St-Takla.org  >   Coptic-Faith-Creed-Dogma  >   Coptic-Rite-n-Ritual-Taks-Al-Kanisa  >   13-HolySacraments__Fr-Antonios-Fekry
 

الأسرار السبعة (الأسرار الكنسيَّة السبعة) - القمص أنطونيوس فكري

8- الخلافات مع البروتستانت والكاثوليك بخصوص سر الإفخارستيا

 

الاعتراضات والرد عليها:-

البروتستانت - الكاثوليك

 

أولًا: الخلافات مع البروتستانت حول سر الإفخارستيا:

← راجع كتاب الجذور اليهودية لسر الإفخارستيا في مقدمة الأسرار.

 

بدأ من القرن الثامن ظهور هرطقات تنكر حقيقة التحول وهي مستمرة للآن وسط الكنائس البروتستانتية فهم يقولون أن الخبز والخمر يظلان بعد التقديس خبزًا بسيطًا وخمرًا بسيطة. وليسا هما سوى إشارة وصورة ورمزًا ومثالًا لجسد المسيح ودمه. ولنلاحظ:

 ‌أ. السيد المسيح قال "جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق" فكيف ننكر هذه الشهادة وراجع كل إصحاح (6) من إنجيل يوحنا مثلًا "مَن لم يأكل جسدي ويشرب دمي فليس له حياة أبدية" فهل كان الرب يقصد أن هذا رمز، وإذا كان يقصد فلماذا لم يوضح هذا، بل أنه عندما انصرف كثيرين عنه بسبب هذه الأقوال، قال يسوع للاثني عشر "ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا (يو66:6، 67). وكان أسهل على الرب أن يقول، أنتم لم تفهموا فما أقوله كان مجرد رمز، لكنه أصر على كلامه، ومَن أراد أن يمضي فليمضي، ولكن هذا هو الحق، ومن أراد أن يقبل فليقبل. وكلمة حق في اليونانية تشير لشيء حقيقي لا يَزول. فالرب يقول عن نفسه أنه الخبز الحقيقي... الواهب حياة (يو6: 32، 33). فهل الخبز الذي نأكله في طعامنا العادي ليس خبزًا حقيقيًا؟! المقصود أن الخبز المادي مَنْ يأكله سوف يموت يومًا ما. ويقول القديس يوحنا في (يو1: 9) عن المسيح أنه النور الحقيقي، فهل نور الشمس ليس حقيقيًا؟! إنما المقصود أن نور الشمس سينطفئ يومًا ما، أما نور المسيح فأبدي. وهكذا فالخبز الإفخارستي ليس خبزًا عاديًا، بل هو سمائي ويُعْطي حياة أبدية.

 ‌ب. هل كان المسيح سيتكلم بألغاز وأمثال ليلة صلبه. ولماذا لم يسأله التلاميذ وقالوا "فسر لنا هذا المثل" كما تعودوا أن يسألوه حينما لا يفهمون ما كان يعنيه (مت13: 36)؟ لكن كان هذا لأن التلاميذ فهموا أن الموضوع يؤخذ حرفيًا وليس رمزيًا.

St-Takla.org Image: Exclamation mark ! - Designed by Michael Ghaly for St-Takla.org. صورة في موقع الأنبا تكلا: علامة تعجب ! - تصميم مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org Image: Exclamation mark ! - Designed by Michael Ghaly for St-Takla.org.

صورة في موقع الأنبا تكلا: علامة تعجب ! - تصميم مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 ‌ج. الكنيسة كلها بآبائها فهمت أن ما يقدم هو جسد المسيح ودمه، وهكذا فهمه بولس الرسول (1كو10، 11).

 ‌د. يقول المعترضون أن المسيح حين يقول "الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي" (يو51:6) كان يقصد الإيمان به، فهل كان التلاميذ لم يؤمنوا به بعد. ولاحظ أن المسيح كرر نفس الكلام ليلة تأسيس السر، بأنه يعطيهم جسده ودمه، فهل كانوا ما زالوا غير مؤمنين به.

 ‌ه. مارتن لوثر نفسه آمن بأن السر يحول الخبز إلى جسد.

 

 ‌و. قالوا أنه مجرد ذكرى لما فعله المسيح إذ قال "اصنعوا هذا لذكري". والشيء لا يكون تذكارًا لنفسه. فما يقدم هو خبز بسيط تذكارًا لما صنعه المسيح والرد:

1. كان طاس المن في تابوت العهد تذكارًا ويحوي منًا حقيقيًا (خر32:16-34) وهكذا أخذ يشوع من حجارة نهر الأردن تذكارًا لمرورهم فيه (يش1:4-24)

2. "المسيح فصحنا الجديد ذُبِحَ لأجلنا" (1كو7:5). وكما كان اليهود يُعَيِّدون بذبح خروف الفصح ليذكروا ما عمله الله معهم في مصر. هكذا نقدم ذبيحة الإفخارستيا دائمًا على المذبح لنُعِيد ما صنعه يسوع بأن مات لأجلنا.

3. وما كان يكفي اليهودي أن يضع الدم على باب بيته، بل كان عليه أن يأكل من لحم خروف الفصح. والنفس التي لا تأكل تقطع من شعبها. فوضع الدم على الباب كان يشير للإيمان، ومَنْ لم يضع الدم مات. ولكن أيضًا من لا يأكل يهلك، والأكل من خروف الفصح هو إشارة للإفخارستيا.

4. المسيح كان يتكلم والفصح على الأبواب. واليهود كانوا يقدمون الفصح سنويًا مكررين نفس ما حدث ليلة الخروج من مصر، كما قال الكتاب "ويكون لكم هذا اليوم تذكارًا فتعيدونه عيدًا للرب. في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية" (خر14:12). هكذا يطلب المسيح بقوله "اصنعوا هذا لذكري" أن تقدم الكنيسة ذبيحة جسده دائمًا على مذابح الكنائس. كما كانوا يكررون سنويا تقديم خروف الفصح. ولكن يبطل تقديم خروف الفصح الذي كان مجرد رمز. وتذكارًا هنا هي نفسها لذكري، هما كلمة واحدة. فكما كانوا يكررون ما حدث ليلة خروجهم من مصر بأن يذبحوا خروف الفصح ويأكلونه ولا يكتفوا بذبحه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ويأكلون معه فطيرًا ، فالعجين كان لم يختمر ليلة خروجهم من مصر، ويأكلونه وهم متمنطقين. هكذا تصنع الكنيسة وتكرر نفس ذبيحة الإفخارستيا كل يوم على مذبحها. وكما كان الرب يقصد أن يكرر اليهود ما فعلوه ليلة خروجهم من مصر، هكذا تكرر الكنيسة ما فعله الرب يسوع ليلة خميس العهد.

5. اصنعوا هي كلمة طقسية تفيد تكرار الطقس "هكذا تعمل للثور الواحد (عد11:15) وتعمل هنا هي نفسها تصنع. وكذلك "وتصنع لهرون وبنيه هكذا بحسب كل ما أمرتك" وكان ما صنعه موسى مع هرون يتكرر تمامًا مع كل من خلف هرون في رياسة الكهنة (خر35:29). إذًا اصنعوا هذا تعني تكرار لطقس محدد صنعه الرب يسوع معهم في تلك الليلة. وبولس الرسول في (1كو11) يردد أنه يصنع ما تسلمه من الرب يسوع (قد يكون تسلمه من التلاميذ الذين تسلموا كيف يصنعون السر من الرب يسوع، وقد يكون تسلمه من الرب يسوع مباشرة وهذا هو الأرجح لأنه يقول تسلمت من الرب...)... فإنكم كلما أكلتم= وكلمة كلما تفيد تكرار صناعة هذا السر (1كو23:11-26).

5. لذكري = لو فهمنا أنها مجرد تِذْكَار، فهل يَغْفِر التِذكار الخطايا؟! أو أن ما يغفر الخطايا هو دم حقيقي، وقارن مع (مت26: 28). ويقول الرسول "... وبدون سَفْك دم لا تحصل مغفرة" (عب9: 22).

6. من تعاليم نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة:- الذكرى تكون إما لشخص ميت نرى أحد متعلقاته فنتذكره، أو شخص حي قد غاب عنا لفترة طويلة وحضر فنتذكر قصتنا معه. والمسيح حي وهو في وسطنا وفي الإفخارستيا يحضر وسطنا. ولم يقل الرب كلمة "لذكري" سوى مع الإفخاستيا لأنه يحضر حضور حقيقي كذبيحة حية "خروف قائم كأنه مذبوح" حاضر حضور عيني. لذلك نصلي في القداس قائلين "هوذا كائن معنا على هذه المائدة عمانوئيل إلهنا". وهذا ليس شيء معنوي فهو أتى بخبز وقال هذا هو جسدي. وهذا غير قوله "أنا هو الباب" فهذا قول معنوي، فهو لم يأتي بباب وقال أدخلوا منه واصنعوا هذا لِذِكْري. وكلمة ذكرى هنا تفيد إعادة الحدث. ونحن في القداس يكرر الكاهن نفس ما صنعه المسيح يوم خميس العهد وبنفس الكلمات.

 

 ‌ز. هل لو كان الخبز والخمر مجرد خبز بسيط وخمر بسيط، كانا يسببان المرض والموت لمن يأكل ويشرب بغير استحقاق (1كو29:11، 30) ويكون "غير مميز جسد الرب" ويكون "مجرمًا في جسد الرب ودمه" ولماذا لم يقل بولس الرسول يكون مجرمًا فيما يرمز إليه الخبز والخمر. إننا لا نجد أي إشارة في الكتاب لموضوع الرمز هذا.

 ‌ح. الرسول يقول خبز وخمر (1كو11) لأن هذا هو ما يظهر أمام أعيننا. وهكذا قيل عن الماء المتحول خمرًا في عرس قانا الجليل "فلما ذاق رئيس المتكأ الماء" (يو9:2). ومن حول الماء إلى خمر قادر أن يحول الخمر إلى دمه.

 ‌ط. هكذا قال عنها بولس الرسول أنها ذبيحة فهي تقدم على مذبح، إذ قال "لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه" (عب10:13) فإذا كان هناك مذبح فهناك ذبيحة. وهذه الذبيحة نأكل منها لنحيا.‌ ويقول الرب في سفر إشعياء"وأتخذ منهم كهنة ولاويين" (إش66: 20 ، 21). أولًا لو كان الكل كهنة كما يقول الإخوة البروتستانت فلماذا التمييز هنا بينة كهنة ولاويين. ثانيًا طالما يقيم الله كهنة فهناك ذبيحة، لأن عمل الكاهن تقديم ذبيحة، والفعل يكهن معناه تقديم ذبيحة. والذبيحة هنا هي ذبيحة الإفخارستيا.

ي. طلب الله من موسى أن يقدم يوميًّا على المذبح تقدمة صباحية وتقدمة مسائية. كل منهما خروف محرقة + دقيق + خمر (عد28: 1 - 8). وكان هذا رمزًا لذبيحة المسيح على الصليب. ولكن لماذا تقدم واحدة في الصباح وواحدة في المساء؟ لأن المسيح قُدِّم على الصليب مساءً، وكما نعلم ورأينا أن الإفخارستيا هي إمتداد لذبيحة الصليب. وذبيحة الإفخارستيا تقدم نهارًا. ونلاحظ أنه مع تقديم الخروف يقدم دقيق وخمر. ويسمِّي الله التقدمة طعامي فالإفخارستيا هي طعام يقدمه الله لنا لنحيا. ونلاحظ أيضًا أننا نحيا الآن في اليوم السابع للخليقة. وهذا اليوم السابع بدأ بسقوط آدم في الخطية، وينتهي اليوم السابع بالمجيء الثاني للسيد المسيح، ليبدأ اليوم الثامن (الأبدي). وليل اليوم السابع ينتهي بظهور المسيح شمس البر ليبدأ نهار اليوم السابع. والمسيح قَدَّم نفسه ذبيحة دموية على الصليب - على الطقس الهاروني - في نهاية مساء اليوم السابع ليكون بهذا ذبيحة مسائية. ومع بداية نهار اليوم السابع نجد المسيح يقدم ذاته ذبيحة حية -على طقس ملكي صادق- على شكل خبز وخمر أي الإفخارستيا.

ك. يقول القديس بولس الرسول في مجال مقارنة ذبيحة الله مع ذبيحة الشيطان الوثنية "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لاننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد" (1كو10: 17). ولنا سؤال هنا لإخوتنا الأحباء: هل لو أتت جماعة من الناس برغيف خبز وأكلوه معًا، هل يصيروا خبزًا واحدًا، ولو صاروا خبزًا واحدًا لأن الرغيف واحد فهل يصيروا جسدًا واحدًا. هذا لا يمكن فهمه سوى بأن الخبز الواحد الذي يجمع الجماعة كجسد واحد هو خبز الإفخارستيا جسد المسيح. ويقول في الآية السابقة لهذه "كاس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح" فإن كانت هي شركة دم المسيح وشركة جسد المسيح، فمن أين أتت فكرة الرمز هنا. ولاحظ أن قول الرسول "نباركها" فهذه إشارة لكهنوته. فهو الذي يباركها وليس الشعب. وأيضًا لاحظ قوله "انظروا إسرائيل حسب الجسد. أليس الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح" (1كو10: 18). فذبيحة السلامة كانوا يأكلون منها كجماعة، وجزء منها يحرق على المذبح فيكونوا شركاء المذبح. أما الوثنيين فحينما يأكلون من الذبيحة المقدمة للأوثان فهم يصيرون شركاء الشياطين (1كو10: 20). ويريد الرسول أن يشير لأن التناول من جسد الرب به نشترك معًا ونشترك معه في الذبيحة. ولذلك يُسَمَّى سر الإفخارستيا سر الشركة (Communion) كما يقول الرسول "شركة جسد المسيح وشركة دم المسيح" (1كو10: 17) وكلمة شركة هي كينونيَا باليونانية وتعني الاتحاد.

ل. ولنضع أمام أعيننا أن أباء الكنيسة منذ أيام المسيح وحتى بداية البروتستانتية فهموا السر هكذا، وعاشوا به 16 قرنا من الزمان. فهل ترك الله الكنيسة مخدوعة كل هذا الزمان. ويقول البروتستانت أن هناك أقوال للمسيح يتم تفسيرها معنويا مثل "إن أعثرتك عينك فاقلعها"، والتناول من جسد الرب له نفس المعنى. ولكن الفيصل في هذا أقوال الأباء وكيف فهمت الكنيسة هذا السر مدة 1600 سنة. ونرى أن المسيح حينما انصرف عنه تلاميذه إذ عَلَّمَ بهذا السر لم يوقفهم ويقول لهم -أنتم لم تفهموا كلامي- فأنا أقول كلام معنوي - بل تركهم يمضوا، بل والتفت لتلاميذه الاثني عشر وقال "إن أردتم أن تنصرفوا أنتم أيضًا فانصرفوا (يو6). ولم يسأل الاثني عشر عن معنى القول في البيت كما تعودوا حينما لا يفهموا شيئًا، بل قبلوا التعليم كما هو (مت13: 36). ويوم تأسيس السر لم يسألوا المسيح عن معنى قوله "كلوا جسدي واشربوا دمي" بل تقبلوا هذا دون تساؤل فهم تقبلوا التعليم سابقًا في (يو6) يوم معجزة الخمسة ألاف.

م. يتساءلون كيف يوجد جسد المسيح في كل كنيسة في العالم! لنتصور أن الشمس تدخل كل بيت حينما نفتح الشبابيك، شعاع يدخل كل بيت، نور الشمس يحل في كل بيت. ولو تكسرت مرآة إلى ألاف القطع لظهرت صورة الشمس في كل قطعة كما كانت تظهر في المرآة الكاملة. وهكذا في كل كنيسة هو نفس الجسد، بل كل جوهرة في الصينية هي نفس الجسد. ومثل آخر لو كان هناك صهريج ماء يغذي مدينة، فكل من يفتح صنبور منزله يتدفق منه الماء، فيأخذ منه ماء ليشرب فيحيا. هكذا صار الصليب عبر القرون مصدر بركة وحياة وغفران للخطايا لكل الكنيسة. من تعليم نيافة الأنبا رافائيل: هناك قصة ضرب موسى للصخرة ليخرج منها ماء يروي الشعب فيحيوا، وكانت عصا موسى التي يضرب بها الصخرة هي رمز للصليب الذي صلب عليه المسيح (المسيح هو الصخرة 1كو10: 4) لتنسكب على الكنيسة كل البركات. وأهم البركات هو اتحادنا بجسد المسيح، فيكون لنا حياة. والذي يثبتنا في جسد المسيح هو الروح القدس ورمزه الماء المنسكب من الصخرة. وفي نهاية الرحلة طلب الرب من موسى أن يكلم الصخرة فينسكب الماء، ولم يفهم موسى وضرب الصخرة كما كان يفعل. وحزن الله إذ كان الله يقصد أن يشرح أن البركات وقوة الخلاص (غفران الخطايا والحياة الأبدية في المسيح) ستستمر في الكنيسة بالصلاة، فالمسيح لن يصلب سوى مرة واحدة. وبضرب موسى للصخرة أفسد موسى وسيلة الإيضاح. (ونلاحظ أن موسى لم يذكر موضوع ضرب الصخرة سوى مرة واحدة بينما هو كان يضرب صخرة في أي مكان يحلوا فيه لينسكب الماء- وهذا إشارة لأن المسيح يصلب مرة واحدة). ولكن لاحظ أنه في المرة الأولى: قال الرب لموسى أن يأخذ معه عصاه وشيوخ إسرائيل ويضرب الصخرة (خر17: 5). وكان هذا رمزًا لأن رؤساء إسرائيل هم الذين سيصلبون الرب يسوع. بينما أنه في المرة الأخيرة: في نهاية الرحلة قال الرب لموسى خذ معك العصا وإجمع الجماعة أنت وهرون أخوك وكلما الصخرة ... فتخرج لهم ماء" (عد20: 8). هذه المرة إحتاج الأمر لهرون رئيس الكهنة (رمزًا للكهنوت في الكنيسة) والعصا (هي استمرارية فعل الصليب) وكل الجماعة (هو جمهور المصلين بالكنيسة) ويكلم الصخرة (صلاة القداس). وبهذا تنسكب علينا قوة الخلاص، والروح القدس يحول الخبز والخمر لنتحد بالمسيح لغفران الخطايا وليكون لنا حياة أبدية. *المرة الأولى:- ضرب فيها موسى الصخرة كانت إشارة لصلب اليهود للرب يسوع. أما المرة الثانية:- التي كان من المفروض فيها أن يكلم موسى الصخرة فهذه كانت إشارة لاستمرارية فعل الصليب بالقداس الإلهي. والقداس بنفس الطريقة يستلزم وجود كاهن (رمزه هرون في قصة الصخرة) - وشعب لأن الإفخارستيا هي شركة الشعب في جسد المسيح - والصلوات (كلما الصخرة) - أما وجود العصا مع موسى مع أنه لن يستخدمها في ضرب الصخرة، فهذا يشير لاستمرارية فعل الصليب، بينما أن المسيح لن يصلب من جديد. فالمسيح كما رآه القديس يوحنا في رؤياه "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). وقوله قائم يعني أن فعل القيامة مستمر وأنه هو حي أبديًّا، وقوله كأنه مذبوح فهذا يعني أن فعل الصلب ما زال مستمرًا. أي أن الفعلين مستمرين، وأن ما يقدم على المذبح المسيحي هو ذبيحة حية.

ن. يقولون أن الحياة الأبدية هي بالإيمان بالابن - ونقول لهم أليس من الإيمان أن نؤمن بالابن وبكل ما يقوله الابن - ومن ضمن ما قاله التناول من جسده. هناك تشبيه لطيف لنيافة الأنبا رافائيل. * مريض به مرض قاتل ولكنه لا يثق بالأطباء ولا يريد الذهاب لطبيب فإن هذا المريض سيموت = عدم الإيمان بالمسيح هو موت. * أقنعه أحد بأهمية الطبيب فإقتنع وذهب = المعمودية. * أعطاه الطبيب روشتة ليأخذ دواء معين، فأخذ الروشتة ومزقها، هنا أيضًا سيموت = من لا يتناول الجسد والدم المحيين. وهذا الدواء الذي وصفه طبيب أرواحنا وأجسادنا هو التناول لنحيا، وهذا يستمر كل أيام حياتنا، ويظهر هذا من قول الرسول كلما وذلك في قوله "فإنكم كلما أكلتم ..." (1كو11: 26). فالمعمودية تناظر الولادة من بطن الأم وهذه مرة واحدة للإنسان. أما التناول فهو مثل الأكل اليومي.

 

يتساءل البعض - كيف يقدم المسيح جسده للتلاميذ وهو لم يصلب بعد؟ *أولًا نقول أن الرب ما زال يقدم جسده ودمه وهو الآن في مجد أبيه، ولكن قيل عنه في السماء أنه "خروف قائم كأنه مذبوح". *ثانيًا المسيح فوق الزمن ليس عنده ماض وحاضر ومستقبل. *ثالثًا هذا ما قال عنه الرب "الجسد لا يفيد" أي لا تفكروا بطريقة جسدانية فالأمر يفوق التفكير البشري. *رابعًا نقول بل كان هذا متعمدي، فالرب قدم لهم جسده قائلًا "هذا الذي أبذله عنكم" وكان سوف يبذله على الصليب بعد ساعات قليلة. وبالصليب كمل سر الإفخارستيا. والمسيح أراد أن يقدم جسده في حضوره وهو موجود معهم، وهذا يحدث للآن وإلى الأبد - فالمسيح حاضر وموجود في الكنيسة ويقدم لنا جسده في الإفخارستيا. *خامسًا حين قال الرب "جسدي الذي أبذله ... دمي الذي يسفك" يقصد أن هذا سيكون بالصليب غدًا. فالرب صنع سر الإفخارستيا ثم ذهب ليصلب، فالصليب هو جزء من سر الإفخارستيا، وبالصليب تم سر الإفخارستيا. لذلك نقول أنه لا انفصال بين الصليب والإفخارستيا. لذلك نحن نفهم أن سر الإفخارستيا هو استمرار للصليب، ليس هو تكرار للصليب بل استمرار له. المسيح قدم نفسه على الصليب وفعل الصليب مستمر، لذلك وبعد القيامة يقول الملاك للمريمات "يسوع المصلوب" (مت28: 5). فعل الصلب مستمر وأيضًا فعل القيامة مستمر، ولذلك يقول القديس بولس الرسول "مدفونين معه في المعمودية" (كو2: 12) ويقول "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة؟ لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته. عالمين هذا: إن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد أيضًا للخطية. لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية. فان كنا قد متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضًا معه" (رو6: 3 - 7). وهذا معناه أن المعمودية هي موت وقيامة مع المسيح. ففعل الموت والصلب مستمر وفعل القيامة مستمر. المسيح لم يستمر ميتًا بل قام وصعد إلى السموات، لكن فعل الموت وفعل القيامة مستمرين للنهاية، هي أحداث مستمرة وممتدة في تأثيرها. لذلك نحن في المعمودية نموت ونقوم معه.

يقول نيافة الأنبا بنيامين مطران المنوفية "ربنا عنده حاضر دائم فيه كل الأحداث واحدة يراها كلها أمامه. ممكن يأخذ أمرًا قبل الآخر. ليس هناك ماضي أو مستقبل بالنسبة له. المسيح أعطى التلاميذ الدم قبل أن يسفك دمه، وأعطاهم جسد القيامة قبل أن يموت، وهذا لأنه فوق الزمن"(وهذا معنى أن لا-زمني) تعبير فوق الزمن هذا لأن الله غير محدود ويعيش في حاضر دائم. أي أن حدث الصليب حدث مرة ولكنه ممتد. ليس حدثا حدث في لحظة معينة وانتهى في لحظة معينة، بل هو حدث في لحظة معينة ولكنه لم ينتهي في لحظة معينة. أي أن حدث الصليب حدث مرة ولكنه ممتد، انتهى كحدث لكن تأثيره وفاعليته ممتدة. حدث الصليب ممتد من خلال القداس. لذلك نعتبر القداس إمتدادًا حقيقيًّا للأحداث الخلاصية التي تممها السيد المسيح. ولذلك يُسَمَّى الذكرَى. والمسيح يعطينا في الإفخارستيا ليس جسدًا لحميا بل جسده القائم من الأموات. لأنه لو أعطانا جسدًا لحميًّا كجسدنا لكان قابلا للموت، ولكنه أعطانا جسدًا له حياة أبدية حتى لا نموت.

 

س. القداس هو تكرار حي أمامنا لقصة الفداء منذ أن كانت رمزًا في العهد القديم، إلى أن تحققت في العهد الجديد بالميلاد والصليب والقيامة والصعود، وإرسال الروح القدس، ثم انتشار الكرازة في كل العالم. وهي ليست مجرد ذِكْرَى بمعنى (to remember)، لكنها تِكْرَار حقيقي لكل أحداث قصة الفداء؛ فهي (recalling وليست remembering). وهذا ما كان يعنيه القديس بولس الرسول بقوله "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقًا كَرَّسَهُ لنا حديثًا حيًا بالحجاب؛ أي جسده" (عب 10: 19، 20).

حديثًا = NEW وأصل الكلمة باليونانية (πρόσφατος - تُنْطَق: PROSPHATOS) وتعني "مذبوح حديثًا"، وهي كلمة مُشْتَقَّة من فِعْل يعني: ذَبْح حيوان لأكله أو لتقديمه ذبيحة. وذلك بحسب قاموس (Strong's) الأمريكي. وتعني أيضًا أن هذه الذبيحة هي ذبيحة (fresh) أي مذبوحة حالًا، وهذا أيضًا بحسب نفس القاموس.

حيًا = وهنا نجد صفة جديدة لهذه الذبيحة، وهو أنها ليست ميتة بل هي حية، فهي جسد المسيح المتحد بلاهوته الذي لا يموت = "خروفٌ قائمٌ كأنهُ مَذْبُوح" (رؤ5: 6).

هذه هي ذبيحة الإفخارستيا التي نقدمها يوميًا على مذابح كنيستنا، المسيح بنفسه وسطنا بجسده المذبوح يعمل على أن تموت فينا الحياة العتيقة (الإنسان العتيق) فتغفر خطايانا. ولكن جسده هذا حي بلاهوته فيعطينا حياة أبدية.

وهذا ما نردده في القداس: "يُعْطَىَ لغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه".

هذه الذبيحة هي عينها التي قدمت على الصليب، لأن الذي يقدم على المذبح الآن هو حمل الله نفسه الذي قدم ذاته على الصليب لأجل خطايا العالم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. والمسيح صلب مرة واحدة ولن يصلب ثانية (عب25:9+ عب1:10-3 + 11، 12). قدم المسيح نفسه ذبيحة دموية على الصليب، وفي الإفخارستيا تتم الاستحالة Transubstantiation بطريقة سرية بدون هرق دم ولا موت، لذلك تُسَمَّى ذبيحة غير دموية. وهذا بالضبط ما عمله المسيح ليلة خميس العهد.

على الصليب حصل الخلاص للجنس البشري ووفي العدل الإلهي. والإفخارستيا فيها استعطاف دائمًا للصفح عن خطايا الذين قُدمت لأجلهم فينالوا حياة أبدية بالتناول منها. ذبيحة الصليب وذبيحة الإفخارستيا هما ذبيحة واحدة. ولأن الذبيحة تقدم للاستغفار تذكر الكنيسة الراقدين طالبة الرحمة لهم.

 

ع. المسيح أعطانا بالمعمودية أن نتحد بجسده ونصير أعضاء حية في جسده. ولكن بالخطية نموت روحيًّا، ولا يمكن أن تكون أعضاء المسيح أعضاء ميتة. لذلك أسس المسيح سر الإفخارستيا الذي به تُغفر الخطايا ونستعيد حياتنا الأبدية ونظل أعضاء حية في جسد المسيح، ويظل جسد المسيح حيًا.

ف. من تعاليم الأنبا رافائيل:- يقولون أن لاهوت المسيح غير محدود، ولكن جسده محدود. فكيف يوجد في كل كنيسة؟ لكننا نلاحظ أن في ذبيحة خروف الفصح لم يقال أبدًا خراف الفصح، بل كان يقال خروف الفصح، بينما أن عدد الخراف بالألاف (يقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي أنه في زمنه كان عدد الخراف المقدمة في الفصح 300000 خروف). ولاحظ نص قول الكتاب عن فريضة الفصح (خروج12) أن الكلام كله بالمفرد فلم يقل الوحي أبدًا "خراف الفصح" بل يذبحون الفصح. ونحن نعرف أن "فصحنا أيضًا المسيح ذبح لأجلنا" (1كو: 7). وعجيب أن يقال عن جسد المسيح أنه محدود!! هل من يؤمن بألوهية المسيح يردد مثل هذا القول!! بعد القيامة صار لجسد المسيح إمكانيات لا علاقة لها بالقوانين التي نحيا بها الآن... يراه تلميذيّ عمواس ويتكلم معهم ولا يعرفانه / وهكذا مع المجدلية / يدخل والأبواب مغلقة / يصعد بجسده للسماء ضد قانون الجاذبية. قال أحدهم هذه الأيام في منطق عجيب متناقض أن ما يقدم الآن هو خبز وخمر عاديين، ولكن بهما نتحد بجسد المسيح!! ونقول له أنت بكلامك هذا تناقض نفسك - إذ كيف يتحد بلايين البشر بجسد المسيح المحدود بحسب تصورك العاجز عن الفهم!! هذا ما قال عنه الرب يسوع "الجسد لا يفيد شيئًا" (يو6: 63). الجسد لا يفيد شيئًا أي محاولة إخضاع السر للعقلانية الإنسانية للفهم. وهذا الشخص قال أن الأباء الأولين أقروا بأن ما نأخذه هما جسد ودم الرب يسوع - ثم أضاف ولكنهم لم يشرحوا لنا كيف؟! أما هو فقد أتى بهذا الاكتشاف العجيب المتناقض مع نفسه، فبينما يقول أن الجسد محدود يقول في نفس الوقت أن بلايين البشر سوف يتحدون به!! ونقول له أنت تسأل كيف يتم التحول، ولكن هل تستطيع أن تجاوب على كل الأسئلة الخاصة بالخلاص؟! إننا "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2كو5: 7). والإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (عب11: 1). و"طوبى لمن آمن ولم يرى".

ق. يقولون أن الكنائس التقليدية إخترعت موضوع التحول إلى الجسد والدم. بينما أن الكنيسة عاشت 1600 سنة تؤمن بهذا الإيمان، وكتابات الأباء كثيرة جدًا وتتكلم عن الجسد والدم اللذان فيهما غفران الخطايا والحياة الأبدية. ولم يرد في كل الكتابات موضوع الرمز هذا. ونحن الذين نوجه إتهامنا للإخوة البروتستانت أنهم هم من إخترعوا موضوع الرمز من 400 سنة فقط وضيعوا على الكنيسة مصدر بركاتها وقالوا عن هذا إصلاح. نرجو في محبة إرشادنا لآية تشير لموضوع الرمز هذا.

ر. يقولون أن مَن ينادي بذبيحة الإفخارستيا هم كهنة أوثان يتصورون أنهم يذبحون المسيح، والمذبح الذي يقدم عليه ذبيحة إفخارستية هو مذبح أوثان، لأن وجود مذبح يستلزم وجود ذبيحة دموية. ونقول:-

1. يتنبأ إشعياء قائلًا "في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر" (19: 19) فما هو هذا المذبح ... هو إما *مذبح يهودي: وهذا ممنوع عند اليهود (تث12) فالله لم يسمح لهم بإقامة مذبح خارج أورشليم. أو يكون هو *مذبح وثني: وهذا لا يقال عليه مذبح للرب. أو يكون هو *المذبح المسيحي: الذي تقدم عليه ذبيحة الإفخارستيا.

2. وإذا وُجِد مذبح فبالضرورة أن هناك ذبيحة وطالما هي للرب فكيف يقال عليها عبادة أوثان. ويكرر بولس الرسول هذا بقوله "لنا مذبح لا سلطان ..." (عب13: 10). إذًا هو مذبح مسيحي وليس مذبح وثني.

3. أول من قدم هذه الذبيحة هو الرب يسوع نفسه ليلة خميس العهد، فهل كانت أيضًا ذبيحة وثنية؟! وهو الذي طلب من الكنيسة أن تكررها.

4. الكاهن المسيحي لا يذبح المسيح، بل هو "وكيل سرائر الله" (1كو4: 1). المسيح هو الذي قَدَّمَ نفسه ذبيحة على الصليب وكما قلنا أن لها مفعولها الممتد. والكاهن المسيحي:- *يصلي كما صلى موسى ليطلب انسكاب الروح على الخبز والخمر ليحولهما الروح القدس إلى جسد ودم المسيح - غفرانًا للخطايا وحياة أبدية للمتناولين. *ثم يوزع الجسد والدم كما حدث في معجزة الخمس الخبزات والسمكتين ... المسيح يعطي للتلاميذ (الكهنة) ليوزعوا للشعب. الكاهن المسيحي يا إخوة لا يذبح المسيح ثانية، بل هو يصلي ويكرر نفس الكلمات التي قالها الرب يسوع ليلة تأسيس السر (شكر - وبارك - وأعطى)، ثم يوزع الجسد والدم. والمسيح لا يُذبح من جديد بل هو "قائم كأنه مذبوح" فعل الذبح مستمر منذ يوم الصليب. وإن لم يكن فعل الذبح والموت مستمرا وممتدا، فكيف نفهم قول الرسول "مدفونين معه في المعمودية" (كو2: 12) إلا لو كان فعل موته ممتدا حتى الآن، فقوله مدفونين يشير للمضارع المستمر، وبنفس الأسلوب نفهم "كأنه مذبوح".

5. من يتساءل ويقول ذبيحة أوثان فليوجه تساؤله للرب يسوع الذي أسس السر وقدم جسده للتلاميذ ليلة خميس العهد وطلب منهم صناعة هذا السر. وحينما يتواجد المسيح معنا على المذبح تكون الذكرى بحضوره وسطنا. بهذا نبشر بموته ونعترف بقيامته ونذكر أنه بهذا غفر خطايانا وأعطانا حياته الأبدية التي قام بها من الموت.

6. من تعاليم الأنبا رافائيل:- أطلق الوحي في العهد القديم على مذبح البخور اسم مذبح للإشارة بإمكانية وجود مذبح لا توجد عليه ذبائح دموية.

7. نحن نصلي في صلوات القداس ونقول أن هذه الذبيحة ليست دموية، والسكين عقلية غير جسمية "لكن الخروف فروحي والسكين فنطقية (عقلية) غير جسمية، هذه الذبيحة التي نقدمها لك" (صلاة الصلح القداس الباسيلي). فهذا هو نص صلاة القداس الإلهي. فنحن لسنا آكلي لحوم بشر كما قالوا علينا، بل نحن نفهم تمامًا أننا في الإفخارستيا نتحد بالمسيح فنحيا، وأن ما هو أمامنا هو جسد المسيح ودمه حقيقة ولكن في شكل خبز وخمر. فالمسيح إلهنا الغير محدود قادر أن يأخذ أي شكل بجسد قيامته الغير محدود.

ش. من تعاليم نيافة الأنبا رافائيل:- ما هي الصعوبة في فهم أننا نتناول جسد المسيح ودمه وبهذا نتحد به؟ لماذا يصعب فهم هذه الحقيقة على البعض؟! إن الأكل هو أعظم تعبير عن الاتحاد. وتعال نتصور أن أمامي طعام، طالما أن الطعام ما زال على المائدة سيكون هذا الطعام منفصلًا عني. أما لو أكلته، فسيتحول هذا الطعام في داخلي إلى أنسجة وخلايا ودم متجدد ويعطيني طاقة متجددة بل وحياة ...إلخ. أي لقد اتحد الطعام بي. وهذا نفس ما يحدث في الإفخارستيا أننا نتحد بالمسيح. ولكن كما قال الأباء أننا حينما نأكل طعامًا يتحد بنا الطعام ويصبح جزءًا منا، بينما أننا حينما نأكل من جسد المسيح نتحول نحن إليه، ونصبح نحن جزءًا منه وأعضاء جسده. أليس هذا ما قاله الرسول "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30).

ت. ونحن نفهم أننا كأبناء آدم أننا أجزاء من آدم. فحواء مأخوذة من آدم. والأولاد من كليهما. وهكذا كل البشر هم أجزاء من آدم. فما هي الصعوبة في تصور أنه بنفس الطريقة يكون سر الإفخارستيا هو طريقنا لنصبح أجزاء من جسد المسيح الواحد. مع الفارق أننا كأولاد لآدم نكون جسد ميت، أما كأعضاء في جسد المسيح نكون أحياء. ولذلك قال القديس بولس الرسول عن المسيح أنه "آدم الأخير" (1كو15: 45). لقد كان القصد الإلهي أن يكون الإنسان في وحدة في محبة وبلا إنشقاق، ويكون الإنسان الواحد آدم ونسله في الابن، والابن في الآب. ودخلت الخطية لتفسد الخليقة وينتهي موضوع الوحدة ويقوم الأخ على أخيه ويقتله. وكان الله في قصده أن يتبادل الحب مع آدم، وعلامة حب الله عطاياه والجنة التي يسكن فيها في فرح حياة الشركة مع الله - وتكون علامة محبة آدم لله ثقته في الله وطاعته له. وتمرد آدم على الله ولم يُطِع الله، وتفتتت وحدة الإنسان وانفصل عن الابن وعن الآب وصار إنسانًا ميتًا، إذ رفض أن يأكل من شجرة الحياة. فأتى المسيح متجسدا (وهو شجرة الحياة) ليتحد بالإنسان حبيبه وليعطه حياة، ويكون جسدًا واحدًا فيه، وهو الابن الذي في حضن أبيه (يو1: 18). ويقدم المسيح رأس الجسد الخضوع للآب (1كو15: 28)، ويعيد الصورة الأولى بحسب القصد الإلهي في وحدة. ونحن كلما نتناول من جسد الرب ودمه نتحد بالمسيح شجرة الحياة فنستمر كلنا في المسيح، واحدًا معه وواحدًا مع بعضنا البعض. كنيسة واحدة وحيدة في الابن وفي الآب (راجع تفسير يو17: 20 - 23). ويتحقق قول الرسول "جسد واحد، وروح واحد، كما دعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، ايمان واحد، معمودية واحدة" (أف4: 4 ، 5). والسؤال كيف نكون جسدًا واحدًا بغير الاتحاد بجسد المسيح الواحد؟ هذا يكون عن طريق الأكل من الخبز الواحد أي الإفخارستيا "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لاننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد" (1كو10: 17).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خروف قائم كأنه مذبوح

هكذا رأى القديس يوحنا المسيح في رؤياه (رؤ5: 6). إذ كان في جسده صفتان *الأولى هي الحياة المقامة من الأموات = خروف قائم. *والثانية هي الموت بالحياة القديمة التي أخذها من بطن العذراء مريم (حياة آدم) = كأنه مذبوح. وكما قلنا سابقًا أن كل ما كان للمسيح بالجسد له فعل مستمر:-

1. المسيح ابن الله اتخذ له جسد إنساني ولن يتخلى عن هذا الجسد. وقد رآه التلاميذ وأكثر من 500 أخ بهذا الجسد بعد قيامته (1كو15: 6). والقديس يوحنا في رؤياه رآه بهذا الجسد، أي أن المسيح سيحتفظ بجسده الإنساني للأبد.

2. وحينما تجسد المسيح كانت له في جسده هذا حياة آدم القابلة للموت. ومات بهذه الحياة على الصليب. وفي القبر عند القيامة اتحدت بجسده المائت (مائت بحياة آدم)، الحياة الأبدية التي قام بها من الأموات. ونلاحظ أن جسد المسيح بعد القيامة صارت فيه حياة أبدية، وماتت فيه حياة آدم.

3. ثم جلس عن يمين الآب، وتمجد المسيح بجسده هذا.

وكل هذا كان لحسابنا فهو:-

* اتخذ له جسدًا وجعل كنيسته تصير جسده.

* نموت معه بجسدنا العتيق ونقوم معه بحياة أبدية في المعمودية.

* أعطانا أن نحيا حياة سماوية على الأرض "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات" (أف2: 6). إذ هو "طأطأ (bow down) السموات ونزل" (مز18: 9) أي أتى لنا بالحياة السماوية حين تجسد وعاش بجسده على الأرض وجعل الكنيسة جسده على الأرض وهو رأسها في السماء. لذلك قال الرسول "سيرتنا (مواطنتنا أو جنسيتنا) نحن هي في السموات" (في 3: 20).

* والمسيح تمجد بجسده الإنساني لنتمجد معه. ولكن المجد الآن غير مستعلن فينا. وسيستعلن فينا المجد في الحياة الأبدية (رو8: 18 + يو17: 24 + رؤ3: 21 + فى3: 21 + 1يو3: 2).

وكيف تم كل هذا؟ كان هذا عن طريق الأسرار الكنسية

فنحن في المعمودية نتحد بجسد المسيح (الذي ماتت فيه حياة آدم) فيتحد إنساننا العتيق بحياة آدم هذه التي ماتت في المسيح، فتموت فينا الحياة التي أخذناها من آدم. ونأخذ حياة المسيح المقامة من الأموات، فتصير لنا حياة أبدية. ولاحظ قول بولس الرسول "مدفونين معه في المعمودية، التي فيها اقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله، الذي أقامه من الأموات" (كو2: 12). فقوله مدفونين معه يشير لأن صفة موت حياة آدم في المسيح مستمرة، مع وجود حياة أخرى هي الحياة الأبدية في المسيح. وقارن أيضًا مع (رو6: 3 - 11). فالمسيح إذًا احتفظ في جسده بـ:-

1. الجسد الإنساني الذي أخذه من بطن العذراء.

2. حياة آدم التي ماتت فيه.

3. الحياة الأبدية التي قام بها وهي حياة أبدية لا تموت.

4. ولهذا رآه القديس يوحنا "خروف قائم كأنه مذبوح".

5. دخل السموات كسابق بجسده الإنساني، وهو تمجد بهذا الجسد الإنساني.

وفي حين أن المسيح أمات في جسده حياة آدم القابلة للموت تمامًا، نقوم نحن من المعمودية وفينا حياة المسيح الأبدية، وأيضًا حياة آدم التي ماتت. والفارق أن حياة آدم في المسيح ماتت نهائيًّا، أما فينا فقد تركها الله لنا لنكون في حرية، ولنا أن نختار:-

1. إما أن نعود لحياة العالم وخطاياه ونسلك في طريق شهواته الرديئة، فنحيي الإنسان العتيق الذي فينا. وتضمر فينا بذرة الحياة التي زرعت فينا بالمعمودية فنموت روحيًّا (1بط1: 23).

2. أو أن نحكم على إنساننا العتيق (حياة آدم) بالموت (وهذا ما نسميه حياة الإماتة). لذلك يقول الرسول "كذلك انتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 11) + "أميتوا أعضاءكم التي على الأرض ..." (كو3: 5). وهذا ما يستلزم منا ممارسة ما نسميه الجهاد السلبي والجهاد الإيجابي. فالسلبي أن نقف كأموات أمام الخطية. والإيجابي أن نحيا في حياة سماوية بتسبيح وصلوات. وهنا ينطبق علينا نفس القول أننا نصير "كخراف قائمة كأنها مذبوحة" كما قال الرسول "كما هو مكتوب: أننا من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح" (رو8: 36). وكان هذا طلب الرسول منا "أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله، عبادتكم العقلية" (رو12: 1).

3. وكلما نحكم على أنفسنا بموت الطبيعة القديمة تساندنا النعمة = عمل الروح القدس فينا "الذي يعين ضعفاتنا" (رو8: 26)، وتظهر فينا حياة المسيح التي زرعت فينا كبذرة بالمعمودية، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وهذا ما قاله الرسول "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا. لاننا نحن الاحياء نسلم دائمًا للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2كو4: 10 ، 11). نحن نقوم مع المسيح ولنا حياته الأبدية وكل من يقدم نفسه ذبيحة حية صالبا شهواته يقال عليه "خروف قائم كأنه مذبوح" أي لنا حياة المسيح الأبدية ولكن نقدم أنفسنا خرافا كذبيحة حية.

وكما قلنا سابقًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت أن كل ما فعله المسيح بجسده له فعل دائم:-

  1. فهو تجسد ليحتفظ بجسده، ونتحد نحن بجسده ونصير أعضاء حية فيه. فنحن في آدم الأول نحسب أعضاء في آدم ولكن في حالة موت. أما في جسد المسيح آدم الأخير "هكذا مكتوب أيضًا. صار آدم الإنسان الأول نفسًّا حية وآدم الأخير روحًا مُحْيِيًّا" (1كو15: 45). فنحن صرنا أعضاء جسد المسيح كما يقول الرسول "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30). ولهذا السبب نفهم مدى بشاعة خطية الزنا "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية. حاشا" (1كو6: 15). فما فشل فيه آدم في أن يكون هو وامرأته ونسله الخارج من صلبه في وحدة واحدة تربطها المحبة وتستمر ثابتة في الابن، جاء المسيح ليصلحه وجعل الكنيسة جسده ثابتة فيه، وكل منا صار عضوا حيًّا في جسده الواحد، فصارت كنيسة واحدة وحيدة.

  2. هو مات بحياة آدم ليميت فينا الإنسان العتيق بالمعمودية إذ نتحد بموته هذا.

  3. هو قام بحياة أبدية لنتحد بحياته الأبدية هذه وتكون لنا حياة أبدية ونقول "لي الحياة هي المسيح" (في 1: 21). وكل من يصلب شهوات جسده، مقدما نفسه ذبيحة حية، تظهر فيه حياة المسيح "مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل2: 20).

  4. قدَّم المسيح نفسه ذبيحة على الصليب وهي ذبيحة مستمرة مقدمة للكنيسة لنهاية الأيام، نأكل منها في الإفخارستيا. فتكون لنا غفرانًا للخطايا وحياة أبدية لأنها ذبيحة حية. فيها فعل الموت وفعل الحياة. الموت بحياة آدم والحياة الأبدية المقامة من الأموات. ونحن نظرًا لحريتنا وضعفنا البشري نخطئ ونسقط، وهذا يعرضنا للانفصال عن حياة المسيح الأبدية فنموت، فالخطية هي موت روحي. ومن يخطئ يصبح عضوًا ميتًا. فالخطية = موت، وهذا شرحه الوحي في العهد القديم -أن من يتلامس مع جثة ميت يتنجس- (مثال: لو تعرض جزء من جسد الإنسان لغرغرينا Gangrene، فهذا الجزء يموت ولا بد من بتره طبيا، ولكن لو وُجِدَ دواء لعلاج الغرغرينا لاستعملوه لإنقاذ العضو المصاب بدلًا من البتر). وهذا بالضبط ما فعله الرب يسوع في هذا السر الذي فيه نذهب للتناول، إذ فيه علاج وشفاء من الموت الروحي. إذ فيه تعود الحياة للعضو المصاب (الخاطئ) إذ يتحد بالذبيحة الحية، وفيه نتحد مرة أخرى بموت المسيح ليموت فينا الإنسان العتيق الذي أيقظناه فتغفر الخطية، ونتحد بجسد المسيح ودمه المحييين إذ يقول "أنا حىٌ بالآب" (يو6: 57) وهذا معناه أنه حي لاتحاد ناسوته مع لاهوته الواحد مع لاهوت الآب، فتعود لنا الحياة الأبدية. لذلك نصلي في القداس ونقول عن هذا السر "يُعْطَى لغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه".

  5. برجاء العودة للنقطة (س) عاليه ومنها نفهم أن المقصود من الآيات "إذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى «الأقداس» بدم يسوع، طريقًا كرَّسه لنا حديثًا حيًّا، بالحجاب، أي جسده" (عب10: 19 ، 20) أن الذبيحة الإفخارستية صارت هي طريقنا للأقداس. فكما رأينا أن كلمة حديثًا تعني ذبيحة حية مقدمة الآن (fresh) في مناسبة دينية لتؤكل (قاموس Strongs الأمريكي) وهي ذبيحة وهي حية في نفس الوقت = حيًّا. فبهذه الذبيحة نظل أعضاء حية في جسد المسيح، وبهذا ندخل الأقداس.

  6. لذلك فالقداس ليس تكرارًا للصليب بل هو أن المسيح قدَّم نفسه يوم الصليب وما زال يُقَدِّم لنا جسده ذبيحة حية، قدمها يوم الصليب ويوم تأسيس السر ليلة خميس العهد وهي ذبيحة مستمرة إلى نهاية الأيام. والقداس هو ذكرى عمل الحب العجيب المستمر هذا. في كل قداس نذكر هذا الحب العجيب ونشكر، فهو سر الشكر. المسيح قدَّم ويقدم ذاته على المذبح كل قداس إلهي، والكهنة "وكلاء سرائر الله" (1كو4: 1) يقومون بتوزيع سر الحياة الأبدية، والثبات في المسيح كما قال الرب يسوع "مَن يأكلني يحيا بي" (يو6: 57) + "مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه" (يو6: 56).

  7. سؤال لكل من يتصور أن ما يُقَدَّم هو رمز - *كيف يفهمون أننا "أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" - أو ليست هذه نفس كلمات آدم الأول حين أخذ الله ضلعا منه وكوَّن منه حواء " فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لانها من إمرء اخذت" (تك2: 23). فهل كانت حواء رمز أو كان آدم رمزًا؟ - أم كانوا حقائق ولهم أعضاء حقيقية؟! *وكيف يفهمون قول الرسول "إذًا أي مَن أكل هذا الخبز أو شرب كاس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب. من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون" (1كو11: 27 - 30). فهل الأكل من الرمز يجعل الإنسان لا يميز جسد الرب، بل يسبب المرض والموت. *وكيف يفهمون أن مَن يزني يأخذ أعضاء المسيح ويجعلها أعضاء امرأة زانية. *ومن قال عن جسد المسيح (ناسوته) أنه كجسد هو محدود، ولا يمكن أن يوجد في عدة أمكنة - كيف يفهم موضوع أننا كبشر نملأ المسكونة منذ خلقة آدم، وأن كلنا من جسد آدم المحدود. ثم لا يستطيع أن يتصور ويفهم كيف أننا بالتناول من جسد المسيح نصبح أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه؟ هل المسيح الذي جعلنا كلنا كبشر نخرج من جسد آدم يعجز أن يجمعنا فيه ليصبح المسيح هو آدم الأخير؟ الله جعلنا كلنا نخرج من آدم الأول، وأيضًا جعلنا كلنا ندخل في جسد المسيح آدم الأخير ونصير أعضاء جسمه من لحمه وعظامه، ونستمر أعضاء حية في جسمه بواسطة سر الإفخارستيا.

  8. القداس ليس فقط تقديم خبز وخمر لنذكر ما عمله الرب ليلة خميس العهد بل هو يبدأ بصلوات رفع بخور عشية وباكر اللذين نذكر فيهما طقس المحرقة الصباحية والمحرق المسائية في العهد القديم وهما يشيران للصليب ولسر الإفخارستيا عندما كانا مجرد رموز في العهد القديم. وسوف نتتبع خطوات القداس لنرى أن كل خطوة وكل حركة تشير لعمل المسيح الفدائي ونمو الكرازة . لذلك نقول إنه تذكار حي وليس مجرد تذكار رمزي... فنحن نُخبر بموت الرب لأن ذبيحة الصليب بجسد الرب ودمه تكون حاضرة بالفعل في وسطنا. فإذا كان دم المسيح الذي سُفك على الصليب هو نفسه الذي يكون حاضرًا في القداس؛ فليس هناك تذكار أقوى من ذلك... ونُخبر بموت الرب عندما نشرب من هذه الكأس لأننا نؤمن أن ما بداخل الكأس هو دم حقيقي تحت أعراض الخمر. ولا يمكننا أن نُخبر بما لم نراه ونختبره. فالذين أخبروا بالقيامة؛ هم شهود القيامة، والذين يخبرون بموت الرب؛ هم شهود موته. لذلك فنحن نُخبر بموت الرب وقيامته وأيضًا بمجيئه الثاني لأننا نختبر هذه الأمور اختبارًا حقيقيًا في سر التناول المقدس.

  9. مذبح الرب الذي هو مائدة الرب في الإفخارستيا؛ هو نفسه الصليب... فذبيحة الصليب هي واحدة لا تتكرر، لكنها تمتد. لم تمتد ذبيحة الصليب بعدها فقط، بل امتدت قبلها أيضًا، بدليل أن السيد المسيح قدّم جسده ودمه في ليلة آلامه بنفسه قبل صلبه. فذبيحة الإفخارستيا (سر الشكر) من الممكن أن تمتد عبر الزمان لأن هذا سر فائق وسر إلهي نقول عنه في القداس الإلهي "ووضع لنا هذا السر العظيم الذي للتقوى".

  10. لا يمكن أن يُقال عن السيد المسيح أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق إلا إذا كان الخبز والخمر هو نفسه ذبيحة الصليب. أما إن بقيت ذبيحة الصليب ذبيحة دموية فقط بدون خبز ولا خمر فلا علاقة لها برتبة ملكي صادق... ولا يكون هناك رئيس كهنة إلا عندما يكون هناك كهنة (عب26:7 + عب21:7)، وهؤلاء الكهنة سوف يقدمون ذبيحة القداس الإلهي التي هي ذبيحة العهد الجديد. ويمارس هؤلاء الكهنة كهنوت على رتبة ملكي صادق لأن تقدمتهم هي خبز وخمر ولكنها تتحول أثناء القداس إلى جسد الرب ودمه تحت أعراض الخبز والخمر. وهنا يكون قد تحققت الوحدانية بين ذبيحة الصليب وبين تقدمة الخبز والخمر، أي أنهما ذبيحة واحدة هي ذبيحة الفداء. لذلك أصبح المسيح رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق. ومن المعروف أن الآباء القديسين مثل غريغوريوس النيصي الذي عاش من سنة 335-394 م. لم يفُته ذلك فقال } لأن المدبر كل شيء بحسب سلطانه السيدي لم ينتظر الاضطرار الناتج عن الخيانة، ولا هجوم اليهود اللصي، ولا محاكمة بيلاطس الخارجة عن الشريعة كي لا يكون شر هؤلاء بدءًا لخلاص الناس العام وعلة له، لكنه بتدبيره قد سبق هجومهم، وهو نفسه قدَّم ذاته بعمل التقديس الذي لا ينطق به، وغير المنظور من البشر قربانًا وذبيحة عنا، إذ هو كاهن وحمل الله معًا، الرافع خطيئة العالم. وإن سألت: متى كان هذا؟ فأجيبك: إنه كان عندما جعل جسده مأكلًا بصريح العبارة وأعطاه للأكل، وصارت ذبيحة الحمل كاملة... فلما منح تلاميذه أن يأكلوا جسده ويشربوا دمه ضحى جسده بوجه لا ينطق به وغير منظور، مدبرًا هذا السر كما أرادت سلطته.

  11. كي لا يكون شر هؤلاء بدءًا لخلاص الناس العام وعلة له، لكنه بتدبيره قد سبق هجومهم وهو نفسه قدم ذاته في عمل التقديس بمعنى أنه لم ينتظر حتى يأخذوه ويقبضوا عليه ويسمروه على الصليب، لكنه أراد أن يثبت أن كهنوته أعلى من الكهنوت الهاروني الذي لرؤساء كهنة، وكهنة اليهود. فكانت آخر ذبيحة مقبولة يقدمها كهنة اليهود هي ذبيحة المسيح. ولكن المسيح جاء في ليلة آلامه وأخذ الخبز وباركه، وأخذ الكأس وشكر "أخذ يسوع الخبز وبارك وكسّر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت26: 26-28)... وهكذا يكون السيد المسيح هو رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق، فهو الذي قدّم نفسه قبل أن يقدّمه أحد.

  12. لأن الله سلطانه فوق الزمن، فاستطاع أن يجعل ذبيحة الصليب؛ تكون حاضرة بصورة سرية في العشاء السري يوم الخميس. وبنفس السلطان الذي فوق الزمن يجعل نفس الذبيحة تكون حاضرة في كل قداس على مدى الأيام؛ ويتحقق وعده "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين".

  13. مَن ينكر سر تحول الخبز إلى جسد نقول له أن جسد المسيح نفسه تكون من الخبز. المسيح وُلِدَ طفلا صغيرًا ثم نما وصار رجلًا كبيرًا. وكان جسده هذا ينمو بأن يأكل خبزًا، ويتحول هذا الخبز إلى جسده. فما العجب في أنه يحول الخبز الآن إلى جسده.

  14. أسس الرب يسوع الأسرار الكنسية لتأسيس جسده، ونكون نحن أعضاءه "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ ٱلْمَسِيحِ" (1كو15:6). فبالمعمودية نموت بحياة آدم ونقوم متحدين بالمسيح وتكون لنا حياته (رو6: 3-14) + (في 21:1). ولكن لأننا نحيا في عالم شرير (1يو19:5). والمعمودية لا تقيد حريتنا، فبعد المعمودية نعود لنخطئ. ولما كانت الخطية = موت، فحتى لا نموت ونقطع من جسد المسيح إذ نخطئ، أسس الرب يسوع سر الإفخارستيا وبه تغفر خطايانا ونُعطى حياة أبدية ونستمر كأعضاء ثابتة في جسد المسيح، لذلك يقول الرب يسوع "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو56:6).

 

سؤال في محبة لإخوتنا في المسيح مِمَّن ينكرون تحول الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دمه، ويقولون أن ما نتناوله هو مجرد رمز. يا ليتكم تكتبون نصًا كان لو قاله المسيح عن هذا السر لصدقتم أن ما يقدم هو جسد حقيقي ودم حقيقي. وأعتقد أنكم ستكررون نفس ما هو مكتوب في الإنجيل.

إن مَنْ ينكر التحول يكرر ما فعله تلاميذ المسيح الذين كانوا يتبعونه (هؤلاء ليسوا من الإثني عشر) حينما تكلم عن الأكل من جسده (يو6: 66).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثانيًا: الخلافات مع الكاثوليك حول سر الإفخارستيا:

أما الكاثوليك فهم يعترفون بأن سر الإفخارستيا يتم فيه التحول إلى جسد ودم المسيح. لكن لنا معهم بعض الخلافات:

1. هم يقدمون فطيرًا بدلًا من الخبز المختمر(1). وهم باختصار يقولون أن الخمير رمز للخطية وهذا حقيقي، ولأن المسيح بلا خطية فهم لا يستخدمون الخمير. ونقول بل ما نهتم به بالأكثر أن المسيح حقًا هو بلا خطية ولكنه حمل خطايانا وأماتها على الصليب، كما يدخل العجين المختمر إلى نار الفرن فتموت الخميرة.

2. هم يناولون الجسد فقط. بينما أن السيد المسيح قدم لتلاميذه الجسد والدم كلٌ على حدة. وهكذا نفهم من (1كو11). في هذا حكمة فنحن نتناول الجسد المكسور أولًا وبهذا نعلن أننا نقبل أن نموت مع المسيح، أي نقبل حياة الإماتة عن كل خطية، وهذا كأننا نقول مع الرسول: "مع المسيح صُلِبْتُ"... ثم نتناول الدم -والدم حياة- فَمَنْ يصلب نفسه مع المسيح يحيا مع المسيح. مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ (غل20:2). نموت عن الخطية ونحيا للمسيح. وكوننا نتناول الدم وحده منفصلًا عن الجسد ففي هذا إشارة لسفك دم المسيح إذ انفصل الدم عن الجسد. هذا إعلان عن الإيمان بالمسيح المذبوح. ونرى في العهد القديم أن شرب الدم كان محرما، والكتاب يقول "نفس الحيوان في دمه" وذلك لأن الحيوان يموت إذا فقد دمه. ومنع شرب الدم في العهد القديم كان لأن الله لا يريد للإنسان أن تدخل فيه حياة حيوان، لأنه أبقى للإنسان حياته هو نحيا بها أبديًّا. نحصل على هذه الحياة من الدم المحيي الذي فيه حياة المسيح. ونلاحظ أيضًا أن جسد المسيح هو جسد حي ومحيي مع أن الدم منفصل، وذلك لاتحاد اللاهوت بالجسد.

3. هم لا يناولون الأطفال فلماذا؟ والتناول فيه حياة وقيامة في اليوم الأخير وثباتًا في المسيح وغفرانًا للخطايا. فلماذا نحرم أطفالنا من كل هذا. ويردون قائلين: أن الأطفال لا يفهمون، ولكن الأطفال لا يفهمون المعمودية أيضًا فلماذا يعمدونهم.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) راجع الرد في كتب الأناجيل- الكتاب الرابع- أسبوع الآلام (مقال العشاء الأخير).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Coptic-Faith-Creed-Dogma/Coptic-Rite-n-Ritual-Taks-Al-Kanisa/13-HolySacraments__Fr-Antonios-Fekry/Holy-Sacraments__08-Eucharist-Protestants.html

تقصير الرابط:
tak.la/rb25n65