St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   lord-how
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب يا رب لماذا..؟ - البابا شنوده الثالث

9- يا رب لماذا كثر الذين يحزنونني؟

 

"كثر الذين يحزنونني"، "كثيرون قاموا عليَّ".

أو كما قال الشاعر، عند كثرة همومه في داخله:

لو كان هَمًّا وَاحِدًا لاحتملته        لكنه همٌّ وثانٍ وثالثُ

فلماذا يا رب كل هذا؟ ولماذا تترك لعبدك هذا الحزن، ولكثرة المحيطين به القائمين عليه؟

بالذات، بالنسبة إلى أبشالوم، لم يخطئ إليه داود في شيء، بل دفعته خيانته وهو ابن! فلماذا يا رب؟!

كيف أن هؤلاء الناس الذين هتفوا وقت الانتصار على جليات، ينقلب فيهم كثيرون وينضمون إلى ابن خائن، وهم يعرفون تمامًا أنه خائن لأبيه؟!

داود توجه بشكواه إلى الله نفسه، الله القادر على كل شيء، الذي يستطيع أن يحول الشر إلى خير، الله الذي نفس أبشالوم في يده، وكذلك نفس اختيوفل، ونفس شمعي بن جيرا، ونفوس الشعب كلها.

داود لم تستقطبه الأحزان وتعصره فيتركز فيها، إنما ترك الأحزان واتجه إلى الله ليصلي.

متاعبه جعلته يقول يا رب... يا رب كيف يحدث كل هذا وأنت ترى وتسمع؟!

أنت يا رب الذي أشكو لك، وأنت وحدك الذي تستطيع أن تعزيني وتستطيع أن تقويني وأنت تنقذني. أنت وحدك. لأن الشكوى لغير الله مذلة كما يقول المثل... حينما أتكلم معك أجد راحة... أجد الراحة في داخلي، مطمئنًا إلى عملك وتدخلك. وأجد الراحة أيضًا في الخارج نتيجة لعملك من أجلي. أنت الصدر الحنون الذي أتكئ عليه وأقول له لماذا؟ أو كيف يحدث هذا؟

St-Takla.org Image: A crying woman, praying beside the Holy Cross - Coptic art. صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة تبكي وتصلي بجانب الصليب المقدس - فن قبطي.

St-Takla.org Image: A crying woman, praying beside the Holy Cross - Coptic art.

صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة تبكي وتصلي بجانب الصليب المقدس - فن قبطي.

لو قلت للناس لماذا تحزنونني، لكانوا يعيروني بخطاياي ويشمتون بي...

فهكذا فعل شمعي بن جيرا، دون أن أقول له شيئًا... قال شامتًا "أخرج أخرج يا رجل الدماء... قد رد الرب عليك كل دماء بيت شاول الذي ملكت عوضًا عنه... وها أنت واقع بشرك" (2صم 16: 7، 8).

ولعل هذه الضيقة التي أمر بها هي بسبب خطاياي.

الآن أتذكر يا رب كيف أنك أرسلت إلى ناثان النبي، ليحمل إلى رسالة منك تقول "لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينه. قد قلت أوريا الحثي بالسيف، وأخذت آمراته لك امرأة... والآن لا يفارق السيف بيتك... قريبك يضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس. قدام جميع إسرائيل" (2 صم 12: 9-12). أتراك عرفت لماذا كثر الذين يحزنونك؟

ولكن داود -على الرغم من خطيئته - يتذكر أيضًا قول ناثان النبي له: "الرب قد نقل عنك خطيتك. لا تموت" (2صم 12: 13).

لقد نقلها ووضعها على الحمل الذي يرفع خطايا العالم كله (يو1: 29). إن داود يعرف تمامًا قلب الله الحنون الذي هو نفسه يقول عنه: "لم يفعل معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا" (مز103: 10-12). لذلك فإن داود يقول في مزاميره للرب:

أذكر يا رب رأفاتك ومراحمك، فإنها ثابتة منذ الأزل. خطاياي شبابي وجهالاتي، لا تذكر (مز25: 6).

هل لا تزال تذكر لي يا رب تلك الخطية؟! لقد تفاهمنا بشأنها، واعتذرت لك عنها، ونقلتها عني حسب وعدك الصادق الأمين. وأما أنا فبسببها كنت "أعوم في كل ليله سريري، وبدموعي أبا فراشي" (مز6). فكيف تذكر لي يا رب آثامي؟! "إن كنت للآثام راصدًا يا رب، يا رب من يثبت؟! الآن من عندك المغفرة" (مز130) (لا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتزكى قدامك أي حي" (مز142: 2).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

نعم يا رب لقد كثر الذين يحزنونني. ولكن يقينًا أنت يا رب لست منهم. لأنك أنت عزائي وخلاصي.

لذلك فأنني في وسط ضيقاتي، أمسكت مزماري، لأرتل لك هذا المزمور. حقًا: "أمسرور أحد، فليرتل" (يع 5: 13). أما أنا فأرتل لك وأنا في عمق متاعبي. لأن مسرتي فيك.

لست أحسب هذه الضيقات تأديبًا منك لي، إنما أحسبها تقربني إليك.

أما خطيئتي أنت قد غفرتها. وإن كنت ترى هذه العقوبات الأرضية نافعة لي، فأنا اقبلها بشكر، ولكن ترفق بفتاك، كما قلت أيضًا "ترفقوا بالفتى أبشالوم" (2صم 18: 5) على الرغم من خيانته وكل أخطائه... لذلك أنا أسال "كيف كثر الذين يحزنونني؟! كثيرون قاموا عليَّ"..

حقًا إن كل الضيقات ليست من أجل خطايا.

إن أصحاب أيوب الصديق أخطأوا في حقه وأثاروه، إذا اتهموه بأن تجربته كانت بسبب خطاياه (أي 4: 7، 8) فخوفهم الله على ذلك لأنهم لم يقولوا الثواب (أي 42:7). والرجل المولود أعمى، لما ظن التلاميذ أن عماه بسبب خطية، أجابهم الرب قائلًا "لا هذا أخطأ ولا أبواه، ولكن لتظهر أعمال الله فيه" (يو9: 3). والبابا القديس أثناسيوس الرسولي تألم كثيرًا وهو بار. رسالته الثانية إلى كورنثوس (2كو 11). والكتاب يقول: "كثيرة هي أحزان الصديقين، ومن جميعها ينجيهم الرب" (مز34: 19) والسيد المسيح وهو قدوس القديسين قيل عنه انه "رجل أوجاع ومختبر الحزن" (إش53: 3).

وعلى الرغم من أن بعض متاعب داود كانت بسبب خطيئته، إلا أن كل متاعبه لم تكن هكذا...

فقد صادَف متاعب كثيرة جدًا في حياته من شاول الملك، وكان داود وقتذاك في عمق صلته بالرب، وقد حل روح الرب عليه... وهذه المتاعب الحاضرة، وإن كان الرب قد أنذره بشيء منها في (2صم 12). إلا أن داود ما كان يظن أن الضيقة ستأتي بهذا العنف، وأن الذين يحزنونه سيكون بهذه الكثرة، لذلك عاتَب الرب قائلًا: "يا رب كيف كثر الذين يحزنونني. كثيرون قاموا عليَّ".

كانت الأحزان مع داود في بره وفي خطيئته.

لم تفارقه أبدًا، منذ صباه. ومزاميره تتحدث عن تفاصيل منها. وهنا يرى الأمور قد وصلت إلى خطورة. فيصرخ إلى الرب قائلًا: كثيرون قاموا عليَّ.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/lord-how/increased-who-trouble-me.html

تقصير الرابط:
tak.la/dvc2mkq