St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

97- هل مفاهيم بولس الرسول عن المعمودية، والعشاء الرباني اقتبسها من طقوس الديانات الوثنية؟

 

س97 : هل مفاهيم بولس الرسول عن المعمودية، والعشاء الرباني اقتبسها من طقوس الديانات الوثنية؟

 يرى "شارل جينيبير" أن التعميد ومأدبة القربان قد انتقلا للمسيحية من الديانات الوثنية السرية عن طريق بولس الرسول، فيقول عن تلك الطقوس: " نوعًا غريبًا من الطقوس... ويُدعى بـ "التوروبول" أي التضحية بالثور، ويُحفَر من أجله خندق داخل أسوار المعبد، فينزل فيه المُرِيد، ثم تُسدَل عليه شبكة يُذبَح عليها ثور -حسب شعائر معلومة- وينهمر الدم في الحفرة، فيتلقاه الذي بها ويحاول أن يغمس فيها سائر أعضاء جسده. وبعد إتمام هذا النوع من التعميد، تنزع أعضاء الذكر من الأضحية، وتوضع في إناء مقدَّس، ويتقدم بها السالك قربانًا للآلهة، ثم تُدفَن تحت هيكل تذكاري. ولم تكن هذه الطقوس تتعلق في الأصل بحياة المؤمن المستقبلة، بل هدفت أول الأمر إلى منحه بعضًا من روح سيبيل واتيس... أن الحفرة تمثل مملكة الأموات، وإذا ما نزل إليها المُرِيد فكأنه مات، والنور هو أتيس، أما دماؤه فتمثل جوهر حياته الإلهية، ينزف منها فيتلقاه المُرِيد ويتشرَّبه ويمتزج به، حتى إذا خرج من الحفــرة عُدَّ "مولودًا جديدًا" فسُقي اللبـن كما يُسقَى الوليد"(740).

 كما يذكر "جينيبير" مأدبة القربان لدى الوثنيين فيقول: " وأن الكثير من ديانات هؤلاء الآلهة المنقذين الشفعاء -أمثال ميثرا، وبعل السوري، وسيبيل، وغيرهم- كان يجدد الاتحاد المُنجي المترتب على الشعائر والطقوس المذكورة، أو يدعمه ويقويه، بواسطة مآدب خاصة يتناول المؤمنون الطعام فيها جماعة على موائد الإله، ولا نشك أن هذه المآدب الدينية لم تكن في كثير من الأحيان إلاَّ تعبيرًا عن التآخي بين المؤمنين ورمزًا بحتًا لذلك. غير أن أحد الباحثين في مثل تلك الرموز، وهو "كومون" يقول لنا: "كان الناس في بعض الحالات يترقبون نتائج أخرى للمأدبة التي يشتركون فيها، كانوا يُطعَمون لحم دابة يعتبرونها إلهيَّة، ثم يظنون أنهم بذلك توَّحدوا مع الإله نفسه وشاركوه في جوهره وصفاته".. وقد نقل إلينا "جوستين" وهو أحد المدافعين عن المسيحية في القرن الثاني الميلادي، أن "أسرار" ميثرا احتوت على نوع من الشعائر يفرض تقديم كأس من الشراب وقطعة خبز إلى المؤمن، مع النطق ببعض العبارات المعروفة آنذاك...

 وتنقل إلينا النصوص كذلك أن "أسرار" سيبيل وأتيس كانت تفرض على الأتباع المشاركة في مأدبة صوفية، يصرح لهم بعدها بأن يعلنوا: "لقد أكلنا مما احتواه السنطور، وشربنا مما كان في الصنج، فأصبحنا من أتباع آتيس". والسنطور آلة موسيقية اختصت بها سيبيل، في حين اختص أتيس بآلة أخرى هيَ الصنج... نُرجّح الرأي القائل بأن مآدب القربان التي ذكرناها لا تعني فقط الجلوس على موائد الإله وتناول الأطعمة التي يُفتَرض أنها لا تعني فقط الجلوس، وإنما تذهب في رمزيتها إلى أبعد من ذلك: أنها تعني بالنسبة إلى المؤمنين "طعامهم الإله نفسه" وتشرُّبهم بجوهره المُنجي.

 هل نحن بحاجة إلى إيضاح أوجه الشبه الساطعة بين هذه الطقوس والشعائر المختلفة... وبين طقوس وشعائر التعميد والقربان عند المسيحيين؟.. ارتضى هذا "السيد الإلهي" لنفسه أن يعيش وأن يتعذب كالإنسان، حتى يصبح بنو البشر قريبين إليه لدرجة تسمح لهم بالاتحاد معه... وتلك هيَ بالذات عقيدة القديس بولس في رسائله ودور السيد المسيح" (741).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : 1ــ لم يخترع بولس الرسول موضوع العماد، إنما سبق وأوصى به وأكد عليه السيد المسيح، فقال لتلاميذه الأطهار: " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت 28 : 19)، واشترط المعمودية للخلاص: " مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" (مر 16 : 16)، وربط بولس الرسول بين المعمودية وسر الفداء: " أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (رو 6 : 3 - 5).

 

St-Takla.org Image: Statue of St. Paul, by Adamo Tadolini, 1838, 5.55m in height, on a pedestal 4.91m high (image 1) - St. Peter's Basilica: The Papal Basilica of St. Peter in the Vatican: Basilica Papale di San Pietro in Vaticano, Rome, Italy. Completed on 18 November 1626 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 22, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال القديس بولس الرسول، نحت الفنان أدامو تادوليني، 1838 م.، بطول 5,55 م. (صورة 1) - صور كاتدرائية القديس بطرس الرسول، الفاتيكان، روما، إيطاليا. انتهى العمل بها في 18 نوفمبر 1626 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 22 سبتمبر 2014 م.

St-Takla.org Image: Statue of St. Paul, by Adamo Tadolini, 1838, 5.55m in height, on a pedestal 4.91m high (image 1) - St. Peter's Basilica: The Papal Basilica of St. Peter in the Vatican: Basilica Papale di San Pietro in Vaticano, Rome, Italy. Completed on 18 November 1626 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 22, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال القديس بولس الرسول، نحت الفنان أدامو تادوليني، 1838 م.، بطول 5,55 م. (صورة 1) - صور كاتدرائية القديس بطرس الرسول، الفاتيكان، روما، إيطاليا. انتهى العمل بها في 18 نوفمبر 1626 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 22 سبتمبر 2014 م.

2ـ هناك فرق شاسع بين معمودية الدم لدى الوثنيين وبين المعمودية ومفهومها في المسيحية، فمثلًا:

أ - في معمودية سيبيل أو أتيس يُذبح فيها عجل، وهذا لا يوجد ما يقابله في المعمودية المسيحية.

ب - في معمودية الوثنيين يأخذ المُعمَد من دم العجل ويغمس سائر أعدائه، وهذا أيضًا لا يوجد ما يقابله في المعمودية المسيحية.

جـ - معمودية الوثنيين يستخدم فيها الدم ولا يستخدم فيها الماء، بينما المعمودية المسيحية تعتمد على التغطيس في الماء.

د - لا يوجد أي ذكر للروح القدس في المعمودية الوثنية، بينما المعمودية المسيحية هيَ ولادة من الماء والروح القدس، وبدون عمل الروح القدس لا قيمة لها.

هـ - يضع المُعمَّد الوثني أعضاء الذكر من الأضحية في إناء مقدَّس، ويقدمه قربانًا للآلهة، ثم يُدفَن تحت هيكل تذكاري ولا يوجد مثل هذه الممارسات في المعمودية المسيحية.

و- عندما يخرج المُعمَّد الوثني من الحفرة يُسقى لبنًا، وهذا لا يحدث في المعمودية المسيحية.

ز - هدف معمودية الوثنيين أن ينال المُعمَّد بعضًا من روح الإله، بينما هدف المعمودية المسيحية الخلاص من الخطية الجديَّة، ونوال الولادة الجديدة التي تؤهل للإنسان المُعمَّد لسكنى الملكوت.

ح - مفهوم المعمودية في المسيحية هيَ موت ودفن مع المسيح، وقيامة معه، بينما المعمودية في الديانات الوثنية لا تحمل هذا المفهوم.

ط - يشمل طقس المعمودية في المسيحية طقس جحد الشيطان والاعتراف بالمسيح والتغطيس في الماء ثلاث مرات، ولبس الثياب البيضاء بعد المعمودية، ولا نجد ما يقابل هذا في المعموديات الوثنية.

ى - يتبع طقس المعمودية في المسيحية رشم المُعمَّد ستة وثلاثين مرة في كافة أنحاء جسده بزيت الميرون، من خلال سر الميرون، وهذا لا يوجد ما يقابله في المعموديات الوثنية.

 

3ـــ لم يخترع بولس الرسول فكرة "العشاء الرباني" لأنه يقول: " لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزًا. وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي. كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلًا هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي.." (1كو 11 : 23 - 27). وقد تحدث بولس الرسول عن العشاء الرباني في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس نحو سنة (54 - 57م) (1كو 11 : 23 - 30) ولم يكن قد مرَّ على صعود السيد المسيح أكثر من عشرين عامًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذه مدة قصيرة بحساب الزمن لا يمكن أن تنتج أسطورة تماثل الأساطير الوثنية، ولو أن بولس الرسول اخترع فكرة "العشاء الرباني"، وهذه الفكرة لا أساس لها في المسيحية، ولم يتممها السيد المسيح ليلة آلامه... تُرى هل كان يصمت التلاميذ الذين هم شهود حق وشهود عيان على كل ما فعله الرب يسوع..؟! وإن كان السيد المسيح لم يتمم هذا السر فلما مارسته الكنيسة الأولى من فجر حياتها: " وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ" (أع 2 : 42) وكسـر الخبز هو سر العشاء الرباني... " وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا" (أع 20 : 7).

 

4ــ هناك فرق شاسع بين مائدة العشاء الرباني في المسيحية وبين مأدبة القربان لدى الوثنيين، فمثلًا:

أ - في مأدبة القربان لدى الوثنيين يدَّعون أن هناك دابة إلهيَّة، يذبحونها ويأكلون لحمها، وفي مائدة العشاء الرباني لا توجد ذبيحة دموية، إنما تقوم على تقديم الخبز وعصير الكرمة.

ب - الهدف في مأدبة القربان لدى الوثنيين التوحُّد مع الإله ومشاركته في جوهره وصفاته، بينما الهدف من العشاء الرباني في المسيحية ليس مشاركة المسيح في ألوهيته، حتى نصير آلهة مثله، إنما الهدف أن نثبت فيه وهو فينا... نصير شركاء الطبيعة الإلهية أي مع الطبيعة الإلهية، وليس شركاء في الطبيعة الإلهية، فالمسيحية لا تعترف بتأليه الإنسان، بمعنى أن الإنسان يصير إلهًا.

جـ - هدف العشاء الرباني في المسيحية أن نحيا بالمسيح إلى الأبد، فهو يقيمنا في اليوم الأخير فنعيش معه في الحياة الأبدية، وهذا الهدف لا يوجد ما يقابله في مأدبة القربان الوثنية.

د - في مأدبة القربان الوثنية لا يوجد ذكر للروح القدس ولا للكاهن المشرطن، ولا يصوم الإنسان قبل أن يأكل منها... بينما في العشاء الرباني يحل روح الله القدوس ليحوّل الخبز إلى جسد المسيح وعصير الكرمة إلى دم المسيح، ويشترط لذلك أن يقدم هذا السر كاهن مشرطن، ليتم التحوُّل، بينما لا يوجد أصلًا تحول في الذبيحة الدموية التي يقدمها الوثنيون.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(740) تقديم الإمام عبد الحليم محمود - المسيحية نشأتها وتطورها ص 97، 98.

(741) المرجع السابق ص 98 - 100.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/97.html

تقصير الرابط:
tak.la/5fm98vc