St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary  >   25_N
 

قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية

شرح كلمة

نَبُوخَذْنَصَّر المَلِك | نَبُوخَذْنَاصَّر | نَبُوخَذْراَصَّر | بختنصر

(مَلِك بَابِل | المَلِك الْكَلْدَانِيّ | المَلِك نَبُوخَذْنَصَّر الثَّانِي | نبوكدنصر)

 

اللغة الإنجليزية: Nebuchadnezzar II, king of Babylon/Nebuchadrezzar - اللغة العبرية: נבוכדנצר השני - اللغة اليونانيةΝαβουχοδονόσορ Β΄ - اللغة الأمهرية: 2 ናቡከደነጾር - اللغة الأرامية: ܢܒܘ ܚܘܕܘܪܝ ܐܘܨܘܪ - اللغة اللاتينية: Nabuchodonosor II.

 

St-Takla.org           Image: Nebuchadnezzar king of Babylon صورة: نبوخذنصر ملك بابل

Image: Nebuchadnezzar king of Babylon

صورة: نبوخذنصر ملك بابل

نبوخذناصر (يُكْتَب أحيانًا بمسافة على خلاف الترجمة العربية المُعتادة بدون مسافة: نبوخذ نصر، نبوخذ ناصر، نبوخذ راصر) هو اسم بابلي معناه "نبو حامي الحدود" وهو ابن نبويلاسر وخلفيته في الجلوس على عرش مدينة بابل وحكم الإمبراطورية البابلية في ما بين النهرين وسورية. وكان أبوه قد أسس الدولة البابلية الجديدة ستة 625 ق.م. منهيًا بذلك حمك الإمبراطورية الأشورية. وبعد ثلاثة عشر سنة سقطت نينوى، بعدما حاصرها نبوبلاسر ملك بابل Nabopolassar وكياكسريس ملك مادي Cyaxares. وهاجم فرعون نخو ملك مصر Pharaoh Necho king of Egypt، فلسطين ليحمي مصالح مصر في سورية الجنوبية (2 مل 23: 29؛ 2 أخبار 35: 20) وحارب ملك يهوذا في مجدو سنة 608 ق.م. وقتله في المعركة. ولم يقنع نخو بامتلاك فلسطين، بل عاد إلى مصر واعد جيشًا جديدًا ليصل به إلى الفرات ويقطع الطريق على البابليين ويستولي على تركة الاشوريين. فأرسل نبوبلاسر ابنه، نبوخذنصر، ليقف في وجه نخو، ولمع اسم نبوخذنصر حينما دشن خبرته العسكرية بالتغلب على نخو وجيشه معه من السوريين وقتل الآلاف منهم، في واقعة قرقميش سنة 605 ق.م. (2 مل 24: 7؛ ار 46: 2). واستولى نبوخذنصر على ما خلفه وراءه من ممتلكات، في سورية وفلسطين. وجاء إلى القدس وسبى بعض سكانها، ومن بينهم دانيال ورفاقه (دا 1: 1-4). ولكنه ما أن وصله نعي أبيه حتى أسرع بالعودة إلى بابل، وأعلن نفسه خليفة لأبيه سنة 605 ق.م. ولم يكتف نبوخذنصر بامتلاك القدس واخذ بعض سكانها أسرى، بل أمر رجاله بأخذ جماعات أخرى من السكان ونقلهم إلى بابل، من القدس وفينيقية ومصر، واستمر يحكم ارض يهودا، ويتسلم الضرائب، مدة ثلاث سنين. وكان ملكها حينذاك يهوياقيم (2 مل 24: 1) وفي سنة 602 ق.م. عصى يهوياقيم مغتنمًا فرصة حروب نبوخذنصر في مناطق أخرى من إمبراطوريته واشتغاله عن فلسطين لبعدها عن بابل، ولكن نبوخذنصر تغلب على أعدائه بسرعة، وعاد إلى فلسطين جرار، واحتل القدس وقضى على الثورة واعتقل يهوياقيم ثم أطلق سراحه وعين ملكًا جديدًا مكانه، يهوياكين (2 أخبار 36: 6، 10) ولكن يهوياكين ثار من جديد، فجاء نبوخذنصر للمرة الثالثة واحتل المدينة وسبى السكان إلى بابل واستولى على بيت الرب ومحتوياته (2 مل 24: 12-16). ونصب نبوخذنصر متنيا ملكًا، وغير اسمه إلى صدقيا. وحافظ صدقيا على ولائه لنبوخذنصر حوالي ثمانية سنوات ولكنه في السنة التاسعة طمع في الاستقلال، بعد أن علم باقتراب الجيش المصري من مملكته، وأمل أن يساعده ذلك الجيش ضد البابليين (ار 37: 5) إلا أن نبوخذنصر لم يهمله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). فقد احتل القدس للمرة الرابعة، بعد حصار شديد، وقتل ابني صدقيا أمام أبيهما، ثم قلع عينه وحمله أسيرًا إلى بابل سنة 587 ق.م. (2 مل 25: 7) واحرق نبوخذنصر هيكل الرب، وأخذ آلاف السكان أسرى (2 أخبار 36: 5-21؛ ار 39؛ 52). أما ارميا، وكان قد تنبأ بما حدث، فقد أوصى به نبوخذ خيرًا (ار 39: 11-14). ثم حاصر نبوخذنصر صور، وباقي مدن الساحل الفينيقي، واحتلها وعامل سكانها بقسوة (حز 29: 18). وفي سنة 582 ق.م. حمل من جديد على أواسط سورية، وبلاد العموريين والموآبيين (ار 52: 30) ثم غزا مصر سنة 567 ق.م. (حز 29: 19).

وقام نبوخذنصر في باقي سني حياته بفتوحات أخرى ليست لدينا تفاصيلها. وكان من عادته أن ينقل سكان إمبراطوريته من مكان إلى آخر ليضمن ولاءهم ويستعمل قواهم في مشاريعه العمرانية. وعلة هذا النمط عامل سكان مدينة القدس وتمكن من بناء قصور ومدن وأسوار وقلاع وهياكل كثيرة، لا تزال آثارها شاهدة على نمو العمران في عهده. واليه ينسب بناء الجنائن المعلقة وحفر القنوات للري من مياه شط العرب. وقد سمّاه دانيال ملك الملوك (دا 2: 37).

وتخبرنا الأصحاحات الأربعة الأولى من سفر دانيال ببعض أخبار نبوخذنصر. ومنها خبر جنون الملك. والحقيقة أن نبوخذنصر أُصيب بنوع من الجنون يظن المصاب به نفسه انه تحول إلى حيوان. وقد ظن نبوخذنصر انه تحول إلى ثور، وخرج يرعى في الحقول (دا 4)، ودام عليه الأمر سبعة أزمنة (سبعة سنوات). وعلى اثر مرضه مات، بعد أن ملك ثلاثًا وأربعين سنة. وكان موته سنة 562 ق.م. وأخبار نبوخذنصر موجودة في أسفار الملوك والأخبار وعزرا ونحميا وأرميا ودانيال. وآثاره في بابل وما وجد له من مخلفات في أماكن أخرى من إمبراطوريته الواسعة، تعزز أخبار الكتاب عنه. وقد بنى نبوخذنصر في بابل سورين حول المدينة وأبواب الإلهة أشتار أو عشتار، وشارع للمواكب ومعابد وزيجورات أو هيكل مدرج على شكل هرم وهو شبيه بالزيجورات التي أطلقوا عليها اسم "برج بابل" والحدائق المعلقة التي كانت تعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع كما حفر في بابل قنوات الماء (دا 4: 30).

وقد ذُكِرَ في (سفر دانيال 5: 2، 11، 18) أنه أبو بَيْلْشَاصَّرُ الْمَلِك، وهذا يعني أنه من نسله descendant، فقد يكون هو جده أو غيره ancestor، وليس والده مباشرًا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تفاصيل:

(1) أسرته:

وهو نبوخذ نصر الثاني، الملك الوحيد بهذا الاسم الذي جاء ذِكره مرارًا في الكتاب المقدس لأهمية دوره في التاريخ الكتابي - كما سبق التنويه. ويُذْكَر باسم "نبوخذ راصر" في نبوتي إرميا وحزقيال. وهو ابن نبوبولاسر ملك بابل Nabopolassar، وقد تزوج امرأتين: "اميتيس" Amytis of Babylon ابنة أستياجس ملك الماديين، ونيتوكريس Nitocris of Babylon (قد تكون ابنته(؟)) التي ولدت له "نبونيدس" Nabonidus وتذكر الآثار أنه كان له ثلاثة أبناء، أولهما "أويل مرودخ" الذي خلفه (2مل 25:27).

 

St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar full of fury, commands to cast the four men into the burning fiery furnace (Daniel 3:19-20) صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك الغاضب يأمر بقتلهم (دانيال 3: 19-20)

St-Takla.org Image: Nebuchadnezzar full of fury, commands to cast the four men into the burning fiery furnace (Daniel 3:19-20)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الملك الغاضب يأمر بقتلهم (دانيال 3: 19-20)

(2) مصادر تاريخه:

لقد تم اكتشاف أكثر من 500 لوحة مؤرخة بالأيام والشهور والسنين من ملكه. كما يوجد نحو ثلاثين مبنى تحمل نقوشًا تشيد باسمه، غالبيتها على أحجار اسطوانية أو على الطوب، بما في ذلك لوحة "بيت الهند الشرقي"، وهي عبارة عن لوح من البازلت الأسود عليه 621 سطرًا تصف تحصينه لبابل، وإعادة بناء القصر القديم، وبناء قصر جديد. كما أن هناك 720 (سبعمائة وعشرين) سطرًا في نقش وادى برسَّا في سورية، تسجل غزواته للبنان، ونقل بعض أشجار الأرز منها إلى بابل. كما نشر - من عهد قريب - د.ج. ويزمان لوحات مسجل عليها تاريخ الاثنتي عشرة سنة الأولى من حكمه، سنة بعد سنة. ومن المراجع الأخرى الهامة لتاريخه، أسفار العهد القديم (الملوك الثانى، وأخبار الأيام الثانى، وإرميا، وحزقيان، ودانيال) وبعض كتابات المؤرخين المتأخرين التي ذكرها يوسيفوس ويوسابيوس.

 

(3) التاريخ السياسي له:

كان نبوخذ نصر الثاني -بلا مُنَازِع - أعظم ملوك الإمبراطورية البابلية الثانية (626 - 539 ق.م. (، والتي حكمها مدة 43 سنة (605 - 562 ق.م.) وأبوه هو "نبو بولاسار"، الذي تحدي جيوش أشور المتداعية، واستقل بعرش بابل في 23 نوفمبر سنة 626 ق.م. وبعد أن تم تدمير نينوى في 612 ق.م. على يد الجيوش المتحالفة من بابل ومادي، نقلت أشور عاصمتها غربًا إلى حاران التي احتلها نبوبولاسار في 610 ق.م. بدون عناء كبير، ولم نعد نسمع شيئًا عن آشور بعد 609 ق.م.

وكانت النتيجة المباشرة لانهيار آشور، هو استعادة مصر لسيطرتها على يهوذا لفترة قصيرة، فأصبح نخو الثانى فرعون مصر (609 - 593 ق. م. يخلع ملوك يهوذا ويولي من يشاء، إلى أن حدثت موقعة كركميش (إش 10: 9؛ إرميا 46: 2) التي هزمت فيها جيوش بابل بقيادة نبوخذ نصر، ولي عهد مملكة بابل، القوات المصرية (يمكن الرجوع إلى "كركميش " في موضعها من الجزء السادس من دائرة المعارف الكتابية).

وعن طريق الألواح البابلية المكتشفة حديثًا (والمذكورة آنفًا) يمكننا تحديد التاريخ الذي حدثت فيه موقعة كركميش بأكثر دقة (مايو / يونيو 605 ق.م.). وتبدو أهمية هذه المعركة في ما جاء عنها في (نبوة إرميا 46: 2 - 12)، وكتابات يوسيفوس، إذ بها زال نفوذ مصر في فلسطين، كما بدأ نجم نبوخذ نصر في البزوغ. وفي 16 أغسطس سنة 605 ق.م. توفى نبوبولاسار، وحالما بلغ الخبر نبوخذ نصر، تخلى عن مطاردة فلول الجيش المصري، وهرع إلى بابل للاستيلاء على العرش، وتم تتويجه في 7 سبتمبر سنة 605 ق.م. وعاد بعد ذلك إلى قيادة جيشه في الغرب واستأنف فتوحاته في سورية.

St-Takla.org Image: Inscription on a brick of Nebuchadnezzar - from the book: The Universal Bible Dictionary, edited by: F. N. Peloubet, 1912. صورة في موقع الأنبا تكلا: نقش على حجر لـ:نبوخذنصر - من كتاب: قاموس الكتاب المقدس العالمي، تحرير: ف. ن. بالوبيت، 1912 م.

St-Takla.org Image: Inscription on a brick of Nebuchadnezzar - from the book: The Universal Bible Dictionary, edited by: F. N. Peloubet, 1912.

صورة في موقع الأنبا تكلا: نقش على حجر لـ:نبوخذنصر - من كتاب: قاموس الكتاب المقدس العالمي، تحرير: ف. ن. بالوبيت، 1912 م.

وما حل عام 603 ق.م. حتى كان نبوخذ نصر قد أصبح سيدًا لكل سورية وفلسطين، ونقل يهوياقيم - ملك يهوذا - ولاءه من مصر إلى ملك بابل (2 مل 24: 1).(ودمر نبوخذ نصر أشقلون) في فلسطين (في طريق عودته إلى بابل في فبراير 603 ق.م. وتوجد بردية بالأرامية (محفوظة بالمتحف المصري بالقاهرة تحت رقم 86684) عبارة عن خطاب من حاكم أشقلون (قبل تدميرها) إلى فرعون مصر طلبا للنجدة.

وزحف نبوخذ نصر مرة أخرى إلى مصر في 601 ق.م. وتقابل مع الجيوش المصرية قرب حدود مصر في معركة غير فاصلة، خسر فيها كلا الطرفين خسارة كبيرة. ومن الجلي أن يوياقيم رآها فرصة سانحة للتمرد على بابل والامتناع عن دفع الجزية (2مل 24: 1). ورغم هذه الظروف غير المواتية، فإن نبوخذ نصر لم يكن ليسمح ليهوذا بالمروق عن طاعته، فدفع غزاة من المرتزقة مع غزاة من جيشه لمهاجمة يهوذا (2 مل 24: 2).

ثم زحف نبوخذ نصر بالقوات الرئيسية من جيشه على يهوذا (2 مل 24: 10، 11) في ديسمبر 598 ق.م. ويقول كاتب الحوليات البابلية عن أحداث 597ق.م. إن نبوخذ نصر حاصر مدينة يهوذا (أورشليم)، وفي اليوم الثاني من شهر أذار (16 مارس) فتح المدينة وأسر الملك (يهوياكين) وأقام على عرش يهوذا متنيا (عم يهوياكين) ودعاه "صدقيا". وكان الملك يهوياقيم قد مات في نفس الشهر الذي بدأ فيه نبوخذ نصر الزحف على يهوذا، وذلك في ضوء حقيقة أن ابنه يهوياكين (2 مل 24: 6) لم يملك سوى ثلاثة أشهر وعشرة أيام (2 أخ 36: 9)، وإن كان سفر الملوك (2 مل 24: 8) يذكر المدة بالتقريب على أنها ثلاثة أشهر، قبل حصار نبوخذ نصر لأورشليم في ديسمبر 598 ق.م..

وقد سار نبوخذ نصر على نهج أسلافه من ملوك أشور منذ عهد تغلث فلاسر الثالث، في نقل الملك يهوياكين وأسرته ورجال حاشيته ورؤسائه - وكل من كان يحتمل أن يثير مقاومة - إلى بابل، ولم يترك إلا مساكين شعب الأرض (2 مل 24: 12- 16؛ 2 أخ 36: 10؛ إرميا 22: 24 - 30؛ 52: 28). كما أمر نبوخذ نصر بإحضار رهائن من النسل الملكي ومن الشرفاء، الذين كان منهم دانيال وأصحابه الثلاثة (دانيال 1: 1 - 7) كما أخذ نبوخذ نصر خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك. وكسَّر كل آنية الذهب التي عملها سليمان ملك إسرائيل في هيكل الرب، وسبى " كل الرؤساء وجميع جبابرة البأس... وجميع الصنّاع والأقيان" (2مل 24: 13، 14).

كان يمكن أن يظل صدقيا مواليًا لنبوخذ نصر لو لم تطرأ عدة عوامل -خارج إرادته- على الموقف السياسي. فقد ظل عدد كبير من اليهود -سواء في أورشليم أو في بابل- يعتبرون يهوياكين الملك الشرعي، والنبي حزقيال نفسه كشف عن مشاعره الحقيقية في هذا الصدد بأن أرخ لنبوته " بالسنة الخامسة من سبي يهوياكين الملك" (حز 1: 1، 2).

ورغم هزيمة مصر في كركميش -التي أضعفتها كثيرًا- فإنها ظلت تمارس بعض النفوذ في شئون الشرق الأوسط، علاوة على انتشار التمرد ضد بابل، ليس في أورشليم وحدها (رغم تحذيرات النبي إرميا لشعبه من التمرد عليها)، بل أيضًا بين شعب نبوخذ نصر نفسه. وفي 595/594 ق.م. وجد نبوخذ نصر أنه من المحتم عليه أن يبقى في بابل لإخماد تمرد محلي فيها. وفي السنة التالية أعلن حننيا -النبي الكذاب في أورشليم- أنه في غضون سنتين سيرجع كل الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل (إرميا 28: 1 - 4)، ولعل حننيا بلغه شيء عن التمرد الحادث في بابل، ورأي فيه علامة على أن التمرد سيتسع. على أي حال فقد أعلن إرميا كذب أقوال حننيا، ونصح المسبيين بأن يواصلوا حياتهم بهدوء في بابل، لأن الرب قد أعلن له أن إقامتهم في بابل ستطول (إرميا 29: 1 - 23).

واستمع صدقيا ملك يهوذا لمشورة إرميا الحكيمة، بعض الوقت. ويبدو مما جاء في نبوة إرميا (إر 51 : 59) أنه في نفس السنة التي أعلن فيها حننيا نبوته الكاذبة - والأرجح أنه نتيجة لها - استدعى نبوخذ نصر صدقيا إلى بابل ليتأكد من مدى ولائه له ومن الواضح أن نبوخذ نصر اقتنع بأقوال صدقيا، فأبقاه على عرش يهوذا. ولكن صدقيا وجد نفسه - في السنوات التالية - غير قادر على مقاومة حزب المتشيعين لمصر من شعبه، والمعارضين لبابل، مما جعله - رغم نصيحة إرميا (2 أخ 36: 12؛ إرميا 21: 1 - 7؛ 37: 3-17 - 20؛ 38: 14 - 23) يتمرد على بابل (2 مل 24 : 20؛ 2 أخ 36: 13 - 16؛ إرميا 52: 3).

وفى يناير 588 ق.م. كان نبوخذ نصر يحاصر بجيشه أورشليم (2 مل 25: 1؛ إرميا 39: 1؛ 52: 4؛ حز 24: 1، 2). وكان جيش بابل قد استولى على مدن يهوذا الحصينة، الواحدة تلو الأخرى، حتى إنه عندما كان يحاصر أورشليم، لم يكن باقيًا من مدن يهوذا سوى لخيش وعزيقة (إرميا 34: 6، 7).

وتصوِّر رسائل لخيش التي تتكون من 21 شقفة من الفخار، والتي وجدت في "تل الدوير" (لخيش الكتابية) في 1935 و1938، مدى الرعب الذي اجتاح يهوذا في أيامها الأخيرة. وكان البصيص الوحيد من الرجاء - في وسط الظروف التي تدعو إلى اليأس - هو انسحاب القوات البابلية وقتيًا من حول أورشليم، لمواجهة زحف الجيش المصري (إرميا 37: 5، 11)، والأرجح أنه كان بقيادة "أبريس" (حفرع) فرعون مصر (589 - 570 ق.م.) ولكن لم يكن ذلك إلا لوقت قصير، إذ سرعان ما أجبر البابليون جيش مصر على التراجع، واستأنفوا حصارهم لأورشليم.

وصمدت المدينة على مدى ثلاثين شهرًا، ولكن أخيرًا استطاعت جيوش بابل المتفوقة أن تقتحم أسوارها في يوليو 586 ق.م. في السنة التاسعة عشرة من حكم نبوخذ نصر (2 مل 25: 1 - 4، 8؛ إرميا 39: 2؛ 52: 5 - 7، 14). وحاول صدقيا والبعض من جيشه أن يهرب ليلًا، ولكن أُلقي القبض عليه بالقرب من أريحا. وأُخذ صدقيا إلى نبوخذ نصر، إلى ربلة على نهر العاصي، وهناك قتلوا أبناءه أمام عينيه، ثم قلعوا عينيه وقيدوه بسلسلتين من نحاس وجاءوا به إلى بابل (2 مل 25: 5 - 7؛ إرميا 39: 4 - 8؛ 52: 8 - 11).

ثم جاء نبوزردان رئيس حرس نبوخذ نصر إلى أورشليم ليستكمل نهب المدينة والهيكل ويحرقهما ويسبي أهلها، ولم يترك وراءه إلا الفقراء (2 مل 25: 8 - 17؛ 2 أخ 36: 17 - 20؛ إرميا 39: 9، 10؛ 52: 12 - 23).

وبعد تدمير أورشليم، عيَّن نبوخذ نصر "جدليا بن أخيقام" واليًا على يهوذا، ولكن سرعان ما تآمر عليه الباقون من الحزب المعارض لبابل، وعندما حانت لهم الفرصة اغتالوه في المصفاة، وقتلوا معه عددًا من اليهود والكلدانيين الذين كانوا معه في المصفاة (2 مل 25: 22 - 25؛ إرميا 40: 7 - 41: 3).

وهرب رأس المؤامرة، إسماعيل بن نثنيا (من النسل الملكي) ومعه ثمانية رجال إلى بنى عمون (إرميا 41: 15)، بينما هربت جماعة أخرى - خوفًا من انتقام بابل - إلى مصر (2 مل 25: 26؛ إرميا 41: 16 - 18) آخذين إرميا النبي معهم (إرميا 43: 5 - 7).

أما الدفعة الثالثة والأخيرة من المسبيين، فقد أُخذت في 582 ق.م. (إرميا 52: 30)، ويبدو أنها كانت حملة تأديبية أرسلها نبوخذ نصر إلى يهوذا عقب مقتل جدليا.

أما الملك صدقيا الذي قلعوا عينيه، فقد ظل يعاني في سجنه إلى أن مات أخيرًا (2 مل 25: 7؛ مع حز 12: 13). ولكن كان يهوياكين -إلى حد ما- أسعد حظًا، ففي 562 ق.م. أطلق أويل مرودخ ملك بابل (وابن نبوخذ نصر وخليفته) سراحه، وجعله أحد رجال حاشيته (2 مل 25: 27 - 30؛ إرميا 52: 31 - 34). وكان يهوياكين -قبل ذلك- يُزوَّد بكل احتياجاته، كما يتضح من عدد من الوثائق الإدارية التي وجدت في أطلال بابل، والتي ترجع إلى أيام حكم نبوخذ نصر، وتذكر يهوياكين باعتباره ملك اليهود.

وكانت غزوات نبوخذ نصر في الغرب بعد 586 ق.م. قليلة الأهمية من وجهة نظر يهوذا، فحصاره لصور (585 - 572 ق.م.) يشار إليه في نبوة حزقيال (حز 26 - 28؛ 29: 18). أما معركته ضد حيوش أمازيس فرعون مصر في 568 / 567 ق.م. فيبدو أن حزقيال قد أنبأ بها أيضًا (حز 29: 19). ومات نبوخذ نصر في 562 ق.م. بعد 25 سنة من استسلام أورشليم له.

 

(4) المبانى التي شيدها:

بينما يشتهر نبوخذ نصر الثانى -وبحق- كقائد عسكري فذ، فإنه كان أيضًا بنَّاءً عظيمًا. فقد كشفت الأبحاث الأركيولوجية التي قامت بها البعثة الهولندية برياسة " روبرت كولدواى " ابتداء من 1899 م على أن نبوخذ نصر أعاد بناء بابل وحصَّنها وجعل منها مدينة عظيمة حتى استطاع أن يقول: "أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك، بقوة اقتداري ولجلال مجدى!" (دانيال 4: 30)، فقد أعاد بناء أكثر من عشرين معبدًا في بابل وبورسيبَّا، كما أنشأ في بابل شارعًا مرتفعًا يخترق بابل من بوابة إشتار ليمر به موكب الإله "مردوخ". كما شيد إحدى عجائب العالم القديم السبع وهي حدائق بابل المعلقة من أجل زوجته أمتيس، ابنة - استياجس ملك الماديين التي جاءت من بلاد جبلية تغطيها الغابات.

ويمكن أن ندرك شيئًا من فخامة بلاطه مما جاء عنه في نبوة دانيال (دا 1 - 4). ويمكن الرجوع إلى مادة " بابل - مبانيها " في موضعها من الجزء الثانى من دائرة المعارف الكتابية.

 

(5) نبوخذ نصر كمشرع:

يوجد في المتحف البريطاني لوحة نشرها و. ج. لامبرت، أ.ى. ميلارد في 1965، تشيد بفضائل أحد الملوك كمشرع وقاضٍ، لا يمكن أن تنطبق إلا على نبوخذ نصر الثاني. فتنسب إليه مجموعة من القوانين، وكذلك أوامر لتنظيم المدينة (والتي من الواضح أنها بابل).

 

(6) الديانة:

تدل النقوش التي تركها نبوخذ نصر على أنه كان رجلًا متدينًا جدًّا حريصًا على القيام بكل العبادات المفروضة لآلهة بابل. وتحتوي النقوش الطويلة التي تركها على ترنيمتين، تختم كل منهما بصلاة. وكثيرًا ما يذكر التقدمات من معادن نفيسة وأحجار كريمة، وأخشاب وأسماك وخمور وثمار وحبوب. ويجب ملاحظة أن هذه التقدمات تختلف في نوعيتها والغرض منها عن التقدمات عند اليهود. فمثلًا لا يشير أي نقش من النقوش إلى رش دم، أو إلى الكفارة، أو إلى الخطية.

 

(7) الجنون:

لا توجد أي إشارة في نقوش نبوخذ نصر إلى إصابته بالجنون. ونحن لا ننتظر من أي إنسان أن يذكر عن نفسه أنه أصيب بالجنون. ويقول : "لانجدون " إنه ليس لدينا سوى ثلاثة نقوش كتبت ما بين 580 - 561 ق.م. فإذا كانت إصابته بالجنون قد استمرت سبع سنوات، فالأرجح أنها حدثت بين 580 - 567 ق.م. أو ما بين غزوته لمصر في 567 ق.م. وموته في 561 ق.م. ولكن إذا كانت "السبعة الأزمنة" (دانيال 4: 23) هي سبعة أشهر - كما يظن بعض العلماء - وليست سبع سنوات، فلعل ذلك حدث في أي سنة بعد 580 ق.م. أو ربما قبلها، فليس ثمة من يمكنه الجزم بذلك. ويذكر نبوخذ نصر في العمود الثامن نقش بيت الهند الشرقي، الذي يرجع إلى النصف الأخير من حكم نبوخذ نصر، شيئًا يمكن أن يؤيد ذلك، إذ يقول: لمدة أربع سنوات لم يسر قلبي بعرش مملكتي في مدينتي، ولم أشيد بناء عظيمًا، ولم أستخرج كنوز مملكتي الثمينة، ولم أسكب أفراح قلبي لمردوخ إلهي في بابل مدينة ملكي.

 

(8) الأحلام:

لا توجد أي إشارة في نقوشه إلى:

أ / حلمه المذكور في الأصحاح الثاني من نبوة دانيال.

ب / التمثال الذي أقامه في بقعة دورا في ولاية بابل.

ج / أتون النار الذي نجا منه الفتية الثلاثة (دانيال 3).

وبالنسبة للحلم، يمكننا أن نقول إن الإيمان بالأحلام كان منتشرًا بين كل الشعوب القديمة، فلم يكن ثمة ما يستدعى الإشارة إلى حلم بعينه. وحوليات آشور نيبال ونبونيدس وأجزركسيس بها الكثير من الإشارات إلى أهمية الأحلام وتفسيرها. ولابد أن نبوخذ نصر أيضًا كان يؤمن بها، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.

أما بالنسبة للتمثال، فإننا نعلم أن نبوخذ نصر أقام تمثالًا لشخصه الملكي (كما فعل أبوه). وكانت تماثيل "نبو ومردوخ" موضع على محفات يسيرون بها في مواكب الاحتفال بالعام الجديد، وأنه كانت هناك تماثيل للآلهة في كل المعابد، وأن نبوخذ نصر كان يسجد أمام هذه التماثيل. فإقامة نبوخذ نصر لتمثال من الذهب ووضعه في "بقعه دورا" يتفق تمامًا مع ما نعرفه عن تدينه الشديد،

وقد اكتشف مستر " ج. أوبرت " (J. Oppert) بقايا منصة حجرية مربعة ضخمة، علي بعد ستة أميال إلى الجنوب الشرقى من بابل، لعلها كانت قاعدة تمثال الذهب الذي أقامه نبوخذ نصر في بقعة دورا (دانيال 3).

أما بالنسبة لأتون النار، فمن المعروف أن أشور بانيبال ملك آشور يقول إن أخاه " شماش - شوموكين " قد أُحرق في مثل هذا الأتون.

وعدم ذكر نبوخذ نصر لاسم أحد من الأشخاص المذكورين في سفر دانيال، ليس دليلًا على عدم وجودهم، فهو لم يذكر في نقوشه موقعة كركميش مع أهميتها البالغة، أو حصاره لصور أو لأورشليم. والحقيقة هي أنه ليس لدينا نقوش تاريخية كاملة عن نبوخذ نصر، وكل ما عثرنا عليه لا يزيد عن سطور قليلة متقطعة وجدت في مصر وبابل.

 

* انظر أيضًا: نبوخذراصر، رئيس السقاة للملك نبوخذنصر، أشفنز رئيس خصيان نبوخذنصر، ربلة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/25_N/N_037.html

تقصير الرابط:
tak.la/x3zfz74