St-Takla.org  >   books  >   anba-raphael  >   economy-of-salvation
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تدبير الخلاص حسب الكنيسة الجامعة - الأنبا رافائيل الأسقف العام

51- شفاء الطبيعة البشرية من مفاعيل التجسد والفداء

 

9- شفاء الطبيعة البشرية

جاء ربنا يسوع المسيح طبيبًا شافيًا، وخلصنا، بأن شفانا من الفساد: (المسيح الطبيب الحقيقي).

إنه الطبيب الذي بحث عنه إرميا النبي في نبوته: "أَلَيْسَ بَلَسَانٌ فِي جِلْعَادَ، أَمْ لَيْسَ هُنَاكَ طَبِيبٌ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تُعْصَبْ بِنْتُ شَعْبِي؟" (إر 8: 22).

لذلك نمجّد العذراء القديسة مريم في التسبحة اليومية قائلين: (السلام لكِ يا مريم شفاء إرميا) أي التي جاء شفاؤنا "المسيح" منها، الشفاء الذي بحث وفتّش عنه إرمياء النبي.[417]

إنه تحقيق النبوة القائلة: "«وَلَكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُتَّقُونَ ٱسْمِي، تُشْرِقُ شَمْسُ ٱلْبِرِّ وَٱلشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا”(ملا 4: 2).

وكانت نظرة الرب يسوع للخاطئ، أنه مريض يحتاج العلاج، أكثر من كونه مجرم يستحق العقوبة.

"لَا يَحْتَاجُ ٱلْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. فَٱذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ذَبِيحَةً، لِأَنِّي لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ” (مت 9: 12-13).

 

St-Takla.org Image: Huge Christian cross sand art (image 1), modelling sand into an artistic Christian cross form, sculpting, cross sand sculpture by the beach, the sea - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: فن بالرمل في شكل صليب مسيحي ضخم (صورة 1)، تشكيل الرمال إلى شكل فني للصليب، نحت رملي متقاطع على الشاطئ في البحر - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

St-Takla.org Image: Huge Christian cross sand art (image 1), modelling sand into an artistic Christian cross form, sculpting, cross sand sculpture by the beach, the sea - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فن بالرمل في شكل صليب مسيحي ضخم (صورة 1)، تشكيل الرمال إلى شكل فني للصليب، نحت رملي متقاطع على الشاطئ في البحر - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

المسيح هو الطبيب الشافي كما نصلي في الليتورجيا:

إن ما عمله المسيح مع لعازر حبيب الرب، كان نموذجًا لما عمله مع البشرية كلها. فالبشرية كانت مريضة بمرض الخطية: "يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ” (يو11: 3).

والنتيجة المترتبة على الخطية هي الموت: "فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي ٱلْقَبْرِ" (يو 11: 17-18).

والأربعة أيام ترمز للعصور التي سبقت مجيء الرب إلى قبرنا الأرض: (من آدم إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى المسيح).

جاء لكي يشفينا من الخطية، ويقيمنا من قبورنا: "قَالَ لَهَا يَسُوعُ: "سَيَقُومُ أَخُوكِ" (يو 11: 23). "أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟” (يو 11: 25-26).

 

"بَكَى يَسُوعُ” (يو11: 35). لقد بكى على حال البشرية الساقطة والمائتة، والفاسدة، بكى وهو عالِم بأنه سيقيمنا حالًا من هذا الضعف والضياع. "قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ ٱلْمَيْتِ: يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لِأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ ٱللهِ؟" (يو11: 39-40). "وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا! فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ” (يو11: 43-44).

كانت معجزات المسيح التي أجراها مع المرضى بطريقة مرئية ومحسوسة، كانت برهانًا على خطته لشفاء النفس بطريقة غير مرئية ولا محسوسة.

فمثلًا في قصة شفاء المفلوج قيل: “فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ” (مر 2: 5). اتضح أنه يهتم بشفاء النفس من الخطية قبل شفاء الجسد من المرض الظاهري، ولذلك اعترض بعض الحاضرين قائلين:

"لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلَّا ٱللهُ وَحْدَهُ؟" (مر 2: 7).

فشرح السيد المسيح أنه سيعمل المعجزة الحسية المرئية، ليعرف الجميع أنه جاء ليشفي النفس من مرض الخطية.

"أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ؟ وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى ٱلْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا. قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!” (مر 2: 9-11).

كانت أهم علامات تنبأ بها الأنبياء عن مجيء المسيا أنه سيشفي أمراضنا، ويقصدون المرض الحقيقي، أي الخطية وضعفات الطبيعة البشرية.

"فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمَا: ٱذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَٱلْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَٱلْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَٱلصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَٱلْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَٱلْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لَا يَعْثُرُ فِيَّ" (مت 11: 4-6).

لقد أشار لهم أنه هو (الرب يسوع) في تحقيق نبوات إشعياء عن الشفاء:

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

كان شفاء مرض البَرَص هو أعظم برهان على قدرة السيد المسيح أن يشفي الطبيعة البشرية من الفساد الذي أصابها بالخطية؛ فمرض البرص يشبه إلى حد كبير مرض الجذام الذي يُحْدِث بالجسد تشوهات لا يمكن إصلاحها، إلا بيد الله القدير فقط. وجاءت نبوة شفاء نعمان السرياني كسبق إخبار بأن المسيح (إليشع الجديد الحقيقي) سيشفي برص الطبيعة البشرية بتغطيسها في ماء المعمودية.

"فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي ٱلْأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، حَسَبَ قَوْلِ رَجُلِ ٱللهِ، فَرَجَعَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَطَهُرَ" (2مل 5: 14).

 

كذلك كان شفاء العميان يُعبِّر عن شفاء الطبيعة البشرية التي لم تَعُد تُبْصِر مجد الله وجلاله، وانحازَت إلى عبادة الأوثان كتعبير عن انعدام البصر والبصيرة، جاء رب المجد لينير عيون قلوبنا في سر الاستنارة الذي هو المعمودية المقدسة.

 

أما الصَّمَم فقد عالجه المسيح ليخبرنا أنه جاء ليفتح آذان قلوبنا؛ لنسمع صوته الإلهي العذب.

"وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ ٱلْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: «إِفَّثَا». أَيِ ٱنْفَتِحْ. وَلِلْوَقْتِ ٱنْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ، وَٱنْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ، وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيمًا. فَأَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يَقُولُوا لِأَحَدٍ. وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا أَوْصَاهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ أَكْثَرَ كَثِيرًا. وَبُهِتُوا إِلَى ٱلْغَايَةِ قَائِلِينَ: «إِنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَنًا! جَعَلَ ٱلصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَٱلْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ»" (مر 7: 32-37).

 

أما معجزات إخراج الأرواح النجسة فكانت لكي نعرف أنه جاء لِيُخْرِجنا من سلطان الشيطان ومملكة الظلمة إلى حرية مجد أولاد الله. "شَاكِرِينَ ٱلْآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ، ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ مَحَبَّتِهِ، ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا" (كو 1: 12-14).

 

لقد شفى نازِفَة الدم، ليمنع عنا نزيف الخطية، التي تستنزفنا حتى الموت.[421] وشفى المنحنية لكي يرفع رأسنا، ولا نعود ننظر إلى الأرض.[422] وشفي صاحب اليد اليابسة لكي نمد أيدينا بعمل الصلاح كل حين.[423]

"لِأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ" (أي 5: 18).

 

كان الصليب هو مصدر الشفاء لكل الجنس البشري. كما تنبأ إشعياء النبي العظيم:

"لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ ٱللهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا" (إش 53: 4-5).

بالحقيقة كان ربنا يسوع المسيح الفادي "ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ" (1بط 2: 24).

إنه حية النحاس الحقيقية التي جلبت لنا الشفاء من لدغة الحية القديمة. "فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا. فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى ٱلرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ ٱلنُّحَاسِ يَحْيَا" (عد 21: 8-9).

حقًا تنبأ إشعياء مفتوح العينين من وراء الزمان عن الخلاص بالصليب قائلًا: "اِلتَفِتوا إلَيَّ واخلُصوا يا جميعَ أقاصي الأرضِ، لأنّي أنا اللهُ وليس آخَرَ" (إش 45: 22).

هذه الالتفاتة الخلاصية التي تكلم عنها إشعياء النبي، تكلم عنها السيد المسيح بقوله:

"وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ" (يو 3: 14-15).

لذلك قال الرب يسوع عن صليبه الشافي المحيي:

"وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلْأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ. قَالَ هَذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ" (يو 12: 32-33).

إنه بالحقيقة الشفاء من نجس الخطية التي شعرت بها البشرية وأعلن عن ذلك إشعياء، وتم شفاؤه بالجمرة المقدسة من على المذبح، التي تشير إلى جسد الرب ودمه الأقدسين، والملقط يشير إلى الماستير المقدس.[424]

"«فَقُلْتُ: وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لِأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ، لِأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ». فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَٱنْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ»" (إش 6: 5-7).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

إنه الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا: "وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ ٱلْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي ٱلشَّعْبِ. فَذَاعَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ سُورِيَّةَ. فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ ٱلسُّقَمَاءِ ٱلْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَٱلْمَجَانِينَ وَٱلْمَصْرُوعِينَ وَٱلْمَفْلُوجِينَ، فَشَفَاهُمْ" (مت 4: 23-24).

وأعطى سلطان شفاء الأمراض للآباء الرسل وخلفائهم بالكنيسة، لا ليصنعوا المعجزات الحِسِّيَة فقط، بل بالأحرى لتوصيل رسالة المسيح الشفائية لكل إنسان من خلال المعمودية، والتوبة، والإفخارستيا، أسرار الشفاء الحقيقي.

 

يقول القديس كليمندس السكندري:

Many passions are healed by punishment and by the imposition of severe commands and, more particularly, by the teaching of certain principles. Reproof is like surgery performed on the passions of the soul; the passions are like a disease of truth, which need to be removed by the surgeon’s knife.”[425]

"كثير من الشهوات يتم معالجتها بالعقوبة وبفرض أوامر قاسية (شديدة) وعلى وجه الخصوص، بواسطة تعليم مبادئ معينة. التوبيخ يُشبه إجراء عملية جراحية لشهوات النفس؛ الشهوات تشبه مرض الحقيقة، الذي يحتاج إلى الإزالة بواسطة سكين الجراح".[426]

بهذا العمل الشفائي تم معالجة الفساد الذي أصاب الطبيعة البشرية.

 

ويقول القديس أثناسيوس الرسولي:

"وهكذا باتخاذه جسدًا مُمَاثِلًا لجسد جميع البشر وباتحاده بهم، فإن ابن الله عديم الفساد أَلْبَس الجميع عدم الفساد بوعد القيامة من الأموات. ولم يعد الفساد الفعلي بالموت له أي سلطان على البشر بسبب الكلمة الذي جاء وسكن بينهم بواسطة جسده".[427]

 

يقول القديس كيرلس الكبير:

"لأن طبيعة الإنسان قد أُدينت في آدم كطبيعة عاجزة عن الثبات، إذ قد سقطت وانحرفت (وكان سقوطها سهلًا للغاية). فكما أنه في انحراف الأول انتقل خُسْرَان الصالحات إلي الطبيعة كلها: هكذا وبنفس المِنْوَال أُحْسِبَ أن فيه أيضًا ذاك الذي لا يعرف انحرافًا، كي يحفظ لجنسنا كله ربح سُكْنَى المواهب الإلهية. وإن كان يبدو أمام أي أحد أننا لا نفكر ولا نَتَحَدَّث بما هو لائِق، فليأت ويخبرنا لماذا دُعِي المُخَلِّص بواسطة الكتب الإلهية بآدم الثاني. لأنه في آدم الأول، جاء الجنس البشري إلي الوجود من العدم، وإذ قد جاء إلي الوجود، فَسَدَ، لأنه كسر الناموس الإلهي: ففي آدم الثاني، المسيح، قد قام (هذا الجنس) مرّة أخري إلي بداية ثانية، وأُعِيدَ تشكيله مرّة أخري إلي جِدَّة الحياة وإلي عدم الفساد، لأنه "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17)". [428]

 

ويقول أيضًا:

"والآن، فإن صورة الله في الإنسان، بدأت تبهت بدخول الخطية، ولم يعد الختم مشرقًا لامعًا، بل بدأ يظلم بسبب التعدي. وعندما كثر جنس البشر إلي أعداد لا تُحصَى، وسادت الخطية علي الكل، وصارَت تدمر نفس كل إنسان بطرق عديدة، نُزِعَت من طبيعة الإنسان النعمة الأولى، وفارَق الروح القدس تمامًا الطبيعة الإنسانية، وسقطت الطبيعة العاقلة في أعماق الغباوة، وصارت تجهل حتى خالقها نفسه...

"الإنسان الأول، ترابي من تراب الأرض، وكان في إمكانه الاختيار بين الخير والشر، لأنه يملك الميل إلي الخير أو إلي الشر، ولكنه سقط بمكر وخدعة أثيمة، ومال إلي العصيان، فسقط إلي الأرض، للأم التي خرج منها، وساد عليه الفساد والموت، ونقل العقوبة إلي كل الجنس البشري. ونما الشر وَكَثُرَ فينا وانحدر إدراكنا إلي الأسوأ وسادت الخطية، وبالإجمال ظهر أن الطبيعة الإنسانية قد تعرَّت من الروح القدس الذي سكن فيها. "لأن روح الحكمة يهرب من الخداع". وكما هو مكتوب "و لا يسكن في الجسد الخاضع للخطية" (حكمة 1: 4، 5)[س]. ولأن آدم الأول لم يحتفظ بالنعمة التي أعطاها الله له، قرر الله الآب أن يُرسِل ابنه الوحيد الذي أخذ شكلنا، والذي هو بالطبيعة بلا تغيير أو اختلاف، والذي لم يعرف خطية مطلقًا، حتى أنه كما "بمعصية" الأول خضعنا للغضب الإلهي، هكذا بطاعة الثاني (رو5: 19) نهرب من اللعنة وكل شرورها تنتهي. ولكن حينما صار كلمة الله إنسانًا، قَبِل الروح من الآب كواحد منّا، (و لم يقبله لنفسه كأقنوم في ذاته، لأنه هو الذي يعطي الروح). وإنما الذي لم يعرف خطية، عندما يقبل الروح كإنسان، فإنه يحفظ الروح لطبيعتنا، لكي تتأصل فينا النعمة التي كانت قد فارقتنا. لهذا السبب أعتقد أن المعمدان القديس أضاف قائلًا "رأيت الروح نازلًا من السماء واستقر عليه". لقد فارقنا الروح بسبب الخطية، لكن الذي لم يعرف خطية، صار كواحد منّا لكيما يتعوَّد الروح القدس علي السكن فينا، بدون سبب للمفارقة أو الانسحاب. لذلك فهو يقبل الروح القدس لأحدنا من خلال نفسه، ويجدد الصلاح الأول لطبيعتنا". [429]

فالجسد الخاص الذي لربنا يسوع المسيح، بسبب اتحاده باللاهوت غير المائت، صار أقوى من الموت.[430] وهزم الموت، وهدمه، وصار مصدر حياة من الموت، وشفاء من فساد الطبيعة، التي أصابتنا، بسبب خطية آدم، وخطايانا الشخصية، وذلك لكل مَنْ يتحد به، في المعمودية، والإفخارستيا.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[418] أوشية المرضى - رفع بخور باكر.

[419] أوشية الإنجيل.

[420] تسبحة "قدوس الله" من بعد "تَفَضَّل يا رب أن تحفظنا" ومن بعد "تسبحة الملائكة" بالأجبية.

[421] "وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ نَازِفَةُ دَمٍ مُنْذُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً قَدْ جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ، لِأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ. فَٱلْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا، فَقَالَ: ثِقِي يا ٱبْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. فَشُفِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ" (مت 9: 20-22).

[422] " وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضَعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ ٱلْبَتَّةَ. فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: يَا ٱمْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضَعْفِكِ!. وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ، فَفِي ٱلْحَالِ ٱسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ ٱللهَ" (لو 13: 11-13).

[423] "ثُمَّ دَخَلَ أَيْضًا إِلَى ٱلْمَجْمَعِ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ. فَنَظَرَ حَوْلَهُ... وَقَالَ لِلرَّجُلِ: مُدَّ يَدَكَ. فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَٱلْأُخْرَى" (مر 3: 1، 5).

[424] "أبسط يدك يا الله على هذا الماستير، الذي يناولون به الدم الكريم... باركه، قدسه، امنحه قوة ومجد الملقط الذي كان في يمين السيرافيم" (صلاة تدشين الماستير).

[425] Clement of Alexandria. (1954). Christ the Educator. (P. S. Wood, Trans.) (Vol. 23, pp. 58-63). Washington, DC: The Catholic University of America Press. Clem. Al., Paed. 1.8. 64.

[426] كتاب المُرَبِّي، الكتاب الأول، الفصل الثامن.

[428] القديس كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا، المجلد الأول، ترجمة د.نصحي عبد الشهيد وآخرون 2009، مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية، 7: 39، ص531.

[429] ق.كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا، المجلد الأول، ترجمة د.نصحي عبد الشهيد وآخرون 2009م، 1: 32- 33، ص161، 162، 163.

[430] اَلَّذِي أَقَامَهُ ٱللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ" (أع 2: 24).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-raphael/economy-of-salvation/healing-human-nature.html

تقصير الرابط:
tak.la/38s4smk