St-Takla.org  >   articles  >   george-kyrillos  >   metacopt-hymnology
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقال الألحان القبطية وأبعادها الخمسة (متاقبط همنولوجي) - م. جورج كيرلس

13- الأبعاد الخمس للحن: إزمو إفنوتي Ⲥⲙⲟⲩ ⲫ̀ⲛⲟⲩϯ

 

الأبعاد الخمس للحن: Ⲥⲙⲟⲩ ⲫ̀ⲛⲟⲩϯ

مزمور التوزيع 150 باللحن السنوي

 

نص اللحن
1- البُعد الطقسي للحن
كلمات المزمور

2- البُعد الروحي للحن

3- البُعد الموسيقي للحن
    القالب الموسيقي
    استكمالًا للبُعد الموسيقي للحن

استكمالًا للبُعد الروحي للحن

4- البُعد العقائدي للحن

5- البُعد التاريخي للحن

استكمالًا للبُعد الروحي للحن
استكمالًا للبُعد الموسيقي للحن
تأمل
معلومات طقسية عن ألحان المزمور الـ150 على مدار السنة الطقسية
ملحوظات

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البُعد الطقسي للحن

المزمور المائة والخمسون، هو مزمور المزامير، وهو محط اهتمام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فقد وضعت وصاغت له ألحانًا عديدة جميعها عجيبة في روحانيتها بديعة في موسيقاها فتسمو بالروح وتُشنف الآذان، يُذكر منها:

1- اللحن بالطريقة السنوي: ويُنشد في توزيع الأسرار في جميع الأيام ذات الطقس السنوي.

2- اللحن بالطريقة الكيهك: ويُنشد في توزيع الأسرار في شهر كيهك.

3- اللحن بالطريقة الفرايحي: ويُنشد في توزيع الأسرار في الأعياد السيدية وأيام الفرح.

4- اللحن بالطريقة الشعانيني: ويُنشد في توزيع الأسرار في احد الشعانين وعيدي الصليب.

5- اللحن بالطريقة الصيامي الخاصة بسبوت واحاد الصوم الكبير وجمعة ختام الصوم، ويُنشد في توزيع الأسرار في هذه المواعيد.

6- اللحن بالطريقة الصيامي لأيام الصوم الكبير: ويُنشد في توزيع الأسرار في أيام الصوم الكبير دون سبوت وآحاد الصوم الكبير.

كما أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية صاغت له لحنين آخرين يُقال الأول في التسبحة في الهوس الرابع في الأيام السنوي بالطريقة السنوي، ويُقال الآخر في التسبحة في الهوس الرابع في شهر كيهك بالطريقة الكيهكي.

 

وهذا المزمور بهذا اللحن السنوي:

و في الحقيقة الأباء شبهوا سفر المزامير بالسلم السمائي الصاعد إلى علو السماء، وإنه يتكون من ثلاثة درجات- مثل الثلاثة سموات التي رآها القديس بولس الرسول- كل خمسون مزمور يمثلوا درجة فيه:

- مز1 إلى 50: وهو الدرجة الأولى فيها تطويب لكل من لا يسلك في مشورة الأشرار والذي يلهج في ناموس الله نهارًا وليلًا.

- مز51 إلى 100: وهو الدرجة الثانية وتبدأ بمزمور التوبة والغسل من الخطايا التي لصقت بنا أثناء سيرنا في الدرجة الأولى.

- مز 101 إلى 151: وهو الدرجة الثالثة والأخيرة للوصول للسماء حيث نرى الله وجهًا لوجه والتسبيح لرحمته العظيمة التي أوصلتنا إلى هذا.

وإذا كانت كل المزامير الـ149 تمثل لنا عناية الله وما يعمله مع الأتقياء في مدى الحياة على الأرض. يجيئ المزمور الـ150 منفردا ليمثلهم لنا وهم في السماء يسبحوا ربنا مدى الأبدية السعيدة حيث المشاهدة الطوباوية لألهنا وحبيب قلوبنا ربنا يسوع المسيح. من أجل ذلك إختارت الكنيسة هذا المزمور لنرتله أثناء التناول، الذي هو سر الأسرار.

 

انظروا هذا المنظر الطقسي الروحاني البديع: كل الكنيسة ساجدة في خشوع لفترة طويلة، تستمع إلى إعتراف الكاهن يقول:

"أؤمن وأعترف إلى النفس الأخير أن هذا الجسد المحيى، أخذه من سيدتنا.. وجعله واحدا مع لاهوته،

 بغير إختلاط ولا إمتزاج ولاتغيير.. وأسلمه عنا على خشبة الصليب.. وأن لاهوته لم يفارق ناسوته

لحظة واحدة ولا طرفة عين... يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه

..أؤمن أؤمن أؤمن أن هذا هو بالحقيقة آمين"

ثم يكمل الشماس بأعترافه واقفًا مقابله ووجهه لكل الشعب وهو ممسكًا صليبًا بيده اليمين يرمز للخلاص اللي به تم الفداء الذي أعادنا للفردوس، وشمعة باليسار ترمز للكاروبيم اللي أقامه الله شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَلَهِيبَ السَيْفٍ المُتَقَلِّبٍ اللي وضعه لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ بعد طرد آدم، وبينهما تمتد لفافة، وهو يصرخ ويقول مرنمًا:

"أؤمن أؤمن أؤمن"

ويطلب إننا نصلى من أجل أن

"نتناول باستحقاق من هذه الأسرار المقدسة السمائية.."

وينهى إعترافه بطلبه "كيرياليسون" اي "يا رب ارحم"

وبعده الكاهن وهو مطامنًا برأسهِ يهمس قائلًا:

"إن كل مجد وكل كرامة وكل سجود كل حين يليق بالثالوث المقدس"

لذلك، قبل أن يقوم الشمامسة والشعب كله من سجودهم العميق الطويل الممتلئ خشوع، ولحظة إنفتاح أعينهم على سر الأسرار الموضوع على المذبح وقبل ما يصرخوا مرتلين بفرح وتسبيح وتهليل عظيم بالمزمور ال 150 يقفوا وهما يرتلوا:-

"ذوكساسى كيرييه ذوكساسي"

وهي كلمات يونانية معناها: "المجد لك يا رب المجد لك".

يرتلونها تحت تأثير السجود والخشوع والأعين المغمضة التي تركز في قوة كلمات الأب الكاهن وهو يصلى صلاة الإعتراف، يرتلونها من مقام صول الكبير، مقام منفردًا بلحن بسيط منفرد ثابت لا يتغير على مدار السنة الطقسية، ليست له أدنى علاقة بمقام أيٍ من ألحان المزمور الـ150 في أي من المناسبات السابق ذكرها. جملة تحتاج إلى إحساس مرهف وسرعة متئدة وخشوع منقطع النظير، جملة لها لحن مدمج بدون ميليسما اللهم إلا قليلا في تكرار كلمة " ذوكساسى".

ثم بعدها يبتدأوا بترتيل كلمات المزمور الـ150 "هلليلويا إسمو إفنوتى" "سبحوا الله" بلحنه السنوي الذي يرتل به في الأعياد السيدية وفي عيد النيروز الذي نحن بصدده الآن.

ويبدأ الناقوس والمثلث بنقراتهما الحادة المبهجة في العزف إعلانا لفرحة كل الشعب للحظة إتحادهم مع إلههم من خلال سر الإفخاريستيا. ما أعظم وما أقدس هذه اللحظات، وما اجمل هذا اللحن اللى يُنشد به أثناء هذه اللحظات القدسية كسيمفونية تسبيح وعبادة عقلية، بعد أن تم التقديم له بهذه الـOverture بالجملة اللحنية "ذوكساسي كيرييه".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: "Let everything that has breath praise the Lord. Praise the Lord!" (Psalm 150:6) - from "Treasures of the Bible" book, by Henry Davenport Northrop, D.D., 1894. صورة في موقع الأنبا تكلا: مجدوا الرب: "كل نسمة فلتسبح الرب. هللويا" (مزمور 150: 6) - من كتاب "كنوز الإنجيل"، لـ هنري دافينبورت نورثروب، د. د.، 1894.

St-Takla.org Image: "Let everything that has breath praise the Lord. Praise the Lord!" (Psalm 150:6) - from "Treasures of the Bible" book, by Henry Davenport Northrop, D.D., 1894.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مجدوا الرب: "كل نسمة فلتسبح الرب. هللويا" (مزمور 150: 6) - من كتاب "كنوز الإنجيل"، لـ هنري دافينبورت نورثروب، د. د.، 1894.

كلمات المزمور:

يبدأ المزمور هكذا:

̀ⲙⲟⲩ ⲉ̀Ⲫⲛⲟⲩϯ Ϧⲉⲛ ⲛⲏⲉ̀ⲑⲟⲩⲁⲃ ⲧⲏⲣⲟⲩ ⲛ̀ⲧⲁϥ:

Ⲥ̀ⲙⲟⲩ ⲉ̀ⲣⲟϥ ϧⲉⲛ ⲡⲓⲧⲁϫⲣⲟ ⲛ̀ⲧⲉ ⲧⲉϥϫⲟⲙ

1- هلليلويا سبحوا الله في جميع قديسه، سبحوه في جلد قوته.

 2- سبحوه على مقدرته، سبحوه ككثرة عظمته.

ثم بدأ داود النبي يدعو كل الآلات أن تشاركه تسبيح الرب وحمده فقد عظم الصنيع معنا، فهو لا يريد أيً منها أن يُحرم من التسبيح، فيقول:-

 3- سبحوه بصوت البوق، سبحوه بالمزمار والقيثار.

 4- سبحوه بالدفوف والصفوف، سبحوه بالأوتار والأرغن.

 5- سبحوه بصنوج حسنة الصوت، سبحوه بصنوج التهليل.

وفي النهاية حتى لا ينسى أي منها وحتى لا تُحرم أيةُ آلةٍ من يقول:

 6- كل نسمة فلتسبح الرب الهنا الليلويا

وبالرغم من إنه بالآية " كل نسمة فلتسبح الرب الهنا الليلويا" يُنهي داود النبي مزموره التسبيحى، إلا إن الكنيسة القبطية لم تكتفى بهذه النهاية وراحت تعطى المجد للآب بالجملة المشهورة التي تقول:

"المجد للآب والإبن والروح القدس...

الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين

الليلويا الليلويا المجد لإلهنا

الليلويا يسوع المسيح إبن الله.. إسمعنا وإرحمنا"

وكأن الكنيسة حبست لحن المزمور وكلماته بين تمجيدات الرب قبلما يبدأ وبعدما ينتهى.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البُعد الروحي للحن:

لكي نفهم البُعد الروحي للحن، يجب أن نغوص روحيًا في معانيه. فعندما يبدأ المزمور بالآية:

†" هلليلويا. سبحوا الله في جميع قديسه. سبحوه في جلد قوته"

 سبحوا الله في قديسيه". أي سبحوا الله من أجل القديسين لأنه جعل الناس بنعمته قديسين. ومنحهم البنوة والتبرير من الخطية والقداسة وجعلهم بجرأةٍ يقفوا ليقولوا "أبانا الذي في السموات".

إن الكنيسة تُريدنا ونحن نقف حول الخروف المذبوح عن خطايانا، أن نحيا هذه اللحظات القُدسية التي رآها القديس يوحنا اللاهوتي في رؤياه الأصحاح 5 (رؤ 5)، التي فيها يخر الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ. وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌ أَنْتَ... لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ. وأيضًا لنشارك ربوات وألوف المَلاَئِكَةٍ حَوْلَ الْعَرْشِ الذين صرخوا قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "مُسْتَحِقٌ هُوَ الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ." ليس هؤلاء فقط بل وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، يجب أن تصرخ معهم وتسبح.

لذا أن يُسبح الله من قبل صانعي القداسة والموجودين فيها هذا أمرٌ كتابي. وأن يسبحوا في أرض القداسة، هو أمرٌ طبيعي لأنه: "كيف إذًا يُرتل تسبيحًا لله في أرض غريبة؟" (مز4:137)، "وكيف تُطرح القدسات للكلاب والجواهر أمام الخنازير (مت 6:7). ومن أجل ذلك يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى تسالونيكى 1 أية 10 (تس 1: 10)-

"متى جاء ليتمجد في قديسيه ويُتعجب منه في جميع المؤمنين".

وفي رسالته إلى كولوسى 1: آية 21 (كو 1: 21) يقول:

"وانتم الذين كنتم قبلا اجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة

قد صالحكم الان في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى إمامه".

من أجل كل هذا نحن نسبح الله في جميع قديسيه، ونسبحه بلحن جميل نرتل فيه قائلين "هلليلويا. سبحوا الله في جميع قديسه".

 ̀ⲙⲟⲩ ⲉ̀Ⲫⲛⲟⲩϯ Ϧⲉⲛ ⲛⲏⲉ̀ⲑⲟⲩⲁⲃ ⲧⲏⲣⲟⲩ ⲛ̀ⲧⲁϥ "إسمو إفنوتى خين ني إئؤواب تيرو إنتاف" ولابد في مثل هذه اللحظات القدسية أن يكون اللحن مُبهجًا فقد "صالحنا في جسم بشريته بالموت وأحضرنا قديسين بلا لوم ولا شكوى"، فلابد إذًا من الناقوس والمثلث أن يُعبرا عن هذه البهجة.

← انظر مقالات وكتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البُعد الموسيقي للحن

لنتأمل في موسيقية الجزء الأول من هذا اللحن:

يبتدأ اللحن بتمهيد أو بإفتتاحية بجملة "ذوكساسى كيرييه ذوكساسى" "المجد لك يا رب المجد لك" من مقام صول الكبير، مقام يمكن عزفه على آلة البيانو لأنه لا يحتوي على ميكروتون. وتنتهى هذه الجملة الصغيرة وينتهى معها المقام الكبير. فقد عبر المقام الكبير بفخامته عن المجد لله الآب، ولكن من خلال جملة عذبة ممتلئة نعومة، فقد جاءت بعد سجود طويل وخشوع عميق خلال الأعتراف الذي رنمه الكاهن وآمن وصدق عليه الشماس باللحن.

إلا أنه بعد ذلك ومع بذوخ فجر الهلليلويا التي تظهر مع بداية المزمور الـ150، يتحول المقام بشكل فجائي مستفز، من مقام "صول ماجير" الذي لم يمضي عليه أكثر من 8 موازير ليتحول من أقصى الغرب لأقصى الشرق، إلى مقام تحولت فيه النغمات هكذا:

- نغمة ال "مي الطبيعية - بيكار" تحولت إلى "مي سيكاه"

- نغمة الفا دييز (#) صارت فا طبيعية بخفضها نصف تون.

- نغمة ال "سى الطبيعية – بيكار" صارت "سي بيمول" بعد خفضها نصف تون.

لماذا كل هذا التحول ولم يمضي من اللحن سوى 8 موازير. وأكثر من هذا، فالجملة التي تبدأ بالمقام الكبير "ماجير" تبدأ بنغمة المى الطبيعية "بيكار"، والجملة الجديدة للمقام الجديد تبدأ بالمى السيكاه!! منتهى الصعوبة والتعقيد المقامي. هل يُظَن بعد كل ذلك أنه يمكن لأحدٍ ما ليس لديه موهبة أن يعرف كيف يتقن هذا اللحن، وكيف يؤدي هذا التناغم بتحولات معقدة من مقام غربي صرف (مجازًا فالمقامات جميعها مصرية قبطية) إلى مقام شرقي صرف (مجازا). أذكر أن "فرقة دافيد" عندما قامت بتسجيل هذا اللحن، إستغرقت أوقاتًا طويلة للتدرب على هذا التحول الموسيقي المقامي الشديد الصعوبة. فهو يجب أن يُرنم بحذر وبفهم وبوعي وإدراك موسيقي عالي، فمن يرتله يشبه رجلًا يسير على "الحبل" في توازن متقن يكشف عن تدريب قاسي.

فماذا تظنون حكمة الكنيسة في ذلك؟ إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العريقة العميقة في معاني ألحانها تريد أن تُربي في وجدان كل المؤمنين أن يكون هناك فصل واضح بين مفهوم القداسة من مصدر القداسة الذي هو الآب القدوس الممجد الذي نقول له "ذوكساسى كيرييه ذوكساسى" "المجد لك يا رب المجد لك" وبين مفهوم القداسة التي إكتسبناها بسبب المصالحة، وهو نفس المفهوم الذي أكدته الكنيسة منذ قليل عندما وقف الكاهن ليرنم بصوت عالٍ قائلًا: "القدسات للقديسين" فرد الشعب وهو يصرخ باللحن قائلًا "واحد هو الآب القدوس" لا أحد سواه.

إن الكنيسة تؤكد هذا المفهوم بالموسيقى بالمقامات بإعطاء المجد للآب القدوس الواحد، من مقام مختلف تمامًا عن المقام الذي يبتدأ به المزمور الذي سوف نسبح فيه الله في جميع قديسيه، حتى لا يحدث خلط بين مصدر القداسة كلى القداسة الله الآب، والذين قدسهم الآب "في جسم بشريته بالموت فأحضرهم قديسين بلا لوم ولا شكوى امامه".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

القالب الموسيقي

عند تحليل لحن مزمور التوزيع رقم 150 باللحن السنوي موسيقيًا من ناحية القالب الموسيقي طبقًا للشكل المرفق، نجد أنه يتكون من الآتي:

- التقديم بالذوكصا "المجد لك يا رب يا رب لك المجد" والتي تقوم بدور الإفتتاحية Overture. 

- الهلليلويا بلحنها الميليسماتي الكثيف النغمات، وهي مندمجة مع اول جملة فقط من جمل المزمور "سبحوا الله في جميع قديسيه" "إسمو أفنوتي خين إثؤواب تيرو إنتاف" ويلاحظ فوز كلمة هلليلويا فقط بأكثر من 20 مازورة موسيقية ميليسمية تموج بالنغمات التي تعلو أحيانًا لتصل إلى نغمة "المحير- ري أوكتاف أعلى" ويسمونها بالفارسي "جواب الدوكاه"، كما يُلاحظ في هذا الجزء كثرة الزخارف الكتيرة والحقيقة تُفال أنها منطقية في هذا اللحن المبهج الذي نشدو به بسبب حصولنا واشتراكنا في جسد الرب ودمه الذي سفك كفارة عن جميع خطايانا. 

- مجموعة الجمل الخاصة بأسباب التسبيح للرب (في جلد قوته – على مقدرته – ككثرة عظمته، ومعها مجموعة الجمل الخاصة بدعوة جميع الآلات الموسيقية للتسبيح "صوت البوق – المزمار والقيثار – الفوف والصفوف – الأوتار والأرغن – بصنوج حسنة الصوت – بصنوج التهليل – كل نسمة فلتسبح إسم الرب إلهنا هليلويا".

- الختام أيضا بالذوكصا "ذوكسابتري.... ثم كى نين....

- هلليلويا المجد لإلهنا

- هلليلويا يسوع المسيح إبن الله إسمعنا وأرحمنا.

 

إنه من المناسب جدًا إنه لو هذه الكلمات المباركة الجميلة تأثر بها مُلحن وأراد أن يُعبر عن مشاعر شعب إمتلأ قلبه بالحب المقدس والفرح الداخلى والغبطة والسرور، شعب يقف في شوق للتناول من مائدة الأسرار المقدسة، شعب يقف مترقب لنحو 4 ساعات والكنيسة تُعِده لهذه اللحظات من خلال طقوس وصلوات ومماراسات عبادية وألحان كثيرة متنوعة، وتُعِد له بخطوات متئدة من توبة وإعتراف وتسبحة عشية، ورفع بخور عشية، وتسبحة نصف الليل ورفع بخور باكر، وقداس الموعوظين وقراءات كتيرة وعظة وقداس المؤمنين الممتلئ بالصلوات والطلبات والتضرعات كل ذلك من أجل هذه اللحظات القدسية التي فيها سوف نتقدم إلى هذه المائدة، هل تظن أنه عندما تجيئ هذه اللحظة التي طال إنتظارنا لها، هل تظن انه سيقف صامتًا لا يسبح بهذا اللحن العميق الذي زمنه يصل إلى نحو 6 دقائق ونصف؟ هل تريده أن يقف دون أن يسبح ويهلل ويمجد بهذا اللحن؟

هل تظن أن هذا الملحن ستكون له أفكار أخرى بعيدة عن هذه الأفكار الموسيقية العميقة؟ إنه سوف يقدم بالنغم بالتمجيدات، وسوف يضع ميليسما للهليلويات حتى تطول هذه اللحظات ولا تنتهي سريعًا. وسوف يعلو بالنغمات حتى ترتفع إلى منطقة الجوابات وكأنه يُحلق في السماوات، إنه فوق.. فوق الزمان والمكان.."إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس.. نحسب كالقيام في السماء".. وسوف يُكثر من الزخارف والحليات ليعبر عن السعادة والفرح إذ أنه اخيرا إتحد مع المسيح في سر الإفخاريستيا. وسيجعل الناقوس والمثلث يدقوا دقاتهم المبهجة تعبيرا عن هذه الفرحة التي لاتوصف.

حقًا كان لا بُد من أن يُصاغ اللحن بهذا الأسلوب حتى يُعبر عن كل هذه المعاني الروحية.

ويُلاحظ أنه في الجزء الأول من اللحن بعد التقديم بالذوكصا، أن الموسيقى تعلو ثلاث مرات: الأولى في هلليلويا، والثانية في "إفنوتى" والثالثة في "ني" التي هي "خين ني" إثؤواب. وإذا كان لى إنى أفسر هذا، فليس له تفسير إلا ان الإرتفاع الحاد ثلاث مرات هو لتأكيد التسبيح، وأن أول مرة كانت في الـ"هلليلويا"، أي إرتفاع التسبيح للتسبيح والتهليل، فمسرة قلوبنا هو تسبيح الرب وحمده لأنه لإلهنا يلذ التسبيح، هذا الذي من أجله يقول أشعياء النبي:

"لاجعل لنائحي صهيون لاعطيهم جمالا عوضا عن الرماد ودهن فرح عوضا عن النوح

و رداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة " (اش 61: 3)

 

"لانه كما ان الارض تُخرج نباتها وكما ان الجنة تُنبت مزروعاتها

 هكذا السيد الرب يُنبت برا وتسبيحا امام كل الامم" (اش 61: 11)

وكلمة هلليلويا عبرية معناها "سبحوا ياه" (و"ياه" مختصر اسم "يهوه" أى "الرب") وهي تعتبر صيحة فرح وتهليل، للتعبير بقوة وبفرح عن الحمد والشكر والتعظيم للرب. لذا فمن المنطق إن يعلو اللحن عند "هلليلويا" في أول مرة.

أما المرة الثانية، فيعلو فيها اللحن عند كلمة "إفنوتى" ومعناها "الله" الذي قال عنه حبقوق النبي في صلاته الجميلة:

"الله...جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران سلاه،

 جلاله غطى السماوات والارض امتلات من تسبيحه" (حب 3: 3)

أما المرة الثالثة فيعلو فيها اللحن عند "ني" من كلمة "خين ني إثؤواب" حتى يُعلمنا أين؟؟ "سبحوا الله نعم لكن أين وكيف؟ والإجابة في هذا العلو الثالث "في جميع قديسيه"، لقد رفع اللحن من منزلة قديسيه، لأنه في هذا التوقيت من القداس يحل الروح القدس في المؤمنين فيصيروا قديسين ويتمجد الله في قديسيه. كما يقول القديس بولس:

"متى جاء ليتمجد في قديسيه" (2تس 1: 10)

 وبالحقيقة قد جاء وحل فيهم وتمجد بهم، وقد إرتفع اللحن في ثالث مرة ليؤكد هذا المفهوم. لقد بلغ اللحن ذروته الموسيقية في هذا الجزء لذا عند كلمة "تيرو إنطاف" (t3rov معناها كل او جميع، و`nta4 هي ضمير الملكية الذي يعود على الله "جميع قديسيه" لذا بعد تأكيد هذا المفهوم يهدأ اللحن وتسكت الإيقاعات برهةً فيصمت الناقوس والمثلث، لنتهيأ للدخول إلى عمق الجزء الثانى من اللحن، الذي فيه يُعلمنا "داود النبي" كيف نسبح وكيف نُشرك كل الخليقة معنا في تسبيحه وكل الآلات الموسيقية فلتسبح إسم الرب إلهنا هلليلويا.

استكمالًا للبُعد الموسيقي للحن (الجزء الثاني من اللحن):

إن الجزء الثانى من اللحن يعد من الناحية الموسيقية غاية في البساطة، فهو عبارة عن جملة موسيقية عذبة رقيقة تتكرر خمس مرات، وكل جملة تتكون من عبارتين متساويتين الثانية هي ذاتها الاولى لكنها أعلى درجة صوتية بمسافة يُطلق عليها "تانية زائدة" (وهي هنا هي المسافة من "لا بيمول" إلى "سى بيكار")

 

وفي هذه الجملة العذبة الرقيقة التي تتكرر خمسة مرات يُقال المرد الثابت سبحوه ⲥⲙⲟⲩ ⲉⲣⲟϥ قبل كل عبارة من العبارات العشرة التي تتشكل منها الجمل الخمس التي تأتي هكذا:

1- الجملة الأولى: العبارة الأولى: في جلد قوته (ϧⲉⲛ Ⲡⲓⲧⲁϫⲣⲟ ⲛⲧⲉ ⲧⲉϥϫⲟⲙ)

 - العبارة الثانية: على مقدرته (ⲉϩ̀ⲣⲏⲓ ϩⲓϫⲉⲛ ⲧⲉϥⲙⲉⲧϫⲱⲣⲓ)

2- الجملة الثانية: العبارة الأولى: ككثرة عظمته (Ⲕⲁⲧⲁ ⲡⲁϣⲁⲓ ⲛ̀ⲧⲉ ⲧⲉϥⲙⲉⲧⲛⲓϣϯ)

- العبارة الثانية بصوت البوق) (ϧⲉⲛ ⲟⲩⲥ̀ⲙⲏ ⲛ̀ⲥⲁⲗⲡⲓⲅⲅⲟⲥ

3- الجملة الثالثة: العبارة الأولى بالمزمار والقيثار (ϧⲉⲛ ⲟⲩⲯⲁⲗⲧⲏⲣⲓⲟⲛ ⲛⲉⲙ ⲟⲩⲕⲩⲑⲁⲣⲁ)

 - العبارة الثانية: بالدفوف والصفوف "ϧⲉⲛ Ϩⲁⲛⲕⲉⲙⲕⲉⲙ ⲛⲉⲙ ϩⲁⲛⲭⲟⲣⲟⲥ

4- الجملة الرابعة: العبارة الأولى: بالأوتاروالأرغن (ϧⲉⲛ Ϩⲁⲛⲕⲁⲡ ⲛⲉⲙ ⲟⲩⲟⲣⲅⲁⲛⲟⲛ)

 - العبارة الثانية بصنوج حسنة الصوت (ϧⲉⲛ Ϩⲁⲛⲕⲩⲙⲃⲁⲗⲟⲛ ⲉⲛⲉⲥⲉ ⲧⲟⲩⲥ̀ⲙⲏ)

5 - الجملة الخامسة: العبارة الأولى: بصنوج التهليل (ϧⲉⲛ Ϩⲁⲛⲕⲩⲙⲃⲁⲗⲟⲛ ⲛ̀ⲧⲉ ⲟⲩ̀ϣ̀ⲗⲏⲗⲟⲩⲓ̀)

- العبارة الثانية: كل نسمة فلتسبح الرب الهنا (ⲛⲓϥⲓ Ⲛⲓⲃⲉⲛ ⲙⲁⲣⲟⲩⲥ̀ⲙⲟⲩ ⲧⲏⲣⲟⲩ ⲉ̀ⲫ̀ⲣⲁⲛ ⲙ̀ Ⲡ̀ϭⲟⲓⲥ ⲡⲉⲛⲛⲟⲩϯ)

وهنا فقط يتم إستبدال المرد سبحوه ̀ⲙⲟⲩ ⲉⲣⲟϥ " والذي يفصل بين الجمل والعبارات بالمرد "هلليلويا" ليتم التنغيم بالتمجيدات في ختام اللحن كما بدأ بالتمجيدات في أوله.

وليس لدي شخصيا تفسيرًا اوتبريرًا لأن تكون العبارة الثانية في مطلعها الموسيقى أعلى "ثانية زائدة" من مطلع العبارة الأولى، لأنه ليس من الممكن أن يكون المقصد هو التعبير عن مقدرة الله ليكون أعلى نغميا من التعبير عن جلد قوته. أو أن يكون هناك علاقةً بين صوت البوق وكثرة عظمة الله. لكن اغلب الظن أن العبارتان كان لهما نفس اللحن ومع الوقت حدث هذا التغيير بهدف خلق تنوع داخل الجمل الموسيقية التي لها عبارات تتكرر عشرة مرات، إلا أن هذا التغيير البسيط جعل الجملة الموسيقية تبدو وكأنها تتكرر فقط خمس مرات بدلًا من أن يتم إعادة العبارة عشر مرات.

 وهنا يجب الوضع في الإعتبار أن تراث الألحان القبطية التقليدية الثابتة في تسليمها على مدى 2000 عام، هو أيضًا تراثٌ حيُ، قَبِلَ أن يستوعب مشاعر كل المؤمنين في كل جيل وهم يتأثرون باللحن ويتفاعلون به روحيًا وأن تُدغدغ هذه النغمات أحاسيسهم الروحية فتنسكب منهم نغمات مضافة تؤثر في اللحن تغيرًا طفيفًا، فيحدث هذا التبادل التفاعلى بين هؤلاء المؤمنين وبين هذه النغمات كانت ثمرتها ألحان قبطية صارت أعظم تراث في العالم أجمع الديني والدنيوي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

استكمالًا للبُعد الروحي للحن:

لفهم المعانى الروحية الخاصة بالجزء الثاني يجب معرفة ماتقوله الكتب الروحية في هذا الشأن. فبعض الكتب تقول "سبحوه في فلك قوته" معناه: سبحوه لأنه كوَن الفلك بقوته لأجل الإنسان. لكن طبقًا للنص القبطى: "إسمو إيروف... خين بى تاجرو إنتى تيفجوم" فتكون الترجمة المناظرة هي "سبحوه... في جَلَد قوته".

يقول الكتاب في سفر التكوين الأصحاح الأول (آية 6-8) عن بداية الخليقة إنه في اليوم الثاني خلق الله الَجَلَدَ (جَلَد هي كلمة عبرية معناها غلاف):-

وَقَالَ اللهُ: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِوَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ".

فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِوَكَانَ كَذلِكَ.

وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا.

فماذا يجب أن نصنع لهذا الإله الخالق الذي يرنم له الكاهن في القداس الإلهي قائلًا:

"مستحق ومستوجب..أيها الكائن قبل الدهور والمالك إلى الأبد.. الذي خلق السماء والارض والبحر وكل مافيها..

ما يرى وما لا يُرَى الجالس على عرش مجده المسجود له من جميع القوات المقدسة"

هذا الإله الذي ليس له شبيهٌ بين الآلهة!! ليس لدينا سوى أن نسبحه في "جَلَد قوته" "إسمو إيروف... خين بى تاجرو إنتى تيفجوم" لأنه "الإِلهُ الَّذِي يُعَزِّزُنِي بِالْقُوَّةِ، وَيُصَيِّرُ طَرِيقِي كَامِلًا" (2صم 22: 33)

ثم تأتي بعد ذلك العبارة الثانية وهي العالية المطلع "سبحوه... على مقدرته" "إسموو إيروف... إي إهري هيجين تيف ميت جوري". "فعلا انت مستحق ايها الرب ان تاخذ المجد والكرامة والقدرة لانك انت خلقت كل الاشياء وهي بارادتك كائنة وخلقت" (رؤ 4: 11)

ويقول القديس يوحنا الرائى، "بعد هذا سمعت صوتا عظيما من جمع كثير في السماء قائلا هلليلويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب الهنا" (رؤ 19: 1)

ونحن أيضًا نُحْسَب كالقيام في السماء ونقف لكي نرتل المزمور الـ150 قائلين "هلليلويا" فنسبحه ونعطيه المجد والكرامة على مقدرته الفائقة. "إسموو إيروف إي إهري هيجين تيف ميت جوري" ومعناها "سبحوه.. ككثرة عظمته".

صاحب المزامير كان يشعر بكثرة عظائم الله معه، حتى أنه كان يقول: "بِرَكَ إلى العلياء يا الله الذي صنعت العظائم، يا الله من مثلك" (مز 71: 19). وبالذات في مصرنا الغالية، مكتوب: "الصانع عظائم في مصر" (مز 106: 21)

كذلك العذراء مريم شعرت بعظائمه الكثيرة حتى أنها صاغت نشيد التعظيم فقالت: "لأن القدير صنع بي عظائم وإسمه قدوس" (لو 1: 49). فمن أجل كل هذا نسبحه ككثرة عظمته، فهكذا قال "أيوب الصديق": "فاعل عظائم لا تفحص وعجائب لا تعد" (اي 9: 10) فعلا هي عظائم كثيرة لا تعد.

إنها حقًا عظائم كثيرة ولكن أعظمها التجسد، إله يملأ السماء والأرض بل لا يخلو منه مكان ولا يحتاج شيء بل هو الذي "يعطي نفسًا وحياة وكل شيء" (أع 25:17) يتجسد ويأخذ جسد إنسان! ما هذا يا الله؟! لو كل الخليقة سبحتك طول الدوام وإلى الأبد لا يكفي لهذه الأعجوبة.. ومن أجل ذلك فالنبي إذ كان يعلم بالروح ما سيصنعه الله قال: "سبحوه ككثرة عظمته."

"إسموو إيروف كاطا إب أشاي إنتي تيف ميت نيشتي".

وعندما يتذكر النبي صاحب المزامير عظائم الرب الكثيرة التي لا تُعد، يبدأ ممسكًا بالآلات الموسيقية العديدة التي حوله والتي بين يديه ليسبح ربنا على كثرة عظمته فيجعل كل هذه الآلات جميعها تشاركه تسبيحه.

← انظر مقالات وكتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البُعد العقائدي للحن

ولكن ربما يريد البعض ان يتسائل: كيف يكون هذا وكيف يفسر هذا التناقض، فالكنيسة القبطية واقفةً تُرنم: "سبحوه بصوت البوق وبالمزمار والقيثار وبالدفوف والصفوف وسبحوه بالأوتار والأرغن"، وجميع المؤمنين والشمامسة ليس بين أيديهم هذه الآلات لكي يسبحوا بها، لو كانت معهم هذه الآلات لكانت الكنيسة منعتهم من التسبيح بها. فما هو التفسير العقائدي لهذا التناقض بين ما نقوله وما نفعله.

فعندما يبتدئ داود الملك بآلة البوق فيقول: "سبحوه.. بصوت البوق". "إسموو إيروف.. خين اوو إسمي إنصالبينغوس" والبوق أو آلة (الصور) كان يُصنع قديمًا من قرن الكبش أو من الفضة وبعض المعادن. لكن الآباء من الناحية الرمزية يعتبروا أن صوت البوق (الصور) هو التعاليم الإلهية التي يكرز بها المعلمون. وهذا البوق هو الذي يُنهض الأموات الراقدين في قبور الغفلة والاستهتار. ومنفصلين عن الحياة الأبدية. وكأن الكنيسة في هذا التوقيت إنما هي تنبه بصوت البوق أى إنسان موجود في الكنيسة ولا يدرك خبز الحياة الذي نزل من السماء الموجود على المذبح وهو جالسٌ بعيدًا وقد حرم نفسه من التناول من الأسرار المقدسة. إذ يقول القديس بولس: "إنه في لحظة في طرفة عين عند البوق الاخير فانه سيُبَوق فيقام الاموات عديمي فساد ونحن نتغير" (1كو 15: 52)، إنها فعلا دعوة مجانية للتغير.

كما أن الضرب بالبوق كما هو مكتوبٌ في سفر يوئيل، هو دعوة للقداسة، إذ يقول: "اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف" (يؤ 2: 15).

 ومن المناسب جدًا أن نجد الجملة: "سبحوه.. بصوت البوق. إسموو إيروف.. خين اوو إسمي إنصالبينغوس" تأتي في العبارة الثانية الأكثر علوًا في النغم بمسافة موسيقية قدرها "ثانية زائدة"، فكما ذكرنا من قبل إن الجملة الموسيقية التي تتكرر خمس مرات، تتكون من عبارتين متساويتين الثانية هي بذاتها الاولى لكنها أعلى بمسافة "تانية زايدة"، فحظي البوق بنصيب النغمات العالية لتتناسب مع طبيعته وصوته القوي ورمزه الروحي.

ويُكمل صاحب المزمور:

"سبحوه.. بالمزماروالقيثار" "إسموو إيروف.. خين او إبصالتيريون نيم او كيثارا".

فيقول القديس أمبروسيوس مفسرًا ذلك: "... لتأخذ أنت أيضًا قيثارة (الأوتار) حتى إذا ما تمتعت بلمسة الروح، تستجيب أوتارك الداخلية مع صدى الأعمال الصالحة لتمسك بالعود (المزمار) فيتحقق الانسجام بين كلمات الروح وأعمالك".

ويفسر القديس كليمندس كلمات المزمور الخاصة بدعوة الآلات الموسيقية فيقول:

سبحوه بصوت البوق: لأن بصوت البوق سيدعو الراقدين إلى القيامة..

سبحوه بالمزمار: أى اللسان الذي هو مزمار الرب..

سبحوه بالقيثارة: وهي الفم حينما يحركه الروح القدس كالوتر..

سبحوه بطبول ورقص: يشير إلى الكنيسة التي تتأمل القيامة من الأموات من خلال وقع الضرب على الجلد الميت..

سبحوه بالأوتار والأرغن: الأرغن هو الجسد وأعصابه هي الأوتار التي حينما تتقبل الانتعاش بانسجام من الروح القدس يوقع عليها من الأصوات البشرية..

سبحوه بصنوج حسنة الصوت: فهو يشير إلى الشفتين في الفم حينما يوقع عليها النغمات..

كل نسمة فلتسبح اسم الرب: هنا يدعو البشرية كلها أن تسبح لأنه يعتنى بكل مخلوق يتنفس والانسان هو حقًا آلة السلام.

ويكمل القديس كليمندس فيقول:

ولكن لأن الأجناس كل جنس يستخدم آلة من هذه الآلات لإعلان الحرب ولا توجد آلة واحدة للسلام

 وهي الكلمة التي بها نكرم الله ونمجده" فلذلك لا نستخدم إلا الكلمة وحدها..

فنحن لا نستخدم البوق أو المزمار أو الطبل أو الصفارة التي يستخدمها المختصون في الحروب وفي حفلاتهم

.. أليست القيثارة ذات العشرة أوتار هي إشارة إلى كلمة يسوع"..

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البُعد التاريخي للحن

الترتيل أثناء التناول بالمزمور ال 150 هو تقليد قبطي سحيق في القدم، أشار إليه العلامة كليمندس الإسكندري (150-215 م)، وتذكره قوانين القديس باسيليوس الكبير وهي قوانين مصرية تعود إلى القرن السادس الميلادي.

كذلك القانون رقم (10) ورقم (78) من قوانين البابا أثناسيوس بطريرك الإسكندرية وهي قوانين ترجع إلى القرن الخامس وهي تؤكد أن الترتيل يظل مستمرًا طيلة وقت توزيع الأسرار المقدسة. فمثلًا يذكر القانون رقم (78):

"وما دامت السرائر المقدسة على المذبح قبل أن تُرفع، لا تسكت القراءة من قدامه، بل يرتلون بكلام الله أو يقولون في المزامير، لإنه مكتوب إني رتبتُ حُراسًا على أسوار أورشاليم الليل والنهار، هؤلاء الذين لا يسكتون كل حين من ذكر الرب، ولإنه جسده ودمه فلا يَفترون من تسبحته إلى الوقت الذي يُنَظف فيه الموضع (أي المذبح)"

كما أكد ذلك "إبن كبر"(1324م) في حديثه عن التناول من الأسرار المقدسة فقال:

"ويقال المزمور ال150 وله لحنان، لحن للصوم ولحن لسائر الأيام، ولحن ثالث يُدمج فيه يقال في كيهك وما يجري مجراه، ويرتل المرتلون بما يوافق ذلك اليوم من الثاؤطوكيات"

والتسبيح بالآلات الموسيقية من الناحية التاريخية كان يستخدم قديما في الكرازة والتبشير، ويُذكر أن القيثارة المشهورة التي وُجِدت في منطقة أيرلاندا هي مأخوذة بالفعل من القيثارات التي نقلها المبشرون المصريون والتي كانت الكتيبة الطيبية التي بدأت من ايطاليا إلى سويسرا ثم ايرلاندا من أهم هذه البعثات التبشيرية، وإن دل هذا فإنما يدل على أن المبشرين كانوا حريصين على أنهم يحملوا معهم آلات موسيقية "كالقيثارة" ضمن برنامج التبشير حتى يكون التسبيح هو الركيزة الأساسية في كرازاتهم.

الأمر العجيب هو أنه بالرغم من كل هذا إلا أن القديس كليمندس الاسكندرى أوقف استخدام الناى واستبدله بالناقوس "Cymbalon".

ويذكر التاريخ لنا أيضًا أن السكندريون كانوا متفوقين على كل الشعوب الأخرى في العزف على الآلات الموسيقية مثل الناى والجنك، حتى أن الرجل العادى من طبقات الشعب العامة، الذي ربما لا يعرف كيف يكتب اسمه، كان بسهولة شديدة يقدر أن يميز أى خطأ يقع فيه أى عازف وهو يعزف على آلة الناى أو الجنك. وأكتر من ذلك، فقد بلغ العزف على آلة الناى في مدينة الاسكندرية إلى درجة من الاتقان وصلت إلى أن العازفون السكندريون كانوا يُطلبون بالإسم حيث كانوا يدعونهم في كل مكان وكان الأناس العاديون يكونون في غاية السعادة عندما ينجحوا في الوصول إلى أيٍ من هؤلاء العازفين.

على صعيدٍ تاريخيٍ آخر، يُقال إنه في كنائس أورشليم في القرن الرابع الميلادى كانوا يرنمون مزمور "أبارك الرب كل حين وتسبحته دائما في فمى"، فكان الشعب يرد قائلًا "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). حقًا أن "حلقه حلاوة وكله مشتهيات هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات اورشليم" (نش 5: 16)

ويكمل المزمور:

"سبحوه.. بالمزماروالقيثار" "إسموو إيروف.. خين او إبصالتيريون نيم او كيثارا".

إن الكنيسة القبطية وضعت لحنًا معروفًا إسمه "أطاى بارثينوس" وفي هذا اللحن أمسكت آلة القيثارة وترًا تلو الآخر وسبحت فقالت: داؤد حرك الوتر الأول من قيثارته صارخًا قائلًا: "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك". وحرك الوتر الثانى من قيثاراته صارخًا قائلًا: "اسمعى يا ابنتى وأنظرى وأميلى سمعك وإنسى شعبك وبيت أبيك....." وظلت تسترسل في اللحن مع باقي الأوتار وتسبح على كل وتر، نبوة عن العذراء تنبأ بها داؤد حتى بلغت الوتر العاشر فقالت:

"الرب اختار صهيون ورضيها مسكنًا لها.."

أليس ذلك يعني أن الكنيسة ليست ضد الآلات الموسيقية، إنما كل مافي الأمر أنه كان هناك تخوف فقط من أن تتغلغل هذه الآلات في الليتورجيا. فتتشتت أذهان المؤمنين بإنجذابهم لكل آلة وطريقة العزف وتقنية كل عازف وهو يجيد العزف على كل منها، قيبعد ذهنهم عن الكلمات الإلهية ويذهب بعيدًا إلى الآلات الموسيقية.

"إسموو إيروف.. خين او إبصالتيريون نيم او كيثارا".

القيثارة هي الآلة التي رأها وكتب عنها القديس يوحنا اللاهوتى في سفر الرؤيا:، عندما رأى الغالبين واقفين على البحر الزجاجى ومعهم "قيثارات الله" (رؤ 15: 2).

إنها القيثارات التي يعطيها الله فقط للغالبين، لستُ أدري من أى خامةٍ صنعك الإله القدير أيتها القيثارة الحبيبة، هل لك اوتار من نور، هل لك صندوق مصنوع من جَلَدٍ وأثير، هل لك مفاتيح مثل جامات من ذهب صغيرة ممتلئة بالحب الإلهى، أو من قطع من الثلج الأبيض هل سيأتي يومًا ويسمح لي إلهي أن أمسك بك أيتها القيثارة الإلهية فأنا لست الآن مستحقًا ولا مستعدا، ولم ألبس بعد البز والكتان، ولباسى لم يطعم بعد بالعقيق والجمشت والأسمانجونى والزمرد"...

ربما منعت الكنيسة القبطية العزف على القيثارة لأنها رأت صورة "قيثارة الله" ليس لها أدنى علاقة بأيةِ قيثارةٍ موجوده على الأرض مهما كانت دقة صناعتها ونوع الخامات المصنوعة منها.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

استكمالًا للبُعد الروحي للحن:

ثم يسترسل المزمور:

"سبحوه بالدفوف والصفوف" "إسموو إيروف خين هان كيمكيم نيم هان خوروس"

قديمًا عندما كانوا يُصعدوا تابوت عهد الرب يقول الكتاب أنه وقف "داود وكل بيت اسرائيل يلعبون امام الرب بكل انواع الالات من خشب السرو بالعيدان وبالرباب وبالدفوف وبالجنوك وبالصنوج." (2 صموئيل أصحاح 6).

أما عن باقي الآيات التي بالإنجيل والتي تتكلم عن تسبيح الرب بالدفوف فعددها يفوق الوصف، لكن دعونا نتكلم عن الصفوف. فلحن "كاتا ني خوروس" والذي يُرتل في توزيع عيد القيامة والخماسين، أي في نفس التوقيت من القداس مع المزمور ال 150 لكن في القيامة والخماسين، يقول:-

" كل صفوف وطقوس السمائيين والأرضيين، الملائكة والناس معًا يرتلون بابتهاج". ربما لو تأملنا في صفوف وطقوس السمائيين الذين يرتلون، لسوف نخجل من صفوف الأرضيين وهم يرتلون في القداس أثناء التناول.

فيقول الكاهن في القداس الإلهي: "ألوفٌ ألوفٌ وقوفٌ قدامك وربواتٌ ربواتٌ يقدمون لك الخدمة"، والكنيسة تعلمنا بعد الأواشى في باكر أن نصرخ فنقول: "فلنسبح مع الملائكة قائلين المجد لله في الأعالى". وهي في ذلك الوقت تعطينا نموذج لأعداد فرق الملائكة التي سوف نسبح معها كما رأها القديس يوحنا الرائى عندما كتب يقول:

"ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ

وكان عددهم ربوات ربوات والوف الوف" (رؤ 5: 11)

وعندما نقف حول المذبح ونقارن، نجد بالكاد عشرة شمامسة، فلا يكون هناك تحقيق للجملة "سبحوه بالصفوف" لكن التسبيح هو من خلال صف واحد أو إثنين.أما داود فخصص لتسبيح الرب وحمده أربعة آلاف عازف ومرنم، فتحولت الارض إلى سماء وإمتلأ بيت الرب سحابًا ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة لسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الله.(2 أخبار الأيام 5)

فلنصلي إذًا من أجل أن يكون يوم الرب قريب عندما تصبح "للرب الأرض وملؤها المسكونة وجميع الساكنين فيها". ونقف مع صفوف وطقوس وألوف وربوات الملائكة، صفوف من خوارس الشمامسة يرتلوا معًا قائلين:

"إسمو إيروف خين هان كيمكيم نيم هان خوروس"

ثم يسترسل المزمور:

"إسموو إيروف خين هان كاب (وتر) نيم او اورغانون. سبحوه بالأوتار والأرغن".

أنظروا كيف يصلي حبقوق النبي قائلًا:

"الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالايائل ويُمشيني على مرتفعاتي لرئيس المغنين على آلاتي ذوات الاوتار" (حب 3: 19)

ويقول داود النبي: "يداي صنعت الأرغن. الليلويا" (مز 151: 2).

وفي الحقيقة عجيب داود النبي هذا الذي في حبه للتسبيح، وهو نبى.. وملك...إلا أنه يُصر على أن يخصص وقتًا من أجل أن يصنع أرغن يليق بتسبيح الرب. أريد من علماء التاريخ أن يبحثوا كيف يمكن من ثلاثة آلاف سنة أن يستطع رجلًا بمفرده أن يقدر أن يُصَنِع أُرغنًا على إيديه؟ ربما يمكنه تصنيع آلة "ناى"، إنما تصنيع أرغن حتى إن بدا بدائيًا يبدو وكانه مستحيل. لكن داود النبي والملك كان شعاره دائمًا: "أفعل المستحيل من أجل أن أسبح الرب كما يليق". أخشى أننا نكون الآن نفعل المستحيل حتى نسبح الرب كما لا يليق.

 لقد كان داود دائمًا يقول "سبع مرات في النهار سبحتك على احكام عدلك" (مز 119: 164) سبع مرات وهو لايمل من سبيح الرب في النهار فقط، هذا خلاف تسبيحه في الليل الذي قال عنه "باللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاَةٌ لإِلهِ حَيَاتِي" (مز 42: 8).فهو يسبح في كل مرة بآلة، تارة بذوات الأوتار وتارة بالأرغن وأخرى بالعود وتارة بالربات ذات العشرة أوتار وأخرى بالمزمار.

أما القديس كليمندس السكندري فيري هذه الآلات الموسيقية بشكلٍ آخر، فكتب عن "سبحوه بالأوتار والأرغن" فقال:

"الأرغن هو الجسد وأعصابه هي الأوتار،

التي حينما تتقبل الانتعاش بانسجام من الروح القدس يوقع عليها من الأصوات البشرية".

ثم يسترسل صاحب المزمور ويقول: إسموو إيروف خين هان كيمفالون إنيسي (حسنة) تو إسمي" (صوتهم).

"سبحوه بصنوج حسنة الصوت" الصنوج هي عبارة عن صفيحتين مستديرتين من النحاس أو المعدن إذا ضربت الواحدة على الأخرى أصدروا صوتًا رنانًا، كما هو مكتوب في رسالة معلمنا بولس الأولى إلى أهل كورونثوس إذ يقول:-

"ان كنت اتكلم بالسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاسا يطن او صنجا يرن" (1كو1:13).

وهي الصنوج التي تُستخدم في الكنائس المسيحية الأرثوذكسية (باسم دف أو ناقوس) ومن الواضح أن العبرانيين كانوا يستخدموها في العبادة.

لكن الآباء من الناحية الرمزية إعتبروا إنها تُشير إلى جوقات القديسين الممتلئين بالورع والعفة والبتولية. وأنها تشير أيضًا إلى الطغمات الموجودة وسط الكنيسة واقفين في صفوفٍ يرتلون بتهليل قلبى تسبحة الغلبة والخلاص بألحانٍ لها صدى، رنينه يدوي في أرجاء الكنيسة.لذا يستكمل اللحن قائلًا:-

"إسموو إيروف خين هان (أداة تنكير للجمع) كيمفالون إنتي او إشليلوي (تهليل)"

الذي تفسيره "سبحوه بصنوج التهليل" فكنيستنا القبطية الأرثوذكسية كنيسة تهليل وبهجة. كثيرين يظنون أنها كنيسة حزن وآلام وألحان حزينة، وهم لايدركون أن 6% فقط من الحان الكنيسة حزايني والباقي جميعه مفرح جدا طبقا للحصر الذي قامت به فرقة دافيد.

أما داود النبي، فهو لايريد أن يتمتع بنعمة التسبيح وحده لذا فهو بعد ذلك يدعو كل الخليقة لكي تسبح معه إذ يقول لهم:

"نيفي (نسمة) نيفين (كل) مارو إسموو تيرو إي إفران إمبتشويس بيننووتي الليلويا"

أي "كل نسمة فلتسبح إسم الرب إلهنا".

إنه داود النبي الذي يهتم في مزاميره بكل إنسان وبكل نسمة وبكل بشر.

ففي المزمور السنوى "لك ينبغى التسبيح يالله في صهيون" يقول: "يا سامع الصلاة، اليك ياتي كل بشر" (مز 65: 2)

وفي (المزمور 145): "بتسبيح الرب ينطق فمي وليبارك كل بشر اسمه القدوس إلى الدهر والابد" (مز 145: 21)

من المنطقي أنه بتسبيح الرب ينطق فمك يا داود، لكن لماذا أنت مهتمٌ يا أيها النبي العظيم بكل بشر، هل هناك من سوف يحاسبك عليهم؟؟ بالطبع لأ، لكنه سوف يكون أكثر سعادة وأكثر تهليلا إذا سبح إلهه بكل هذه الآلات الموسيقية، وسبح معه كل نسمة. هنا وصل النبي داود إلى الذروة بعد ما ذكر كل الآلات التي يجب أن تُستخدم لتسبيح الرب أو من الناحية الرمزية بعد ما ذكر كل الرتب وكل الحواس، رنم قائلًا: "كل نسمة فلتسبح إسم الرب إلهنا".

وبعض الآباء يفسرون هذه الآية إنه يقصد: "كل نسمة نتنسمها وكل شهيق يكون تسبيحًا للرب". وهو أيضًا تفسير جميل، يجعلنا ندرك أهمية التسبيح، مع كل نسمة هواء نتنسمها يجب أن:

"نيفي (نسمة) نيفين (كل) مارو إسموو تيرو إي إفران إمبتشويس بيننووتي الليلويا "كل نسمة فلتسبح إسم الرب إلهنا".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

استكمالًا للبُعد الموسيقي للحن:

إن قالب المزمور الـ150 جعلت الكنيسة لحنه وكلماته محبوسةً بين تمجيدات الرب كما كان في بدايته، هكذا أيضًا في نهايته.

فقبل ان يبدأ رنمنا قائلين:

"ذوكساسى كيرييه ذوكساسى" كلمات يونانية معناها: "المجد لك يا رب المجد لك"

رنمناها تحت تأثير السجود والخشوع والأعين المُغمضة كي ما نركز في قوة كلمات الأب الكاهن وهو يُصلى صلاة الإعتراف التي يقشعر لها البدن عند التفكر في معانيها.

والآن وبعد أن ينتهي المزمور كله نعود فنرتل:

ذكصابتري......

كينين......

ذكصاسي.....

بي اوؤفا...

بالجملة المشهورة اللى بتقول فيها:-

"المجد للآب والإبن والروح القدس...

الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين

الليلويا الليلويا المجد لإلهنا

وفي هذه الجملة دى تضاد موسيقي جميل جدًا. لأن اللحن يصل إلى ذروته وقمته وأعلى نغماته في هذه الجملة عند كلمة "هليلويا"، التي في هذا اللحن إرتبطت أرتباطا زمنيًا بكلمة "ذوكساسى أوس إيمون" إلا أنه بالرغم من إن "الهليلويا" عالية النغمات، وبالرغم من إن الذوكسا مجاورة لها، إلا إن لحن الذوكسا يجعلك تنحني وتسجد خاشعًا في لمح البصر.

وبالرغم من إن الليلويا التي قبل الذوكسا كانت عالية النغمات، إلا أن الهلليلويا التي بعد الذوكسا خاشعة جدًا، وكأنها تأثرت من السجود والخشوع للذى له كل المجد الرب يسوع. فبالرغم من إن الهلليلويا طابعها الدائم هو التهليل والبهجة، إلا أنها هنا إكتسبت لمسة من الخشوع، لكنها لم تفقد بهجة التسبيح.

ثم ينتهى المزمور كله بالجملة المشهورة:

"يسوع المسيح إبن الله.. إسمعنا وإرحمنا"

ونصها القبطي هو:" إيسوس بخريستوس إبشيرى إمفنوتى سوتيم إيرون أووه ناى نان"

ومعها يُبطئ إيقاع اللحن معلنا عن نهايته هذا اللحن الجميل، الذي حملنا في سياحة روحية، رفعنا فيها على سحابة من النغمات، حركنا من سما إلى سما فسما إلى سماء السموات. جعلنا ندركُ حلاوة وجمال ألحان الكنيسة ومعانيها، وأوضح لنا كيف إن هذه الألحان بحكمةٍ وُضعت، وأوضح لنا كيف حوطت الكنيسة كلمات ونغمات (المزمور 150) بتمجيدات الرب يسوع، حتى يكون يكون هو الألف والياء البداية والنهاية.

ياليتنا نتعلم من داود النبي كيف نسبح ربنا بالحق بإتقان، نسبحه بكل حواسنا وبكل ما نمتلكه، ونسبحه في كل وقت عشية وباكر ووقت الظهر وفي السحر وفي نصف الليل، ونسبحه بأجمل وأتقن وأرقى من أغنيات التي يتغنى بها أهل العالم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تأمل:

إلهي...أُريد ان اكون كما خلقتني

على شبهك ومثالك بالتسبيح أثناء التناول من أسرارك المحيية

لكن ماذا افعل

فالخطية محيطة بي من كل ناحية

وضعفاتي لا تحصى ولا تعد

فانا لا افعل الخير الذي اريده

بل الشر الذي لست اريده

وبين هذا الصراع

اريد الا أُعثر احد هوءلاء الاصاغر

الذين يظنون ان فمي ممتليء تسبيحا كملائكتك، بينما جسدي مثَقلٌ بالاثم

نقيني كما نقيت قلب عبدك داود

فصار قلبه حسب قلبك رغم اثامه، فقد غسلته منها فكتب مزموره الخمسون.

وسموت به فكتب مزامير المصاعد

وكتب مزموره المائة والخمسون فدعا كل الخليقة لتسبحك: القيثار والمزمار الأوتار والأرعون الصنوج والدفوف، بل ودعا كل نسمة لتسبح إسمك العظيم القدوس.

إجعل لي قلب وقيثارة داود لأسبحك في جميع قديسيك.

املأ قلبي بالايمان كابراهيم الذي آمن فحُسب له برا

اعطني قوة ايليا لكي اقتل داخلي مئتين من انيياء البعل

اعطني إلهام وشكر موسى النبي الذي صاغ لحنًا سُمع في الابدية

أعطني ثقة يهوشافاط الذي قهر جيوش بني آمون ومؤاب وجبل سعير بالتسبيح.

أعطني تسبيحات بولس وسيلا في السجن لكي اتحرر فتنفك القيود الحديدية التي تسجنني، وتتزعزع جبال الخطية الرابضة داخلي.

أعطني تسبيح آساف وهيمان ويدثون لكي أسبحك فترفعني الي السموات، فتسترني بالسحاب والضباب الذي يلُفُني.

إقبل تسبيحي بلحن المزمور ال 150 السنوي بينما أتقدم للتناول من أسرارك المحيية،

 فأحيا بك وفيك ولك إلى الأبد.

آمين

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

معلومات طقسية عن ألحان المزمور الـ150 على مدار السنة الطقسية:

+ في "عيد النيروز" يترنم به باللحن "الفرايحي" حتى ما قبل "عيد الصليب"

+ في "عيد الصليب" يترنم به باللحن "الشعانيني"

+ ثم يعود إلى اللحن السنوي الي "صوم الميلاد" حتى ماقبل أول شهر كيهك.

+ ومن اول شهر كيهك "يترنم به باللحن الكيهكي حتى ما قبل برمون الميلاد.

+ في برمون الميلاد يترنم باللحن السنوي

+ ومن عيد الميلاد الي عيد الختان "يتم التنغيم بلحنه الفرايحي

+ ومن بعد عيد الختان يتم التنغيم باللحن السنوي حتى ماقبل عيد الغطاس.

+ وفي عيد عرس قانا الجليل نعود للحن الفرايحي

+ ومن بعد عيد عرس قانا الجليل إلى ما قبل عيد دخول السيد المسيح الي الهيكل يتم التنغيم باللحن السنوي.

+ في عيد "دخول السيد المسيح الهيكل يتم التنغيم باللحن الفرايحي"

+ ومن بعد عيد دخول المسيح الهيكل الي ما قبل صوم أهل نينوي يتم التنغيم باللحن السنوي.

+ وفي صوم أهل نينوى يتم تنغيمه باللحن الصيامي

+ ومن بعد صوم نينوى إلى ما قبل الصوم الكبير يتم التنغيم باللحن السنوي.

+ ومن بدء الصوم الكبير حتى في يوم جمعة ختام الصوم يتم التنغيم باللحن الصيامي.

 + وفي يوم سبت لعازر يتم التنغيم باللحن السنوي.

+ وفي احد الزعف يتم التنغيم "باللحن الشعانيني"

+ وفي قداس سبت النور الذي يلي ليلة ابو غالمسيس يُرتل باللحن السنوي.

+ ومن ليلة عيد القيامة الي عيد حلول الروح القدس يتم تنغيمه باللحن الفرايحي

+ ومن بدء صوم الرسل الي ما قبل عيد الرسل يتم تنغيمه باللحن السنوي.

+ وفي عيد الرسل يتم التنغيم باللحن الفرايحي.

+ وفي عيد التجلي يتم التنغيم باللحن الفرايحي.

+ ومن بعد عيد التجلي الي ما قبل عيد السيدة العذراء يتم تنغيمه باللحن" السنوي" والي ما قبل عيد راس السنة القبطية "النيروز".

 

ملحوظات:


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/george-kyrillos/metacopt-hymnology/esmo-efnoty.html

تقصير الرابط:
tak.la/262w67k