألم يكن في مقدوره إماتة الأحياء من اليهود الذين جاءوا للقبض عليه وهذا أمر أسهل وأيسر؟!‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍... ألم يكن في مقدرته أن يضربهم بالعمى كما فعل أليشع نبي اللَّه من قبل؟‍!.. ألم يكن قادرًا على التفاهم معهم والكف عن إعلان نفسه أنه ابن اللَّه والكف عن مهاجمة قادتهم حتى يرضوا عنه..؟! أليس في مقدوره أن يشق طريقه وسطهم وينصرف عنهم كما فعل قبل ذلك؟!‍‍‍‍‍‍

س2: لماذا ‍‍لم يرفع اللَّه السيد المسيح عيانًا جهارًا ليعرف الجميع الحقيقة ولا يلقي بهم في الجهل والتلبس لمئات السنين؟ ما الداعي لمعجزة لم يراها أحد؟‍!

س3: إن كان السيد المسيح قد نجى من الموت بالرَّفع، فما الداعي لإلقاء شبهه على آخَر تلك الخدعة الكبرى التي أضلت الملايين؟‍!

س4: لو الشبه سَقَط على إنسان آخَر واقتادوه للمحاكمات والجلدات ووخز الأشواك والضرب والاستهزاء والصلب... أما كان يحتج ويصرخ ويصيح، أنه ليس هو المسيح كما يظنونه؟‍!

س5: ما ذنب الرسل الأطهار وكل المسيحيين الذين سقطوا في الخدعة الكبرى التي صنعها اللَّه ـ وحاشا للَّه هذا؟

س6: لماذا صَمَت اللَّه مئات السنين حتى يعلن الحقيقة؟

س7: لو كان صلب المسيح خدعة، فكيف نجحت المسيحية وقوضت أركان أعظم إمبراطورية حينذاك وهي الإمبراطورية الرومانية؟!‍ وكيـف انتصـرت على أعظم فلسفـة وهي الفلسفة اليونانيـة؟! وكيـف قضت علـى عبادة الأوثان؟!.. إلخ

س8: لو كان إيمان الرسل ومَن جاء من بعدهم إيمان باطل فكيف أيدهم اللَّه وما زال يؤيد كنيسته بالمعجزات الباهرات التي تمجد اسم الإله المصلوب؟!‍

س9: لو كان الصليب إهانةً وعارًا وتحقيرًا للسيد المسيح، فلماذا لم يخلّصه اللَّه منه بطريقة واضحة، حتى لا يظل هذا العار وذاك الخزي لاحقًا بِاسمه المبارك، وجميع المسيحيين ما زالوا يؤمنون بيسوع المصلوب إلهًا وفاديًا للبشرية.

 

 أخيرًا... اسمح لي أن أضرب لك مثلًا يشبه قولك هذا... افترض أن سلمون وعائلته اجتمعوا على يشوع وقتلوه، ولم يقتلوه في مكان خفي أو سرًا، ولكنهم أمسكوه في زحام السوق وظلوا يعذبونه لساعات طويلة، وهو اعترف خلال هذه العذابات أكثر من مرّة أنه يشوع، وكان ليشوع هذا شأنًا عظيمًا مما لفت أنظار الآلاف إلى ما يحدث له، وأخيرًا صلبوه على ربوة عالية، واحتاطت به الجموع، وجلس سلمون وعائلته يحرسونه هناك، وشاهد هذا المشهد المريع كل سكان المدينة التي كانت في احتفالات شهيرة وقد أقبلت الوفود من جميع أنحاء العالم لتشارك في هذه الاحتفالات، وبسبب عِظم شخصية يشوع فإن صلبه أثار ضجة كبرى، وكتبت الصحف والجرائد قصته ونشرت أخبار صلبه بالتفصيل وبشهادة شهود كثيرين من أحبائه ومن الذين ناصبوه العداء، وشهد المئات أمام القاضي بأن سلمون وعائلته صلبوا يشوع وشهروا به، وصدر حكم القاضي العادل بمعاقبة سلمون وعائلته، وافترض يا صديقي أنه بعد هذه الحادثة بمئات السنين جاء مَن يقول أن الذي قُتِل ليس هو يشوع إنما شخص آخَر وقع عليه شبه يشوع، فتسأله: مَن هو المصلوب؟ إما أنه لا يجيب أو يجيب إجابات عديدة متضاربة... هل تقدر أن تصدّقه، وتُكذّب كل شهود العيان الذين أجمعوا على صحة الحادثة بكل تفصيلاتها؟‍!

 وبعد هذه المناقشة البسيطة بين هيثم ويوستين، دعنا يا صديقي نعود إلى استكمال تساؤلاتنا:

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5ـ أين ذُكِرت معجزة مسخ الناس إلى قردة وخنازير؟! ويقول القمص سرجيوس "أنها لخرافة يعزونها إلى المسيح بل هي افتراء على مبادئه السامية حين ينسبون إليه معجزة مسخ الناس المخلوقين على صورة اللَّه ومثاله إلى قردة وخنازير لأنهم سبُّوه وأمه، وهذه الخرافة تخالف القرآن والإنجيل معًا، فلقد ذكر القرآن عجائب المسيح ومعجزاته الباهرة فلم ترد هذه الخرافة ضمن معجزاته... فلو أن لهذه الخرافة وجودًا لكان قد ذكرها القرآن... ومحال أن ينسب القرآن هذه الخرافة إلى المسيح لأن القرآن اعترف بأن المسيح رحمة لا نقمة وديع هادئ وليس قاسيًا جبارًا، فقد جاء في (سورة مريم) قوله عن المسيح: "ولنجعلنه آية للناس ورحمة منا وكان أمرًا مقضيًا... ولم يجعلني جبارًا شقيًا".. أما الإنجيل فيبرأ من هذه الخرافة لأن ما ورد فيه يُعبّر عن شعور المسيح الرقيق وعطفه الفائق على الناس وصفحه العجيب عن المسيئين إليه ومعاملته الوادعة لأعدائه... ولمَّا علقوه على الصليب وأذاقوه العذاب ألوانًا صلَّى لأجلهم قائلًا: "يا أبتاه، اغفِر لهم، لأنهم لا يعلَمون ماذا يفعَلون" (لو 23: 34) فجميع أعمال المسيح وعجائبه كانت لخير الإنسانية وتقدمها وصلاحها لأنه جاء من السماء لهذا الغرض... والعقل لا يسلّم بأن مَن كان هذا موقفه بإزاء البشرية وعطفه عليها أن يزيدها شقاء فوق شقائها فيمسخ من يسبَّه منهم إلى قردة وخنازير، وقد شهد له أهل زمانه "إنه عَمِلَ كـل شيء حسنًا! جَعَـل الصُّـمَّ يسمَعُـون والخُـرس يتكلّمـون" (مر 7: 37).. "(345).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6ـ إن كان اللَّه قد أخبر السيد المسيح بأنه سينجيه، فما الدّاعي لإلقاء الشبه على آخَر، ويقول القمص سرجيوس: "لأنه إذا كان اللَّه تعالى قد أخبر المسيح بأنه سينجيه من اليهود بأن يرفعه إلى السماء حيًّا فما الداعي لأن يلجأ المسيح إلى طريقة الغش والخداع ويُعرّض حياة أحد أتباعه للموت عوضًا عنه بلا داع، فضلًا عن ظهوره بمظهر حب الذات والأنانية التي لا مبرر لها، فيقول لأحد أصحابه: أيكم يرضى أن يُلقى عليه شبهي فيُقتل عني ويموت؟ وفي هذا ما فيه من إتهام للمسيح بأنه لم يثق في وعد اللَّه له بأنه سيرفعه إلى السماء حيًّا وينجيه من اليهود، وبأنه شكّ في كون اللَّه تعالى ينجز هذا الوعد، وأن قلبه لم يطمئن لهذا الوعد وخاف أن يتخلى اللَّه عنه فعمد إلى طريقة الغش والخداع وأعدّ أحد أصحابه ليموت عنه عند اللزوم فيما لو تخلّى عنه. بل وفي هذا القول أخطر إتهام للمسيح لأنه بذلك يكون قد تخلّى عن المهمة العظمى التي جاء إليها على الأرض وهي أن يموت بالنيابة عن الجنس البشري ليفتدي الناس ويخلّصهم من موت الخطية"(346).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7ـ هل يمكن للراعي الصالـح الذي قال: "وأنا أضَعُ نفسي عن الخِراف" (يو 10: 15) أن يضحّي بأحد تلاميذه ليعيش هو؟!.. يقول القمص سرجيوس: "إن طلب المسيح من أحد أتباعه أن يموت عوضًا عنه لا يتفق مع صفات المسيح المضحّي، ولا مع الواقع الذي سجّله الإنجيـل عـن المسيح ليلة تسليمه إذ يقول: "فخَرَج يسوع وهو عالِمٌ بكُلّ ما يأتي عليه، وقال لهم (للذين أتوا لإلقاء القبض عليه) مَن تطلبون؟.. قد قُلت لكم: إني أنا هو. فإن كُنتم تطلبُونني فدَعوا هؤلاء يذهبُون ليتمَّ القول الذي قاله: إن الذين أعطيتَني لم أُهلِك منهم أحدًا" (يو 18: 4 ـ 9).

 فالذي واجه الأعداء بشجاعة معدومة النظير، وكانت الفرصة سانحة للهرب عندما سقطوا على وجوههم أمامه، والذي طلب إلى أعدائه أن يتركوا تلاميذه فلا يقبضوا عليهم معه بل يأخذونه وحده لا يُصدّق عليه ما افترى به عليه... من إنه طلب من أحد أتباعه أن يموت بدلًا عنه"(347).

 وقال القمص إبراهيم جبره إن أصحاب هذا الرأي قد "ألصقوا بالمسيح له المجد ـ لو صح هذا القول ـ حب الذات والأنانية والنذالة والهروب من المسئولية ‍وهى الصفات التي تبرأ منها السيد المسيح بما عرفناه عنه في حياته وأعماله... فهل تتفق شريعة الحب والضمير مع الفرار من الموت الذي جاء من أجله؟ ومع الإيقاع بشخص بريء لا ذنب له إلاَّ إن اللَّه ومسيحه تآمروا عليه وأوقعا شبه المسيح على وجهه فأمسكوه وصلبوه. إن حياة المسيح التي كلها حب وتضحية وبذل بالقول والعمل لا نتصوَّر أن يختمها بهذه الصورة المُشينة، ويزج بإنسان بريء ليُصلب عنه، وهو الذي قال: "لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُهلِك أنفُس الناس، بل ليُخلّص" (لو 9: 56)"(348).

 نحن لا نؤمن بمسيح هارب من الموت وقد اختفى، ولا نؤمن بمسيح مدفون تحت الثرى وقد انتهى، لكننا نؤمن بمسيح مات لأجلنا وقام وأقامنا معه، وهو يعلن ذاته لكل من يؤمن به "لا تَخَف، أنا هو الأوّل والآخِر، والحي. وكُنت ميتًا، وها أنا حَيٌّ إلى أبد الآبدين" (رؤ 1: 17، 18).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

8 ـ عندما أراد اللَّه أن يرفع السيد المسيح لماذا لم يرفعه عيانًا جهارًا حتى لا يُسقِط البشرية في الجهل والتلبُّس والضلال؟ وما الدّاعي لمعجزة لم يبصرها أحد ولم يشعر بها أحد؟! أليس كان من الأفضل جدًا أن اللَّه يرفع السيد المسيح أمام الجميع فيعرفون الحقيقة ويؤمنون بها، كما رفع من قبل أخنوخ، ورفع إيليا أمام تلميذه أليشع؟! هذا هو أسلوب اللَّه "الشغل على المكشوف" لأن "اللَّه نورٌ وليس فيه ظُلمَةٌ البتَّة" (1يو 1: 5) أما أسلوب اللف والدوران والخداع فلا يناسب اللَّه على الإطلاق. حقًا إن معجزة إلقاء الشبه على إنسان آخَر ورفع المسيح سرًا لا تليق أبدًا بعظمة اللَّه وجلاله وصدقه، لأنها تنتهي إلى إلقاء البشرية في ضلالة عظيمة صانعها هو اللَّه، وحاشا للَّه من هذا الضلال المبين.

 ويقول القمص إبراهيم جبره: "بادئ ذي بدء أسأل هؤلاء المتقولين، كيف يقبل شخص لديه ذرة من الدين أيًّا كان هذا الدين، أن ينسب إلى اللَّه هذه الألاعيب الصبيانية، واشتراكه في هذا الغش والخداع والتضليل، وتنفيذ مؤامرة يفلت بها يسوع ويختفي من بين الجموع، ويُوقِع برجل بريء، يذيقه مرارة العذاب، ويُصلَب ويموت دون ذنب أو جريرة إلاَّ لأنهم ظنوه يسوع فأمسكوه وصلبوه، أو لأن اللَّه ألقى عليه شبه يسوع فساقوه إلى الموت ظلمًا وغدرًا، أو لأن اللَّه أسكته وارتج عليه ومن هول الصدمة انعقد لسانه، فلم يدافع عن نفسه ويظهر براءته... لماذا يلجأ اللَّه إلى هذه الطريقة؟ ألم يكن في مقدوره أن يخص المسيح بمعجزة تبدو أمام العيان وأمام الشهود تمجيدًا لأسمه ودليلًا على قدرته في مواجهة غدر الناس، بدل هذا التحايل المخزي وبدل ظلم إنسان بريء"(349).

ويقول الشماس يسى منصور: "وإن كان اللَّه يقصد كزعم بعضهم أن يخلص المسيح من الصلب لكان بالأولى خلَّصه بمعجزة ظاهرة قاهرة ونجّاه من أيدي اليهود مُظهِرًا عدم مقدرتهم على إيصال الأذى إليه، ولكن المعجزة التي يتوهَّم بعض المسلمين إتمامها لتخليص المسيح لم تفد الفائدة المطلوبة عما فيها من غش، الذي لا يمكن صدوره من اللَّه لأنها لم تُظهِر لليهود قدرته وعجزهم.

 وإذا كان اللَّه رأى أن الصليب مُخلٍ بشرفه الأقدس أفيعقل أنه عمل معجزة تُظهِر احتقاره فعلًا، مع أنه رفع المسيح إليه كي ينفي ذلك الاحتقار المزعوم"(350) ويقول القمص سرجيوس: "وإذا كان اللَّه يريد أن يخلِّص المسيح من الصلب فلماذا لم يُخلِّصه بمعجزة ظاهرة للعيان ويرفعه أمام عيون اليهود وحُكّام الرومان، وما الحكمة من هذه المعجزة الفطيس التي يُستعمَل فيها الغش، ويُظلَم فيها الشخص الذي وقع شبه المسيح عليه فأُخذ وصُلِب بدلًا عنه؟ وما المعجزات إلاَّ بينات لإقناع الناس! وإذا كان اللَّه قد رأى أن الصلب مهين ومُحقِّر لشخص المسيح روح اللَّه وكلمته كما يقولون فهل يُعقل أن اللَّه يعمل معجزة خلاص المسيح من الصليب بطريقة خفية لا يشعر بها الناس ولا رأوا المسيح وهو مرفوع وبقى الناس في اعتقادهم بأن المسيح صُلِب كأحقر الناس، ولا يزال العار لاحقًا به لأنه لا يزال العالم يؤمن بأن المسيح مات مصلوبًا؟"(351).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

9ـ لو أن اللَّه رفع المسيح سرًا، وسقطت البشرية في الجهل والضلال والتلبُّس هل كان اللَّه يصمت لمدة ستة قرون ثم يتكلّم أخيرًا بكلام مُبهَم، إذ جاء من يُخبر الناس بما لا يعلمون وبما لم يفكروا فيه قط... وما هو الخبر الجديد؟ إن المسيح لم يُصلَب...

 حسنًا... إذًا أنت تعترف بحادثة الصلب ولكن الخلاف في شخصية المصلوب، فإن لم يكن المصلوب هو المسيح فمن هو إذًا؟..

 شخص آخَر قد يكون من أحد أتباعه، أو أحد المنافقين، أو يهوذا، أو سرجس، أو تيطايوس، أو الشيطان... إلخ.

 أخيرًا تكلّم اللَّه وقال إن السيد المسيح لم يُصلَب... إنها خدعة... خدعة إلهية ـ وحاشا للَّه من هذا ـ ألا ترى يا صديقي أن مثل هذه الاتهامات للَّه تدخل في باب التجديف على اسمه المبارك؟‍‍‍‍

 ويقول القمص سرجيوس: "أين كان اللَّه مدة هذه القرون الستة التي بين مجيء المسيح ومحمد؟ هل كان نائمًا فاستيقظ، أو في غيبة فحضر، أو في سهو فتذكَّر، حتى أرسل محمدًا بعد ستة قرون يستدرك خطأ أوقع تعالى فيه الناس يوم خدع بصائرهم وغش عيونهم حين رفع المسيح سرًّا بعد أن أوقع شبهه على غيره فصلبوه ومات والناس يعتقدون أن المسيح هو الذي مات؟ وهل يعاقب اللَّه تعالى الناس الذين عاشوا قبل محمد وماتوا وهم يعتقدون أن المسيح مات مصلوبًا؟ وهل يقول لهم تعالى يوم القيامة: اذهبوا أيها الكفار إلى مثواكم النار لأنكم ممن يعتقدون بأن المسيح صلب ومات وهو لم يمت حقيقة بل شُبّه لهم؟ وهل يقول الملاحدة والكفار متهكمين: إن الذنب ليس ذنب الذين اعتقدوا بموت المسيح إنما الذنب ذنب مَن غش الناس وأوقع شبه المسيح على غيره وأمّا هو فرفعه حيًّا في السر بطريقة خفية؟

 وهل يليق بعدل اللَّه أن يطرحهم في اليـم مكتوفين ويقول لهم احذروا البلل؟ وإذا قلتم أنه تعالى سامحهم على اعتقادهم بموت المسيح وصلبه لأنهم رأوا وسمعوا أنه مات وذلك بشهادة الرسل المقدّسين الذين صنعوا أمامهم الآيات والمعجزات الباهرة... فهل يسامح أيضًا المسيحيين الذين لا يزالون إلى هذا اليوم يعتقدون أن المسيح صُلِب ومات وقام وصعد بعد ذلك إلى السماء. لأن عذرهم كعذر المسيحيين الذين كانوا قبل زمن محمد؟"(352)..

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

10ـ هل يمكن أن يكون صلب المسيح مجرّد إشاعة؟‍... يقول القمص سرجيوس: "وأمَّا قولهم بأنه أرجف بموته فأشيع بين الناس فهذا رأي يسفّهه المسلمون أنفسهم... إن مثل هذا الرأي لو أُخِذ به لفتح الباب على مصراعيه للقدح في عقائد المسلمين أنفسهم... لأنه إن جاز القول بأن منشأ عقيدة المسيحيين في صلب المسيح وانتشارها بين بيئات الملايين في كل أنحاء المعمورة كان من قبيل الأراجيف والإشاعات، فيجوز أيضًا القول بأن محمدًا لم يوجد فعلًا ويقينًا ولا تنبأ فعلًا ويقينًا ولا هاجر يقينًا ولا حارب ولا فتح يقينًا ولا جاء بقرآن يقينًا، إنما أرجف بوجود نبي يدعى محمد فشاع بين الناس وأصبحت الإشاعة عقيدة وآمن بها ملايين الناس"(353).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

‍‍‍11ـ ردًا على القائلين بخوف وجزع السيد المسيح من لحظات الموت... نقول: كيف يفزع ويهرب من كان يهزم الموت بكلمة واحدة من فيه المبارك؟‍... وهل الذي أقام الأموات وقهر الموت يخشى ويفزع منه إلى هذه الدرجة؟‍... وهل يخاف الذي أوصى تلاميذه قائلًا: "لا تخَافُوا من الذين يقتُلون الجَسَد" (مت 10: 28)؟‍... وإن كان كثيرون من الشجعان يلقون بأنفسهم أمام الموت بقلب ثابت، وأكبر شاهد على هذا أبطال فلسطين في أيامنا الحاضرة، فهل السيد المسيح القدوس الكامل القوي الجبّار يهاب الموت بهذه الصورة ؟‍... كلاَّ... لم يكن مسيحنا قط رعديدًا إنما كان شجاعًا جبارًا له قلب الأسد الخارج من سبط يهوذا، ولو أنه كان يخشى الموت ما كان يعلن أنه ابن اللَّه معادلًا نفسه باللَّه، ولو كان يخشى الموت ما كان هاجم القيادات اليهودية، ولكان يحفظ السبت بالطريقة التي تريحهم، وعندئذٍ كانوا سيرفعونه ويمتدحونه ويعتبرونه بطلًا قوميًا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

12ـ ردًا على القائليـن بأن الشبه وقع على وجه الضحية دون الجسد... نقول: ومن له القدرة على التمييز بين عدة أشخاص متماثلين في أجسادهم لو أخفينا وجوههم؟‍ في الجرائم التي ينشر أصحابها في الصحف يضعون علامة سوداء على أعينهم حتى يصعب التعرُّف عليهم، لأنه عند اختفاء العينين يصعب التعرُّف على الشخص، فكم وكم لو أخفينا الوجه كله؟‍ لعل الذي روى هذه الرواية كان متأثرًا بما سمعه عن أبي الهول ذو الوجه الإنساني والجسم الحيواني، أو بعض الآلهة الهندوسية التي هي خليط بين الإنسان والثعابين أو الحيوانات.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

13ـ ردًا على القائلين أن واحدًا من أتباع المسيح المخلصين تطوَّع أن يُلقى عليه شبه المسيح ويُصلَب عوضًا عنه... نقول: وما اسم هذا الحواري؟ ألاَّ يستحق هذا الحواري الشجاع النبيل أن يدوَّن أسمه في التاريخ؟ وإن كنا نقبل فكرة الإنابة فلماذا نرفض إنابة السيد المسيح عن البشرية جمعاء وموته المحيي من أجل حياة العالم؟‍ ثم هل تظن أن السيد المسيح الكامل القدوس يدفع هذا الإنسان إلى خطية الكذب إذ يعلن للحضور أنه عيسى وهو ليس بعيسى؟‍

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

14ـ ردًا على القائلين بأن الأمر ألتبس على المُكلَّفين بالقبض على السيد المسيح حيث إن الضوء كان خافتًا وامتدت يد اللَّه فرفعت المسيح وقبضوا على يهوذا وصلبوه... نقول:

أ ـ كان البدر كاملًا والجنود كان معهم مصابيح ومشاعل تضيء المكان، فلا يمكن أن يكون حدث لبس في شخص المقبوض عليه.

ب ـ دل يهوذا الجمع على السيد المسيح الذي خرج لاستقبالهم، وعندما قبَّله يهوذا قال له: "يا صاحبُ، لماذا جِئت؟" (مت 26: 50).. "يا يهوذا، أبقُبْلَةٍ تُسَلّم ابن الإنسان؟" (لو 22: 48).

ج ـ فرض السيد المسيح نفسه على الموقف بهيبته وجلاله، فعندما قال لهم: من تطلبون؟.. أجابوه: يسوع الناصري... قال لهم: أنا هو "فلمَّا قال لهم إني أنا هو، رَجَعوا إلى الوَراء وسَقَطوا على الأرض" (يو 18: 6) وكانت الفرصة مواتية للهرب، ولكنه لم يهرب لأنه لأجل هذه الساعة قد جاء، فانتظرهم حتى نهضوا من سقطتهـم، وأشترط عليهـم أن يتركوا التلاميذ حتى يذهب معهم: "أجاب يسوع قد قُلت لكم: إني أنا هو. فإن كنتُم تطلبُونني فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتمَّ القول الذي قاله: إن الذين أعطيتني لم أُهلِك منهم أحدًا" (يو 18: 8، 9).

د ـ كان السيد المسيح هو الداعي للتسامح والسلام في أعصب المواقف: "فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفَك في الغِمْدِ. الكأس التي أعطاني الآبُ ألاَّ أشربها" (يو 18: 11) وكان هو المعلّم الحكيم: "فقال له يسوع: ردَّ سيفَكَ إلى مكانه. لأن كلّ الذين يأخُذون السَّيف بالسيف يهلكون" (مت 26: 52) وكان هـو الطبيب الشافي "فأجاب يسوع وقال دعوا إليَّ هذا. ولَمَس أذْنَهُ وأبرأها" (لو 22: 51).. تُرى لو كان هذا الشخص هو يهوذا... هل كان يهتم بكل هذه الأمور؟‍!

هـ ـ إن كانت يد اللَّه رفعت السيد المسيح أمام أعينهم، فما هو الداعي للقبض على شخص آخَر؟ هل الأمر تم بهذه الصورة الساذجة وكأن المهمة تقتضي القبض على "إنسان ما" وصلبه؟‍!

و ـ كيف يصمت شخص بريء يُقاد إلى موت الصليب أشنع وأقسى ميتة؟‍!

زـ من خلال ست محاكمات، وتعذيب الأسير وجلده، وتعليقه على الصليب لعدَّة ساعات، وتكفينه ودفنه... ألم يتبينوا شخصيته؟!

ح ـ لو كان المصلوب شخص آخر غير السيد المسيح... تُرى هل كان ينطق بالكلمات السبع التي نطق بها المسيح على الصليب؟‍!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

15ـ ردًا على القائلين صُلِب الناسوت وصعد اللاهوت... نقول لهم إن آلام الصلب وقعت على الناسوت لأن اللاهوت منزَّه عن الآلام، ولكن الناسوت المتألم لم يفارقه اللاهوت قط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولعلنا نجد في العبارة السابقة صدى للبدعة النسطورية التي أدعت أن السيد المسيح شخصان منفصلان إله كامل وإنسان كامل، فالإله يصنع المعجزات والإنسان يتحمّل الآلام، ولذلك فالنساطرة يعتقدون أن الذي صُلِب هـو المسيح الإنسان، ونحن نقول أن المتألم هو يسوع المسيح الإله المتأنس، فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين لا قبل موت الصليب ولا بعده، لأنه بالموت انفصلت روح السيد المسيح البشرية عن جسده بينما لاهوته لم يفارق أي منهما.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

16ـ ردًا على القائلين بأنهم قتلوا الشبيه أولًا ثم صلبوا جثته، فهو رأي فريد يخالف المتعَارف عليه وهو أن الوفاة حدثت بالصليب. كما أن دعوة اليعقوبية بأنها طائفة كافرة ينقضه ما جاء في القرآن من مدح المسيحيين، والادعاء بأن الإسلام ظهر قبل القرن السادس وأصحابه كانوا مضطهدين من قِبَل المسيحيين ادعاء لا يتفق مع العقل السليم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

17ـ ردًا على تضارب أقوال المفسرين وكبار الأئمة... نقول: بأي رأي من الآراء الكثيرة المتضاربة تريدون أن نؤمن به؟! ولماذا هذا الرأي دون غيره؟! وأي قاض عادل في العالم كله يقدر أن يحكم في قضية كهذه تضاربت فيها الأقوال بهذه الصورة البشعة؟! وهل يترك الإنسان المسيحي الحقيقة الثابتة في الإنجيل والتي تقوم عليها المسيحية ويؤمن بقضية تضاربت فيها الآراء بهذه الصورة ولم يُبت في صحة إحداها؟! وإن كان كبار المفسّرين لا يعلمون الخبر اليقين، وينتقلون من قيل إلى قيل إلى قيل... إلخ، ألاَّ نرجع يا إخوتي إلى الإنجيل الذي فيه الخبر اليقين؟!

 ويقول القس عبد المسيح بسيط: "اعتمدت هذه الروايات بالدرجة الأولى، على الفكر الغنوسي... الذي تأثر به بعض البسطاء من عامة البادية وذلك إلى جانب الفكر النسطوري، الذي انتشر بواسطة الرهبان النسطوريين الذين عاشوا في الصحاري وكان بعضهم يعيش بالقرب من طرق الرحلات التجارية، والذين كانوا يعتقدون أن المسيح مكوَّن من شخصين متصاحبين هما الإله الذي يقوم بالمعجزات والإنسان الذي كان يتحمّل الآلام، وبالتالي فقد صُلِب الإنسان لا الإله، أي صُلِب الناسوت ولم يُصلَب اللاهوت... وامتلأت هذه الروايات بالخرافة والخيال الساذج والتناقض الشديد، فقد ذكرت أن سبب صلب المسيح هو سبَّه لليهود ومسخه لهم قردة وخنازير!! والكثير لم يذكر سببًا لذلك!! كما تناقضت بشدة في ذكر من صُلِب بدلًا من المسيح، والمكان الذي تم فيه ذلك، والزمان الذي تم فيه الصلب!! فيقال أن الذي صُلِب هو أحد أصحابه حبًا في معلمه أو جزاء لخيانته!! أو إنـه أحـد أعدائـه أو الذي أرشـد عنـه، أو حارس المنزل... إلخ!! وأنه قُبض عليه في بيته أو في بيت أحد أصحابه أو في مكان آخَر، وأغلب الروايات لا تذكر المكان على الإطلاق!! أما الزمان فغير واضح تمامًا!!.. الغريب أن هذه الروايات الخرافية الساذجة، تزعم أن المسيح خاف وجبن أمام الموت وأرتعب لدرجة أنه لم يرتعب أحد مثله أمام الموت!! وأن أحد التلاميذ كان أشجع منه وقبِل أن يموت نيابة عنه!! فهل يقبل هذا إنسان عرف من هو المسيح؟!!

 والواقع أن هذه الروايات ألغت العقل تمامًا وجهلت الواقع والدين والتقليد والتاريخ وغرقت في الخرافة والجهل والحماقة لذلك لم يعتمد عليها أحد برغم امتلاء الكتب بها!!"(354).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

18ـ الحقيقة أن الصليب كان في فكر اللَّه منذ الأزل، ولذلك تكلّم اللَّه من خلال أنبياء العهد القديم تارة بالنبوّات، وتارة بالذبائح، وثالثة بالرموز عن رحلة الصليب بالتفصيل حتى أنه تحقّق نحو ثلاثين نبوّة في خلال الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض كما رأينا ذلك بالتفصيل في الدرس السابع.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

19ـ لم يكن الصليب حادثة مفاجئة في حياة السيد المسيح إنما تنبأ عنه مرارًا وتكرارًا بتفاصيل كثيرة متنوعة قبل وقوعه كما رأينا من قبل، فلو أن المصلوب شخص آخَر غير السيد المسيح فمعنى هذا:

أـ كذب كل النبوّات الواردة بالعهد القديم التي تخبرنا عن صلب المسيح وموته وقيامته.

ب ـ كذب جميع النبوّات التي فاه بها السيد المسيح له المجد عن آلامه وموته وقيامته.

ج ـ كذب جميع كتَّاب العهد الجديد الذين شهدوا لآلام المسيح وموته وقيامته.

د ـ كذب كل المؤرخين غير المسيحيين الذين سجّلوا آلام المسيح وموته وقيامته.

هـ ـ كذب كل الآثار الناطقة التي تشهد لآلام المسيح وصلبه وقيامته.

و ـ كذب كل المعجزات التي حدثت والتي تحدث بِاسم يسوع المصلوب.

ز ـ كذب كل الكارزين الذين نشروا وينشرون المسيحية بِاسم المسيح المصلوب القائم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

20ـ لم يتم الصلب سريعًا. إنما سبقته ست محاكمات، وتعذيب وجلدات، فلو كان المصلوب شخصًا آخَر أخرسه اللَّه... فهل صمت أيضًا جميع أقرباء هذا الشخص، وهل خرس جميع أصدقائه؟ هل هو مقطوع من شجرة ليس له صديق ولا ونيس؟! ولو كان المصلوب هو يهوذا فمن هو الشخص الذي ردّ الثلاثين من الفضة ومضى وشنق نفسه (مت 27: 3 ـ 5)؟ وشاهد الكثيرون جثته وعرفوا قصته ".. وإذ سَقَطَ على وجهه أنشَقَّ من الوسط، فانسَكَبَت أحشاؤه كلها. وصار ذلك معلُومًا عند جميع سُكّان أورشليم.." (أع 1: 16 ـ 20).. ولو كان المصلوب شخصًا آخَر فكيف نفسّر المعجزات التي صاحبت الصلب مثل إظلام الشمس وزلزلة الأرض وتشقُّق الصخور، وانشقاق حجاب الهيكل، وتفتُّح القبور، وقيام كثير من أجساد القديسين... ولو كان المصلوب شخصًا آخَر فكيف يقول المصلوب للص اليمين التائب: "الحق أقول لك: إنكَ اليوم تكُون معي في الفردَوس" (لو 23: 43)؟ ولمـاذا يهتم بأمر السيدة العذراء في لحظات موته (يو 19: 26، 27)؟!

 والذي يعتقد أن يهوذا صُلِب فعليه "أن يقول لنا أن المسيح لم يُصلَب، حسنًا، وماذا حدث له؟ وكيف مات؟ والجواب إذ تعدى ما هو عادي وشائع ومألوف ومعروف عن الموت تحوَّل إلى جانب الخرافة أو الأسطورة، كأن يقول قائل بأن يسوع أُسقِط شكله على يهوذا تلميذه الخائن... وهو أمر لا وجود له ولا هو معروف في التاريخ لأنه لا يوجد حدث يماثله أو قريب الشبه منه... هنا يهرب صاحب هذا الرأي من التاريخ إلى الأسطورة ومن الحقيقة إلى الخيال...

 لم نسمع من كتب التاريخ أن إنسان أسقط شكله على إنسان آخَر لكي يموت عوضًا عنه... ولو عرضنا هذا الرأي على المؤرخين الوثنيين لضحكوا في سخرية، لأن المحكمة في القانون الروماني كانت تعني أن يتأكد القاضي من شخصية المتهم...

 ولعل أفظع ما في هذه النكتة السيئة ليست جهل القاضي وسكوت وصمت يهوذا... بل صمت وسكوت باقي التلاميذ وهو صمت الجبن والخوف والغدر... ويصبح يسوع نفسه هو مُعلّم الغدر والخوف، ويصبح الصليب دعوة للغدر والمكر والخيانة والانتقام... وعندما تحلّ الخرافة محل التاريخ تسقط الشهامة والشجاعة وتختفي المروءة والبذل وتنعدم الرجولة ويتحوّل الحدث التاريخي بكل ما يحمله من مبادئ روحية سامية إلى أسطورة قذرة بشعة تبعث في النفس روح التآمر والتخفّي وقتل المعارضين والهرب من الموت والاختفاء خلف جسد ودم الأبرياء، وتتحوَّل المسيحية وشهداء المسيح إلى قصة للتآمر والكذب والخداع وكأننا هنا نعيش كابوسًا ثقيلًا تحاول فيه الأسطورة والخرافة أن تزرع في النفس الكذب والجبن والخداع... ووصلت إلى حد السفاهة بأن صوَّرت المسيح وقد ألقى شبهه على يهوذا الإسخريوطي الذي صُلِب عوضًا عن يسوع، لكي يحل الكذب محل الحقيقة، ولكي تحل الخدعة محل التاريخ، ولكي تصبح الحيلة هي طريق النجاح، ويصبح يسوع نفسه خارج حياة الإنسان بما فيها من ألم وموت وعذاب، وكأنه لا ينتمي إلى الإنسانيـة بالمـرة، فالأسطـورة تحـاول جاهدة أن تخلع عن يسوع إنسانيته.."(355).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(340) أورده جمال محمد أبو زيد في كتابه "الأسبوع الأخير للمسيح بين المسيحية والإسلام" ص 85 ـ 88.

(341) رد القمص سرجيوس علـى المنتصر المهـدي حـول حقيقـة صلب المسيـح وموتـه طبعة 1947م ص 16، 17.

(342) أورده د. فريز صموئيل في كتاب "قبر المسيح في كشمير" ص 150.

(343) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 144 ـ 149.

(344) عيسى في الخالدين ص 129.

(345) رد القمص سرجيوس على المنتصر المهدي حول حقيقة صلب المسيح وموته ص 11 ـ 13.

(346) المرجع السابق ص 13، 14.

(347) رد القمص سرجيوس على المنتصر المهدي حول حقيقة صلب المسيح وموته ص 14، 15.

(348) قيامة المسيح أكاذيب وحقائق ص 27.

(349) قيامة المسيح أكاذيب وحقائق ص 21، 28.

(350) الصليب في جميع الأديان طبعة 1976م ص 86.

(351) رد القمص سرجيوس على المنتصر المهدي حول حقيقة صلب المسيح وموته ص 15.

(352) رد القمص سرجيوس على المنتصر المهدي حول حقيقة صلب المسيح وموته ص 15، 16.

(353) المرجع السابق ص 17، 18.

(354) هل صُلِب المسيح حقًا وقام ص 20، 21.

(355) الصلب والصليب حقيقة أم خرافة ص 87 ـ 92.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/look-alike-illogic.html

تقصير الرابط:
tak.la/7f4xrmv