St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

357- ما معنى قول السيد المسيح للكتبة والفريسيين: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي" (مت 15: 5)؟ وهل قول السيد المسيح: "فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّه بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ... وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ" (مت 15: 6، 9) إشارة لتحريف الكتاب المقدَّس؟ وهل قول السيد المسيح: "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (مت 15: 11) يناقض ما جاء في العهد القديم من تحريم بعض الأطعمة (لا 11) ويعتبر نسخ لشريعة العهد القديم؟

 

س357: ما معنى قول السيد المسيح للكتبة والفريسيين: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي" (مت 15: 5)؟ وهل قول السيد المسيح: "فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّه بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ... وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ" (مت 15: 6، 9) إشارة لتحريف الكتاب المقدَّس؟ وهل قول السيد المسيح: "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (مت 15: 11) يناقض ما جاء في العهد القديم من تحريم بعض الأطعمة (لا 11) ويعتبر نسخ لشريعة العهد القديم؟ (راجع علاء أبو بكر - البهريز جـ 1 س380 ص261، جـ 2 س114 ص129، جـ3 س2 ص7).

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

ج: 1ــ تحدث السيد المسيح مع الكتبة والفريسيين باللغة التي يفهمونها، فلَّمح لهم بالتقليد المعروف بشريعة القربان دون أن يشرح معناه، لأنه كان معروفًا لدى الخاصة والعامة من الشعب اليهودي، ويدرك الفريسيون جيدًا معناه ومغزاه. وقد حار العلامة أوريجانوس في فهم وإدراك هذه العبادة التي نطق بها السيد المسيح (مت 15: 5) إلى أن شرحها له أحد اليهود، فإن من نذر شيئًا للَّه وللهيكل فلا يحق لأي إنسان أن يمد يده إليه، حتى أقرب المقربين إليه، ومهما كان احتياجهم، فقد صار هذا الشيء الذي نُذر "قربان" محرَّم على الجميع. وبينما أشاد الكتبة والفريسيون بتقليد الشيوخ، فإن السيد المسيح أوضح لهم هنا أن تعليم الشيوخ الذي يقدسونه قد يخالف أحيانًا الوصايا الإلهية، وأعطاهم مثلًا وهو أن اللَّه قد أوصى بإكرام الوالدين طبقًا للوصية الخامسة من الوصايا العشر، أما هؤلاء القادة فقد أوجدوا المبرر للتنصُّل من مسئولية الوالدين في كبرهما، ودعوا تقليدهم هذا بشريعة القربان وهو ليس شريعة ولا يتوافق مع روح الشريعة، واعتمدوا في تقليدهم هذا على فهمهم الخاطئ لما جاء في سفر العدد: "إِذَا نَذَرَ رَجُلٌ نَذْرًا لِلرَّبِّ أَوْ أَقْسَمَ قَسَمًا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِلاَزِمٍ فَلاَ يَنْقُضْ كَلاَمَهُ. حَسَبَ كُلِّ مَا خَرَجَ مِنْ فَمِهِ يَفْعَلُ" (عد 30: 2) ولم يلتفتوا إلى أنه في الأصل يجب أن يكون النذر صحيحًا، أما النذر الخاطئ فهو مرفوض، والفهم الخاطئ لهذا النذر هو الذي دفع يفتاح الجلعادي إلى تقديم ابنته ذبيحة بشرية... كيف ينذر الإنسان مالًا ووالديه هم في أمس الحاجة إليه، فيحرمهما منه ويقدمه قربان أو تقدمة للهيكل؟!! لقد أوجدوا المنفذ لأي إنسان يريد أن يتخلى عن مسئوليته تجاه والديه في كبرهما... فهل هذا يتفق مع الرحمة؟!! وأين الوصية: "أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً" (هو 6: 6)؟!!

ويقول "العلامة أوريجانوس": "إذ يسمع الآباء ما ينبغي تقديمه لهم صار من القربان المخصَّص للَّه يحجمون عن آخذه من أبنائهم، حتى وإن كانوا في عوز شديد لضرورات الحياة" (962).

ونلاحظ أن السيد المسيح لم يذم فضيلة العطاء وتقديم القربان، أي التقدمات، لأنه هو الذي أوصى بهذا، إنما أدان إهمال الوالدين بسبب تقليدات الشيوخ التي جاءت مضادة للوصية الإلهيَّة.

 

St-Takla.org Image: The Holy Bible book cover, by ScottishPerson. صورة في موقع الأنبا تكلا: الكتاب المقدس، غلاف، لسكوتيشبيرسون.

St-Takla.org Image: The Holy Bible book cover, by ScottishPerson.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الكتاب المقدس، غلاف، لسكوتيشبيرسون.

2ــ قضية تحريف الإنجيل قضية قديمة فاسدة عفا عليها الزمان، لأنها بلا حجة ولا سند، وقد سبق مناقشة هذه القضية بشيء من التفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد ــ عهد قديم - جـ 5 س314 - س315 - س316 - س317 - س318. وعندما قال السيد المسيح للفريسيين وعنهم: "وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ " كان يقصد تعاليم وتقاليد الشيوخ التي جاءت ضد روح الشريعة، والتي تمسك بها اليهود، وأهملوا العمل بوصية اللَّه، وهذا معنى " أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّه "، ويقول "متى هنري" عن الذين تمسكوا بتقليد الشيوخ أكثر من الوصية الإلهيَّة: "لقد نادوا بأن هذه حجة مقبولة وشرعية، وقد تمسك بها الكثيرون من الأبناء العاقين، فبرروهم فيها وقالوا لقد تحررتم من إعالة والديكم. بل لقد ذهب البعض إلى مدى أبعد فقالوا: حسنًا فعلتم، وأن أيامكم لتطول على الأرض، وأنكم إنما قد أتممتم الوصية الخامسة. وإن إدعاء الغيرة الدينية ليجعل عدم إعالة الوالدين لا أمر مقبولًا فحسب بل أيضًا ممدوحًا. على أن سخافة بل شناعة هذا التقليد واضحان كل الوضوح. لأن الديانة قد قُصد بها تدعيم لا هدم الديانة الطبيعية، التي من ضمن قواعدها الإنسانية إكرام الوالدين. ولو كانوا قد عرفوا معنى هذا القول السديد " إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً " لما وضعوا أشر القواعد لهدم إلزام الواجبات الأدبية. وهذا هو معنى " أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّه "..

والذين يتغاضون عن ناموس اللَّه هم في عُرف المسيح ينقضونه ويبطلونه " أن من نقض الوصايا " شرير، أما " من علم الناس هكذا " كما فعل الكتبة والفريسيون فهو أشر (مت 5: 19) وما المنفعة من إعطاء الوصية إن لم تطع؟ لأنهم " نَقَضُوا شَرِيعَتَكَ" (مز 119: 126)، لم يخطئوا ضد الوصية فقط بل أيضًا نقضوها من أساسها، ولكن شكرًا للَّه فأنه رغمًا عنهم وعن تقليدهم لا زالت الوصية قائمة في ملء قوتها وتأثيرها" (963).

 

3ــ عندما كان الإنسان في مرحلة الطفولة الروحيَّة أراد أن يعلمهم التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، بين ما يليق وما لا يليق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكأطفال علمهم عن طريق الأطعمة، فحرَّم عليهم أكل بعض الأطعمة مثل لحوم الوحوش والنسور والرخويات (لا 11)، فعن طريق الأطعمة المحسوسة علَّمهم التمييز بين الأمور الصحيحة والأمور الخاطئة، وأيضًا عندما يلتزمون بمثل هذه الوصايا يصيرون مميَّزون عن شعوب الأرض. فتحريم بعض الأطعمة كان يمثل مرحلة مؤقتة للمبتدئين، والطعام في حد ذاته لا يؤثر على روح الإنسان ولا عواطفه ولا سلوكياته سواء بخير أو بشر، فنوع الطعام لا يُفسد ولا يُصلح روح الإنسان، ولا يلوث عواطفه ولا يدنس سلوكياته، ما دام الإنسان يتناول طعامه بشكر واعتدال، ولذلك قال السيد المسيح: "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (مت 15: 11).

وفي العهد الجديد عندما تجسَّد اللَّه وحلَّ بيننا ووهبنا روحه القدس الذي يعلمنا ويرشدنا وينير أذهاننا، ووصلت البشرية إلى مرحلة النضوج لم تعد في احتياج أن تتعلم ما هو صواب وما هو خطأ عن طريق الأطعمة، ولا يعد هذا نسخ لشريعة العهد القديم، إنما هو خطوة متقدمة للوصول لطريق الكمال المسيحي، ومن أجل هذا غيَّر اللَّه فكر بطرس الرسول وهو يهودي حتى النخاع عن طريق رؤية الملاية النازلة من السماء وحوت دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء، وكان بطرس جائعًا، وسمع الصوت: "قُمْ يَابُطْرُسُ اذْبَحْ وَكُلْ" (أع 10: 13)، فاستعفى بطرس بشدة وقال: "كَلاَّ يَارَبُّ لأَنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئًا دَنِسًا أَوْ نَجِسًا" (أع 10: 14) فسمع الصوت قائلًا: "مَا طَهَّرَهُ اللَّه لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ" (أع 10: 15). وكان هذا على ثلاث مرات علامة التأكيد، وقال معلمنا بولس الرسول:

† " إِنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا نَجِسًا فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ" (رو 14: 14).

† " لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللَّه أَكْلًا وَشُرْبًا" (رو 14: 17).

† " مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللَّه لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ... لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللَّه جَيِّدَةٌ وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ. لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللَّه وَالصَّلاَةِ" (1 تي 4: 3 - 5).

" كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ" (تي 1: 15).

ويقول "دكتور وليم إدي": "ولم يقصد المسيح هنا أن ينسخ الشريعة الموسوية من جهة تمييز الأطعمة، بل أراد إصلاح الخطأ الذي وقع فيه اليهود كما ذكرنا، وبيان أن روح الإنسان لا تتنجس بنوع من المأكولات. فلا شيء من الأطعمة يمكنه أن يُنجّس أدبيًا، ولا يمكن ذلك غيره من الخارجيات، فالنجاسة الأدبية تتوقف على حال القلب لا حال الجسد" (964).

والسيد المسيح لم يدن التلاميذ لأنهم أكلوا بأيدي غير مغسولة، بل دافع عنهم، لأنه بدأ عهدًا جديدًا مع الإنسان، ولم تعد هناك ضرورة لنظام النجاسة الطقسية، فيقول "وليم مكدونالد": "وبهذا مهد مُعطي الشريعة الطريق لإبطال كل النظام الخاص بالنجاسة الطقسية، فقال أن الطعام الذي أكله تلاميذه بأيدٍ غير مغسولة لم ينجّسهم، ولكن رياء الكتبة والفريسيين كان مصدر النجاسة الحقيقية" (965).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(963) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 2 ص11.

(964) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل - جـ 1 شرح بشارة متى ص250.

(965) تفسير العهد الجديد جـ 1 ص112.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/357.html

تقصير الرابط:
tak.la/6gw8cwn