St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   chrysostom
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته) - القمص تادرس يعقوب ملطي

24- الكرازة بالتوبة

 

1. يطلب أعمال التوبة لا الإعجاب
2. بمثابرته في بعث روح التوبة
3. يكثر من التشجيع لا التهديد
4. ترفقه بالضعفاء
5. اهتمامه بخلاص الجميع
الحواشي والمراجع

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

يعتبر القديس يوحنا ليس واعظًا قديرًا فحسب بل بالحري طبيبًا ماهرًا في علاج النفوس. لقد عرف قيمة النفس البشرية وأدرك عظمة خلاصها فكرس حياته كلها لخدمة المنبر بل بالحري لخدمة أولاده وللدخول بهم -ما استطاع- إلى حياة التوبة العملية.

"التوبة" هي الطريق الإنجيلي الذي تجتازه النفس عابرة إلى الملكوت السمائي. كيف دخل بهم هذا الطريق الملوكي السماوي؟

 

1. يطلب أعمال التوبة لا الإعجاب

احتشدت الجماهير حول منبره وأعجب الكثيرون به، أما هو فكان واعيًا في كرازته، يعرف كيف لا تخدعه الذات، فيلهيه إعجاب الكثيرين بشخصه أو بلاغته أو فصاحة لسانه عن حقيقة رسالته فكان إذا ما انطلق الحاضرون بالتصفيق ينتهرهم، طالبًا أعمال التوبة لا تصفيقاتهم:

St-Takla.org Image: St. John Chrysostom (Iohannes Chrisostomus), illuminated illustration from Butler's Lives of Saints, about 1890. Chromolithograph, good condition. Size 15.5 x 22.5 cms plus margins. صورة في موقع الأنبا تكلا: البطريرك القديس يوحنا ذو الفم الذهب (يوأنس كريسوستوموس)، صورة توضيحية ملونة من كتاب بتلر لحيوات القديسين، نشر عام 1890 تقريبًا. والصورة بطريقة كروموليثيوجراف بحالة جيدة، مقاس 15.5×22.5 سم بالحواشي.

St-Takla.org Image: St. John Chrysostom (Iohannes Chrisostomus), illuminated illustration from Butler's Lives of Saints, about 1890. Chromolithograph, good condition. Size 15.5 x 22.5 cms plus margins.

صورة في موقع الأنبا تكلا: البطريرك القديس يوحنا ذو الفم الذهب (يوأنس كريسوستوموس)، صورة توضيحية ملونة من كتاب بتلر لحيوات القديسين، نشر عام 1890 تقريبًا. والصورة بطريقة كروموليثيوجراف بحالة جيدة، مقاس 15.5×22.5 سم بالحواشي.

*   أنا لست في حاجة إلى مديح أو تصفيق أو صخب أو ضجيج! إني أطلب شيئًا واحدًا، ليتكم تصغون إليه في هدوء وتعقل: افعلوا ما أقوله!

هذا هو مديحكم لي، هذا هو ثناؤكم علي...

نحن لسنا هنا في مسارح للتمثيل، ولا ترون أمامكم ممثلين تصفقون لهم. هنا مدرسة روحية، نظهر فيها طاعتنا بأعمالنا(47).

* تصفقون لي بحماسٍ شديدٍ، وتهللون... لكنني أتوسل إليكم أن تكونوا رجالًا، فإن كنا لا نزال أطفالًا، كيف نعلم (الوثنيين) الرجولة؟! كيف ننزع عنهم جهالة الطفولة؟!

لنكن رجالًا، ونبلغ حد القامة التي وضعها لنا السيد المسيح فنحصل على الخيرات العتيدة(48).

*   ما حاجتي إلى هذا التصفيق، علامة الفرح والإعجاب؟!

المديح الذي أرجوه منكم أن تظهروا أقوالي معلنة في أعمالكم، فأصير إنسانًا سعيدًا(49).

لم تقف غيرة القديس عند هذا الحد، بل كان يوبخ شعبه لأنهم مسئولون عن الكارز بإظهار علامات الإعجاب وكلمات المديح والثناء عوض التوبة الصادقة... فقد انتقدهم بأنهم لا يطلبون كارزًا جادًا يدخل معهم طريق التوبة المرّ والجهاد الصعب لكنهم يطلبون "مغنيًا أو موسيقارًا(50)"، يمدحون فيه بلاغته وعذوبة صوته. وبهذا يفقد الكارز أبوته الحقة، إذ يرضخ لطلبات أولاده الضارة، فيصير كأب يستجيب لدموع ابنه المريض، فلا يقدم له العلاج المرّ الشافي.

* هذا ما يفعله من يطلب مقالًا جميلًا منمقًا عوض أن يكون المقال نافعًا! فيطلب (الكارز) إعجاب الناس عوض تهذيبهم، يرائي ولا يبكت، يستحسن التصفيق عن إصلاح السلوك(51)".

إن مثل هذه الكرازة لا تأتي بثمرٍ حقيقيٍ، ثمر التوبة الحقة، وإن أثمر فذلك يكون بفضل نعمة الله وصلوات الكنيسة(52).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. بمثابرته في بعث روح التوبة

إن أعجب ما في القديس يوحنا ليس هروبه من المجد الباطل طالبًا ثمر التوبة في حياة شعبه، بل حكمته وإيمانه في تحقيق غايته. فقد برع في تحويل كل الأحداث التي عاشتها الكنيسة أو المجتمع كفرص حية للتوبة، مثل أحداث التماثيل(53). أما إيمانه فيظهر في مثابرته في تحقيق الهدف حتى ولو لم يجد استجابة من سامعيه. وله في ذلك قول رائع:

* لا أتوقف عن التحذير لمجرد تشبث البعض بأخطائه، فإن الينابيع والأنهار تستمر في فيضها وجريانها وإن لم يشرب منها أحد، هكذا يليق بنا أن نعظ وإن لم يكترث أحد بالوعظ. فقد وضع الله علينا، نحن المكلفين بالوعظ إلا نستسلم صامتين، إلى أن يسمعوا ويسلكوا في الطريق.

أما أنا فقد عزمت أن أستمر في عملي حتى أن وجد من يحطم ذراعي، بالقول: ما الداعي لهذه النصائح ما داموا لا يريدون الاستماع؟!

ماذا؟ هل أقسمت أن أصطادهم جميعًا في شباكي في يومٍ واحدٍ؟! فإن لم أفز إلا بعشرة أو خمسة أنفس أو حتى بنفس واحدة، أما يكون لي في هذا تعزية كافية؟!

ولنفترض المستحيل، وأذهب إلى أبعد من هذا، أني لا أكسب نفسًا واحدة فإني أعتقد أن كلامي لن يضيع هباءً، بل يخجل الخاطئون، وهذه خطوة أولى في طريق التوبة... وهي تزيد الحكماء حكمة.

سأقول لنفسي: ألم أهد اليوم أحدًا؟ ربما غدًا، أو بعد غد، أو في يوم آخر(54).

لقد شبه نفسه برجل يضرب شجرة الرذائل بالفأس، فإن لم تسقط من الضربة الأولى، يضرب الثانية والثالثة والعاشرة والمائة، ولا يكف عن ضربها حتى يهتز كيانها وتسقط. كأسقفٍ ملتزم أن يعمل ويعظ وينذر، أما التوبة الداخلية والإقناع ففي حينه من قبل الله، إذ يقول: "الله لم يأمرنا بالإقناع بل بالتعليم فقط(55)".

أخيرًا نسجل ما كتبه عن الراعي في مثابرته: "يجب أن يتمتع الراعي بروح عالية. فلا يخور عزمه ولا ييأس من خلاص الضالين، إنما على الدوام يباحث نفسه قائلًا: عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق فيستفيقوا من فخ إبليس(56)".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. يكثر من التشجيع لا التهديد

أعجب القديس بمنهج سيده الذي اتسم بإيجابيته في حديثه وأمثاله، يشجع البشر للتوبة بالكشف عن الأبدية والمكافآت العلوية، ونادرًا ما يحدثهم في سلبية عن العقوبات. فإن جاذبية الحب للتوبة أسمى من التوبة بدافع الخوف!

يقول:  "إننا على وجه الخصوص نعجب من تعليم السيد المسيح إذ يضع في أمثاله مكافآت الجهاد بكمال عظيم مثل أن "نعاين"، "نرث ملكوت السموات"، "نصير أولاد الله"، "نصير مثل الله"، "نرحم"، "نتعزى"، "ننال مكافأة عظيمة" إلخ... وإن استدعى الأمر إلى ضرورة الإشارة إلى أمور محزنة يوضح ذلك في نغم خفيف(57)".

بهذا الروح الإنجيلي كرز القديس وسط شعبه بأفكار يظنها بعض علماء التربية أنها حديثة من عندياتهم... لقد عرف أن النفس تحتاج بالأكثر إلى من يشجعها ويسندها ويحبها، وعند الضرورة القصوى تحتاج إلى التخويف والتهديد.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. ترفقه بالضعفاء

كان القديس يوحنا مربيًا حكيمًا، غيورًا غيرة متقدة للدخول بشعبه إلى حياة التوبة، مدركًا مقدار سلطان الشر المحيط بهم. وإذ تعثر كثيرون منهم في الملاهي والملاعب والأندية شعر بضعفهم، فترفق بهم في عظاته إلى أبعد الحدود.

 

أ. فعلى سبيل المثال لا يطالب شعبه في أنطاكية بأمور فائقة بل يتدرج معهم في اعتدال حتى يبلغ بهم إلى هدفه.

يقول: "لهذا السبب أطالبكم بأقل الأمور. نعم أنا أعلم أن "الفقر الاختياري" ثقيل عليكم جدًا، فإن السماء ليست ببعيدة عن الأرض كبعد بذل الذات عنكم(58)".

 

ب. ما أن شعر بأن بعض أولاده قد بدأوا ينفذون ما أوصى به، أي يسلكون في طريق التوبة العملي حتى أخذ يشجعهم معلنًا لهم أن ما قدموه له مكافأة عظيمة تستريح بها نفسه وسط كثرة أتعاب الخدمة ومشاق الرعية، قائلًا:

*   بسبب هذا أنا أحتضنكم في قلبي على الدوام.

ولهذا السبب أيضًا لا أعود أشعر بأتعاب التعليم، بل يصير الحمل سهلًا مادام المستمعون ينتفعون!

بحق أن هذه المكافأة لكافية لتجديد قوتي،

تهبني أجنحة وترفعني،

تحثني بالأكثر أن أحتمل الأتعاب القاسية لأجلكم!(59)"

مثل هذه العبارات إنما تعلن إقتداءه بسيده الذي قيل عنه: "فتيلة مدخنة لا يطفئ، وقصبة مرضوضة لا يقصف"، يعرف كيف يسند ويترفق بالضعفاء، متقبلًا كل محاولة للتوبة -مهما كانت المحاولة- بروح التشجيع والفرح!

 

St-Takla.org Image: Saint John Chrysostom, Patriarch of Constantinople صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية

St-Takla.org Image: Saint John Chrysostom, Patriarch of Constantinople

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية

ج. أبرز ما شد أنظار معاصريه المحيطين به والغرباء عنه والكُتّاب المحدثين فهو "سمة الرجاء" التي اصطبغت بها عظاته وكتاباته، فجذبت النفوس المحطمة ودفعت بهم بكل ثقة إلى "حياة التوبة".

تحدثنا قبلًا عن رسالتيه إلى صديقه الراهب الساقط ثيودور، اللتين تكشف إن عن حنانه على الساقطين واهتمامه بهم حتى يرتفع بهم بجناحي الرجاء والثقة فوق كل تحطيم!(60)

عرف كيف يبعث بروح الرجاء وسط شعبه بطريقة فريدة، فسحبهم وهم خائرون تحت مرارة الخطايا وانطلق بهم إلى حيث العشار، وقد جاء -على حد تعبيره- مثقلًا بآلاف الخطايا التي اقترفها، وبرجائه في مراحم الله خرج مبررًا، معلقًا على هذا المشهد بقوله(61):

*   ليس كثرة الخطايا هي التي تجلب اليأس للبشر، إنما فساد ضمائرهم...

ليس السقوط في ذاته خطيرًا، إنما بالحري يكمن الخطر في البقاء في حالة السقوط!

الجرح في ذاته لا يميت، إنما بالأكثر إهمال الجريح للعلاج!

لا أقول هذا لكي تهملوا، إنما لكي تكفوا عن اليأس.

له أيضًا تعبير رائع في التشجيع على الجهاد في طريق التوبة والفضيلة بغير يأس:

* عندما تبدأون في الإصلاح فإنكم وإن كنتم تعصون شريعتكم مرة ومرتين وثلاثًا وعشرين مرة، لا تيأسوا، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. قوموا من جديد استعيدوا نشاطكم مرة أخرى، فإنكم بالتأكيد منتصرون(62).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. اهتمامه بخلاص الجميع:

إذ نتحدث عن منهجه في التوبة إنما نتحدث عن أبوته أيضًا، التي لا تستريح بخلاص الكثيرين بل بخلاص كل ابن. كأبٍ لا يستريح قلبه لو نجح جميع أولاده إلا واحد، فهو يحمل حبًا لأولاده لا كجماعة فحسب بل ويحمل لكل واحدٍ منهم حبًا شخصيًا... هذه هي أحاسيس الأب القديس يوحنا، إذ يخاطب شعبه قائلًا:        

*   جماعتكم هي إكليلي،

كل واحد منكم -في عيني- يساوي المدينة كلها!(63)

لقد امتثل في ذلك بالرسول بولس، إذ يقول عنه:

* إذ وضع العالم بين يديه لم يهتم بالأمم ككل فحسب بل وبالأفراد، فيبعث برسالة لصالح أنسيموس، وأخرى من أجل الشخص الزاني من أهل كورنثوس... ناظرًا إليه كإنسان له تقديره في عيني الله، فمن أجله لم يضن الآب عليه بالابن الوحيد!

لا تقل هذا عبد هارب أو ذاك لص أو قاتل أو إنسان مثقل بخطايا غير معدودة، أو متسول أو حقير... بل تأمل أن لأجله مات المسيح! أما يكفي هذا ليكون أساسًا لنعطيه كل اهتمام؟!(64)

هذه الأبوة المملوءة غيرة جعلته لا يتوقف عن الجهاد، طالبًا توبة الكل ونموهم الروحي، فبعد رسامته قسًا خاطب شعبه قائلًا:

*   لا يقل لي أحد إن كثيرين قد نفذوا الوصية، فإنني لا أبتغي هذا، بل أريد الكل أن يفعلوا هكذا.

فإني لن أستطيع أن ألتقط أنفاسي حتى أرى ذلك قد تحقق! فإنه إن كان واحدًا قد ارتكب الزنا بين أهل كورنثوس لكن بولس كان يتنهد كما لو أن المدينة كلها قد ضاعت(65).

هذه لمحات سريعة للكارز في سماته كخادم يقود النفوس في مراعي الكنيسة بروح كهنوتي أبوي مملوء غيرة وحبًا!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(47) In Mat., hom 17:6.

(48) In 1 Cor., hom 4:11.

(49) Statues, hom 2:10.

(50) In Act, hom 30, PG 60:225.

(51) bid 226.

(52) De Incomp. PG 48:802, 811.

(53) راجع سيرته، باب 1، ف 3: عظات التماثيل.

(54) De Laz, PG 48:963,5.

(55) Ibid 965/6.

(56) De Sacer. 2:4.

(57) In Mat., hom 18:9.

(58) Ibid 21:6.

(59) Conc Statues, hom 9:1.

(60) راجع الحب الرعوي، ستعود بقوة أعظم: وهي ترجمة الرسالتين...

(61) In 1 Cor, hom 88.

(62) In 1 Cor. Hom. 88.

(63) De terrae motu PG 50:713-714.

(64) الحب الرعوي ص 678.

(65) Statues, hom 13:12.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrysostom/repentance.html

تقصير الرابط:
tak.la/4p3ff23