St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   anti-christian-questions
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الرد على بعض الأسئلة التشكيكيَّة الموجهة ضد العقيدة المسيحية - الأنبا بيشوي

16- لماذا يقول الإنجيل أن يسوع كان يريد أن يصلب بينما الشخص الذي كان على الصليب صرخ بصوت عالي "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" طبقًا لما ورد في (مت27: 45)، (مر15: 33)

 

سؤال 16: لماذا يقول الإنجيل أن يسوع كان يريد أن يصلب بينما الشخص الذي كان على الصليب صرخ بصوت عالي "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" طبقًا لما ورد في (مت27: 45)، (مر15: 33).

 

كيف يقول السيد المسيح أنه "ثبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ" (لو 9: 51) ليصلب وقال "أَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ" (يو 10: 15) و"لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا" (يو 10: 18) و"مَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" (لو 14: 27) وكثير من الشواهد التي تدل على أن المسيح كان يريد أن يصلب بينما قال وهو على الصليب إِلَهِي! إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" (مت 27: 46). فكيف أنه "مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ" (عب 12: 2) وفي نفس الوقت يقول "لِمَاذَا تَرَكْتَنِي"؟ هذا السؤال لا يقدمه فقط واضع هذا السؤال بل أنه سؤال يردده كثير من المسيحيين أيضًا.

كثيرون يسألون عن معنى عبارة "إِلَهِي! إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" (مت 27: 46) وهل تعنى أن الآب ترك الابن أو تخلى عنه؟ ولماذا يقول المسيح للآب "إِلَهِي" أليس هو أبوه؟

لكن السائل هنا يسأل بطريقة خاصة فالسؤال ليس عن كلمة "إِلَهِي" أو عن انفصال الآب عن الابن إنما يقول: أنه قد ورد في الإنجيل أن يسوع كان مصممًا على فكرة الصلب، وقال أنه جاء لهذا الغرض وبينما الشخص الذي على الصليب قال "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟ كيف يكون مصمم على الصلب، وفي نفس الوقت يقول لماذا تركتني؟ هو يحدد هذه الجزئية فقط ففي الإجابة يجب أن نضع أولوية للسؤال، ولا نجيب عما في فكرنا حول هذه العبارة.

 

الإجابة: إن عبارة "إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِى" هي فاتحة المزمور 22 من مزامير داود النبي. وكان السيد المسيح يريد أن يلفت نظرنا ونظر اليهود إلى ما ورد في هذا المزمور من نبوات كثيرة عن صلبه، مثل عبارة " ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ. يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ" (مز 22: 16-18). كما أننا ينبغي أن نفهم أن السيد المسيح كان في آنٍ واحد هو ابن الله الوحيد وهو أيضًا ابن الإنسان. فمن حيث لاهوته دبر الخلاص للبشرية مع أبيه الصالح والروح القدس، ومن حيث ناسوته أو إنسانيته كان هو آدم الجديد الذي ناب عن البشرية، وهو رأس الكنيسة، وكان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء بلا خطية. عندما ذهب ليقيم لعازر من الأموات بقدرته الإلهية أقام لعازر، ولكنه بمشاعره الإنسانية بكى عند قبر لعازر. لم تختفي المشاعر الإنسانية للسيد المسيح بسبب إتحاد لاهوته مع الناسوت، ولم يتغير لاهوته بسبب إتحاده بالناسوت. لم يتدخل لاهوته لكي يمنع الألم عن ناسوته فوق الصليب. كما لم يمنع عنه العطش، وقال "أَنَا عَطْشَانُ" (يو19: 28) وتحققت النبوة في المزمور "وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلًا" (مز 69: 21).

St-Takla.org Image: Detail (2) of the frescos in the the right-hand transept of the church: Where we see the crucifixion of Jesus Christ on the cross. The main fresco, by the Fiammenghini brothers (Pope Alexander IV charters the Augustinian order), was partly scraped away to reveal the 14th century frescos beneath. - Chiesa San Marco: St. Mark Church, Milan (Milano) Italy. Its groundbreaking was on 1245, but completed on 19th century. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 4, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: تفاصيل (2) من اللوحة الجصية (فريكسو) في حائط الكنيسة. وفيها مشهد لصلب السيد المسيح على عود الصليب. وقد تم رسم اللوحة الأساسية بواسطة الأخوة فيامينجيني، وفيها يعطي البابا الإسكندر الرابع بابا روما صكوك للنظام الأغسطيني. ولكن تم مسح جانب من الصورة لإظهار اللوحة المرسومة خلفها، والتي تعود للقرن الرابع عشر. - صور كنيسة القديس مرقس (مارمرقس)، ميلانو (ميلان)، إيطاليا. وقد بدأت عام 1245 ولكن انتهى البناء في القرن التاسع عشر. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 4 أكتوبر 2014.

St-Takla.org Image: Detail (2) of the frescos in the the right-hand transept of the church: Where we see the crucifixion of Jesus Christ on the cross. The main fresco, by the Fiammenghini brothers (Pope Alexander IV charters the Augustinian order), was partly scraped away to reveal the 14th century frescos beneath. - Chiesa San Marco: St. Mark Church, Milan (Milano) Italy. Its groundbreaking was on 1245, but completed on 19th century. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 4, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تفاصيل (2) من اللوحة الجصية (فريكسو) في حائط الكنيسة. وفيها مشهد لصلب السيد المسيح على عود الصليب. وقد تم رسم اللوحة الأساسية بواسطة الأخوة فيامينجيني، وفيها يعطي البابا الإسكندر الرابع بابا روما صكوك للنظام الأغسطيني. ولكن تم مسح جانب من الصورة لإظهار اللوحة المرسومة خلفها، والتي تعود للقرن الرابع عشر. - صور كنيسة القديس مرقس (مارمرقس)، ميلانو (ميلان)، إيطاليا. وقد بدأت عام 1245 ولكن انتهى البناء في القرن التاسع عشر. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 4 أكتوبر 2014.

كان السيد المسيح حينما يصلى كإنما يصلى ليعلمنا الصلاة خاصة في وقت التجارب، وفي المراحل الهامة من حياتنا. وكان يصلى بصفته الإنسانية، لأنه لا يمكن أن يُفهم معنى الصلاة من حيث لاهوت الابن الوحيد. لذلك قال معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ، مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ" (عب5: 7،8).

بالرغم من أنه واحد مع الآب في الجوهر، ومساوي له في المجد والربوبية والكرامة، ولا يوجد معنى للطاعة من حيث لاهوته بينه وبين الآب، لأن الطاعة تكون بين صغير وكبير. فيقول "مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ" فكيف يمارس السيد المسيح الطاعة للآب مع أنه مساوي لأبيه في الجوهر؟ إلا لكونه قد أخلى نفسه أي أخفى مجده المنظور "أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فى2: 7، 8). فكيف يكون مساويًا للآب، وكيف في نفس الوقت يقال عنه أنه "تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ"؟ فهو لم يمارس الطاعة من حيث كونه ابن الله الوحيد، ولكنه هو نفسه مارس الطاعة من حيث كونه ابن الإنسان.

كذلك لم يقل "إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِى" من حيث كونه الابن الوحيد ولكنه قالها من حيث كونه ابن الإنسان. أي قالها من حيث إنسانيته، وليس من حيث لاهوته. ويفسرها ما ذكرناه في رسالة العبرانيين أنه "قدم قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ".

كنائب عن البشرية، يردد عبارات المزمور. فماذا قال المزمور أيضًا قال: "لاَ تَتَبَاعَدْ عَنِّي لأَنَّ الضِّيقَ قَرِيبٌ. لأَنَّهُ لاَ مُعِينَ... يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي وَإِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي... أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ الْكَلْبِ وَحِيدَتِي (يقصد نفسي الوحيدة)... أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ. يَا خَائِفِي الرَّبِّ سَبِّحُوهُ. مَجِّدُوهُ يَا مَعْشَرَ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ. وَاخْشُوهُ يَا زَرْعَ إِسْرَائِيلَ جَمِيعًا. لأَنَّهُ لَمْ يَحْتَقِرْ وَلَمْ يَرْذُلْ مَسْكَنَةَ الْمَسْكِينِ وَلَمْ يَحْجِبْ وَجْهَهُ عَنْهُ بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ اسْتَمَعَ" (مز 22: 11، 15، 20، 22-24). بعد أن قال "إِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي" في الآية 15، يقول في الآية 22 " أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي" إشارة إلى القيامة. وفي الآية 24 يقول: "لَمْ يَحْتَقِرْ وَلَمْ يَرْذُلْ مَسْكَنَةَ الْمَسْكِينِ وَلَمْ يَحْجِبْ وَجْهَهُ عَنْهُ بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ اسْتَمَعَ" إذًا فقد استجاب الرب لهذا الصراخ فما معنى كلمة "لِمَاذَا تَرَكْتَنِى"؟

إن تكملتها في المزمور تقول "بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي"، فإذا أردنا أن نفهم معناها فمعناها لماذا تركتني في هذا العذاب؟ لماذا تركتني أذوق الموت؟ لماذا تركتني في وسط هؤلاء الأشرار الذين يعيرونني؟ وهذا مجرد سؤال والإجابة موجودة في الأصحاح 53 من سفر إشعياء النبي. فلماذا يا من تساءلت لا تقرأ باقي أسفار الكتاب المقدس؟

يقول أشعياء النبي: "أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ (هو جعل نفسه) ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ (من تعبه هو يرى ويشبع) وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ" (أش53: 10-12).

وهنا المسيح يسأل: لماذا تركتني في هذا العذاب؟ الإجابة: لأنك جعلت نفسك ذبيحة إثم، ومن أجل أنك سكبت للموت نفسك، وحملت خطية كثيرين، وشفعت في المذنبين. فهل معنى قوله لماذا تركتني أي أن الآب انفصل عن الابن؟ طبعًا لا. لأنه يقول: "لَمْ يَحْجِبْ وَجْهَهُ عَنْهُ بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ اسْتَمَعَ" (مز22: 24). وهل معنى قوله "لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" هو رفضٌ لآلام الصليب؟ أم هو سؤالٌ يجتذب الإجابة قصرًا إلى أذهان السامعين، من أجلك قبلت إلى العار. إن هذا السؤال هو لكي يلفت السيد المسيح نظرنا إلى أن الآب قد "سُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ لأنه قبل أن يجعل نفسه ذبيحة إثم. وأن الآب قد تركه لهذا العذاب حتى الموت، لأنه سكب للموت نفسه إذ حمل خطية كثيرين. "لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" تركتك لأنك شفعت في المذنبين. وفي ماذا تركه؟ تركه للمعذبين. "لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" للمعذبين؟ لأنك شفعت في المذنبين. فانظروا وأفهموا ما وراء الحكمة من هذا القول المُبين (الواضح المعنى). فإذا أردت فهم مزمور 22 لابد أن تقرأ أشعياء 53 لتصير من الفاهمين.

الشرح: إن السيد المسيح لابد أن يُعبّر عن مشاعره الإنسانية. فليس كل ما يقوله يقوله بصفته الأقنوم الثاني من الثالوث من حيث لاهوته. لكن لأن الأقٌنوم الثاني تجسد، فأحيانًا يتكلم بصفته الإنسانية. وعندما يقول مثلًا "أَنَا عَطْشَانُ" (يو19: 28) لا يتكلم بصفته الإلهية لكن بصفته الإنسانية. وعندما يقول "إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِى؟" هذه العبارة قالها بصفته الإنسانية. ومن هنا تأتى الإجابة على نقاط كثيرة مثل لماذا يقول إلهي؟ وغيرها.

"لِمَاذَا تَرَكْتَنِى": "لَمْ يَرْذُلْ مَسْكَنَةَ الْمَسْكِينِ وَلَمْ يَحْجِبْ وَجْهَهُ عَنْهُ بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ اسْتَمَعَ" وهذا معناه لماذا تركتني في هذا العذاب؟ وليس تركتني بمعنى فارقتني. وعندما يقول لماذا تركتني في هذا العذاب؟ هذا ليس رفضًا للصليب، لأن السؤال المقدم لنا يقول كيف كان يريد أن يصلب ثم يصرخ لماذا تركتني؟ هو لا يرفض الصليب، لكنه يقول ها أنا أسمعكم إني أقول للآب لماذا تتركني في هذا العذاب؟ وهذا لكي يفهم السامعين أن الآب ترك الابن لأن الابن قَبِل أن يكون فادى البشرية ويحمل خطايا كثيرين ويشفع عنهم. فلماذا تركه؟ تركني من أجلكم، فتبكتوا أيها الخطاة، وافهموا أيها اليهود، استيقظوا يا قساة القلوب. ثم جاء بولس الرسول ولخص كل هذه المفاهيم كما ذكرنا: "الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ" (عب 5: 7). كإنسان يصرخ إلى الله، فهو ليس إله فقط، لكن من ناحية إنسانيته هو يصرخ إلى الله "الْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ". "أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ الْكَلْبِ وَحِيدَتِي". فإذا قلنا: أنه بلاهوته يتحرر من الموت ويقوم. وهذا حقيقي فمن حيث لاهوته سنقول لم يتجسد الكلمة، ولم يشابهنا في شيء، وأنه لم يتألم على الصليب، لكنه سوف يدوس الموت ويقوم، إذًا لماذا يطلب من الآب أن يخلصه من الموت؟ وهنا يمكن إضافة سؤال لمرسل السؤال هذا السؤال هو: كيف يطلب من الآب أن ينقذه من الموت وقد قال لليهود "انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ" (يو 2: 19)؟ كيف يطلب خلاصه من الموت وكيف سيقوم بقدرته الإلهية؟

إنهم دائمًا يقعون في هذا المطب يريدون أن السيد المسيح يتصرف كإله فقط، وفي هذا يقولون مالنا وله، الله في السماء، ويتخلون عن فكر التجسد والفداء. أو أن السيد المسيح يتصرف كإنسان فقط ويكون نبي. أما إذا تصرف أحيانًا كإنسان وأحيانًا أخرى كإله يتساءلون كيف يقول: إلهي...

كل جزئية في حياة السيد المسيح سيأتي عليها سؤال. فعندما نأتى للقيامة سيقولون لماذا يطلب من الآب أن يُخلصه من الموت طالما سيقوم هو بسلطان لاهوته؟ الإجابة: من حيث لاهوته يقوم ويقهر الموت، ولكن من حيث إنسانيته يشابهنا ويعلمنا ويشاركنا فيطلب من الآب أن يُخلصه من الموت. هذا هو المنهج على طول الخط. من حيث لاهوته هو يعرف كل شيء في الوجود ومن حيث ناسوته يقول: "وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ" (مر 13: 32).

كما قال القديس أثناسيوس في الرسالة الرابعة للآريوسيين أن المسيح من حيث لاهوته من حيث أنه هو الكلمة يعلم بكل شيء ويعلم اليوم الأخير، ومن حيث ناسوته كان قد اشترك معنا في الجهل الخاص بالبشر (ليس معنى الجهل هنا الخطية ولكنه يقصد نوع من التخلي عن معرفة أمور خاصة بالآب وحده). فتخلى عن هذه المعرفة لكي يكون قد شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها. وهو ينسب إلى نفسه عدم المعرفة، بينما آدم الأول أراد أن يصير مثل الله في المعرفة فسقط. أتى آدم الثاني وهو العالم بكل شيء من حيث لاهوته وأخلى نفسه آخذًا صورة عبد، وقال عن نفسه أنا لا أعرف لكي يمحو الخطية الأولى. لأن الشيطان قال لآدم وحواء: "تَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك 3: 5). فجاء المسيح وقال أنا لا أعرف فانهار الشيطان لأن كل ما استنتجه كان خطأ، إذ كيف يكون الابن وهو لا يعرف؟ لقد قال له "أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ" (مر 1: 24)، وهو يقول أنا لا أعرف اليوم ولا الساعة إذًا ليس هو ابن الله الوحيد وبهذا يكون قد وضع له الطُعم لكي يصطاده. كما يقول القديس مار إفرام السرياني: كما أن الشيطان اختبأ داخل الحية لكي يُسقط البشرية كذلك سقاه المسيح من نفس الكأس فاختفى بلاهوته داخل الناسوت لكي يدخله المصيدة ويُنقذ البشرية. وكما كانت الشجرة سببًا في هلاك البشرية أحضر المسيح شجرة الصليب وعُلق عليها فعندما نظر الشيطان إلى الثمرة التي فوق الشجرة وجدها شهية للنظر وجيدة للأكل. فلما التهم الموت الحياة ابتُلِع الموت من الحياة.

إذن كان لابد أن يخفى السيد المسيح لاهوته عن الشيطان لكي يتم الفداء. أما من يريدون مهاجمة العقيدة المسيحية فيقولون: كيف يقول الابن أنه لا يعرف؟ وكيف يكون مساوي للآب في الجوهر ولا يعرف؟ الإجابة بسيطة جدًا: إنسانيًا هو لا يعرف لكن إلهيًا يعرف. وهذا ما سقط فيه أريوس. كل ما عمله أريوس حول هذه الآية يُحل في كلمتين.

وبنفس الطريقة: لماذا يطلب المسيح الخلاص من الموت؟ إنسانيًا: يطلب الخلاص من الموت لأنه قائد مسيرة الخلاص، وممثل البشرية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فلابد أن يطلب من الآب لكي يعلمنا ويربطنا بالآب، ولكي نفهم أنه فعلًا رأس الكنيسة، وإلهيًا: بقدرته الإلهية دمر الموت والجحيم. بقدرته الإلهية صعد للسماء وإنسانيًا: يقول "ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ" (اع 2: 33). لكن لماذا بيمين الله رغم أنه صعد بقدرته؟ لاهوتيًا: صعد بقدرته وناسوتيًا بيمين الآب. عند قبر لعازر أقام لعازر بسلطانه الإلهي، لكن إنسانيًا ليس فقط بكى لكنه قال "أَيُّهَا الآبُ أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي. وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي" (يو11: 41، 42). هل هو يعجز عن إقامة لعازر لذلك يطلب من الآب؟ مع أنه في عرس قانا الجليل بدون طلب من الآب قال "امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً" (يو2: 7) فملأوا الأجران، فلم يصلى بل قال لهم "اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا" (يو2: 8) فاستقوا فوجدوا الماء تحول إلى خمر. وتُقال في طقس الإكليل (يا من حول الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل بسلطان لاهوته بارك هذا العرس الذي لعبديك...). ويقول الكتاب "هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ" (يو2: 11). في بعض الأحيان عندما كان يقوم بعمل معجزة يصنعها كأنه يطلبها من الآب، وفي بعض الأحيان مجرد أنه يريد فقط، تتم المعجزة. كما فعل مع الأبرص: فحينما قال له الأبرص "يَا سَيِّدُ إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي. فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلًا: «أُرِيدُ فَاطْهُرْ». وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ" (مت 8: 2-3).

كان السيد المسيح يقصد أن يربك الشيطان، فأحيانًا يعمل عملًا بقدرته الإلهية وأحيانًا أخرى يتصرف يصرخ ويصلى ويتضرع ويبكى كما قال معلمنا بولس الرسول "إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ" (عب 5: 7). وفي الوقت الذي كان هو يصرخ فيه بشدة لكي يخلصه الآب من الموت، كان الشيطان في منتهى الفرح ويحتفل. كان لابد أن يكتمل الفداء فكان هناك صراع مع الزمن فكان السيد المسيح يعمل ما يؤكد للشيطان أنه ليس هو الله. ثم يأتي من يثبت بمثل هذه الآيات أن المسيحية خطأ! إن هذا هو سر الفداء أن السيد المسيح أخفى لاهوته عن الشيطان لكي يتم الفداء. ويقول الكتاب "الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ - لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ" (1كو 2: 8).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ويقول قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الله حياته- في شرح عبارة "لِمَاذَا تَرَكْتَنِى" هي مثل شخص يأخذ ابنه ويذهب به إلى طبيب الأسنان، وأثناء علاج الطبيب لأسنان الغلام لمس الحفار العصب فصرخ الابن قائلًا لوالده "إنت سايبني ليه"؟ فيرد الأب "أنا لم أتركك يا إبنى ها أنا ممسك بيدك، ولكن ما يفعله الطبيب هو للعلاج وتصليح الأوضاع".

هل صاحب السؤال يريد من السيد المسيح أن يكون تدبيره الخلاصي فقط هو الواضح، ولا يكون هناك أي أنين تحت الآلام؟ هل هو يريد أن تصبح هذه الآلام تمثيلية أم آلامًا حقيقة؟ لذلك لابد أن يجمع السيد المسيح بين أمرين: بين مسئوليته كراعي يبذل نفسه عن الخراف، وبين صراخه كذبيح وكحمل يعبر عن أنه أحتمل الآلام كثيرة من أجل خلاص الخطاة وهذا لكي يوبخنا نحن على خطايانا.

فعبارة "لِمَاذَا تَرَكْتَنِى" هي كما شرحها قداسة البابا شنودة الثالث بمعنى: لماذا تركتني في هذا العذاب. وليس معنى ذلك أن الآب انفصل عن الابن أو أن اللاهوت انفصل عن الناسوت. كما أنها لا تعنى أنه محتّج على الصليب ويرفضه، لأن السيد المسيح قال "فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ" (مت 26: 42) وقدم لنا مثالًا في الطاعة، "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (في 2: 8). هنا أتذكر قول للدكتور فؤاد رزق (وقد كان معيدًا عندنا في كلية الهندسة أيام أن كنت طالبًا بها، وهو شخص معروف في الإسكندرية ولازال على قيد الحياة) وكان ذلك في كنيسة مار مينا في فلمنج وأنا كنت حاضرًا هذا الاجتماع فأعجبتني عبارة قالها لازلت أذكرها حتى الآن، قال: أدم عصى الله حتى الموت، والمسيح أطاع الله حتى الموت، فكأن أدم عمل خطًا بالقلم الرصاص والمسيح عبر على هذا الخط بالأستيكة ومسحه تمامًا.

والمسيح في طاعته كان لابد أن يعبّر عن المعاناة التي استلزمتها هذه الطاعة وذلك لأنه كان يدفع ثمن خطايا غيره. وهذه طاعة إيجابية وليس مجرد أنه بدون خطية. كونه بلا خطية هي طاعة في الجانب السلبي أي أنه لم يعمل شيء خطأ، ولكن طاعة المسيح لم تكن في الجانب السلبي لكنها كانت طاعة في الجانب الإيجابي في أنه حمل خطايا غيره ودفع ثمنها. ولكن بالمفهوم الذي شرحناه مع وجود الشرطيين. ومن ضمن الشرطين فرحة القيامة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bishoy/anti-christian-questions/christ-on-cross.html

تقصير الرابط:
tak.la/k53wyrg