St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   good-thursday
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في يوم خميس العهد - البابا شنوده الثالث

14- جلسة وداعية مع تلاميذه

 

في الحقيقة إن الإنسان لا بُد أن يتردد كثيرًا قبل أن يتكلم عن جلسة وداعية بين المسيح وتلاميذه. فنسال أولًا:

أحقا ودع المسيح تلاميذه؟

الوداع معناه الترك. والمسيح لم يتركهم مطلقًا، هذا الذي قال لهم (حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم) (مت 18: 20) وهو الذي قال لهم أيضًا قبيل الصعود (ها أنا معكم كل الأيام والى انقضاء الدهر) (مت 28: 20).

ولكنه على أية الحالات كان تركا بالجسد، والى حين.

ومع ذلك كان الأمر صعبًا عليهم. وكان الرب يعرف هذا، لذلك جلس معهم يخفف عليهم ويعزيهم.

كان يعرف أن هذا الأمر صعب عليهم. ويظهر هذا من قوله لهم (لأني قلت لكم هذا، قد ملا الحزن قلوبكم) (يو 16: 6) فما هو هذا الأمر الذي قاله لهم فحزنوا؟ إنه قوله لهم (أما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني).

كان لا بُد أن يواجههم الرب بالواقع الذي سيحدث...

ثم بعد ذلك يعالج تأثير هذا على مشاعرهم.

أما عن هذا الواقع، فقال لهم (يا أولادي، أنا معكم زمانًا قليلًا بعد. وكما قلت لليهود: (حيث اذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا) (يو 13: 23).

وكان لا بُد أن يرد على سؤالهم الذي يقولونه:

(إلى أين تذهب؟) (يو 13: 36).

(لسنا نعلم أين تذهب؟) (يو 14: 5).

كان لا بُد أن يجيب المسيح، وبصراحة. فبماذا أجاب؟

قال: أني ذاهب إلى الآب (يو 16: 16).

وبعد قليل لا تبصرونني (يو 16: 17). وماذا أيضًا؟

إنكم ستبكون، والعالم يفرح (يو 16: 20).

وكان لا بُد أن يقول لهم حقيقة أخرى، بالإضافة إلى ذهابه وهي: إن كانوا قد اضطهدوني، فسيضطهدونكم) (يو 15: 20).

ولتعزيتهم أعطاهم الرب رجاء في كل شيء.

فمن جهة ذهابه، سيرونه مرة أخرى...

St-Takla.org Image: An ancient icon showing the twelve apostles: disciples: صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة أثرية تصور الإثني عشر تلميذا.

St-Takla.org Image: An ancient icon showing the twelve apostles: disciples:

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة أثرية تصور الإثني عشر تلميذا.

إن عبارة (لا تبصرونني) أو (لا ترونني) هي نصف الحقيقة، النصف المؤلم. فما هو النصف الآخر المُعَزي؟

قال لهم الرب (بعد قليل لا تبصرونني. ثم بعد قليل أيضًا ترونني) (يو 16: 17) (وبعد قليل لا يراني العالم. وأما انتم فترونني) (يو 14: 19) معنى أن العالم لا يراك، انك ستموت. فكيف نراك نحن إذن؟ يجيب المسيح عن هذا الفكر. بقوله (إني أنا حي) (في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي، وأبي في) (الذي يحبني... اظهر له ذاتي) (يو 14: 19-21).

أعطاهم إذن فكرة عن قيامته، وانهم سيرونه.

كان قد لهم إن ابن الإنسان سيصلب، وفي اليوم الثالث يقوم (مت 16: 21) (مت 20: 18، 19). وهو اليوم يؤكد لهم هذه الحقيقة في عبارات كلها حب:

(لا أترككم يتامَى. إني آتي إليكم) (يو 14: 18).

نصف الحقيقة (إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح) فما هو النصف الآخر المضيء إذن؟ انه (ستحزنون، ولكن حزنكم سيتحول إلى فرح... سأراكم أيضًا، فتفرح قلوبكم. ولا ينزع أحد فرحكم منكم) (يو 16: 20، 22).

عجيب هو الرب، إنه في وداعة، يتحدث عن الفرح.

كان يؤلمه جدًا حزن تلاميذه بسبب فراقه لهم. انه يعرف تمامًا مقدار محبتهم له. أما عن محبته هو، فيكفي قول الكتاب عنها (إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى) (يو 13: 2). وقلب الرب حساس جدًا من جهة راحة هؤلاء الذين يحبهم ويحبونه. لذلك يقول لهم هنا: لا أترككم يتامى.

عبارة (يتامى) هنا، تشعرهم بأنهم أولاده.

وهو في هذه الجلسة يستخدم أيضًا تعبير (يا أولادي).

(يا أولادي، أنا معكم زمانًا قليلًا بعد) (يو 13: 33).

انتم أولادي، وأنا اعلم أنكم تتيتمون من بعدى، ولكني لا أترككم يتامَى، ولا أترككم حَزَانى، سآتي إليكم. سأراكم فتفرح قلوبكم، وأقول لكم إن حزنكم...

أريد في هذا الوداع الصعب، أن أفُرح قلوبكم، وأقول لكم إن حُزنكم هو إلى حين، وحين بسيط، فبعد قليل سترونني.

أنتم لست فقط أولادي، بل أحبائي أيضًا.

(انتم أحبائي، إن فعلتم ما أوصيتكم به. لا أعود اسميكم عبيدًا... لكني قد سميتكم أحباء) (يو 15: 14، 15) أنا سأضع نفسي عنكم (ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه) (يو 15: 13) (كما أحبني الأب أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي) (لو 15: 9).

جميل أن تكون جلسة الوداع، هي حديث حب كهذا.

ويضيف الرب في تعزيته لهم تشبيها جميلا، فيشعرهم انه لا انفصال بينه وبينهم، وهو علاقة الكرمة بالأغصان.

فيقول لهم (أنا هو الكرمة، وانتم الأغصان) (يو 15: 5) إننا معًا، (انتم فيَّ، وأنا فيكم) علاقتي بكم، كعلاقة الرأس بالجسد. لستم غرباء عني. اثبتوا فيَّ وأنا فيكم ن كما يثبت الغصن في الكرمة، حينئذ لا يكون وداع بيني وبينكم، لأنه لا يكون فراق أبدًا.

ما أجمله تشبيه، كله حب وعاطفة وعزاء في ساعة كهذه.

مبارك أنت يا رب في كل تعزيانك الجميلة...

يضيف أيضًا بأن ذهابه هو للفائدة وللفرح.

فيقول لتلاميذه (لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع. سمعتم إني قلت لكم إني ماض، ثم آتي إليكم. لو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب) (يو 14: 27، 28).

نعم، لأنه بهذا تنتهي عبارة (أخلى ذاته) (في 2: 6، 7) هناك سأرجع إلى ما قبل إخلاء الذات، وذلك أعظم... لذلك إن كنتم تحبونني ستفرحون إني أمضي.

ثم أن ذهابي نافع لكم، لأعد لكم مكانًا.

(لا تضطرب قلوبكم... في بيت أبي منازل كثيرة... أنا أمضي لأعد لكم مكانًا. وان مضيت وأعددت لكم مكانًا، آتي أيضًا وأخذكم إلى حتى حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضًا) (يو 14: 1-3) نعم، سنكون معًا باستمرار.

ولكن وجودنا الدائم معًا، سيكون هناك وليس هنا.

لا تضطرب قلوبكم، فهذا أفضل. أما هنا، فإني أترك لكم سلامي (سلامي أترك لكم. سلامي أنا أعطيكم) (يو 14: 27) إنه سلامٌ من نوع آخر، سلامٌ روحي ثابت، ليس كالسلام الذي يعطيه العالم...

لكن كيف يكون لنا سلام يا رب، وأنت بعيد عنا؟

هنا الفائدة الثالثة من ذهابي. أرسل لكم الروح القدس:

وقد أفاض الرب في حديثه عن هذه النقطة بالذات:

فقال لهم: وقد كرر عبارة (المعزي) أكثر من مرة. فقال لهم: (لأنه إن لم انطلق، لا يأتيكم المعزي. ولكن إن ذهبت أرسله لكم) (يو 16: 7)، لذلك:

(أقول لكم الحق، أنه خيرٌ لكم أن انطلق) (يو 16: 7).

(وأما المعزي الروح القدس الذي يرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم) (يو 14: 26) (ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثِق فهو يشهد لي، وتشهدون انتم أيضًا) (يو 15: 26) (ومتى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق) (يو 16: 13).

وأضاف الرب في تعزيته لتلاميذه، بان هذا الروح المعزى سيمكث معهم إلى الأبد، وسيكون فيهم (يو 14: 16، 17).

هذا يذكرنا أيضًا بما قاله لهم قبيل الصعود (ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وحينئذ تكونون لي شهودًا) (أع 1: 8).. كان الحديث عن الروح القدس تعزية كبيرة للتلاميذ...

نلاحظ في وداع المسيح لتلاميذه انه كان صريحًا معهم.

أراد أن يعزيهم على أساس الحق والواقع، ويقوى قلوبهم ولكن بدون إخفاء الحقائق، كما كان صريحا معهم من جهة أخطائهم ومن جهة المتاعب التي ستصادفهم، بعد صَلْبه.

كان هذا نافعا لهم من جهة الإيمان، واتقاء المفاجأة.

قال لهم (أقول لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون) (يو 13: 19) (يو 14: 29) (كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكروني إني قلته لكم) (يو 16: 4).

كان صريحًا معهم في ذكر ما سيصدر عنهم من أخطاء.

قال لهم إن الشيطان مزمع أن يغربلكم، وإنكم كلكم تشكون في هذه الليلة، وقال تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي. وقال لبطرس ستنكرني ثلاث مرات وحتى يهوذا قدم له الرب تحذيرات. فقال واحد منكم سيسلمني، وحدد ذلك بقوله الذي اغمس أنا اللقمة وأعطيه، وقال له موبخا (ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة (يو 13: 21، 26، 27).

وكان صريحًا معهم في ذكر المتاعب التي سيتعرضون لها.

فقال لهم (إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم) (إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم) (لأنكم لستم من العالم... لذلك يبغضكم العالم) (يو 15: 18-20). بل قال لهم أكثر من هذا (سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله) (يو 16: 2). حقًا إن الصراحة في هذه الأمور أفضل لذلك قال لهم في هذا المجال (قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا).

إن السيد المسيح واضح في هذا الأمر منذ البداية -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- منذ حديثه عن الباب الضيق وعن حمل الصليب. ولكنه أيضًا يخلط الحديث عن الضيقة بالعزاء فيقول لهم (في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم) (يو 16: 23) وما دام قوتي معكم ستغلبونه...

نلاحظ في هذه الجلسة الوداعية، أنه أعطاهم وعودًا كثيرة:

بعضها من جهة ظهوره لهم مثل (أنا آتي إليكم) (بعد قليل ترونني) (أعد لكم مكاًنا... آتي وآخذكم إليَّ..).. ووعود أخرى من جهة إرساله الروح القدس إليهم، وعمل هذا الروح فيهم ومكوثه معهم إلى الأبد... وأيضًا وعود أخرى من جهة طلباتهم، فقال لهم (كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم) (اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا) (يو 16: 23، 24) (مهما سألتم باسمي، فذلك افعله...إن سألتم شيئًا باسمي فإني افعله) (يو 14: 13، 14).

ولعل من الوعود المُعَزيَة جدًا، والعجيبة أيضًا، قوله لهم: (الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها) (يو 14: 12).

وفي جلسته الوداعية معهم، زودهم بوصايا.

فمن جهة علاقتهم ببعضهم البعض، أعطاهم وصية واحدة لا غير وهي (هذه هي وصيتي، أن تحبوا بعضكم بعضًا) والى أي حد يا رب يكون هذا الحب؟ فيكمل وصيته قائلًا: (أن تحبوا بعضكم بعضًا، كما أحببتكم) (يو 15: 12) ومن يستطيع هذا، أن نحب بنفس الحب الذي أحببتنا به، حتى بذلت ذاتك عنا، الحب الذي قيل فيه (احب خاصته الذين في العالم، احبهم إلى المنتهى) (يو 13: 1).

ولكن الرب يكرر نفس الوصية، في نفس الجلسة الوداعية: (وصية جديدة أنا أعطيكم، أن تحبوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أنا، تحبون انتم أيضًا بعضكم بعضًا) (يو 13: 34) ويعتبر الرب أن هذه المحبة التي مثل محبته، علامة التلمذة له، فيقول (بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، إن كان لكم حب، بعضكم لبعض) (يو 13: 35).

إنه مستوى سامي جدًا من الحب، يطلبه الرب منا.

نحب بعضنا بعضًا، كما أحببنا هو. وكيف أحبنا هو؟ يعمق الرب مفهومنا لهذا الحب، فيقول (كما أحبني الآب، كذلك أحببتكم أنا اثبتوا في محبتي) (يو 15: 9) أصارحك يا رب أن الأمر قد ازداد صعوبة في الفهم، أو صعوبة في التنفيذ، وهنا نعرض وصية المحبة كما أعطيت لنا، في ثلاث نقاط:

ا- الآب أحب الابن (وهي محبة غير محدودة بلا شك).

ب- والابن أحبنا، بنفس المحبة (غير المحدودة) التي أحبه بها الآب.

ج- والمطلوب أن نحب بعضنا بعضًا بهذا الحب.

ها مطانية يا رب أمامك. اعترف أننا لم نصل ولن نصل مطلقًا إلى مستوى هذا الحب. حقًا إنها وصية جديدة.

جديدة في مفهومنا، وجديدة في مستواها، جديدة في هذا التشبيه الذي شبهت به... إننا مهما أحببنا، ومهما بذلنا، فلن نصل إلى محبة الابن لنا، أو إلى محبة الآب للابن.

لهذا نتضع أمامك، ونطلب أن تسكب فينا هذا الحب من عندك، من الروح القدس، لأن الطاقة البشرية وحدها لا تستطيعه...نحب بعضنا بعضًا، كما أحبنا! وكيف ذلك؟

لقد أحب المسيح تلاميذه، في محبتهم له، وفي ضعفاتهم.

كما أحبهم وهم يحبونه، أحبهم أيضًا في خوفهم وفي ضعفهم وفي هروبهم. قال لبطرس ستنكرني ثلاث مرات. ولم يقل ذلك في انفعال، ولا في غضب، إنما في حب وإشفاق، وهو يقول معها (طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك) انه يحبنا في سقطاتنا وضعفاتنا، لكي يخلصنا من هذه السقطات والضعفات... (وفيما نحن خطاة، مات المسيح لأجلنا) (رو 5: 8).

وفي البستان، حينما تركوه وحده وناموا، قابل أيضًا ضعفهم بإشفاق، ونسب الضعف إلى الجسد فقط، وقال عنهم (الروح نشيط، أما الجسد فضعيف) (مت 26: 41) (ناموا الآن واستريحوا).

وسيأتي الوقت الذي أعطي فيه نشاطًا للروح والجسد معًا...

أنتم الآن ضعفاء. هذا حق. لذلك (لا تبرحوا أورشليم حتى تلبسوا قوة من الأعالي) (لو 24: 49) وهذه القوة ستنالونها حين يحل الروح القدس عليكم، حينئذ تكونون لي شهودًا) (أع 1: 8).

أنا لا أحتقر الضعف، إنما في حبي أمنح القوة.

هذه محبتي لكم. فماذا ستكون محبتكم لي؟

سأضرب لكم مثال لهذه المحبة (أنا الكرمة، وأنتم الأغصان) (يو 15: 5) إذن نحبك يا رب، كما يحب الغصن كرمته، إذ لا حياة له بدون الثبات في الكرمة. أن انفصل عنها يجف ويموت.

لذلك قال لهم الرب في جلسته الوداعية (اثبتوا في محبتي) (الذي يثبت في وأنا فيه، هذا يأتي ثمر كثير) (يو 15: 5).

وماذا عن الذي لا يثبت؟ قال الرب لهم (إن كان أحد لا يثبت في، يطرح خارجا كالغصن، فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق) ولذلك (اثبتوا فيَّ وأنا فيكم) (اثبتوا في محبتي) (يو 15: 4، 5) ولعل التلاميذ يسألون:

كيف نستطيع يا رب أن نحبك، ونثبت في محبتك.

يجيبهم الرب في هذه الجلسة الوداعية (إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي، كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي واثبت في محبته) (يو 5: 10) إذن فالمحبة ليست مجرد عاطفة، ولا يليق بنا أن نحب بالكلام واللسان..) (1يو 3: 18).

فمحبتنا للرب، تظهر في حفظنا لوصاياه...

وهنا ذكر المسيح تلاميذه بوصاياه، بكل ما سمعوه منه قبل، لكي يعملوا به. ولكن ماذا يحدث إن نسوا ما قاله لهم؟ لقد طمأنهم من جهة هذا أيضًا. وقال لهم: سأرسل لكم الروح القدس المعزى. وذاك (يُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ) (يو 14: 26).

لقد اهتم المسيح بتلاميذه، الذين ائتمنهم على نشر الإنجيل.

بذل كل الجهد لكي يثبتهم، لأن في ثباتهم ثباتا للكنيسة كلها، وثباتًا للإيمان الذي سيجاهد هؤلاء من أجله.

وما دام الأمر أمر الإيمان، لذلك نرى أن المسيح في هذه الجلسة الوداعية، قد تكلم معهم في أمور إيمانية.

ففى جلسته معهم، شمل حديثه أيضًا عقيدة الثالوث القدوس فحدثهم عن الآب والروح القدس وعن ذاته...

ذكرنا ما قاله لهم عن الروح القدس، وعمله فيهم، وحلوله عليهم، ومكوثه معهم، وإرشاده لهم...

كذلك ما أكثر الحديث الذي قاله في تلك الجلسة عن الآب (أنا ماض إلى أبي)، (من عند الآب خرجت، وأتيت إلى العالم، وأيضًا اترك العالم وارجع إلى الآب) (يو 16: 28).

(المعزى الذي سيرسله الآب باسمي) (الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي) (يو 15: 26) (يو 14: 26) هاتان آيتان، كل منهما واضحة في حديثها عن الثالوث القدوس.

أما عن علاقة الآب بالابن، فقال لهم:

(أنا في الآب والاب فيَّ) (الذي رآني فقد رأى الآب) (يو 14: 9 -11) وكان قد قال لهم من قبل (أنا والاب واحد) (يو 10: 30).

وقد كرر هذه المعلومات، في صلاته لأجلهم.

فقال للاب (احفظهم في اسمك الذين اعطيتنى، ليكونوا واحدا كما نحن) (يو 17: 11) فاعلن هنا انه والاب واحد...وكرر هذا المعنى أيضًا في صلاته فقال (ليكونوا واحدًا، كما أننا نحن واحد. أنا فيهم، وأنت في، ليكونوا مكملين إلى واحد) (يو 17: 22، 23) وقال أيضًا (ليكون الجميع واحدا، كما انك أنت أيها الآب في، وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدا فينا) (يو 17: 21).

إنه يقدم لهم العقيدة في كلامه، وفي صلاته.

ثم يحدثهم عن الآب الذي يحبهم...

فيقول (الذي يحبني، يحبه أبي، واظهر له ذاته) (يو 14: 21) (إن أحبني أحد، يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا) (يو 14: 23) انه يريد أن يربطهم بالآب، فيحدثهم عن الآب ومحبته لهم. وهكذا يقول (تأتي ساعة، حين لا أكلمكم بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية... لأن الآب نفسه يحبكم، لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الآب خرجت) (يو 16: 25، 27).

وفي صلاته عنهم، يريدهم أن يعرفوا الآب.

فيقول (أيها الآب...مجد ابنك... هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته) (يو 17: 1-3).

لقد عرف التلاميذ المسيح. ولكنه يريد أن يعرفهم بالآب أيضًا، ويعرفهم أن كل شيء هو الآب. وقد نجح في كل هذا، إذ يقول في صلاته لله الآب:

(أنا أظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم... والان علموا أن كل ما اعطيتني هو من عندك) (يو 17: 6، 7).

المسيح وهو ماض إلى الآب، يربط تلاميذه بالآب:

وهكذا يقول: أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك. اما أنا فعرفتك. وهؤلاء عرفوا أنك أرسلتني. وعرفتهم اسمك، وسأعرفهم، لكي يكون فيهم الحب الذي احببتنى به، وأكون أنا فيهم.

وبهذا الحب، طلب من الآب أن يحفظهم.

وهكذا قال في صلاته (لست أنا بعد في العالم. واما هؤلاء فهم في العالم... أيها الآب القدوس، احفظهم في اسمك... لست اسالك أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير).

(حين كنت أنا معهم في العالم، كنت احفظهم... أما الآن فأنى أتى إليك) احفظهم في اسمك (يو 17: 11 15).

والمسيح يصلي أيضًا أن يكون معهم باستمرار:

فيقول (أيها الآب، أريد أن هؤلاء الذي اعطيتني معي، حيث أكون أنا) (يو 17: 24).

إنها عبارة مؤثرة، تدل على مدى الحب العميق الذي في قلب السيد المسيح من نحو تلاميذه...

حب المسيح لتلاميذه، وحفظه لهم، كان أمرًا لازمًا.

لأنه إن كان الشيطان قد بدا يعمل ضدهم، وأزمع أن يغربلهم، فلابد من الناحية الأخرى أن يعمل المسيح لحفظهم...يقويهم ويعزيهم، ويعدهم للتجربة المقبلة، بحبه وحفظه، وبكلامه معهم، وصلاته لاجلهم...

وهذا الحب الذي في قلبه نحوهم، يشجعنا نحن.

يذكرنا بأننا لسنا وحدنا، بل انه معنا كل الأيام والى انقضاء الدهر، ويذكرنا بتعزياته الإلهية، واعداده لأولاده قبل الضيقة، كما يذكرنا بمحبة الآب وحفظه لنا.

ويذكرنا أيضًا أن صلاة المسيح قد شملتنا كذلك بقوله:

(لست أسال من أجل هؤلاء فقط، بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم) (يو 17: 20).

مبارك أنت يا رب، في كل محبتك وحِفْظَك.

نسألك أن تكون معنا، كما كنت مع تلاميذك ورسلك القديسين، بنفس الحب، ونفس الحفظ، ونفس الرعاية.

حقًا إن صلاتك قد حفظت التلاميذ. ومع انهم ضعفوا بعض الشيء إلا أن الإيمان بقى ثابتا فيهم، لم يتزعزع...

وهذا الإيمان الذي فيهم وصل إلينا، بكرازتهم...

واستطاع هؤلاء يا رب أن (يأتوا بثمر كثير) كما أوصيتهم (أع 15: 8)

كل ذلك كان ببركة آلامك المقدسة، وبمحبتك لتلاميذك وتثبيتك لهم في يوم الخميس الكبير الذي غسلت فيه أرجلهم، طهرتهم، ومنحتهم جسدك ودمك، وجلست إليهم تعزيهم وتقوى إيمانهم.

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/good-thursday/last-gathering.html

تقصير الرابط:
tak.la/37ry66c