St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

163- طاعة السلطات الزمنية

 

4 - طاعة السلطات الزمنية:

ليست المسيحية دين ودولة، لكنها تُعَلِّم بفصل الدين عن الدولة... "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" (مت 22: 21، لو 20: 25). فالمسيحية -كديانة- يمكنها أن تحيا وتنمو في ظل أي نظام من أنظمة الحكم... والقديس بولس ينظر للدولة كنظام إلهي... "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة. فإن الحكام ليسوا خوفًا للأعمال الصالحة بل للشريرة. أفتريد أن لا تخاف السلطان أفعل الصلاح فيكون لك مدح منه، لأنه خادم الله للصلاح. ولكن إن فعلت الشر فخف، لأنه لا يحمل السيف عبثًا، إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل أيضًا بسبب الضمير" (رو 13: 1-5)... وواضح أن الرسول هنا يرتفع بالحكومة الأرضية -على الرغم مما يحيط بها من فساد واضح أمام عينيه- إلى أصلها وفكرتها الأساسية، إنها نظام إلهي.

St-Takla.org Image: Balance, law صورة في موقع الأنبا تكلا: ميزان، القانون

St-Takla.org Image: Balance, law.

صورة في موقع الأنبا تكلا: ميزان، القانون.

ويتضِح هذا من وصيته لتلميذه الأسقف تيموثاوس "أطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس. لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار. لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله" (1تي 2: 1-3). وفي وصيته لتلميذه الأسقف تيطس يقول: "ذكرهم أن يخضعوا للرياسات والسلاطين، ويطيعوا ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح. ولا يطعنوا في أحد ويكونوا غير مخاصمين" (تي 3: 1، 2)... ويؤكد مار بطرس نفس المعنى السابق فيقول في رسالته "اخضعوا(165) لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان للملك فكمن هو فوق الكل. أو للولاة فَكَمُرْسَلين منه للانتقام من فاعلي الشر، وللمدح لفاعلي الخير" (1بط 2: 13، 14).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ولدينا وثيقة قديمة من رسالة القديس إكليمنضس الروماني أسقف رومية وتلميذ الرسل (حوالي سنة 95 م.) إلى كنيسة كورنثوس تتضمن التوسل الآتي من أجل الحكام:

[أعط يا رب ألفةً وسلامًا لنا ولكل الساكنين على الأرض، كما أعطيت لآبائنا حينما سألوك بإيمان وحق مع قداسة حتى ما نخلص. وهبنا أن نكون طائعين لاسمك الكلي القدرة والعظمة، ولحكامنا والمتسلطين علينا على الأرض. أنت أيها السيد أعطيهم قوة السيادة عن طريق قوتك العظيمة التي لا يُعبر عنها، حتى نعرف المجد والكرامة اللذين أعطيتهما لهم، ونخضع لهم، دون أن نقاوم مشيئتك. هبهم يا رب عافيةً وسلامًا ووفاقًا واستقرارًا حتى ما يسوسوا الحكومة التي أعطيتها لهم بدون فشل. لأنك أنت أيها السيد السمائي الملك الأبدي، أعطيت لبني البشر مجدًا وكرامةً وقوةً فوق كل الأشياء الكائنة على الأرض. كن مرشدًا لهم أيها الرب فيما هو صالح، وما يحسن في عينيك، حتى يحكمون في سلام، ولطف مع صلاح، بالقوة التي منحتها إياهم، ويجدون رحمة أمامك](166)...

وجدير بالملاحظة أن توسلات المسيحيين هذه قدموها لله لأجل حكامهم، إبان حكم الإمبراطور دومتيان الذي أثار اضطهادًا عنيفًا على الكنيسة... والقديس بوليكاربوس الشهيد في رسالته إلى أهل فيلبي يقول: [صلوا لأجل جميع القديسين صلوا أيضًا لأجل الملوك والحكام والأمراء، وعن الذين يضطهدونكم ويبغضونكم، وعن أعداء الصليب](167).

ذاك كان تعليم الكنيسة بخصوص الطاعة الواجبة على المسيحي نحو السلطات الحاكمة أيًا كانت عادلة أو ظالمة، صالحة أو شريرة. وهي في ذلك تسلك متشبهة بالسيد المسيح ذاته، الذي خضع في الأمور الزمنية لهيرودس وبيلاطس، وأعطى قيصر ماله... إن المسيحية لا تعرف العصيان المسلح، فكما يقول القديس بولس: "أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله على هدم حصون".

لكن ينبغي ألا ننسى أن تلك الطاعة لم تكن طاعة مطلقة في كل ما يخص المواطن ويعنيه، بل هي طاعة تختص بواجباته المدنية كمواطن، دون أن تكون هكذا من حيث علاقته بإلهه... إذا تعارضت طاعته لله مع طاعته للدولة من جهة إيمانه وعقيدته، فإنه كان ينفذ تعليم الكنيسة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 21) وكان في هذه الحالة مستعدًا أن يجود بحياته مقابل إيمانه... ولهذا استشهد كثيرون من أجل إيمانهم، وروت دماؤهم أرض المسكونة كلها، تمسكًا بالحرية المقدسة التي حررهم بها المسيا الإله. وكانت شهادتهم -كما يقول المؤرخ شاف- بطولة أكثر نبلًا من المقاومة بالسيف والنار، وقادت في النهاية إلى نصر دائم مبين(168).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(165) كلمة "اخضعوا" في اليونانية Hupotasso, وهي لا تعني مجرد الطاعة الشكلية المظهرية والخضوع للنظام، لكنها تعني طاعة القلب داخليًا - انظر:

Wuest, First Peter, pp. 60, 61.

(166) Clement of Rome, Epistle to the Corinthians, chs. 60, 61.

(167) Polycarp, Epistle to the Philipians, 12.

(168) Schaff, Vol. I, p. 507.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/obedience-law.html

تقصير الرابط:
tak.la/vw62gnn