St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   contemplations-compline
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في مزامير وقطع النوم - البابا شنوده الثالث

21- توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة

 

تأملات في قطع النوم

 2

 

توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة

 

وقف المُصَلِّي مرعوبًا ومرتعبًا أمام الديان العادل من أجل كثرة ذنوبه. ثم قال "توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة. لأن التراب في القبر لا يسبح. ليس في الموتى من يذكر، ولا في الجحيم من يشكر بل أنهضي من رقاد الكسل، وتضرعي إلى المخلص بالتوبة قائلة: "إلهي ارحمني وخلصني..".

حَسَنٌ جدًا أن يستيقظ الإنسان ويرجع إلى نفسه...

لأن كثيرًا من الناس يقعون في غفلة، ولا يدرون ما هم فيه كإنسان يجرفه التيار، أو تلفه الدوامة، فلا يحسن بنفسه. وكما قال أحد القديسين إن غالبية الخطايا، يسبقها إما الكسل أو التهاون أو الغفلة. فيعيش الإنسان خارج نفسه. ولذلك حسنا قيل في توبة الابن الضال أنه "رجع إلى نفسه" (يو 15: 17).

هنا الإنسان -في توبته- يستيقظ. وحبذا لو استيقظ مبكرًا.

ويقول مع المزمور "أنا اضطجعت ونمت، ثم استيقظت، لأنك أنت معي" (مز3). نعم طوبى للإنسان الذي يستيقظ مبكرًا. فلا يأخذه النوم مدة طويلة من الوقت. يستيقظ ويقول "هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوبًا ومرتعدًا بسبب كثرة ذنوبي". وهنا يدرك أنه كما أن الله رحيم، هو أيضًا عادل، هو أيضًا ديان ويقول بولس الرسول "هوذا لطف الله وصرامته. أما اللطف فلك إن ثبت في اللطف، وإلا فأنت ستقطع" (رو 11: 22). إذن هناك أيضًا صرامة، يمكن أن تحكم بالقطع...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: A crying girl, kneeling and praying - Coptic art. صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة تبكي، وهي ساجدة تصلي - فن قبطي.

St-Takla.org Image: A crying girl, kneeling and praying - Coptic art.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فتاة تبكي، وهي ساجدة تصلي - فن قبطي.

البعض يُشَبِّه علاقة الله مع البشر بالمرآة.

قد تنظر إلى المرآة، فترى، فترى وجها مبتسمًا. وقد تنظر إليها فترى وجها متجهما. والمرآة هي نفس المرآة. ولكنها تعكس الوجه الناظر إليها. وهكذا أنت في حالة البر، ترى وجه الله القدوس المحب للبر. وفي حالة خطيتك ترى وجه الله القدوس المشمئز من الخطية...

مثل ملاك الفصح: الذي كان للبعض سبب هلاك، وللبعض سبب نجاة، يرى الدم فَيَعْبُر عنهم (خر 12).

البعض ينظر إلى الملائكة على أنهم رسل رحمة وحنو. ولكنهم أحيانًا يكونون رسل دينونة وإهلاك وموت.

ملاك القيامة كان للمريمتين سبب فرح. وبالنسبة للجند الحراس، يقول الإنجيل "فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت 28: 4). إذن هناك وقت ينظر فيه الإنسان إلى الملاك فيتعزى، بينما ينظر إليه في وقت آخر فيخاف... حسب حالة القلب من الداخل...

الملاك الذي أرسل لمعاقبة داود على خطيته، بسط يده على أورشليم لمعاقبتها. وملاك ضرب من جيش سنحاريب 185 ألفا (2مل 19: 35). ملائكة آخرون كانوا للإنقاذ مثل الملاك الذي أنقذ بطرس من السجن (أع 12: 7، 8)

كذلك الرب: في وقت تتكئ في حضنه مع يوحنا (يو 13: 25). وفي وقت آخر يقال "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب 10: 31).

ومكتوب أيضًا في نفس هذا الإصحاح "إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف، وغيره نار عتيدة أن تأكل المضادين.." (عب 1: 26، 27) أيحدث هذا في عصر النعمة؟ نعم، يتابع الرسول كلامه فيقول".. كم عقابا أشد، تظنون أنه يحسب مستحقا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا، وازدرَى بروح النعمة... لي النقمة، أنا أجازى، يقول الرب" (عب 10: 29، 30).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

نقول هذا، لئلا يظن البعض أن العقوبة كانت موجودة في العهد القديم. أما العهد الجديد فكله حب، ولا عقوبة فيه!!

على هؤلاء أن يقرأوا عن الويلات التي حدثت من أبواق الملائكة السبعة كما ذكرها سفر الرؤيا (رؤ 8: 9). وأيضًا ليقرأ عن السبع جامات التي سكبها الملائكة السبعة على الأرض والبحر والهواء (رؤ 10). وما قيل في كل تلك الإصحاحات عن غضب الله... كلام مخيف.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

بالإضافة إلى عقوبات الله، وعقوبات الأبدية، هناك عذاب الضمير.

قد يحتمل الإنسان إهانات واحتقار الآخرين له. ولكن من الصعب عليه أن يحتمل احتقاره لنفسه. لقد ذكر الرب "البكاء وصرير السنان" في العذاب الأبدي (مت 13: 42). ولكن لا شك أنه يوجد على الأرض أيضًا، بكاء وصرير أسنان... من الندم وتأنيب الضمير، وحسرة الخاطئ بسبب ما قد فعله، وهو يقول لنفسه: أين كان عقلي وقتذاك، وأين كان ضميري؟!

إننا نقف أمام الديان العادل هنا على الأرض، وكذلك في السماء.

هنا نقف أمامه حينما ندخل في محاسبة النفس، وننسى لذة الخطية ومتعة العالم والجسد والمادة، بل نرتعب من تذكار ذنوبنا... ونلوم أنفسنا ونبكتها. وسعيد هو الإنسان الذي يبكت نفسه هنا، وَتُحْمَى بالتوبة خطاياه، قبل أن يقف في اليوم الأخير مرعوبًا ومرتعدًا... وقد صدق القديس مكاريوس الكبير حينما قال "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك".

وفي تبكيت الإنسان لنفسه يقول له "توبي... ما دمت في الأرض ساكنة" توبي، لأنه توجد الآن فرصة للتوبة وللمغفرة. قبل أن تسمعي صوت الرب القائل "أعطيتها زمانا لكي تتوب... ولم تتب" (رؤ 2: 21). صدق الذي قال:

الذين في الجحيم يشتهون دقيقة واحدة من عمر الأرض يقدمون فيها توبة...

ولكن فاتت الفرصة، وضاعت فترة التوبة، مهما صرخوا وقالوا: يا ربنا يا ربنا، افتح لنا" (مت 25: 11) فيجيبهم "اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 23) "الحق أقول لكم إني لم أعرفكم قط" (مت 25: 12) (مت 7: 23).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

إذن توبي يا نفسي، ما دمت في الأرض ساكنة.

ما دام باب التوبة لا يزال حتى الآن مفتوحًا ن قبل أن يغلق بعد الموت. إن القديس مارافرام يقول "الويل للمتوانى الذي سيطلب الزمان الذي أضاعه عبثا... اجتهد في هذه الساعة الحادية عشرة قبل أن ينتهي النهار... فأغنم يومك هذا، قبل أن ينطلق، قبل أن يهرب منك..".

إن اليوم الذي يضيع من حياتك، لا تستطيع أن تسترجعه.

قد تحزن عليه، وقد تقدم عنه توبة. ولكنك لا تستطيع أن تسترجعه. لقد انتهى. فحاول ان تعمل إذن لأبديتك في هذا اليوم الذي تعيشه قبل أن يفلت منك، ويصبح أمسًا لا عودة له. أتذكر أنني قلت مرة:

ما حياتي غير أمس ضائع        كلها أمس إذا طال الأمدْ

إن يومي هو أمس في غدٍ        وغدي يصبح أمسًا بعد غدْ

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

أخشى أن كثيرًا من الأبرار فينا: يقضون نصف العمر في الخطايا، والنصف الآخر في البكاء عليها!!

أو يقضون النهار في ارتكاب الخطايا، والليل في البكاء عليها... أما المحزن حقًا، فهو أن يقضي الناس وقتهم في ارتكاب الخطايا، ولا يجدون وقتا للبكاء عليها..! وقد لا يجدون وقتا للندم على خطاياهم، ومن انشغالهم بعد ذلك في ارتكاب خطايا أخرى!!

وأنت، تراك من أي نوع؟ هل من النوع الذي يبكي على خطاياه في صلاة النوم؟ ليتك تبكت ذاتك في صلاة النوم، كل يوم...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

هناك إنسان لا يبكت نفسه على خطاياه، لأنه بار في عيني نفسه!

لا يعرف لنفسه خطية يبكت ذاته عليها!! يقول ماذا فعلت؟! غالبًا مثل هذا الإنسان مقاييسه الروحية غير سليمة، ومحاسبته لنفسه غير دقيقة، أو هو من النوع الذي يجامل نفسه، ويعذرها ويبررها في كل ما تفعله... أما أنت فلا تكن هكذا. وعليك أن تحيا حياة التدقيق، وتبكت نفسك على كل عمل خاطئ، وكل فكر منحرف، وكل كلمة بطالة، وكل شهوة لا تليق...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

اذكر كيف كان داود النبي في كل ليلة يبلل فراشه بدموعه (مز 6). وكرر تلك العبارة التي نقولها في الخدمة الثانية من صلاة نصف الليل: "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة".

وبعض الرهبان يصلونها هكذا: "أعطني يا رب توبة نقية، أعطني يا رب غفران خطية، أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة سخية، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة".. والبعض يلي هذه الصلاة بتفاصيل كثيرة فيقول "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة لأبكى على كذا "ويظل يسرد تفاصيل خطاياه وتقصيراته طالبًا عن كل منها ينابيع دموع كثيرة...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ولكننا يا أخوتي، نريد أن ندلل أنفسنا، ونقول لماذا نحزن ذواتنا بذكر خطايانا. ونفضل أن نقضى ليالينا في متعة!!

بينما يقول مار إسحق "الليل مفرز لعمل الصلاة". ويقول المرتل في المزمور "في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب" (مز 134). أين هي ليالينا المقدسة التي نقضيها في الصلاة والتأمل والتوبة، ونقول فيها "توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة.." إن كنتي لن تتوبي في القديم، فتوبي الآن، ولو مع أصحاب الساعة الحادية عشرة، ولو في آخر ساعات الحياة كما فعل اللص اليمين... فالوقت وقت مقبول (2كو 6: 2).

اطلب التوبة قبل أن يطلبك الموت.

إن كانت قد ضاعت منك ساعات النهار، وعطلتك مشاغل كثيرة، فلا تدع ساعات الليل تضيع منك. استغل بعضا منها في الصلح مع الله... اطلب التوبة قبل أن يستغل الشيطان تهاونك ويقيدك أكثر فأكثر. واعرف أن الإنسان الذي يؤجل التوبة، إنما يعطي فرصة للخطية لكي تتعمق في حياته. فتتحول العثرة إلى سقطة، والسقطة إلى عادة، ثم إلى طبع!

لا تؤجل التوبة. لأنك لا تضمن أن تستمر زيارة النعمة التي معك ألان...

لا تضمن رغبتك الحالية في التوبة هل ستبقى أم ستفنى؟ ولا تضمن بقاء الفرص التي قدمها لك الله. كذلك أنت لا تدري ما يقدمه لك عدو الخير من الحروب، إن رأى تهاونًا منك في التوبة. تذكر أن فيلكس الوالي لما ارتعد من حديث القديس بولس عن البر والدينونة والتعفف، ولم ينتهز الفرصة للتوبة، بل قال للرسول القديس "اذهب الآن. ومتى حصلت على وقت أستدعيك" (أع 24: 25)، لم يقل الكتاب إنه حصل على وقت!!

كذلك لما تأثر أغريباس الملك، وقال للقديس بولس "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًّا" (أع 26: 28). ولم يستغل أغريباس الفرصة، ضاعت منه...

فلا تَقُل إذن لزيارة النعمة: اذهبي الآن إلى أن يحصل لي وقت...

لا تكن مثل فيلكس واغريباس. ولا تكن مثل النبات الذي طلع قليلًا ثم خنقه الشوك، ولا مثل البذار التي التقطها الطير (مت 13: 4، 7). ولا تكن مثل العذارى الجاهلات اللائي ذهبن متأخرات لشراء الزيت (مت 25: 10).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

يكفي الزمان الذي مضى. فلا تزد عدد خطاياك.

من الجائِز أن يجلس إنسان على نفسه ليحاسبها، فيرى أنه ارتكب عددًا من الخطايا: لو وزعت على أهل العالم كله، لصبح كل منهم خاطئا! ولو وزعت أفكاره الشريرة عليهم لتنجس الكل!!

لا تَقُل أنا صغير، وحينما أكبر سأتوب. وربما حينما تكبر، تصبح التوبة صعبة عليك، من فرط تعودك عليها وارتباطك بها وجريانها في دمك. كما أن توبة الشيخوخة قد تكون رخيصة. لذلك قال الكتاب "اذكر خالقك في أيام شبابك.." (جا 12: 1). ويكون جسدك قد ضعف، ولست أنت الذي انتصرت عليه. لا تقل مثالي هو اللص اليمين! لا تضمن، فقد يكون مصيرك كاللص الآخر الذي كان وهو في ساعات الموت يجدف على المسيح (لو 23: 39-41)

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

عندما تقول توبي يا نفسي، حول ذلك إلى توبة عملية.

لا تجعلها مجرد فكرة أو رغبة. فالابن الضال عندما قال "أقوم الآن وأذهب إلى أبي" قام مباشرة وذهب إلى أبية (لو 15: 18، 20). يقول المُصَلِّي لنفسه: توبي قبل الموت. لماذا؟

لأن التراب في القبر لا يسبح. ليس في الموت من يذكر، ولا في الجحيم من يشكر.

بهذه الآية يمكن الرد على المشتغلين بعلم الأرواح الذين ينادون بأنه توجد توبة بعد الموت!! نرد أيضًا بقول الكتاب في مثل العذارَى "وأُغْلِقَ الباب" (مت 25: 10). وبقول السيد المسيح لليهود غير المؤمنين به "تموتون في خطاياكم. وحيث أمضى أن لا تقدرون أنتم أن تأتوا" (يو 18: 21). وأيضًا قول أبينا إبراهيم لغني لعازر "بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت. حتى الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون. ولا الذين من هناك يجتازون إلينا" (لو 16: 26).

لذلك ينبغي التوبة من الآن...

ونحن في الجسد، وفي العالم المادي. ننتصر على الجسد قبل أن نخلعه. حتى إذا ما خلعناه بالموت.

نخلع جسدًا تائبًا. متذكرين قول الرسول "لأنه لا بُد أننا جميعا، نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا أم شرًا" (2كو 5: 10).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/contemplations-compline/repent-o-my-soul.html

تقصير الرابط:
tak.la/yn94f2b