St-Takla.org  >   books  >   fr-morcos-dawoud  >   incarnation-of-the-word
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولي - القمص مرقس داود

3- مقدمة الترجمة الإنكليزية

 

لا بُد أن تكون "الرسالة ضد الوثنيين" التي كتبها القديس أثناسيوس قد بعثت في القراء شعورًا بضرورة تجديد الحياة بواسطة كلمة الله كعلاج لفساد الطبيعة البشرية، وسنرى في الصفحات التالية كيف تحققت هذه الضرورة في التجسد.

 

أما الغرض العام من هذه الرسالة الثانية (تجسد الكلمة) فهو إيضاح وتأكيد عقيدة التجسد، وذلك بإظهار الأمور الآتية:

  1.  ضرورتها وغايتها.

  2. تناسق تفصيلاتها.

  3. حقيقتها رغم اعتراضات اليهود والوثنيين.

  4. نتائجها.

وتبدأ هذه الرسالة بمراجعة عامة لعقيدة الخليقة، ومركز الإنسان فيها (وفي ذلك يلخص ما سبق أن كتبه في الرسالة ضد الوثنيين فصل 2-7)، فلقد أدت إساءة استعمال الإنسان لامتيازه الخاص إلى فَقْد ذلك الامتياز، وإذ تغاضى عن الحياة الإلهية دخل في دور الفناء والهلاك اللذين لا يستطيع أن يخلصه منهما سوى واهب الحياة الأصلي  (فصل 2 - 7). بعد ذلك نرى وصفًا بليغًا جدًا عن تجسد كلمة الله، وتأثير ذلك التجسد ضد وباء الفساد (فصل 8-10).

لقد نال البشر أيضًا مع الحياة الإلهية موهبة العقل في أَسْمَى درجاته، مشابهين بها الطبيعة الإلهية، وذلك بقصد معرفة الله. على أنهم بسقوطهم أفسدوا هذه المعرفة وعكسوا القصد منها. وإذ أغفلوا حتى الوسائط التي أراد الله بها أن يذكرهم بنفسه، توغلوا أكثر فأكثر في السقوط في مذهب (الماديين) وما إليه من الخُزعبلات. فلإعادة الصورة التي شُوِّهَت لم يكن هنالك بُد من إيجاد الأصل، إذ أن الإنسان خُلِقَ على صورة الله. ولذلك تنازل الله بأن يتمشى مع إدراك الإنسان المحدود الإحساس، والكلمة أخذ جسدًا، وصار في متناول إحساس البشر، حتى يعلن غير المنظور بواسطة المنظور (فصل 11 - 16).

St-Takla.org         Image: An ancient Russian icon of Saint Athanasius the Apostolic صورة: أيقونة روسية أثرية تصور القديس أثناسيوس الرسولي

St-Takla.org Image: An ancient Russian icon of Saint Athanasius the Apostolic.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة روسية أثرية تصور القديس أثناسيوس الرسولي.

وبعد أن أوضح معنى التجسد وغايته (فصل 17 - 19)، تَقَدَّم ليتحدث عن موت ابن الله المتجسد وقيامته الأموات، فإن الذي يستطيع وحده أن يجدد صنعته، ويعيد الصورة التي منحها للبشر، ويبعث من جديد معرفة الله التي وهبها لهم ينبغي لكي يوفي الدين، الذي جلبه الجميع على أنفسهم، أن يموت عِوَضًا عنا، مُقَدِّمًا الذبيحة عن الجميع، ولكي يقوم من ظُلْمَة القبر كباكورة لنا (فصل 20 - 32. انظر خاصة فصل 20). وبعد أن تحدث عن الصليب، الذي كان علامة للعار، وأما الآن فهو علامة النصر كأنسب وسيلة، وبعد أن ذَلَّل بعض الصعوبات الخاصة بكيفية موت الرب، انتقل إلى التحدث عن القيامة. فهو يرينا كيف كيف أن المسيح بانتصاره على القبر أبدل سلطان الموت وعلاقته بالحياة (فصل 27)، وكيف أن القيامة بنتائجها الخطيرة والعظيمة الأهمية كان لا بد أن تعقب تجسد ذاك الذي كانت فيه الحياة (فصل 31).

بعد ذلك أثناسيوس يحارب بدعتي الإلحاد الرئيسيتين اللتين كانتا منتشرتين في عصره. كانت علة عدم الإيمان في كلتا البدعتين من الوجهة الأدبية. فالعلة مع اليونانيين كانت فظاظتهم وشراستهم، ومع اليهود عِنادهم الذي تَأَصَّل فيهم. وهنا نرى أثناسيوس يُحَاج اليهود (فصل 33 - 40) أولًا من كتابهم المقدس نفسه الذي تَنَبَّأ عن مجيء المسيح تفصيلًا وإجمالًا. ثم بَيَّن أيضا أن النظام اليهودي القديم -سواء من الجهة الدينية أو المدنية- قد زال وَعَبَّر، مُفْسِحًا المجال لكنيسة المسيح.

من ثَمَّ وجه الحديث إلى اليونانيين (فصل 41-45)، مُسَلِّمًا بأنهم يعتقدون بوجود روح يسود العالم، ضابط لكل شيء، وحثَّهم على أن يرفضوا بلا تردد تلك العقيدة التي يدينون بها، وهي اتحاد هذا الروح (أي الكلمة) بأحد عناصر الكون (راجع أغسطينوس 7: 9)، ولما كان الإنسان وحده (فصل 43: 3) دون سائر المخلوقات، هو الذي خرج عن نِظام خلقته، فكان لا بُد من أن يأخذ الكلمة طبيعة الإنسان ويتحد بها، ولكي يسد الثغرة التي فُتِحَت بين المخلوق والخالق في نفس الجهة التي حدثت فيها.

لم يَشأ الله أن يجدد الإنسان بمجرد نُطْق مَلَكي كريم (فصل 44)، لأنه كما أن التوبة من جانب الإنسان لم تَسْتَطِع أن تستأصِل شَأفَة مرضه (فصل 7)، كذلك كان يستلزم النُّطق الملكي الكريم من جانب الله أن يلاشي الطبيعة البشرية، ويخلق جنسًا جديدًا. لذلك أتى الله بعلاج لمرض الإنسان؛ إذ غلب الموت بالحياة، وبذلك استطاع الإنسان مرة أخرى أن يعلن -مع سائر المخلوقات- صنعة يد خالقه ومجده.

من ثم واجه أثناسيوس اليونانيين ببعض الحقائق، كما فعل مع اليهود. فمنذ مجيء المسيح بدأت العبادة الوثنية -العامة والفلسفية- تضمحِل وتتلاشى. ثم بَيَّن أوجه الخلاف بين ضعف المعلمين الفلاسفة ومنازعاتهم، وأخلاقهم غير المتجانسة، وفساد تعاليم العبادات القديمة من جهة، وبين وحدة قوة ديانة المصلوب من الجهة الأخرى. وهكذا أبرز للناس هذه التعاليم الحية وتلك المائتة. ولم يبق لهم إلا أن يروا ويذوقوا لَذَّة هذه الحياة التي يهبها المسيح للذين يتبعونه (فصل 46 إلى النهاية).

← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إن القصد من هذه الرسالة (وكذا الرسالة إلى الوثنيين)، هو التمهيد لديانة المسيح لتكون أكثر قبولًا، ويكاد يكون البحث فيها مُقتصرًا على التجسد كحقيقة جوهرية، وعلى مركز التجسد بالنسبة لسياسة الله نحو الإنسان، أكثر مما تبحث فيه كعقيدة لاهوتية.

ولم يشأ «أثناسيوس» أن يعالج (في هذه الرسالة) تلك المسألة التي كثر الجدل واللغط حولها في الإسكندرية في القرن السابق، ألا وهي بنوية (الكلمة) وعلاقته بالله الآب.

كذلك لم يشأ أن يمس المشكلات الخاصة بلاهوت المسيح التي قامت على أثر سكون العاصفة الأريوسية، والتي كانت تَقْتَرِن بأسماء أبوليناريوس، وتيودور، وكيرلس، ونسطور، وأوطاخي، وتيودوريت، وديوسقورس. ولكننا نراه يمسك بناصية تلك الحقائق الخلاصية، الأمر الذي الأمر الذي أبرزه كأنه هو الشخص المُعَيِّن للقضاء على البدعة الأريوسية، والذي مَكَّنَهُ من أن يرى، عن بُعد، وعن غير قصد، تلك المشكلات اللاهوتية التي أَتْعَبَت الكنيسة طوال القرن التالي، لوفاته.

ومما يجعل للموضوع أهمية لدى قُرَّاء العصر الحاضِر: هو كيفية معالجته إياه بعقله الراجح من كل وجوهه، أي فيما يتعلق بالله وبالطبيعة وبالخطية.

ومما يلذ لنا معرفته أن البراهين التي يقدمها «أثناسيوس» ليست تَعَسُّفِيَّة أو استبدادية كتعاليم العصور الحديثة والمتوسطة عن الفداء، فان تعاليم الكنيسة الأولى فسرت سرى التقوى بعبارات، إن جاز لنا القول إنها دون قوة وبلاغة تعاليم بولس الرسول، فإنها على أي حال خالية من روح التعسف والتَّحَكُّم. ثم هي تصور لنا الطبيعة البشرية تصويرًا حقيقيًّا، كما تقدم لنا أَسْمَى التعاليم والأفكار عن الله، ولعل هذه الرسالة أشد لزومًا وأعظم تقديرًا في عصرنا الحاضر، منها في أي عصر سبق، منذ حياة كاتبها إلى الآن.

من أجل ذلك قد يكون من الواجب أن تُكْتَب كلمة أو اثنتان عما امتازت به هذه الرسالة في مرماها وأسلوبها. وأول ما تلاحظه هو كيف أن الكاتِب عَصَرَ كل قُواه ومواهبه في موضوع بحثه، لذلك لم يكن هينًا أن نستنتج شيئًا من إغضائه الطرف عن أمور قد يرى القارئ، أنها كانت تحتاج إلى شرح أثناء بحثه، إذ أنه لم يَخط حرفًا واحدًا عن التثليث أو الروح القدس. وهذا راجع إلى غرض الرسالة تبعًا للقاعدة العامة، وهي أنه ما دامت الكنيسة تُبَشِّر العالم بالمسيح، فإن وظيفة الروح القدس وشخصيته يَتَعَّلقان بحياتها الداخلية.

أما الأمر الثاني الذي نلاحظه، فهو بحث هذه الرسالة في تركيب الإنسان. ويظهر أن «أثناسيوس» ينسب نَفْس الإنسان العاقلة وخلوده بعد الموت (فصل 3 مع 11: 2، وفصل 13: 2) ليس إلى تركيب الطبيعة البشرية، بل إلى النعمة التي أولاه إياها الخالق، النعمة التي كَوَّنَت الإنسان بفضل قوة الكلمة، والتي لو لم يكن الإنسان قد خسرها بخطيته، لوهبته امتياز الخلود. لذلك لنتأمل مَلِيًّا، ولنبحث بالتدقيق، عما إذا كان أثناسيوس قد عَنَى أو قصد أن يقرر أن الإنسان بطبيعته وبدون اتحاده بالله (1) عاقل أو (2) خالد. فإن دَقَّقنا البحث في الرسالة التي نحن بصددها أمكننا أن نَجِد بعض الأدلة للإجابة عن هذين السؤالين بالنفي.

على أننا إذا رجعنا إلى ما كتبه أثناسيوس (في الفصلين 32، 33) من رسالته ضد الوثنيين، اتضح أنه يقرر أن النفس عاقلة وخالدة. لهذا كان وَاجِبًا أن نجد تفسيرا لما كتبه عن هذا الموضوع في هذه الرسالة التي نحن بصددها.

أما فيما يتعلق بالخلود فيجب أن نلاحظ:

1- أن اللهجة التي استعملها في (فصل 5:4) تَفْرِض وجود حالة مستمرة، أو بمعنى أوضح حالة بعيدة عن الفناء.

2- أن صورة الله لا تُمْحَى مطلقًا حتى من أشر البشر، ولكنها تُشَوَّه فيهم (فصل 14، 1 إلخ.) وحتى إن فقدت النعمة (فصل 7، 4) فالإنسان لا يُمْكِن أن يصل إلى الحالة التي يصبح فيها كأنه لم تكن له علاقة بالله مطلقًا.

3- إن أثناسيوس في هذه الرسالة كما فعل بولس في (1 كو 15) لم يشر إلى المصير النهائي للأشرار سوى إشارة عابرة في (فصل 56: 3).

4- يُضاف إلى هذا أن «أثناسيوس» جمع معًا كل ما يفصل الإنسان عن المخلوقات غير العاقلة.

ومما يلاحظ أيضًا أن «أثناسيوس» لم يبحث بالتفصيل موضوع الدينونة العامة مع أنه واضح جدًا (انظر الرسالة ضد مع الوثنيين فصل 33) أنه لم يشترك في آراء بعض الكُتَّاب السابقين الخاصة بعقيدة الخلود المقترن بشرط، كما لا يوجد أي دليل على أنه كان يدين بعقيدة الخلاص الشامل (1)، التي نادى بها بعض علماء القرون الأولى.

← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

(1) وهي التي تُعَلِّم بخلاص كل البشرية، حتى الملائكة الذين سقطوا.

 

أما عن رأيه فيما يختص بأن الإنسان عاقل (الرسالة ضد الوثنيين 32) فيتضح مما ورد بالفقرة السابقة (4) أنه يقرر أن الإنسان لو تُرِكَ إلى نفسه لعجز عن أن يدرك شيئًا عن الله بتاتًا (فصل 11: 1)، الأمر الذي يسد فمه عن الادعاء بأنه عاقل. أما هذا التناقض الظاهري فيزول إذا عَلِمنا أنه في مقدور الإنسان أن يكون عاقلًا (كما هو الحال مع جميع البشر)، ومع ذلك فهو غير عاقل من ناحية استعمال العقل (كما هو الحال مع الكثيرين(1)). وبعبارة أخرى أن النعمة لا تعطي موهبة العقل نفسها، بل تُنيرها وتكملها.

وهنالك تحذير ضروري آخر فيما يختص بالمُشَابَهَة التي يقدمها «أثناسيوس» (فصل 41 إلخ.). بين التجسد واتحاد الكلمة بالكون. أن الرسالة نفسها تقدم لنا الرأي السليم في هذا الموضوع (فصل 17: 1، وانظر أيضا المُلاحظات عن الفصل 41)، ولعله من المناسب هنا أن نذكر أن الاختلاف الحقيقي بين أثناسيوس وبين الفلسفة الأفلاطونية الحديثة(2) لم يكن في اتحاد الكلمة بأيَّة مادة مخلوقة -الأمر الذي كان ينادى به أولئك الفلاسفة- بقدر ما كان اتحاد الكلمة بصفة استثنائية بالإنسان باعتباره متميزًا عن سائر المخلوقات. ويرجع هذا الاختلاف إلى عقيدة الخليقة، التي كانت هوة سحيقة بين المسيحية والآراء الأفلاطونية عن الكون. أما علاقة الآراء الأفلاطونية بالكلمة، فقد شرحها «أثناسيوس» شرحًا مستفيضًا في الجزء الثالث من رسالته ضد الوثنيين. هذا التعليم يجب أن يكون مَاثِلُا أمام مَنْ يقرأ الفصل الحادي والأربعين والفصول التالية من الرسالة التي نحن بصددها (تجسد الكلمة).

 

(1) أي أنه في مقدور جميع البشر أن يكونوا عقلاء، لكن الواقع أنهم عند استعمال قوتهم العاقلة يخرج الكثيرون منهم عن دائرة العقل.

(2) فلسفة حديثة مزجت بين فلسفة أفلاطون والآراء الشرقية، ظهرت في القرن الثالث، حيث بدأ بها أمونیوس سكاس في الإسكندرية، ونشرها بلوتنيوس برووفیرى وبروكلوس إلخ.


وأخيرًا أن العلاقة المباشرة بين عقيدة الخليقة وعقيدة الفداء، تُبَيِّن لنا الفرق بين عقيدة الخلاص في هذه الرسالة وبينها في العصور الوسطى. فأثناسيوس لم يغفل فكرة وَفَاء الدِّين. كذلك هو يعتقد أن الصليب كان غرضه الأسمَى من مجيئه (فصل 20: 2 مع 9: 1 و2.. إلخ.). أما فكرة تجديد الطبيعة البشرية، فكانت في اعتقاده أهم ضرورات
التجسد، إذ أن الله لم يَشَأ أن يَمْسَح إثمنا بمجرد كلمة يقولها (فصل 44)، لأن الطبيعة البشرية كانت تحتاج إلى برء، وتجديد، وَخِلْقَة جديدة. كانت فكرة تجديد الإنسان في مقدمة الآراء الثلاثة (فصل 7: 5) التي يُلَخِّص فيها وصفهُ للمُعْضِلَة التي تستحق دِفاعه عنها.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وهذه الترجمة (الإنكليزية) لرسالة أثناسيوس عن تجسد الكلمة، هي التي طُبِعَت عام 1885 وأُعِيد طبعها عام 1891. وكان القصد الأول من ترجمتها أن تُلْقَى بشكل محاضرات في جامعة أكسفورد (1789 - 1822). وأما مقدمة كل فصل -وهي تتضمن تلخيصًا له- فقد أُضِيفَت لغرض استعمالها أيضًا في تلك المحاضرات.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/incarnation-of-the-word/preface-en.html

تقصير الرابط:
tak.la/nwrd38q