St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   contemplations-compline
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في مزامير وقطع النوم - البابا شنوده الثالث

18- شرح مزمور سبحي الرب يا أورشليم

 

سبحي الرب يا أورشليم

 

 

سبحي الرب يا أورشليم، سبحي إلهك يا صهيون،

لأنه قد قوَّى مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك.

الذي جعل تخومك في سلام، ويشبعك من شحم الحنطة.

الذي يرسل كلمته إلى الأرض، فيسرع قوله عاجلًا جدًا.

المعطي الثلج كالصوف، المذري الضباب كالرماد،

ويلقي الجليد مثل الفتات، قدام وجه برده مَن يقوم؟

يرسل كلمته فتذيبه، تهب ريحه فتسيل المياه.

المُخْبِر كلمته ليعقوب، وفرائضه وأحكامه لإسرائيل،

لم يصنع هكذا بكل الأمم، وأحكامه لم يوضحها لهم.

هللويا...

 

نقدم المزمور 147 وهو آخر مزمور في صلاة النوم.

سبحي الرب يا أورشليم، سبحي إلهك يا صهيون.

أورشليم هي صهيون. يطلب منها المرتل أن تسبح الرب إلهها. أما المعنى الحرفي كما يقول القديس أوغسطينوس فهو أن هذا المزمور وسابقه عبارة عن تسبحة للرجوع من سبي بابل.

أما من الناحية الرمزية فتشير أورشليم إلى الكنيسة حيث يوجه المُصَلِّي تأملاته إليها أثناء المزمور.

ومن الناحية الروحية الخاصة، يمكن أن تشير أورشليم إلى قلب الإنسان أو نفسه التي هي عروس المسيح.

ولكن لماذا يطلب المرتل من أورشليم أن تسبح الله؟ ما هي مناسبة التسبيح؟

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: Praise the Lord. صورة في موقع الأنبا تكلا: فلنشكر اسم الرب.. فلنسبح الله

St-Takla.org Image: Praise the Lord.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فلنشكر اسم الرب... فلنسبح الله

لأنه قوَّى مغاليق أبوابك وبارك بنيك فيك. الذي جعل تخومك في سلام ويملآك من شحم الحنطة.

يمكن أن يُقال هذا كصلاة شكر كلما يشعر الإنسان يحفظ الله للكنيسة ورعايته لها. فأورشليم تسبح الرب لأنه جعل تخومها في سلام. لا يستطيع العدو أن يقتحم أبوابها، لأن الرب "قوَّى مغاليق أبوابها". ولا يستطيع العدو أن يسبي أبنائها، لأن الرب "بارك بنيها فيها".

أما إذا أخذ هذا الكلام على أن أورشليم حيث هي قلب المُصَلِّي أو نفسه، فإنه يسبح الله شاكرًا لأنه حفظه من الخطية، إذ قوَّى مغاليق أبوابه. وأبواب النفس هي الحواس: السمع، البصر، اللمس... إلخ. هذه قد قوَّى الله مغاليقها، فأصبحت لا تدخل إلى القلب أية فكرة شريرة، أو أي أحساس رديء. وأبواب النفس هي أيضًا الشهوات والرغبات والأفكار. وهذه قوَّى الله مغاليقها. فلو حاول العدو أن يدخل منها إلى النفس ليفسدها بأباطيل العالم، يجدها مغلقة في جهه.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

هذا كله من الناحية السلبية. أما من الناحية الإيجابية، فيقول "بارك بنيك فيك". هؤلاء البنون الذين تلدهم النفس من عمل الروح القدس فيها هم الفضائل. وعندما يبارك الله هؤلاء البنين إنما يعني أنه يكثر ثمار القدس في النفس، على أن هؤلاء قد باركهم الله فيها، أي في داخل النفس، وليس خارجًا كما يفعل المراؤون.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

ونتيجة لكل هذا صارت تخوم النفس في سلام، أي لم يعد الجسد يشتهي ضد الروح، ولا الروح ضد الجسد، بل تصالح الإثنان فعاش الإنسان في سلام: فلا صراع داخلي يضنيه في مقاتلة الشهوات. أصبح في سلام من جهة حربه ضد الشيطان والجسد والعالم... إلخ.

"ويملأك من شحم الحنطة". أي من الخير، من نعمه وإحساناته. ولكن كيف تم هذا النصر , هذا العمل المجيد، سواء للقلب أو للكنيسة؟ يجيب المرتل بقوله:

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

الذي يرسل كلمته إلى الأرض، فيسرع قوله عاجلًا جدًا.

يقول القديس أوغسطينوس كلمة الله هو المسيح، وقد أرسله على الأرض فأسرع قوله عاجلًا جدًا، لأنه في فترة قصيرة من الزمان كانت الكرازة قد وصلت إلى أقاصي الأرض.

ولم يمر نصف قرن على إرسال السيد المسيح لتلاميذه حاملين قوله، حتى أسرع قوله عاجلًا جدًا، فدخل قلوب المؤمنين بسهولة... بعظة واحدة من بطرس آمن أكثر من ثلاثة آلاف (أع 2: 41). وبعد معجزة شفاء المقعد عند باب الجميل كثر العدد جدًا. ثم نسمع انه "كان مؤمنون بنضمون للرب أكثر، جماهير من رجال ونساء" (أع 5: 14). "وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع 6: 7)

وهكذا أسرع قوله عاجلًا جدًا حتى ملأ الأرض. فكأن المرتل يقول للكنيسة: هذا الذي بارك بنيك فيك، هو الذي أرسل كلمته إلى الأرض فأسرع قوله عاجلًا جدًا... فباركيه وسبحيه على حاضره وماضية معك...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

على أننا يمكن أن نأخذ هذا أيضًا على النفس البشرية.

لأن السيد المسيح شبه الإنسان الصالح بالأرض الجيدة التي أخرجت ثمارًا ثلاثين وستين ومائة (مت 13: 23). فالإنسان المشبه بالأرض الجيدة، يسبح الله في هذا المزمور على هذا الثمر الكثير، لأن الله أرسل كلمته إلى الأرض فأسرع قوله عاجلًا جدًا.

يمكن أن تذكر هذه الآية من المزمور كلما قرأت أو سمعت كلام الله فترك في نفسك أثرا قويا سريعا... حينئذ تقف أمام الله وتقول "سبحي الرب يا أورشليم... الذي بارك بنيك فيك... الذي يرسل كلمته إلى الأرض فيسرع قوله عاجلًا جدًا".

هذا هو "شحم الحنطة" الذي قصده في الآية السابقة. لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4: 4). هذا الكلام الذي يرسله الله إلى الأرض يكون كالشحم، بل إن داود يقول "وباسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كأنها من شحم ودسم". هذا هو الشحم الذي يعطيه الله "للجياع والعطاش إلى إلى البر" (مت 5: 6)، فيشبعون.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

هنا يعرض لنا سؤال هام وهو:

هل هذا المزمور لا نقوله إلا في الحالات الروحية السامية شاكرين الله على الأوقات التي نرى فيها تخومنا في سلام وقد قوَّى الله مغاليق أبوابها وبارك بنيها فيها، أم في حالات الحروب أيضًا، والتعب والجهاد ضد الخطية؟

يجيب المرتل على هذا السؤال بقوله: المعطي الثلج كالصوف، والمذرى الضباب كالرماد، ويلقى الجليد مثل الفتات.

الله لم يدع إلى ملكوته الأتقياء فقط الحارين في الروح، وإنما دعا إليه من المشارق والمغارب أناسًا من كل نوع. وهنا يميز المرتل ثلاثة أنواع: الثلج والضباب، والجليد. فإلى من يشير هؤلاء؟

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

الثلج يشير إلى البرودة من الناحية الروحية، قال الرب "ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت24: 12). فإن كانت كثرة الإثم تجعل المحبة باردة فما الذي يجعلها ثلجاً إذن؟ لا شك أن هذا يشير إلى حالة ضلال شديدة. والذين في تلك الحالة دعاهم الرب أيضًا إلى ملكوته: كالمرأة التي تعجب الفريسي مِن لَمْسِها للمسيح، وجماهير العشارين والزناة ... إلخ. هؤلاء لم يجعلهم مؤمنين عاديين فقط، وإنما حارين في الروح كالصوف ... كزكا العشار.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

أما الضباب فيدل على الظلمة لأنه يحجب الرؤية. لأن الخطية تجعل النفس تكتنفها الظلمة، فلا ترى نور الحق ولا تميز. ولذلك قيل عن الأشرار أنهم "أحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو 3: 19). ولقبهم الكتاب "بالجالسين في الظلمة" (لو 1: 79). ولكن كيف دعاهم الرب من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط 2: 9)؟ ذلك بأن أشعل فيهم روح التوبة فسحقت نفوسهم أحرقت فيهم كل شهوة وكبرياء وحولتهم إلى رماد.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

والرماد يرمز إلى التوبة. كما قال الرب عن صور وصيدا أنه لو عملت فيهما تلك العجائب لَتَابَتَا قديمًا في المسوح والرماد (مت 11: 21). وكما قال أيوب "وأندم في التراب والرماد" (أي 42: 6). وكما حدث في توبة نينوى المشهورة أنه حتى ملكها تغطى بمسح وجلس على الرماد" (يو 3: 6). نعم هؤلاء الذين "سقط عليهم ضباب وظلمة" (أع 13: 11). وحجب الضباب عنهم شمس البر فلم يروا الرب، هؤلاء سوف لا يتركهم الله. بالتوبة يذرى منهم الضباب فيبصرون، ويتحول ضبابهم إلى رماد.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

St-Takla.org Image: Winter snow: "He gives snow like wool; He scatters the frost like ashes" (Psalm 147:16) - from "Standard Bible Story Readers", book 6, Lillie A. Faris. صورة في موقع الأنبا تكلا: "الذي يعطي الثلج كالصوف، ويذري الصقيع كالرماد" (المزمور 147: 16) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب السادس، ليلي أ. فارس.

St-Takla.org Image: Winter snow: "He gives snow like wool; He scatters the frost like ashes" (Psalm 147:16) - from "Standard Bible Story Readers", book 6, Lillie A. Faris.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "الذي يعطي الثلج كالصوف، ويذري الصقيع كالرماد" (المزمور 147: 16) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب السادس، ليلي أ. فارس.

وماذا عن الجليد؟ الجليد صلب جدًا، لا يذوب بسهولة مثل الثلج. إنه يشير إلى البرودة الروحية الشديدة أو إلى القسوة والصلابة في البعد عن الله.

وحتى الذين على هذه الصفة يحولهم إلى فتات، أي يغذى بهم آخرين. أو قد يدل هذا. في رأى القديس أوغسطينوس - على انه يصيرهم أعضاء في جسده المسيح. فقارن بالآية (1كو 10: 17).

ويضرب القديس أوغسطينوس لهذا النوع ببولس الرسول، فيقول عنه "كان جليدًا صلبا، ومقاومًا للحق، صارخًا ضد الإنجيل... وإذا كان جليدًا بدا أبيض ورائقًا، ولكنه كان صلبا جدًا وباردا ورائقا. فكيف كان أبيض لامعًا؟ أنظروا... عبراني مع العبرانيين من جهة الناموس فريسي، هذا هو لمعان الجليد. ولكن اسمعوا الآن عن قساوة الجليد: من جهة الغيرة مضطهد للكنيسة (في 3: 5، 6).

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

يمكن للمُصَلِّي أن يطبق هذه الحالات الثلاث على نفسه:

الثلج حالة برودة روحية يسمح الله بها وهو قادر أن يحولها إلى حرارة كالصوف. والضباب ظلمة تكتنف النفس من جرأة الخطية، فيزيلها الرب بالانسحاق. والجليد شدة وقسوة وصلابة في البعد عن الله أو التعصب لفكرة معينة. ويحول الله هذه الشدة لمنفعة الآخرين أو يفتتها.

على أية الحالات نحن نشكر الله لأنه لم يبق الثلج ولا الضباب ولا الجلدي على حالة، بل أذابه، وإلا...

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

في وجه بَرَده مَن يقوم؟!

مَن يستطيع أن يحتمل هذه الحالات؟! لا يملك الإنسان إلا أن يصرخ "ويلي أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت؟" (رو 7: 24). بقوتي لا أستطيع شيئًا. هاأنذا ازداد برودة وصلابة. أية حرارة تذيبني حتى أسيل وأجري؟ من ينقذني من جسد هذا الموت الذي في وجه برده من يقوم؟ هل أيأس؟! كلا، لأنه يقول:

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

يرسل كلمته فتذيبه... يهب روحه فيسيل المياه.

الله الكلمة هو شمس البر، هو يذيب الثلج والجليد، ويحوله -بروحه القدوس- إلى "ماء حي ينبع إلى حياة أبدية". يروى أيضًا "العطاش إلى البر". ولكن كيف يحدث هذا؟ هل هناك سر وراءه؟ نعم، والسر هو:

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

المُخْبِر كلمته ليعقوب وفرائضه وأحكامه لإسرائيل.

ما الذي اخبر الرب به يعقوب؟ قال له "جاهدت مع الله والناس وقدرت" (تك 32: 28).

المسالة إذن تحتاج على جهاد، كالصراع الذي صارع به يعقوب الرب، لا يصح أن ننام ونتهاون ونكسل، وننتظر أن يهب روحه فيسيل المياه! لأن ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه (مت 11: 12). وفي ذلك يقول القديس أغسطينوس "لئلا إذا حصلنا بسهولة على ما فقدناه، نتعلم أن نفقد بسهولة ما حصلنا عليه. فليتعب الإنسان لكي ينال. فإنه حينئذ سيمسك بحزم هذا الذي حصل عليه بعد تعب... هذه هي فرائضه وأحكامه التي أعلنها لإسرائيل".

St-Takla.org                     Divider   فاصل موقع سانت تكلا دوت أورج للكنيسة المسيحية

لم يصنع هكذا بكل الأمم وأحكامه لم يوضحها لهم.

إذن كيف خلص الأمم؟ كيف ذاب منهم الثلج والضباب والجليد؟ يقول الرسول! "أنت زيتونة برية، طعمت فيها (في الزيتونة الأصلية)، وصرت شريكًا في أصل الزيتونة ودسمها" (رو 11: 17).

لم يعد الأمم أمما. الكل شعب واحد في المسيح، شعب يعقوب وروحيًّا يُمكن للمُصَلِّي بهذه الآية أن يشكر الله على ما أوضحه له من فهم وصاياه مما لم يوضحه لغيره، وخاصة من الأمم التي لم تعرف المسيح. ويشكره لأنه كشف عن عينيه ليرى عجائب من ناموسه (مز 118: ج).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/contemplations-compline/psalm-147.html

تقصير الرابط:
tak.la/5j2j3c9